«جنيف 2»
خطة ممنهجة وتداعيات خطرة


تحدٍّ سافر لرافضي «جنيف 2» وتهديد بتهميشهم، وتحريض الطمع في نفوس الساعين إلى مناصب في دولة المستقبل.

إخراج المسيحيين والنصيريين من مناطقهم بصفة لاجئين تمهيداً لتدمير شامل برعاية دولية.

أوباما: سنحارب «الإرهاب» من خلال الاعتماد على أطراف أخرى بدلا من إرسال قوات أمريكية للقيام بهذا العمل.

قد تبدو النقاط الثلاث أعلاه غير مترابطة، فلا تصلح لأن تكون محور مقال واحد. ولكن لو دققنا النظر في ترتيبها لتكون أحداثا متتابعة على الساحة السورية لوجدناها مترابطة ضمن خطة واحدة ومتسلسلة في هذه الصورة تماماً. وسنوضح ذلك بالتفصيل.

الإغراء والتهميش:

صرح نائب رئيس وزراء النظام (قدري جميل) الخميس بعد محادثات في الخارجية الروسية في موسكو أن «جنيف ٢» سيعقد في الـ٢٣ والـ٢٤من تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل، وقال إن المؤتمر يمثّل مخرجاً للجميع سواء الأميركان أم الروس أم النظام السوري أم المعارضة. وأضاف: «إن من يدرك هذا أولاً سيستفيد، أما من لا يدرك ذلك فسيجد نفسه خارج العملية السياسية».
ومن خلال حديثه يتضح لنا ما يلي:
1- هناك محاولة لشق صف المعارضة بإغراء ضعاف النفوس والطامعين في مناصب وتحذيرهم إن لم يلتحقوا بجماعة «جنيف2» فسيجدون أنفسهم «خارج العملية السياسية» وبذلك سيحدث خلاف يتبعه انشقاق في الصف وغربلة لمن يمكن استمالتهم بالمغريات.

2- استقطاب الأطراف غير الشريفة - بعد الغربلة - للاتفاق معها في المؤتمر على الصيغة التي يضعها النظام وتضمن لهؤلاء ما يسيل له لعابهم من مكاسب على حساب الثورة.

3- استبعاد المعارضة الشريفة من المشاركة في الحوار ووضع رؤية لمستقبل سورية وذلك من خلال الاتفاق مع من يشارك في المؤتمر بمسمى المعارضة الاكتفاء بهم ممثلين للمعارضة كلها.

4- هناك أشخاص من المعارضة تم إعدادهم والتنسيق معهم لتمثيل هذا الدور متذرعين بحقن الدماء ووضع حد لمعاناة الشعب ووقف تدمير البلد. وسيلتحق بهم من الرعاع من يتبع كل ناعق، ولكن يبقى الدور الفاعل لمن اتفق معهم النظام سرا عبر وساطة دولية.

5- ظهور النظام أمام العالم في مظهر الحريص على أمن واستقرار البلد وأمن الوطن وحواره مع المعارضة والخروج برؤية متفق عليها.

6- بعد الاتفاق مع هذه الشرذمة تطلب من الكتائب التابعة لها والتي تتلقى الدعم من طريقها إلقاء السلاح والالتزام بالاتفاق، ويتم تصنيف الذين يتابعون القتال في الداخل على أنهم إرهابيون يستهدفون أمن الوطن ويقتلون الأبرياء وليسوا من المعارضة، بل إن المعارضة بريئة منهم.


تهيئة البلد لحرب شاملة:

وقع (17) بلداً من بينها أميركا على برنامج المفوضية العليا لاستقبال (10 آلاف) لاجئ سوري. وأعربت المفوضية عن أملها في أن تستقبل الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي (10 آلاف) لاجئ في 2013 و(30 ألفاً) في 2014.
وقد أعلنت فرنسا قبولها (1200 لاجئاً).
وأستراليا قررت استقبال (500 لاجئ).
وألمانيا عرضت استقبال (5000 لاجئ(.
أما روسيا «الشيوعية» فأعلنت أن حوالي (50 ألف) سوري «مسيحي» طلبوا الجنسية الروسية حماية من العنف الذي يرتكبه المسلحون «الإرهابيون» في سوريا «المدعومون من الغرب».
وهنا يتضح أن ثمة خطة دولية منظمة لإخلاء مناطق الحراك ونقاط تمركز الكتائب من فئات من الناس لهم دول خارجية تغار عليهم فيما إذا حصل تدمير شامل وقصف عشوائي لمناطق يسكنون فيها، وترفض هذه الدول تنفيذ الخطة قبل تأمينهم عبر مشروع «اللجوء ومنح الجنسيات». ومعظم هذه الفئات - كما يتضح من تصريح روسيا – «مسيحيون». والغريب أن هؤلاء المسيحيين لم يطلبوا الجنسية من دول مسيحية وإنما من روسيا الشيوعية! فهي الدولة التي يرخص عندها الكذب أكثر من غيرها، فبعض الدول لا يطلق مسؤولوها تصريحات بهذا الحجم كي لا يفقدوا صدقيتهم أمام شعوبهم إذا طولبوا بإثباتات، إضافة إلى استبعاد النظرة «الطائفية» فيما لو أعلنت هذا دولة مسيحية، وهذا كله من ضمن الخطة الدولية. والفئة الأخرى هي «النصيريون» الذين يسكنون في المواطن الخطرة المستهدفة.

محاربة المجاهدين بتهمة الإرهاب:

وقد مهد لذلك أوباما الذي في قال أول خطاب لحال الاتحاد في الولاية الثانية: «إن واشنطن ستدعم اليمن والصومال وليبيا لتحقيق الأمن ومجابهة الإرهابيين على أراضيها، كما ستساعد حلفاءها في مساعيهم لهزيمة الإرهابيين كما يحدث في مالي» منوهاً بسعيه مواصلة سياسته في محاربة «الإرهاب» من خلال الاعتماد على أطراف أخرى بدلاً من إرسال قوات أمريكية للقيام بهذا العمل. أي الاعتماد على الحكومات بدعمها وتسليحها وتمويل حربها على أبنائها لمصلحة أميركا وبالتالي مصلحة إسرائيل. وإن كان ذكر في خطابه ليبيا واليمن ومالي والصومال، ولم يذكر سورية بينها على رغم أن أميركا ألحقت «جبهة النصرة» السورية بقائمة الإرهاب؛ فذلك موقت كي لا يتضح موقف أميركا من النظام السوري، ولتبقى محسوبة في منطقة الحياد إلى أن يتم اتفاق «جنيف2»! وبعد اتفاق «المعارضة الاصطناعية» مع النظام واعتبار الكتائب المقاتلة إرهابيين، يتم تصنيفهم عالمياً بمبادرات روسية وجهود أوربية – عربية «إرهابيين»، وتوافق أميركا على ذلك التصنيف بعد تمثيليات عدة. بعد ذلك يمتلك النظام الدعم المادي والمعنوي والسياسي «العالمي» في حرب مشروعة ضد إرهابيين جاؤوا من العراق وتونس والجزائر وليبيا وأفغانستان وغيرها لزعزعة أمن بلاده.


والسؤال الذي يطرح نفسه:

هل يقاطع الشرفاء «جنيف2» ويتركوا «المعارضة الاصطناعية» تخوض التمثيلية ضمن الخطة العالمية؟
أم يقطعون عليهم الطريق ويخوضون المعركة السياسية بقوة متآزرين على أسس ثابتة يتفقون عليها قبل خوض غمارها؟
الإجابة معقدة، وتدخل في متاهات لأن المعارضة كلها منقسمة، وكثير من أطرافها يخاف تسلط الأطراف الأخرى على مستقبل الدولة. فما الحل إذاً؟

كنا في السابق نقول الحل بيد الداخل، والمجلس أو الائتلاف أو أي تشكيل خارجي غير مرضي عنه داخلياً تسقطه لافتات المتظاهرين. أما اليوم فالمشكلة تعقدت ودخل في الثورة أطراف غير سوريين، وهذه ستكون ذريعة دولية لرفض احتجاجات الداخل وربطها بالجماعات الإرهابية!


الحل في قوله تعالى:

«وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ‏».
[الأنفال: 46]

ومن هنا أوجه النداء إلى المعارضة الشريفة النظيفة النقية في منهجها وفي رؤيتها وفي فكرها أن توحد صفها، وتضع أيديها بأيدي بعضها، فإن فعلت ذلك فبوسعها خوض معركة «جنيف2» بقوة تسحب بها البساط من تحت «المعارضة الاصطناعية» والنظام السوري والنظام العالمي، وتفشل خطتهم؛ فنجاحهم مرهون بفشلنا، وفشلنا نتيجة حتمية لتنازعنا، ونجاحنا مرهون بوحدة صفنا. ألا هل بلغت؟ اللهم فاشهد.

مصطفى الزاي
د