آخـــر الـــمـــشـــاركــــات

+ الرد على الموضوع
النتائج 1 إلى 6 من 6

الموضوع: تسليط الأضواء على ترجمة الشعراء

  1. #1
    عـضــو
    تاريخ التسجيل
    29/09/2013
    المشاركات
    27
    معدل تقييم المستوى
    0

    تسليط الأضواء على ترجمة الشعراء

    تسليط الأضواء على ترجمة الشعراء


    تتردد في الأوساط الأدبية والترجمية مقولة وهي أن أفضل من يترجم الشعر هو الشاعر وذلك لقربه من هذا اللون الأدبي ومعرفته ببواطنه وأسراره وتملكه للأدوات الشعرية. وقد تجذر هذا الرأي في أوساط الأدباء والمترجمين بل والقراء كذلك حتى أصبح من المسلمات! ولكن يجدر بنا هنا أن نطرح تساؤلا مهما : هل حقا أن أفضل من ينقل الشعر هو الشاعر؟ بعبارة أخرى: هل من يترجم الشعر لابد أن يكون شاعرا في الأساس؟

    أقول ، مستعينا بالله ، إن انتشار هذا الرأي مرده إلى التركيز على الجانب الفني للترجمة وتجاهل الجانب المعياري لها. إن للترجمة قوانين خاصة تختلف باختلاف طبيعة النص المترجم وقوانين عامة لابد من إتباعها بغض النظر عن نوع النص المترجم. وهنا تكمن المشكلة : فالمترجم – الشاعر عند نقله للشعر يسلم نفسه لخياله الشعري ويطلق العنان لإحساسه الفني ، فتجده منقادا عوضا عن أن يقود هو هذا الخيال وهذه الأحاسيس! وهذا بالطبع يؤدي إلى إنتاج نص شعري مترجم يختلف كثيرا عن النص الأصلي عند مقارنتهما. فتجد أحيانا أن المترجم – الشاعر يستبدل بعض الصور الشعرية والتراكيب البلاغية الموجودة في النص الأصلي بصور وتشبيهات وتراكيب اللغة التي ينقل إليها ، أي انه يسبغ على النص صبغة محلية مما يعطي المتلقي تصورا مغلوطا عن الثقافة التي ينتمي لها النص الأصلي ، وهذا الأمر يتعارض تماما مع أمرين مهمين في علم الترجمة : أولهما – أنه يتعارض مع إحدى أهم وظائف الترجمة ألا وهي التعريف بثقافات الشعوب ألأخرى وفنونها و ادابها. الأمر الثاني – ينسف أحد أهم الشروط الواجب توفرها في النص المترجم وهو : ضرورة ألا يحتوي نص الترجمة على مكونات ثقافية أو قومية هي من خصائص الشعب المتلقي للترجمة. فضلا عن ذلك ، عندما يقوم المترجم بهذا الفعل فانه بهذا يخلع عباءة المترجم ويرتدي عباءة المؤلف ، إذ أنه أوجد مضمونا جديدا! وهذا مما لا ينبغي للمترجم الإقدام عليه .

    ومما يكثر لدى الشعراء الذين يقومون بالترجمة هو حرصهم على الترجمة الشعرية ، أي نقل الشعر بالشعر ، وهذا يضطرهم إلى إجراء تغييرات كبيرة على بنية النص الأصلي ومحتواه لكي يكون النص المترجم موزونا ومقفى. إذ أنهم لو قاموا بترجمة النص الأصلي كما هوا ، فمن الصعب بل من المستحيل أن يكون النص المنتج شعريا ، أي يمتلك خصائص النص الشعري من وزن وقافية وإيقاع داخلي وجرس موسيقي. هذا يعني ، أنهم يضحون بالمحتوى سعيا وراء القافية وهذا الأمر يؤدي إلى إنتاج نص " نحر" فيه المحتوى بهدف الشعرية . وهنا تكمن المشكلة : فاستبدال المفردات في ترجمة الشعر يؤدي في الغالب إلى تغيير المعنى وهو المحظور ، لأن المترجم الشاعر عندما ينقل فهو محدود الحرية و مكبل بالوزن و القافية ، فيختار كلمات تتفق مع الوزن و القافية و تختلف في اغلب الحالات مع مفردات النص الأصلي. إن خطورة النص الشعري المنقول باستخدام الشعر تكمن في أن التراكيب فيه تلتهم المعاني الأصلية وهي الأساس وتنتج محتوى جديد ، وهذا يعني ببساطة : أن المترجم – الشاعر يقدم شروط الشعرية على النص الأصلي ، أي أنه لا ينطلق في ترجمته من النص الأصلي ، وهو الأساس ، بل يترجم واضع نصب عينيه الوزن و القافية. وهذا يجعلنا نطرح تساؤلا : أين الترجمة هنا؟! فما يقوم به هو عبارة عن تأليف و ليس ترجمة . وهنا موضع الإشكال و الاعتراض ، لأنك في الواقع ستقرأ شعر المترجم (الشاعر) وليس إبداع الشاعر الأصلي.

    ولكي يتضح المقصود ، سأستشهد بأحد أعلام الشعر في العصر الحديث ألا وهو الشاعر المصري أحمد رامي الذي قام بترجمة بعض رباعيات الخيام . ففي إحدى ترجماته نجد الشطر التالي:

    غدا بظهر الغيب و اليوم لي


    بيمنا الترجمة المفرداتية الدقيقة للنص الأصلي ، كما ذكر المتخصصون في اللغة الفارسية ، هي كالتالي :

    اليوم في يدك (متناول يدك) أما غدا فلا


    وبمقارنة الترجمتين نجد أن ترجمة رامي تختلف عن الترجمة الدقيقة في موضعين. الموضع الأول : استخدم رامي تعبير : ظهر الغيب ، وهو تعبير بلاغي جميل ولكنه غير موجود في النص الأصلي الذي تعبر فيه فكرة عدم امتلاك المستقبل بأسلوب لغوي مباشر باستخدام حرف النفي: لا
    وهذا الأمر يخالف قاعدة مهمة من قواعد الترجمة وهي نقل المعنى البرغماتي للمفردة والذي يقصد به السمات الأسلوبية والبلاغية لهذه الكلمة أو تلك سواء كانت هذه السمات سلبية أو ايجابية. وتنص هذه القاعدة على انه يمنع نقل كلمة مباشرة لا تتميز بأي سمة بلاغية أو أسلوبية باستخدام كلمة ذات خصائص بلاغية أو أسلوبية. إن عدم الالتزام بنقل المعنى البرغماتي والاكتفاء بالمعنى الدلالي يؤدي إلى إحداث خلل في التأثير التواصلي.

    الموضع الثاني : الخلل هنا ، بالمناسبة ، يأتي معاكسا للخلل في الموضع الأول. يحتوي النص الأصلي على صورة بلاغية لطيفة وهي: اليوم في متناول يدك ، ولكن رامي ترجمها ترجمة مباشرة : اليوم لي . إن استبدال كلمة ذات خصائص بلاغية بكلمة مباشرة لها نفس الدلالة هو من الأمور المسموحة في الترجمة إذا كانت الكلمة الموجودة في النص الأصلي ليس لها مقابل في اللغة المنقول إليها يحمل نفس الخصائص الأسلوبية أو البلاغية. ولكن في حالتنا التي نقوم بتحليلها ألان نجد أن المنظومة البلاغية للغة العربية تسمح باستخدام نفس الصورة البلاغية ، ولهذا فقد كان من الواجب استخدام المجاز في النص العربي ليتطابق مع المجاز الموجود في النص الأصلي مما يجعل متلقي النص الأصلي ومتلقي النص المترجم على نفس الدرجة من إمكانية التعرض للتأثير البرغماتي الذي أسميناه في مقالة سابقة "تكافؤ الاستيعاب" . ولكن أحمد رامي ضحي بهذه الصورة المجازية لاعتبارات القافية (فضلا عن قيامه بتغيير صيغة الخطاب) لكي تتطابق مع قافية الشطر الأخر من البيت :

    وكم يخيب الظن في المقبل


    وهنا تكمن مشكلة أخرى عندما يقوم الشاعر بالترجمة ، وهي أنه يلوي عنق النص سعيا وراء الجرس الموسيقي والقافية مضحيا بالمحتوى ، أي بالمفردات المكونة للنص الأصلي. وهذا يؤدي إلى إيجاد نص "هجين" الكلمات فيه إما كلمات مقابلة لكلمات النص الأصلي أو كلمات "مستبدلة" ، وهي الأكثر، لضرورة الوزن والقافية مسكوبة في قوالب الشعر المحلي!

    وهنا ينشأ سؤال : هل هذه هي الترجمة؟! بالطبع لا ، لأن هذا الأمر هو عبارة عن إعادة تأليف بل ومساهمة في التأليف مع الكاتب الأصلي! إذا أراد المترجم – الشاعر أن يبدع فليبدع ولكن ليس "بتحريف" إبداعات الآخرين بل بشعره الخاص به! وكما رأينا ، فان ترجمة الشعر بالشعر تؤدي إلى خلل كبير في معايير الترجمة ، والأدهى أنها تحدث تغيرات "كارثية" في منظومة معاني النص الأصلي ، وهذا الأمر ، أعتقد أن الجميع يتفق معي ، ينافي أبجديات الترجمة ، فضلا عن قوانينها .

    عندما نقرأ نصا شعريا مترجما فإننا أمام أحد نصين : نص بعيد عن المحتوى الأصلي مبنى و معنى (في أغلب أجزاءه) ، ولكنه شعري ، أي تتوفر فيه شروط النص الشعري الرئيسية من وزن وقافية وهو ما ينتجه المترجم – الشاعر في الغالب ، ونص "غير شعري" ولكنه دقيق من الناحيتين الدلالية و البنيوية . أمام هذين الخيارين المغرقين في التنافر أجدني أميل و بشدة ، وذلك انطلاقا من مبادئ الترجمة و قوانينها ، إلى الطريقة الثانية. أعتقد ، والعلم عند لله ، أنه لكي تقوم الترجمة بوظيفتها الرئيسية ولكي يكون محتوى النص الأصلي والمترجم قريبين لابد أن يترجم الشعر نثرا ، لأنه يحافظ على المعنى و المبنى مما يعطي تصورا صحيحا و دقيقا عن إبداع كاتب النص بل وعن الإرث الثقافي الذي ينهل منه . وتجدر الإشارة هنا ، إلى أنه من الأمور المشاهدة في ترجمة الشعر بالنثر أنه قد تظهر في بعض أجزاء النص المترجم قافية "طبيعية" ، أي أنها من نسيج النص الأصلي وليست جسما غريبا . وهذه القافية "الطبيعية" يمكن بلوغها ، على سبيل المثال : بتقديم كلمة و تأخير أخرى .

    وخلاصة القول : كلما نقل الشعر نثرا كان أقرب إلى روح النص الأصلي ومحتواه ، وإذا ترجم شعرا ارتدى حلة لا تشبه حلة المصدر!

    وختاما أقول : إذا أراد الشاعر أن يترجم الشعر فليلتزم بقواعد الترجمة وهذا مما أشك فيه كثيرا لطبيعة الشاعر المتمردة التواقة إلى التحليق! وليعذرني الشعراء ولكنها الترجمة ونواميسها!


  2. #2
    طبيب، أديب وشاعر
    تاريخ التسجيل
    08/07/2010
    المشاركات
    14,211
    معدل تقييم المستوى
    28

    افتراضي رد: تسليط الأضواء على ترجمة الشعراء

    قراتُ هنا واستمتعتُ ، شكرًا للدكتور بدر ،

    وتحياتي .


  3. #3
    عـضــو
    تاريخ التسجيل
    29/09/2013
    المشاركات
    27
    معدل تقييم المستوى
    0

    افتراضي رد: تسليط الأضواء على ترجمة الشعراء

    يسعدني ذلك أخي الكريم


  4. #4
    أستاذ بارز الصورة الرمزية نزار سرطاوي
    تاريخ التسجيل
    21/05/2010
    المشاركات
    404
    معدل تقييم المستوى
    14

    افتراضي رد: تسليط الأضواء على ترجمة الشعراء


    الشكر الجزيل أخي الدكتور بدر على المقالة الرصينة.
    دام عطاؤك


    أنا لا أتحدّى القدر
    وإذا ما تحديته
    فالتحدّي قدر
    وإذا ما انتصرت على بصمات القدر
    فانتصاري قد
    ر


  5. #5
    عـضــو
    تاريخ التسجيل
    29/09/2013
    المشاركات
    27
    معدل تقييم المستوى
    0

    افتراضي رد: تسليط الأضواء على ترجمة الشعراء

    اشكرك ، حفظك الباري


  6. #6
    عـضــو الصورة الرمزية محمد هاشم الشعراوي
    تاريخ التسجيل
    10/05/2015
    المشاركات
    26
    معدل تقييم المستوى
    0

    افتراضي رد: تسليط الأضواء على ترجمة الشعراء

    أستاذي العظيم المحترم,أتفق مع حضراتكم في ضرورة نقل النص الأدبي,وخصوصا الشعري,نقلا أسلوبيا لغويا ودلاليا ,لكن أعتقد أننا نستطيع نقل القصيدة مبنا ومعنا (أي أنقل المعني المقصود قدر المستطاع ,لكن أيضا الشكل والقافية لها دور ,في رأيي, ليس بمهين ,و أعتقد أنني إن ترجمت الشعر نثرا ,لاأجد من يقرألي ولاأجد نفسا تميل إلي النثر أكثر مما أجد من يميل إلي الشعر والكلام الموزون المقفي.ماذا لو استطاع المترجم الشاعر أن يجمع بين الشيئين:المحافظة علي النص بنية وأسلوبا ودلالة وأيضا صبغع بصبغة شعرية تتوق لها النفس كي تنجذب إليه.........هذا رأي من طالب بسيط جدا ومبتديء وأتعلم الترجمة الأدبية وخصوصا الشعريه ولي 3محاولات فقط (فأنا أحبو في هذا المجال)حتي الآن في ترجمة القصائد الإنجليزية .فأفقبلوا مني الكلام فأنا أعلم أنه قد يكون خطأبرمته,لكنها رؤية شخصية متواضعة جدا.....


+ الرد على الموضوع

الأعضاء الذين شاهدوا هذا الموضوع : 0

You do not have permission to view the list of names.

لا يوجد أعضاء لوضعهم في القائمة في هذا الوقت.

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

المفضلات

المفضلات

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •