آخـــر الـــمـــشـــاركــــات

+ الرد على الموضوع
النتائج 1 إلى 2 من 2

الموضوع: العمل التطوعي وبعض تطبيقاته في الإسلام

  1. #1
    عـضــو الصورة الرمزية فؤاد عزام
    تاريخ التسجيل
    15/08/2009
    المشاركات
    167
    معدل تقييم المستوى
    0

    افتراضي العمل التطوعي وبعض تطبيقاته في الإسلام

    التطوع في اللغة مأخوذ من الطوع وهو إتيان العمل مطاوعة بلا إكراه (لسان العرب) .
    ومن هذا المعنى ما جاء في القرآن الكريم : ﴿ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ﴾ (فصلت:11) .
    ويقول ابن فارس إن قولهم تطوع بالشيء معناه تبرع به ولا يستعمل إلا في باب الخير .
    إذن فالمتطوع هو الذي يأتي أبواب الخير طائعا غير مكره من أحد . التطوع في القرآن الكريم :
    وفي القرآن يأتي التطوع بمعنى العمل الذي يبادر به صاحبه زيادة على الفريضة .
    ومه قوله تعالى :﴿إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فَإِنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ﴾ (البقرة:158) فقوله تعالى ﴿ومن تطوع ﴾أي فعل طاعة فرضا كان أو نفلا أو زاد على ما فرض الله عليه من حج أو عمرة) تفسير البيضاوي ج1:ص433
    وقال تعالى في أحكام صوم رمضان ﴿أَيَّاماً مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ (البقرة:184) ومعنى تطوع كما جاء في كثير من كتب التفسير : زاد في الفدية على الحد المقرر فيها .
    التطوع عند بعض علماء الاجتماع :
    وقد عرف بعض علماء الاجتماع العمل التطوعي بأنه : مجهود قائم على خبرة يراد به نفع المجتمع ، دون أجر منتظر في الغالب . ينظر: د / سيد أبو بكر حسانين – طريقة الخدمة الاجتماعية في تنظيم المجتمع .
    الخلاصة :
    نحن إذن أمام عدة ملامح لمعنى العمل التطوعي :
    • عمل يختاره صاحبه ويقرر القيام به من تلقاء نفسه.
    • أنه زيادة على الفرض الواجب ، والحد المقرر .
    • أن القائم به تتوفر لديه إمكانيات أو خبرات في جانب معين .
    • أنه يريد نفع المجتمع بإمكانيات وبخبرته .
    • أنه لا ينتظر أجْرا من الناس بل من الله تعالى .
    الأساس الإيماني للعمل التطوعي في الإسلام .
    يفتح الإسلام آفاق العمل التطوعي انطلاقا من عقيدته في:
    1. استخلاف الإنسان في الأرض : قال تعالى ﴿وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لا تَعْلَمُونَ﴾ (البقرة:30) وإذا اعتقد الإنسان أنه خليفة على هذه الأرض فحري به أن يصلح دار خلافته ، وأن يوجه إمكانيات الجسمانية والعقلية والروحية لعمارتها .
    2. مهمة الإنسان في عمارة الأرض ونفع الناس قال تعالى ﴿وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحاً قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجِيبٌ﴾ (هود:61) . والآية الكريمة واضحة في أن عمارة الأرض هو الهدف الثاني بعد توحيد الله تعالى .
    ومما يدل على ذلك ما أخرجه الإمام أحمد : عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنْ قَامَتْ عَلَى أَحَدِكُمُ الْقِيَامَةُ، وَفِي يَدِهِ فَسِيلَةٌ فَلْيَغْرِسْهَا ". والحديث الشريف يصل بالمعنى إلى درجة الفناء في العمل العمراني والتفاني في عمارة الأرض.
    كما أخرج الإمام أحمد في مسنده عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " مَنْ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ أَنْ يَنْفَعَ أَخَاهُ فَلْيَنْفَعْهُ " فلينفعه هكذا متطوعا مختارا بالوسيلة التي يبتدعها عقله ويتحمس لها قلبه .
    3. الأمر العام بفعل الخير وسن السنن الحسنة . قال تعالى : ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ (الحج:77)
    وأخرج مسلم من حديث جرير رضي الله عنه مَنْ سَنَّ فِي الْإِسْلَامِ سُنَّةً حَسَنَةً، فَلَهُ أَجْرُهَا، وَأَجْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا بَعْدَهُ، مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْءٌ، وَمَنْ سَنَّ فِي الْإِسْلَامِ سُنَّةً سَيِّئَةً، كَانَ عَلَيْهِ وِزْرُهَا وَوِزْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا مِنْ بَعْدِهِ، مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أَوْزَارِهِمْ شَيْءٌ»
    إذن من واجبه كخليفة مأمور بعمارة الأرض أن يخرج كل ما لديه من طاقات ومواهب جسمانية وعقلية وعاطفية لنفع المجتمع الذي يعيش فيه بل العالم الذي يعيش فيه . وهذا - من وجهة نظري - هو الأساس الإيماني للعمل التطوعي .
    نماذج من العمل التطوعي في القرآن الكريم .
    1. التطوع باستخدام القوة والحرفة في منفعة الضعفاء : ففي قصة الخضر عليه السلام مع نبي الله موسى عليه السلام ﴿فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُمَا فَوَجَدَا فِيهَا جِدَاراً يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ فَأَقَامَهُ قَالَ لَوْ شِئْتَ لَتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْراً﴾ (الكهف:77) فالخضر عليه السلام قد استخدم ما وهبه الله تعالى من نعمة الإلهام الفطري والعلم اللدني وتطوّع ببعض ما يعلم في خدمة هذين اليتيمين الضعيفين .
    2. التطوع بالعلم والمعرفة في منفعة المظلومين :ففي قصة ذي القرنين : ﴿قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجاً عَلَى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدّاً قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْماً﴾ (الكهف:94، 95) ، ومعنى هذا أن العالم بالدين أو الكون ينبغي أن يجعل نصيبا من علمه لمنفعة الناس ، وإلا فما فائدته ؟
    3. التطوع بالنفس فداء لأهل الحق : ففي قصة موسى عليه السلام ﴿ وَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَى قَالَ يَا مُوسَى إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ﴾ (القصص:20)
    وقال تعالى أيضا ﴿وَقَالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جَاءَكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ مِنْ رَبِّكُمْ وَإِنْ يَكُ كَاذِباً فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَإِنْ يَكُ صَادِقاً يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ﴾ (غافر:28) .
    4. التطوع بالنفس فداء للإسلام والتطوع بالمال نصرة لأهل الإيمان :وهذا تتمثل في أبهى صورها في موقف المهاجرين الأولين الذين باعوا أنفسهم لله وتركوا دنياهم خلفهم مهاجرين بدينهم ، وكذلك الأنصار الذين طوعت لهم نفوسهم الطاهرة مشاطرة إخوانهم في المال والدور بل وحتى الاستغناء عن بعض الزوجات ليتزوجن من إخوانهم في الدين ، لم تعرف البشرية صورة تطوعية في سبيل المبدأ كمثل هذي. قال تعالى ﴿لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ وَالَّذِينَ تَبَوَّأُوا الدَّارَ وَالْأِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ (الحشر:9)..
    ملامح من منهج الإسلام في توجيه العمل التطوعي
    1- تقديم القدوة للناس في العمل التطوعي
    تقديم القدوة بالتطوع في الحوادث المفاجئة.
    فقد أخرج عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحْسَنَ النَّاسِ، وَأَجْوَدَ النَّاسِ، وَأَشْجَعَ النَّاسِ، وَلَقَدْ فَزِعَ أَهْلُ المَدِينَةِ ذَاتَ لَيْلَةٍ، فَانْطَلَقَ النَّاسُ قِبَلَ الصَّوْتِ، فَاسْتَقْبَلَهُمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ سَبَقَ النَّاسَ إِلَى الصَّوْتِ، وَهُوَ يَقُولُ: «لَنْ تُرَاعُوا لَنْ تُرَاعُوا» وَهُوَ عَلَى فَرَسٍ لِأَبِي طَلْحَةَ عُرْيٍ مَا عَلَيْهِ سَرْجٌ، فِي عُنُقِهِ سَيْفٌ، فَقَالَ: " لَقَدْ وَجَدْتُهُ بَحْرًا. أَوْ: إِنَّهُ لَبَحْرٌ "
    تقديم القدوة بالتطوع في الأعمال الاجتماعية.
    روى محمد بن الحسن المخزومي عن أم سلمة رضي الله عنها أنها قالت: «بنى رسول الله صلى الله عليه وسلم مسجده فقرّب اللّبِن وما يحتاجون إليه، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فوضع رداءه ، فلما رأى ذلك المهاجرون الأولون والأنصار ألقوا أرديتهم وأكسيتهم وجعلوا يرتجزون ويعملون ويقولون:
    لئن قعدنا والنبي يعمل ... ذاك إذا للعمل المضلّل .سبل الهدى والرشاد
    ومنه قول السيدة خديجة رضي الله عنها للنبي صلى الله عليه وسلم لما فزع من الوحي : إنك لتقري الضيف ، وتكسب المعدوم ، وتحمل الكل ، وتعين على نوائب الدهر ، فوالله لا يخزيك أبدا.
    2- طرح العمل للتطوع تحفيزا للهمم وإثابة المتطوع.
    فعَنْ أَبِي رَيْحَانَةَ، قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزْوَةٍ، فَأَوْفَيْنَا عَلَى شَرَفٍ، فَأَصَابَنَا بَرْدٌ شَدِيدٌ، حَتَّى إِنْ كَانَ أَحَدُنَا يَحْفِرُ الْحَفِيرَ، ثُمَّ يَدْخُلُ فِيهِ وَيُغَطِّي عَلَيْهِ بِحَجَفَتِهِ ، فَلَمَّا رَأَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَلِكَ مِنَ النَّاسِ قَالَ: «أَلَا رَجُلٌ يَحْرُسُنَا اللَّيْلَةَ أَدْعُو اللَّهَ لَهُ بِدُعَاءٍ يُصِيبُ بِهِ فَضْلًا» فَقَامَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ فَقَالَ: أَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ. فَدَعَا لَهُ قَالَ أَبُو رَيْحَانَةَ: فَقُلْتُ: أَنَا، فَدَعَا لِي بِدُعَاءٍ هُوَ دُونَ مَا دَعَا بِهِ لِلْأَنْصَارِيِّ، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «حُرِّمَتِ النَّارُ عَلَى عَيْنٍ دَمَعَتْ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ، حُرِّمَتِ النَّارُ عَلَى عَيْنٍ سَهِرَتْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ» الحاكم في المستدرك قال الذهبي: صحيح. من يأتينا بخبر القوم؟ .
    وأخرج البخاري عَنِ ابْنِ المُنْكَدِرِ، قَالَ: سَمِعْتُ جَابِرًا، يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الأَحْزَابِ: «مَنْ يَأْتِينَا بِخَبَرِ القَوْمِ» فَقَالَ الزُّبَيْرُ: أَنَا، ثُمَّ قَالَ: «مَنْ يَأْتِينَا بِخَبَرِ القَوْمِ». فَقَالَ الزُّبَيْرُ: أَنَا، ثُمَّ قَالَ: «مَنْ يَأْتِينَا بِخَبَرِ القَوْمِ» فَقَالَ الزُّبَيْرُ: أَنَا، ثُمَّ قَالَ: «إِنَّ لِكُلِّ نَبِيٍّ حَوَارِيَّ، وَإِنَّ حَوَارِيَّ الزُّبَيْرُ».
    3- توجيه التطوع في حل المشاكل الاجتماعية الطارئة.
    أخرج مسلم في صحيحه عنِ الْمُنْذِرِ بْنِ جَرِيرٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: كُنَّا عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي صَدْرِ النَّهَارِ، قَالَ فَجَاءَهُ قَوْمٌ حُفَاةٌ عُرَاةٌ مُجْتَابِي النِّمَارِ أَوِ الْعَبَاءِ، مُتَقَلِّدِي السُّيُوفِ، عَامَّتُهُمْ مِنْ مُضَرَ، بَلْ كُلُّهُمْ مِنْ مُضَرَ فَتَمَعَّرَ وَجْهُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمَا رَأَى بِهِمْ مِنَ الْفَاقَةِ، فَدَخَلَ ثُمَّ خَرَجَ، فَأَمَرَ بِلَالًا فَأَذَّنَ وَأَقَامَ، فَصَلَّى ثُمَّ خَطَبَ فَقَالَ: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ} إِلَى آخِرِ الْآيَةِ، {إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} وَالْآيَةَ الَّتِي فِي الْحَشْرِ: {اتَّقُوا اللهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللهَ} «تَصَدَّقَ رَجُلٌ مِنْ دِينَارِهِ، مِنْ دِرْهَمِهِ، مِنْ ثَوْبِهِ، مِنْ صَاعِ بُرِّهِ، مِنْ صَاعِ تَمْرِهِ - حَتَّى قَالَ - وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ» قَالَ: فَجَاءَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ بِصُرَّةٍ كَادَتْ كَفُّهُ تَعْجِزُ عَنْهَا، بَلْ قَدْ عَجَزَتْ، قَالَ: ثُمَّ تَتَابَعَ النَّاسُ، حَتَّى رَأَيْتُ كَوْمَيْنِ مِنْ طَعَامٍ وَثِيَابٍ، حَتَّى رَأَيْتُ وَجْهَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَهَلَّلُ، كَأَنَّهُ مُذْهَبَةٌ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ سَنَّ فِي الْإِسْلَامِ سُنَّةً حَسَنَةً، فَلَهُ أَجْرُهَا، وَأَجْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا بَعْدَهُ، مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْءٌ، وَمَنْ سَنَّ فِي الْإِسْلَامِ سُنَّةً سَيِّئَةً، كَانَ عَلَيْهِ وِزْرُهَا وَوِزْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا مِنْ بَعْدِهِ، مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أَوْزَارِهِمْ شَيْءٌ».
    4- فتح باب التطوع في عمارة الأرض .
    الصدقة الجارية والوقف الخيري أخرج الترمذي عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " إِذَا مَاتَ الإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثٍ: صَدَقَةٌ جَارِيَةٌ، وَعِلْمٌ يُنْتَفَعُ بِهِ، وَوَلَدٌ صَالِحٌ يَدْعُو لَهُ " هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
    وهذا الحديث الشريف أصل في الوقف الخيري معناه حبس الأصل وتسبيل الثمرة كما يقول ابن قدامة في الكافي ج2.
    بناء المساجد أخرج الترمذي في سننه عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ، قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «مَنْ بَنَى لِلَّهِ مَسْجِدًا بَنَى اللَّهُ لَهُ مِثْلَهُ فِي الجَنَّةِ».
    استصلاح الأرض وأخرج مالك في الموطأ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: مَنْ أَحْيَا أَرْضاً مَيِّتَةً فَهِيَ لَهُ.
    نظافة الطرق فقد أخرج مسلم في صحيحه عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْإِيمَانُ بِضْعٌ وَسَبْعُونَ - أَوْ بِضْعٌ وَسِتُّونَ - شُعْبَةً، فَأَفْضَلُهَا قَوْلُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَأَدْنَاهَا إِمَاطَةُ الْأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ، وَالْحَيَاءُ شُعْبَةٌ مِنَ الْإِيمَانِ». كما أخرج البخاري في الصحيح عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «بَيْنَمَا رَجُلٌ يَمْشِي بِطَرِيقٍ وَجَدَ غُصْنَ شَوْكٍ عَلَى الطَّرِيقِ فَأَخَّرَهُ، فَشَكَرَ اللَّهُ لَهُ فَغَفَرَ لَهُ».
    استخراج الماء وأخرج البخاري في مناقب عثمان وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ يَحْفِرْ بِئْرَ رُومَةَ فَلَهُ الجَنَّةُ». فَحَفَرَهَا عُثْمَانُ.
    التبرع لجيش المسلمين وأخرج البخاري في مناقب عثمان أن النبي صلى الله عليه وسلم َقَالَ: «مَنْ جَهَّزَ جَيْشَ العُسْرَةِ فَلَهُ الجَنَّةُ» فَجَهَّزَهُ عُثْمَانُ .
    العمل التطوعي ليس بديلا عن الدولة ولكنه بمثابة آلية اجتماعية لرعاية الصالح الاجتماعي.
    ولا يظُن أن العمل التطوعي يعتبر بديلا عن الدور الذي ينبغي أن تقوم به الدولة من أعمال رسمية ، كلاَّ فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يوظِّف رجالا معينين للقيام بأعمال معينة كمن عينهم لجمع الصدقات ، ومن عينهم لكتابة الوحي ، ومن كان من النبي صلى الله عليه وسلم بمنزلة صاحب الشرطة من الأمير ، ومن عيَّنهم في كتابة أسماء جنود الجيش في الغزوات ، ومن كان يقيم الحدود وينفذها ويضرب الأعناق بين يديه وقد رصد عبد الحي الكتاني رحمه الله كل هذه الوظائف في كتاب التراتيب الإدارية في الحكومة النبوية .
    أما العمل التطوعي فيعتبر نوعا من المواساة البينية بين المسلمين وغير المسلمين في المجتمع المسلم ، ويعتبر الظهير الخلفي الحر لحفظ الأمن وإشاعة التكافل والإمساك بعقد المجتمع أن تنفرط حباته في حال ضعف الدولة أو انهيار الحكومات ، وهذا مما أثار عجب المستشرقين حتى قال بعضهم لقد تعود المسلمون أن يعيشوا بدينهم بعيدا عن حكامهم .
    من مظاهر العمل التطوعي في واقعنا المعاصر رصد ومقترحات .
    - انتشار لجان الزكاة وبيوت المال في كثير من قرى مصر ومدنها ولك أن تتخيل المجتمع دون قيام هذه المراكز بهذا الدور.
    - انتشار الجمعيات الخيرية وقيامها بدعم كبير في رعاية المحتاجين وكفالة الأيتام كفالة كاملة .
    - انتشار مراكز تحفيظ القرآن الكريم في كثير من القرى وعلى سبيل المثال في إحدى
    - ومع كثرة طرق الخير وانتشارها إلا ان المسلمين السابقين كانوا اأثر منا نشاطا وأعظم جهدا في ميدان العمل التطوعي وخاصة في مجال الوقف فقد:
    - أنشأوا المدارس ووقفوا على نفقتها الأوقاف من الأراضي والعقارات .
    - وأنشأوا المكتبات العامة .
    - وأنشأوا كتاتيب تحفيظ القرآن الكريم وأوقفوا عليها .
    - وأوقفوا على العلماء وطلبة العلم المتفرغين للدعوة إلى الله .
    - وأوقفوا على المستشفيات ( البيمارستانات) لرعاية المرضى.
    - واقاموا أسبلة الماء وحفروا الآبار والعيون والترع .
    - وزرعوا حدائق عامة يأكل من ثمارها العابرون وأبناء السبيل
    - وأعدوا حلى ذهبية وزينة للعرائس الفقيرات اللاتي لا يسطعن شراءها عند الزواج.
    - وأعدوا دورا لرعاية الحيوانات والطيور وتطبيبها.
    - وبنوا مقابر للصدقة .
    - وأسلفوا المحتاجين للزواج .
    وغير ذلك كثير وكثير ، مما يصعب حصره ، والمسلمون الآن في أشد الحاجة إلى استحضار بعض ما قام به السابقون وخصوصا سنة الوقف التي يمكن أن نحل بها مشاكل مزمنة تعاني منها المجتمعات الإسلامية .


  2. #2
    نوّار عطرجي
    زائر

    افتراضي رد: العمل التطوعي وبعض تطبيقاته في الإسلام

    والمسلمون الآن في أشد الحاجة إلى استحضار بعض ما قام به السابقون وخصوصا سنة الوقف التي يمكن أن نحل بها مشاكل مزمنة تعاني منها المجتمعات الإسلامية نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعينقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي


+ الرد على الموضوع

الأعضاء الذين شاهدوا هذا الموضوع : 0

You do not have permission to view the list of names.

لا يوجد أعضاء لوضعهم في القائمة في هذا الوقت.

المفضلات

المفضلات

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •