كانت طائرات العدو في تلك الليلة تغطي سماء المدينة.. وكأنها نسور جارحة تحوم حول جيفة في أدغال افريقيا..بدأ سرب منها واجمآ في مكانه..لحظات وتتالت صواريخها شهبانآ من النيران تنفجر، مخترقة جدار الصمت..إهتزت نوافذ البيوت..هرعت النسوة و الأطفال عبر السلالم المظلمة.. تعثرت إحداهن وإنزلقت رجلها فأصيب كوعها بشرخ إستدع نقلها للمستشفي..كانت أمي جالسة على سجادتها بعد أن أدت صلاة الشفع والوتر.. تأبي أن تبرح مكانها، تهلل وتحولق وتستغفر الله..كان إبني 'فراس' يبكي ويصيح:أبي ان جدتي في غرفتها.. إنها هناك وأسرع مهرولآ صاعدآ للأعلى يناديها.. جدتي..جدتي، أخرجي، الطائرة تقصف..وأمي ترفع يديها الى السماء متضرعة الى الله في خشوع، مرددة:اللهم إجعل كيدهم في نحرهم.. وتمسح بكفها على جبين حفيدها مهدئة من روعه:لا تخف يا ولدي..معنا الله.. فيستلقي في حجرها في سكون غلفته براءته..لكنه ظل طوال الليل يتصبب عرقآ ويهذي..ترتجف أوصاله وتصطك أسنانه خوفآ وهلعآ..