متى نتصرف مثل فانواتو ؟؟؟



كاظم فنجان الحمامي

فانواتو: دويلة أرخبيلية صغيرة جدا من دول المحيط الهادي, أصغر من ضواحي مدينة الفاو بعشر مرات(1), وأصغر من دولة البحرين بأكثر من (62) مرة(2), ظهرت إلى سطح الأحداث بعد عام 1980, فأصبحت منذ ذلك التاريخ عضواً رسمياُ في الجمعية العمومية للأمم المتحدة.
يبلغ تعداد سكانها الأصليين ثمانية آلاف نسمة فقط, وهم أقل من نفوس مدينة الفاو بأكثر من خمس مرات(3). تقع فانواتو خارج ظلمات المحيط الهادي في مكان يبعد عن اليابسة حوالي 1750 كيلومتراً, وهي أقرب النقاط المواجه لها من الطرف الشمالي الشرقي لأستراليا, وربما تكون جزر سليمان أقرب الجزر المحيطية المجاورة لها من بعيد.
نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
من فيكم يصدق أن هذه الجزيرة الفقيرة الصغيرة, التي لا يزيد قطرها على طول شارع من شوارع الفاو, ولا تزيد مساحتها على قطعة بسيطة من الأرض المخصصة للمدينة الرياضية في البصرة(4), من فيكم يصدق أن هذه الدويلة خاضت أعنف المعارك القضائية الدولية في الذود بالدفاع عن خطوطها الساحلية, واستطاعت أن تتقدم بشكوى ضد الولايات المتحدة الأمريكية, التي تعد القطب الدولي الأخطر لقوى الشر في كوكب الأرض, فعلى الرغم من ضعفها وقلة حيلتها وتردي أوضاعها, استطاعت أن تحرج حكومة البيت الأبيض, وتسوّد عيشتها في المحاكم الدولية, من دون أن تعتدي عليها أمريكا, ومن دون أن تفرض عليها الحصار الاقتصادي, ومن دون أن تقصفها بصواريخ توماهوك, ومن دون أن تدنس أرضها, أو تنهب ثرواتها, أو تسرق متاحفها, أو تنتهك محرماتها, أو تُسيء إلى حكومتها, ومن دون أن تمر بسواحلها الفرقاطات والغواصات والحاملات والمدمرات الحربية الأمريكية, ومن دون أن تقترب جرذان المارينز من شواطئها.
كل القصة وما فيها, أنه وفي أواخر عام 2003, وأثناء انعقاد مؤتمر قمة الأرض بمدينة جوهانسبرغ, أعلنت حكومة جزيرة فانواتو أنها بصدد رفع دعوى قضائية ضد وكالة حماية البيئة في الولايات المتحدة لأسباب تتعلق بالاحتباس الحراري.
تقع جزيرة فانواتو على ارتفاع بضعة أقدام فوق مستوى سطح البحر, ويعاني مواطنوها من خطر التهجير بسبب ارتفاع منسوب مياه المحيط الهادي, كنتيجة مباشرة للاحتباس الحراري, ولما كانت أمريكا تمتلك أكبر المعامل والمصانع, وتنبعث منها كميات هائلة من غاز ثاني أكسيد الكربون, فأنها تعد المتسبب الأكبر في مشاكل الاحتباس الحراري, الذي يعد العامل المباشر في انكماش وإغراق سواحل جزيرة فانواتو Vanuatu, وبالتالي فأن أمريكا هي المتسبب الأول في تدمير السواحل الفانواتوية.
وما أن سمع الصندوق القومي الأمريكي لتنمية المصادر البيئية بالدعوى القضائية(5), التي رفعتها حكومة فانواتو ضد أمريكا حتى أعلن تضامنه مع شعب الجزيرة الفقيرة, وأُشيع عام 2004 أن (جورج مورتون George Morton)(6) سوف يقوم بتمويل الدعوى, التي كان من المتوقع أن تتكلف أكثر من (8) ملايين دولار, ثم سارت وقائع القضية في مسارات منحرفة بعد اختفاء (جورج مورتون) في ظروف غامضة.
نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
وفي ضوء هذه الأحداث الدولية المثيرة للجدل انبرى الكاتب الأمريكي الاستقصائي (مايكل كرايتون Michael Crichton) لهذا الموضوع, وكتب روايته الشهيرة (حالة رعب State of Fear), وهي رواية من الخيال السياسي, تناول فيها مخاوف المهتمين بالبيئة البحرية, وظروف الشعوب المنكوبة, التي ظلت ترزح حتى يومنا هذا تحت وطأة الاختلال الطبيعي للأرض, بسبب الثورات الصناعية ومضاعفاتها وتداعياتها.
نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
لقد أعطى كرايتون تعريفاً جديداً لمشاكل الأضرار الساحلية في البلدان الفقيرة, وجعلها محور النقاش بين أبطال روايته من أجل الوصول إلى إنقاذ شعب جزيرة فانواتو من الانكماش الساحلي, الذي بات يهدد سواحل تلك الجزيرة الصغيرة الفقيرة.
وهنا لابد لنا من التساؤل, فنقول: متى نرفع دعاوانا القضائية ضد الذين نصبوا أكثر من عشرين سداً عملاقا فوق منابع دجلة والفرات بهضبة الأناضول وحرموا العراق من استحقاقاته الإروائية ؟. ومتى نرفع دعاوانا القضائية ضد الذين قطعوا روافدنا الشرقية وتسببوا في موت انهار الوند وهوشياري والسويب والكرخة؟, ومتى نشتكي في المحافل الدولية ضد الذين تسببوا في ارتفاع ملوحة شط العرب ؟, ومتى نشتكي في محكمة العدل الدولية ضد الذين أصدروا القرار الجائر (833), وسمحوا للكويت ببسط سيطرتها على مياهنا الوطنية في خور عبد الله ؟, ومتى نشتكي في المحاكم الدولية ضد الذين تمددوا وزحفوا باتجاه سواحلنا ؟, ومتى نذود بالدفاع عن استحقاقاتنا السيادية في بحرنا الإقليمي المتقهقر نحو الداخل ؟. ولماذا نتنازل عن حقوقنا الساحلية بهذه البساطة لحساب دول الجوار ؟.
نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
فانواتو: جزيرة صغيرة ظهرت للوجود بعد اندلاع الحرب العراقية الإيرانية (عام 1980). لا يزيد تعداد سكانها على عِشر مِعشار أعداد طواقم صيد الأسماك العراقية, الذين حرمتهم دول الجوار من ممارسة مهنة الصيد في عرض البحر.
دولة صغيرة جداً بحجم البعوضة تسببت في توجيه أقوى اللدغات القاتلة لدولة أخرى بحجم الديناصورات الخرافية. وأن من البعوض ما يقصم ظهور الجبابرة, ويكسر شوكة الأكاسرة, فمتى نتصرف مثلما تصرفت فانواتو ؟.
أفتونا مأجورين بارك الله فيكم قبل أن نلجأ إلى فانواتو لنستفتي عند الفانواتيين


(1) مساحة فانواتو تساوي (12) ألف كيلومتراً مربعاً, ومساحة مدينة الفاو وضواحيها تساوي (120) ألف كيلومتراً مربعاً, أما مساحة التخطيط الأساس لمدينة الفاو وحدها, فيساوي (25) ألف كيلومتراً مربعاً.
(2) مساحة البحرين 750 كيلومتراُ مربعاً.
(3) نفوس مدينة الفاو حوالي (45) ألف نسمة بموجب سجلات البطاقة التموينية.
(4) مساحة المدينة الرياضية في البصرة تساوي 456 دونم. الدونم يساوي 2500 متراً.
(5) وهو أكبر تجمع أمريكي نشط, يُعرف اختصاراً باسم (نيرف).
(6) وهو أحد محبي الأعمال الخيرية, وله إسهامات كثيرة في مساندة قضايا البيئة.