بسم الله الرحمن الرحيم
النموذج السياسي والتنموي اليمني القادم
مقاربة
الجذر... مدخلا لإحياء سيقان وفروع الشجرة العربية !!
---------------------------------------
د.طارق عبدالله ثابت الحروي .
d.tat2010@gmail.com


- في هذه المقالة أحاول إيصال مضمون هذه الرؤية الاستراتيجية إلى كل من يريد ان يحاط علما ومعرفة بمستقبل مجريات وأفاق العملية السياسية والتنموية في المنطقة العربية واليمن منها- بوجه خاص، في ضوء استمرار تنامي إرهاصات هذا المخاض العسير الذي تعيشه دولها وشعوبها على حد سواء والتي كادت تردي بها موارد التهلكة- من جهة- وبطبيعة حقيقة التوجهات والمواقف والنوايا الدولية الحالية واللاحقة إزائها التي تحددها طبيعة ومستوى ومن ثم حجم الأهداف والمصالح المتعاظمة لها في نطاق حدود هذه المنطقة وما يجاورها، في ضوء ما تمثله من عمود ارتكاز محوري للمشروع الكوني الأمريكي- الغربي وحلفائه برمته- من جهة أخرى.
- ومن هذا المنطلق وبالاستناد إلى العديد من المؤشرات التي أوردناها في سلسلة متصلة من المقالات المنشورة وبعض الدراسات الأكاديمية التي لم ترى النور لحد الآن لتأسيس وإرساء مداميك الدولة البحرية المدنية الحديثة المنشودة أخذت عنوان (البحر بوابة اليمن للنهوض القادم)؛ نستطيع القول أن إرادة الله الخالق بقدرته القاهرة على جميع خلقه يبدو أنها قد قررت إعادة اليمن نظاما وشعبا وأرضا وتاريخا وطموحا إلى ما كانت عليه كدولة حاملة لأول وأكبر وأرقى المشاريع الحضارية- الثقافية ذات الطابع التنموي (فكرا ومنهجا وأفرادا) على وجه البسيطة، باعتبارها الدولة المؤسسة لأول بذور وكيانات الحضارات الإنسانية على وجه المعمورة على مر التاريخ الإنساني (القديم/ الوسيط) والتاريخ (العربي- الإسلامي) ليس هذا فحسب.
- لا بل واستمرت على هذا المنوال في الشكل والمضمون مصدرا تنويريا وإشعاعيا مهما جدا، بلغ حد الذروة عندما طال بآثاره أجزاء واسعة من المعمورة برزت أهم معالمه الرئيسة وأدق تفاصيله إلى حد كبير في الأدوار المحورية التي لعبتها اليمن بصورة غير مباشرة أكثر منها المباشرة في التاريخ العربي- الإسلامي؛ من خلال أدوارها في مجمل العمليات الأساسية وما دونها لتأسيس وقيام وإرساء مداميك أعظم حضارات الإنسانية في طول الأرض وعرضها.
- سيما بعدما منحها الله تعالى جل في علاه فرصتها التاريخية التي طال انتظارها والتي بدأت معالمها الرئيسة بالتبلور بصورة تدرجية منذ فترة ليست بالقصيرة في اتجاه استعادتها لمكانتها المرموقة بين الأمم والشعوب والدول ولدورها القومي والإنساني، عندما فاض عليها بألطافه وحفظها من السقوط المدوي في سيناريو التفتيت والتجزئة والصراع في الخمسين عاما الماضية والعشر سنوات ونيف الماضية على وجه الخصوص بإعجوبه يصعب على العقل إدراكها واستيعابها ليس هذا فحسب.
- لا بل وقهر بإرادته ومشيئته تلك كل أعدائه وخصومه جميعا على الصعيدين الداخلي والخارجي الذين حالوا في الخمسين عاما ونيف الماضية دون إمكانية قيام دولة عصرية مركزية لها شأنها تسيطر على مصادر القوة والثروة التي تعج بها البلاد ولها القدرة المتعاظمة على توفير حياة كريمة حقيقية لأبنائها ومن يأتي بعدهم وصولا إلى أبناء الأمة العربية والإسلامية.
- كي يتفرغ أبنائها بعد ذلك للقيام بما خلقوا وأهلوا وأعدوا على مر التاريخ الإنساني للقيام به وتأديته على أحسن وجه ممكن كبناة وصناع لحضارة إنسانية عظيمة، تلقي بظلالها وخيرها على الجميع بدون أية استثناءات تذكر كما أراد الله تعالى ذلك في علمه وقضائه وقدره، تعيد بموجبها الحياة روحا وفكرا وعملا لصروح أعظم الحضارات الإنسانية التي لم يتبقى لنا منها إلا الأمجاد العظيمة والتراكم المعرفي والعلمي الذي حفظه الله تعالى بداخلنا تتوارثه الأجيال جيل بعد جيل دون أن يتاح لها الشعور به وتلمسه انتظارا لليوم الذي قدره الله تعالى لخروجه.
- من خلال العمل الحثيث الجاد والموضوعي لهذه القوى الداخلية والخارجية باتجاه الحفاظ على وحدة اليمن وسلامة أراضيه وإعادة فرض الأمن والاستقرار في كل أرجائه، وصولا إلى إلزام نفسها بتحمل كافة تبعات المسئولية التاريخية لإقامة وإرساء مداميك الدولة البحرية المدنية الحديثة المنشودة التي شهدت عليها دول ومن ثم أمم وشعوب العالم، ليصدق فيها المثل الشعبي القائل (هذه عصدتكم متنوها بمعرفتكم)، بالاستناد إلى طبيعة ومستوى ومن ثم حجم المضامين والدلالات والأبعاد التي شملتها الوثيقة التاريخية الأولى من نوعها في المنطقة (المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية المزمنة) بهذا الشأن.
- والتي من خلالها يتوقع المحلل الاستراتيجي دخول اليمن مرحلة النظام والقانون ومرحلة التنمية الشاملة والمستدامة المنشودة من أوسع أبوابها بمشيئته تعالى، والتي باعتقادي سوف تسخر هذه القوى في سبيل إنجاح هذه المهمة على أكمل وجه كافة مواردها وإمكانياتها المادية والمعنوية، سيما أنها تقف هنا بالفعل أمام أهم وأصعب جزء في مهمة إحياء الشجرة كلها التي تمثلها المنطقة ألا وهي (إحياء الجذر) الذي تمثله اليمن، والذي لو استطاعت النجاح فيها ستوفر على نفسها الوقت والسرعة والكلفة إلى حد كبير لإحياء الشجرة كلها سيقانا وفروعا وأوراقا التي تمثلها باقي دول المنطقة وبالتالي جني محاصيل وفيرة جدا من حيث الكم والكيف، وهذا باعتقادي هو الترجمة الحقيقة لكل ما جرى ويجري وسيجري من إرهاصات كثيرة طالت أبعاد متعددة من حيثيات الملف اليمني وعجزت الأذهان والعقول من استيعابها وإدراكها.
- وهو برأينا كمتخصص ومحلل استراتيجي التفسير المنطقي الوحيد الأكثر حضورا لدينا إلى حد الآن والذي تمكنا من خلاله إعطاء إجابات شبه شافية حول جملة الاعتبارات الرئيسة التي أخذ بها مهندسو وعلماء وسياسي وخبراء العالم القائمين على هذه العملية برمتها ليس هذا فحسب، لا بل وتقف وراء حقيقة اختيار اليمن لتكون النموذج السياسي والتنموي المعول عليه لإحياء وإصلاح واقع المنطقة العربية برمتها.
- وكي نكون أكثر تحديدا ووضوحا ومن ثم موضوعية نوجز ذلك بدون الدخول في التفاصيل بالقول إن مجمل عمليات الحراك الدولية والإقليمية منذ مطلع القرن الحالي ماضيا وحاضرا ومستقبلا إزاء المنطقة العربية واليمن منها- بوجه خاص- ارتبطت وسترتبط إلى حد كبير بمعادلة إحياء الجذر بعد بث الحياة في التربة مدخلا أساسيا لا بل ومحوريا لإحياء الشجرة كلها بسيقانها وفروعها وأوراقها..، سيما أن الدلائل التاريخية بالاستناد إلى طبيعة التجربة الإنسانية المعاصرة وواقع العلوم والخبرات والمعارف التي أصبح عليها العالم اليوم؛ تشير وتفيد في نفس الوقت إلى أن أية محاولة لإحياء الشجرة العملاقة التي تمثلها الدول العربية جمعاء بواقعها الحالي أنظمة ومجتمعات وأراضي.
- باتجاه إصلاحها وعودتها بشكل تدرجي ونوعي إلى مساراتها الطبيعية بمراعاة عامل الوقت والسرعة والكلفة- أولا- وضمان استمرار بقائها ومن ثم نموها الطبيعي والسريع المنشود- ثانيا- وصولا إلى ضمان إمكانية الحصول على جميع ثمارها المرجوة وتقاسمها مع المجتمع الدولي والإقليمي بدوله الفاعلة صاحبة المصلحة المشتركة بهذا الأمر- ثالثا.
- يجب وليس ينبغي أن يبدأ بإحياء الجذر نفسه الذي تمثله اليمن؛ من خلال إصلاح أو استصلاح واقعها نظاما وشعبا وأرضا بكل ما يحمله هذا الأمر من معاني ودلالات وأبعاد، بالاستفادة من الخبرات المحلية والعربية والعالمية الغنية بهذا الشأن، وهذا لن يتم بطريقة صحيحة وعلمية تأخذ فيها توفر كافة العوامل الذاتية والموضوعية إلا من خلال بث الحياة في التربة التي يسكن فيها الجذر ويمتد بداخلها منذ ألاف السنين الماضية، والتي يمثلها إقليم شبه الجزيرة العربية واليمن منه بوجه خاص.
- على عكس ما كان يسري عليه الحال قبل ذلك- وفقا- لما تمخضت عنه مجريات السياسة الدولية آنذاك من رؤى وتوجهات ومصالح وأهداف كانت تتقاطع إلى حد كبير في الشكل والمضمون مع أهمية لا بل وضرورة القيام بإحياء كل أجزاء الشجرة دفعة واحدة من خلال إحياء الجذر واستصلاح التربة مصدر الغذاء والماء والهواء... له، نظرا لما لذلك من محاذير ومخاوف كثيرة جدا تصب في جوهر صميم الاستراتيجية الدولية القائمة منذ مئات السنين المعنية بشئون المنطقة والعالم.
- والاكتفاء بإحياء جزء أو أجزاء من هذه الشجرة بطرق اصطناعية هي الأكثر كلفة في مواضع مختارة بعناية شديدة ومركزة وفقا لما كانت تقتضيه أولويات مصالحها الحيوية في كل مرحلة، بعيدا عن الطريقة الطبيعية الأقل كلفة والأكثر حيوية وإنتاجا التي تسير عليها نواميس هذا الكون التي تقوم على إحيائها من الجذر بعد بث الحياة في التربة، على عكس ما أصبحت تشير إليه معظم المؤشرات والدلالات في الوقت الحاضر.
- وبما أن هذا الجذر بشكل مباشر وغير مباشر قد تم احتوائه والنيل منه إلى حد كبير من قبل القوى الدولية والإقليمية المعنية نفسها بشتى الأشكال والأساليب ومن ثم الحجج والمبررات على مدار مئات السنوات الماضية في التاريخين الحديث والمعاصر كامتداد لمخرجات الفترة التي سبقتها، باعتبارها كانت الطريقة الوحيدة المتاحة أمام خبراء ومهندسو وسياسيو هذه الدول لضمان عدم توفر أية احتمالية حقيقية لإمكانية حدوث أية طفرة نوعية في أية محاولة غير متوقعة قد تقدم عليها أية دولة من دول المنطقة لكسر هذه القاعدة تحت أية ظرف كان.
- من خلال محاولة إحياء هذه الشجرة بطريقة طبيعية من الجذر والتربة وليس كما درج عليه الحال بتخطيط وإعداد وتنفيذ ومن ثم إشراف ورعاية هذه القوى في المائة عام الماضية على أقل تقدير من خلال محاولة إحياء أجزاء بعينها من الساق والفروع بالطرق الاصطناعية المُكلفة وفقا لما تقتضيه المصالح الدولية.
- جراء توفر أجواء مناسبة جدا بهذا الشأن في أحد أهم سيقانها والتي مثلها العراق الجديد منذ مطلع عقد السبعينيات، نظرا لأنها برأينا مثلت المصدر الحقيقي الأكثر خطورة على مصالحها الحيوية غير المشروعة في المنطقة برمتها، باعتبارها كانت الحلقة الجوهرية الأكثر أهمية لإمكانية تجاوز مجمل هذه السياسات والضغوط والآثار الدولية دفعة واحدة، سيما بعدما نجح العراق أو كاد إلى حد كبير أن يحولها إلى أحد أهم التجارب التنموية والسياسية قاطبة في العالم الثالث الخارجة عن السيطرة الدولية وفي زمن قياسي يصعب على العقل إدراكه واستيعابه ليس هذا فحسب.
- لا بل واستطاعت قياداته الوطنية المخلصة لتاريخ الأمة العربية أن تصل إلى خلاصة هذا الأمر بأدق تفاصيله المهمة عبر قراءة معمقة جريئة ودقيقة لواقع المنطقة العربية أنظمة وشعوبا وأراضي من خلال استحضار الماضي المشرق وقراءة للواقع الحالي مثلما هو واستشفاف أفاق المستقبل المنشود، وهذا ما تشير إليه مجمل الدلائل التاريخية بهذا الشأن كي تدخل في زمن قياسي هذا السباق الماراثوني مع هذه القوى من أوسع أبوابه، من خلال الرمي بثقلها الاستراتيجي في الملف اليمني منذ مطلع عقد السبعينيات باتجاه إصلاح أو استصلاح الجذر وتهيئة التربة كمدخل لإحياء الشجرة كلها التي تمثلها الدول العربية كما أشرنا إلى ذلك آنفا (وصولا إلى الإسلامية) بمراعاة عامل الوقت والسرعة والكلفة.
- بغض النظر عن طبيعة ومستوى ومن ثم حجم الانجاز بهذا الشأن الذي تحكمت به اعتبارات كثيرة خارجية لها شأنها فرضتها إرهاصات الحرب الباردة أكثر منها داخلية، إلا أننا في تقديرنا نجد أن معالم الحضور العراقي في الشأن اليمني وفقا لهذه الغاية كان (ومازال) الرقم الصعب والعامل الأساسي الذي قطع من خلاله العراق أشواطا مهمة جدا في كسر القاعدة الأكثر أهمية وحساسية في السياسة الدولية ومصالح هذه القوى خاصة باتجاه التمهيد لإحياء الشجرة من الجذر.
- ومن هنا نستطيع أن ندرك تمام الإدراك الاعتبارات الرئيسة التي تقف وراء اضطرار هذه القوى كسياسية معتمدة منذ مئات السنين الإبقاء على الأجزاء الكبرى والأهم من هذا الجذر مدفونة تحت طبقات صلبة جدا من الأتربة والرمال التي فقدت معظم عناصر الحياة والغير صالحة بتاتا للنمو والبقاء في آن واحد.
- بصورة أفضت إلى قطع معظم أشكال النمو والحياة الطبيعية عنه (الجذر) مضحية مقابل ذلك بأهم مصالحها الحيوية المتعاظمة في المنطقة العربية واليمن خاصة، مقابل ما حققه هذا الأمر لها من مكاسب لها علاقة وثيقة الصلة بالضمانات التي حالت إلى حد كبير دون وجود أية احتمالية لإمكانية حدوث أية نمو طبيعي شبه متوازن لباقي أجزاء الشجرة بشقها المادي والمعنوي خارج حساباتها، يمكن له أن يلقي بظلاله السلبية وآثاره الوخيمة على مصالحها الحيوية في المنطقة وخارجها.
- وهذا ما يفسر لنا أيضا أنه بالرغم من كافة المحاولات المبذولة بهذا الشأن لإحياء أجزاء بعينها من الشجرة بالطرق الاصطناعية بعيدا عن الجذر على مدار عشرات العقود الماضية سواء أكانت ضمن نطاق الإرادة الدولية أو خارجها ضمن نطاق الإرادة الوطنية المناهضة للإرادة الدولية بصورة لم تؤتي أكلها كما كان يجب عند خط البداية، حيث يمكن القول في محضر تقيمنا لهذه التجارب التنموية أننا نقف بالفعل أمام تجارب جزئية قاصرة ومشوهة إلى حد كبير وهذا ما كان يتفق إلى حد كبير مع الأجندة الدولية والإقليمية شكلا ومضمونا.
- فتأثير الجذر كان ومازال وسيظل واضحا جدا في وجود أية احتمالية لإمكانية إحياء هذه الشجرة بصورة طبيعية من عدمه، بالاستناد إلى طبيعة ومستوى ومن ثم حجم الخبرات والإمكانات والموارد التي يتوقع بذلها في هذه العملية للحصول على نتائج حقيقية تراعي فيها عامل الوقت والسرعة والكلفة؛ بحيث تضمن من خلالها نموا طبيعيا وسريعا... ومحصولا وفيرا بجودة عالية كما وكيفا في المدين المتوسط والبعيد، بمعنى أخر أن هنالك إمكانية لإحياء معظم أجزاء الشجرة اصطناعيا بنسب متباينة بعيدا عن إحياء الجذر أولا أو جزء منه- وفقا- للتقنية والتكنولوجية العالية المستخدمة لتجنب أية مخاطرة غير محسوبة العواقب بهذا الشأن، إلا ان هذه العملية كانت وسوف تظل باعتقادنا إلى حد كبير غير مأمونة النتائج كما وكيفا ومكلفة جدا.
- وعليه ختاما وفقا لمعظم المؤشرات والدلالات التي تعج بها العملية السياسية اليمنية بأبعادها المحلية والإقليمية والدولية منذ مطلع القرن الحالي والسنوات الأخيرة نستطيع القول إننا نقف بالفعل أمام واحدة من أكبر العمليات على مستوى العالم التي تشارك بها دول العالم بكل خبرائها ومهندسيها وعلمائها ومواردها وإمكاناتها المادية والمعنوية باتجاه إحياء الشجرة من خلال إحياء الجذر وبث الحياة في التربة التي أذن بها الخالق جل في علاه قاهرا بعزته وقدرته السميع العليم كل خصوم وأعداء أمة حبيبه محمد (ص) الذين لم يعود أمامهم إلا هذا الطريق ليسلكوه مهما كانت النتائج التي قد تنهي بغمضة عين كل ما عملوا عليه طيلة مئات السنين الماضية سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم.
والله ولي التوفيق وبه نستعين