بسم الله الرحمن الرحيم

انتصار المسلمين على اليهود وأوهام ( هر مجدون )

المقدمة

حدثني شاعر فلسطيني صديق قائلا : هناك نبوءة تتردد بين كبار السن من الرجال والنساء في فلسطين ، مفادها أن الذي سيحرر فلسطين قوة تأتي من الشمال ، وهم متفائلون بهذه النبوءة التي يعتقدون بأنها ستتحقق يوما ما بعون الله . عدت إلى البيت وأحضرتُ خارطة الوطن العربي ووضعت يدي على خارطة العراق وحركتها يسارا بخط مستقيم فوجدت العراق يقع شمال فلسطين وشرقها . ونحن وان كنا نعتقد بان العراق لن يكون بعيدا عن معركة تحرير فلسطين ، لكن المقصود بقوة من الشمال أو الشرق هو أن العرب والمسلمين سيتحشدون في الشمال والشرق وفي طليعتهم المسلمون في العراق ثم تبدأ الملحمة الكبرى وهي المعركة الفاصلة مع اليهود كما نبأنا بها نبينا محمد صلى الله عليه وسلم في الحديث الشريف : " لا تقوم الساعة حتى يقاتل المسلمون اليهود ، فيختبيء اليهودي وراء كل شجر وحجر ، فيقول الشجر والحجر : يا يا مسلم يا عبدالله ، هذا يهودي خلفي فتعال فاقتله ، إلا شجر الغرقد ، فانه من شجر يهود " رواه الشيخان . أما الغرب واليهود فيعتقدون بوقوع معركة ستحصل في آخر الزمان أسموها ( معركة هر مجدون ) ، رسموا سيناريوهاتها وأساليبها كما يتصورون ويتمنون ، ونحن هنا عندما نتحدث عن هذه المعركة وما يخططون له من برامج وخطط ومشاريع تستهدف العرب والمسلمين فإننا نتوخى التعريف بهذا الخطر ، وان قراءة ( لهر مجدون ) كنظرية سياسية وعقيدة صهيونية معاصرة ، تكشف لنا عميقا عن حقيقة تاريخية مهمة، وهي أن المركب السياسي اليهودي الراهن قد انبثق من مجموعة تراثية سوداوية حاقدة على كل الحقائق والأصول ، كما تكشف بتركيبتها الأسطورية وطابعها القبلي عن حالة انفصام نكده مع الأمم والتاريخ ونقيضا للشكل التاريخي في المحيط الأوربي والأمريكي ، وهذه المعركة التي رسموا صورتها كمركز ودائرة للصراع المقبل تجيء صورة لحملات التضليل اليهودية وللتصورات المزيفة والهادفة لحشد التأييد العالمي لإسرائيل ، ومن جملة الدلالات في مصادرنا العربية والإسلامية– كما سنرى في سياق دراستنا هذه - سنرى أن الصورة المثلى لهذه المعركة ليست إلا وهما لليهود ، يأتي في سياق جملة المخططات الماسونية لإشاعة روح المذلة اليهودية بين قوى الغرب والحكومات المؤيدة (لدولة إسرائيل) وزرعها كقوة غاشمة في المنطقة وفي فلسطين بالتحديد . ومن متابعتنا لهذا الموضوع نجد الدعاية اليهودية الصهيونية ، حول هذه المعركة ، قد أثرت في كثير من الغربيين ، مسؤولين ورأي عام ، وأقنعتهم بحججها ومسوغاتها حتى أن قادة عسكريين غربيين – كما كشفت عنه ( جريس هالسل ) في كتابها (النبوءة والسياسة ) - يجمعون على أن الاهتمام بهر مجدون ، يرجع إلى أن هذه المنطقة تشكل موقعاً استراتيجياً، يستطيع أي قائد يستولي عليه أن يتصدى لكل الغُزاة على حد تعبيرها . ويُظن أن هذا السبب المذكور يكشف لنا سرّ تمكين الغرب لليهود من إقامة دولة بأرض فلسطين واستماتتهم في الدفاع عنها ، لأن هذه الدولة الغاصبة – التي وافقت أطماعها أطماعهم – يعتقدون أنها قاعدة عسكرية لهم في ( هرمجدون) ولهذا راحوا يخططون للمرحلة القادمة من المواجهات المحتومة بنظرهم ، وهذا يفسر مواصلتهم العدوان والتخطيط للتوسع ، وبالتالي فان (هر مجدون ) معركة منتظرة او متوقعة في عقائد الغرب والصهيونية ويبدو انهم مازالوا يخططون لها منذ زمن وهم مستعدون لخوض غمارها ويعتبرونها من المعارك الحتمية الفاصلة .

لا يقاتل اليهود إلا من وراء جدر

وعن حال اليهود يقول الله تعالى : ( لا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعًا إِلَّا فِي قُرًى مُحَصَّنَةٍ أَوْ مِنْ وَرَاءِ جُدُرٍ بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْقِلُونَ)( الحشر :14)، فهذه الآية الكريمة تصور الصفة التي عليها اليهود ، والتي لا تتغير ولا تتبدل . كانت فيهم قديما ، وهي قائمة اليوم ، وستبقى حجة عليهم إلى يوم القيامة . إنها صفة الجبن والخوف التي جبل عليها اليهود ، فهم أحرص الناس على حياة ، وهم أكثر الشعوب خوفا من الموت ، يود أحدهم لو يُعمر ألف سنة. ، وهذا اللفتة المعجزة تنطبق اليوم على تصرفات اليهود في فلسطين كما انطبقت عليهم في الماضي . فهم لا يواجهون جيل الحجارة إلا من وراء آلياتهم المصفحة بالرغم مما يملكون من أسلحة فتاكة متطورة ، وعندما توالت العمليات الاستشهادية ، واهتزت قلوب اليهود وأفئدتهم خوفا ورعبا ، لجئوا إلى سياسة تحصين المدن والمستوطنات ، والى بناء ما أسموه بأنفسهم ( الجدار الواقي ) لينفذ فيهم حكم الله تعالى وقضاؤه ، وليصدق قوله : ( وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مَانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللَّهِ فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ )( الحشر :2) . إنها بداية تحقق المعجزة ، وظهور النبوءة ، واقتراب الوعد الإلهي بانتصار المسلمين على اليهود ، فهذه المعركة، كما ينبئ بها الحديث الشريف ليست معركة وطنية ولا قومية، إنها معركة دينية، وهي ليست معركة بين العرب والصهاينة كما يقال اليوم، وليست معركة بين اليهود والفلسطينيين، أو بينهم وبين السوريين أو العراقيين أو المصريين. إنها بين المسلمين واليهود ، هذا ما جاء في الحديث بصريح العبارة، والواقع الذي نلاحظه اليوم أن مجموع اليهود يقاتلوننا بكل ما لديهم من طاقة، بذلوا أموالهم وهم أبخل الناس بالمال، وجادوا بنفوسهم وهم أحرص الناس على حياة، ولكنهم أخذوا الأمر جدية لا هزل فيه، وخططوا وصمموا وأجمعوا ونفذوا، مستمدين قوتهم من تعاليم التوراة، وأحكام التلمود واساطيرهما .أما نحن، فما زال الإسلام مستبعدًا من معركتنا معهم، وما زال الكثيرون منا يريدونها معركة قومية لا دخل للدين فيها، ولا صلة له بها، فاليهود يجتمعون تحت راية اليهودية، ونحن لا نجتمع تحت راية الإسلام، وهم يحترمون السبت، ونحن لا نحترم الجمعة، وهم يتنادون باسم موسى(عليه السلام )، ولا نتنادى نحن باسم محمد صلى الله عليه وسلم ، ولا بد أن نصارح أنفسنا: إننا إذا أردنا أن تتحقق معركة النصر الموعودة، فلا بد لنا أن نغير ما بأنفسنا حتى يغير الله ما بنا، لا بد لنا أن نحاربهم بمثل ما يحاربوننا به ، وإذا ما دخلنا المعركة تحت شعار العبودية لله، وتحت راية الإسلام، حينذاك نرتقب النصر، وسيكون كل شئ معنا حتى الشجر والحجر، كما بشر به رسولنا الأكرم صلى عليه وسلم .

شواهد من القران والسنة على ذل اليهود وهزيمتهم

ونهاية اليهود وذلهم وعذابهم في الأرض أمر محتوم ، وقد بين الله سبحانه وتعالى سنته فيهم إلى قيام الساعة ، وهذا بعض مما يثبت ذلك :
1 . تشريدهم في كل مكان : قال تعالى : (وقطعناهم في الأرض أمماَ ) (الأعراف: 168) .
2 . الذل الدائم : وقد جعلهم الله دائما أذلاء مهانين ، حيث قال عز وجل : ( ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوا إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ الأَنبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ)(الأعراف: 112) .
3 . العذاب الدائم: والله عز وجل تعهد في القرآن الكريم أن يعذبهم في كل العصور ويبعث عليهم من يتسلط عليهم ويذيقهم ألوان العذاب حيث قال عز وجل :( وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَىٰ يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذَابِ ۗ إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ الْعِقَابِ ۖ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ )(الأعراف:167) .
4 . العلو مرتان والهزيمة الأخيرة: في سورة الإسراء يقول الله عز وجل: ( وَقَضَيْنَا إِلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولَاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُوا خِلَالَ الدِّيَارِ ۚ وَكَانَ وَعْدًا مَفْعُولًا ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرًا إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ ۖ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا ۚ فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا )( الإسراء :4-7) .
5. استمرار اليهود: فلن يقضى على اليهود نهائياً في الأرض ولكنهم سيشردون فيها مصداقاً لقوله تعالى: ( عَسَى رَبُّكُمْ أَن يَرْحَمَكُمْ وَإِنْ عُدتُّمْ عُدْنَا وَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ حَصِيرًا )( الإسراء:8) ، وهذا تهديد ووعيد من الله تعالى أن عادوا لإفسادهم في الأرض فإن الله سيعود عليهم بالعذاب والتشريد.
6 . قوله عز وجل : ( هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ)( التوبة :33) . تبشـرنا هذه الآية الكريمة بأن المستقبل للإسلام بسيطرته وظهوره و حكمه على الأديان كلها ، وقد يظن بعض الناس أن ذلك قد تحقق في عهده صلى الله عليه وسلم وعهد الخلفاء الراشدين و الملوك الصالحين ، و ليس كذلك – حسب أهل العلم - فالذي تحقق إنما هو جزء من هذا الوعد الصادق ، كما أشار إلى ذلك النبي صلى الله عليه وسلم بقوله : " لا يذهب الليل و النهار حتى تعبد اللات والعزى ، فقالت عائشة : يا رسول الله إن كنت لأظن حين أنزل الله ( هو الذي أرسل رسوله بالهدى و دين الحق ليظهره على الدين كله و لو كره المشركون ) أن ذلك تاما ، قال : إنه سيكون من ذلك ما شاء الله " ، رواه مسلم وغيره .
7. خروجهم مع الدجال : وهناك أدلة كثيرة تدل على بقاء اليهود في الأرض منها حديث الدجال ، قال صلى الله عليه وسلم : " يتبع الدجال سبعون ألفاً من يهود أصفهان عليهم الطيالسة "‏ صحيح مسلم رواه عن انس بن مالك رضي الله عنه .
8. قوله صلى الله عليه وسلم : " إن الله زوى ( أي جمع و ضم ) لي الأرض ، فرأيت مشارقها و مغاربها و إن أمتي سيبلغ ملكها ما زوي لي منها " رواه مسلم و أبو داود والترمذي .
9 . قوله صلى الله عليه وسلم " ليبلغن هذا الأمر ما بلغ الليل و النهار و لا يترك الله بيت مدر و لا وبر إلا أدخله الله هذا الدين بعز عزيز أو بذل ذليل عزا يعز الله به الإسلام و ذلا يذل به الكفر " ، رواه ابن حبان في صحيحه وأبو عروبة في( المنتقى من الطبقات ).
10 . عن أبي قبيل قال : كنا عند عبد الله بن عمرو بن العاصي و سئل أي المدينتين تفتح أولا القسطنطينية أو رومية ؟ فدعا عبد الله بصندوق له حلق ، قال : فأخرج منه كتابا قال : فقال عبد الله : بينما نحن حول رسول الله صلى الله عليه وسلم نكتب إذ سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم :" أي المدينتين تفتح أولا ألقسطنطينية أو رومية ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : مدينة هرقل تفتح أولا . يعني قسطنطينية " . مسند أحمد : المجلد الثاني ، مسند عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنهما ، سنن الدارمي : كتاب المقدمة - باب من رخص في كتابة العلم .
11 . المعركة الفاصلة مع اليهود : إن حديث مقاتلة اليهود :" لا تقوم الساعة حتى يقاتل المسلمون اليهود ، فيختبيء اليهودي وراء كل شجر وحجر ، فيقول الشجر والحجر : يا يا مسلم يا عبدالله ، هذا يهودي خلفي فتعال فاقتله ، إلا شجر الغرقد ، فانه من شجر يهود " رواه الشيخان ، حديث صحيح ، لكنه لا يدعونا إلى التواكل والقعود حتى يخبر الحجر والشجر عن مكان اليهود، بل يحثنا على العمل والأخذ بالأسباب حتى تتوافر فينا شروط العبودية لله، كي ينادي علينا الحجر والشجر، ويقول يا مسلم يا عبد الله ورائي يهودي تعال فاقتله ، وهذا الحديث الشريف هو من أعلام نبوة رسولنا صلى الله عليه وسلم ، وقد مضت قرون، وقارئ هذا الحديث يعجب مما تضمنه من نبأ لا ينبئ عنه الواقع الملموس لحال المسلمين وحال اليهود، منذ عصر النبوة ، فقد كان اليهود في ذمة المسلمين وحمايتهم، وقد اضطهدوا في كل أنحاء العالم، ونبذهم أصحاب الملل كلها، ولم يجدوا دارًا تؤويهم وتحوطهم إلا دار الإسلام، ولم يجدوا من يحميهم ويذود عنهم ويوفر لهم حريتهم الدينية والمدنية إلا المسلمين، الذين اعتبروهم أهل كتاب، وأعطوهم ذمة الله وذمة رسوله، وذمة جماعة المؤمنين، ورب سائل يسال إذا كان الأمر كذلك ، فكيف يحدث قتال بينهم وبين المسلمين؟ وكيف يقاتل الإنسان من يحميه ويعيش في كنفه؟ ومن أين لهم القوة حتى يقاتلوا المسلمين؟ الاجابة على هذه التساؤلات وغيرها ، هو أن اليهود نكثوا العهود مع المسلمين منذ عصر النبوة وحتى الوقت الحاضر وطعنوا بالمسمين والعرب الذين آووهم ورعوهم ، وقاتلوهم واعتدوا عليهم وغدروا بهم ، كما تآمروا وتحالفوا مع أعدائهم فحاربوهم بكل الوسائل والأساليب واغتصبوا ارض فلسطين ودمروها وشردوا أهلها واستباحوا حرماتها ودنسوا الأقصى الشريف وراحوا يعملون على هدمه ، حتى استحقوا لعنة الله وعذابه لهم في الدنيا والآخرة ، وهكذا يمكننا القول أن قتال اليهود بدأ عمليا منذ الهجرات اليهودية إلى فلسطين نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين وإقامة المستوطنات اليهودية ، على حساب العرب وأراضيهم وممتلكاتهم ثم محاربتهم وطردهم من أراضيهم بالتعاون مع بريطانيا أولا ثم مع أمريكا لاحقا ، والتاريخ يحدثنا عن المذابح الكثيرة التي ارتكبها اليهود ضد العرب في فلسطين قبل الإعلان عن اغتصابها عام 1948 ومازالت حتى الوقت الحاضر .

معركة هر مجدون ( حسب المصادر الغربية )

كثر الحديث في نهاية القرن الماضي وبدايات القرن الحالي عما يسميه اليهود والغرب (معركة هرمجدون) وأخــذت وسائل الإعلام الغربي تبث البرامج المنظمة عن هذه الأسطورة . فهذه الكلمة تسيطر على أدمغة المثقفين من الغربيين خاصةً رؤساء أمريكا، بل تعتبر المحرك الأساسي والموجه الرئيسي للسياسة الأمريكية والغربية عموماً، وقد تعددت الآراء بشأن هذه المعركة وقرب موعدها . تقول الكاتبة الأمريكية (جريس هالسل): (أظهرت دراسة لمؤسسة سن لنسن نشرت في تشرين الأول 1985 أن واحداً وستين مليون أمريكي يستمعون بانتظام إلى مذيعين يبشرون على شاشات التلفزيون الأمريكي بقرب وقوع معركة هرمجدون، وبأنها ستكون معركة نووية، وأن الشعوب المسيحية يجب أن تستعد لخوض هذه المعركة الرهيبة). وفي استطلاع للرأي أجراه الواعظ الأمريكي (هول لندساي): (أثبت أن 72.5% من الأمريكيين أكدوا أنهم يعتقدون أن الحرب قادمة وستؤدي عاجلاً أو آجلاً إلى وقوع معركة هرمجدون). كما ساهم بعض الساسة الأمريكان في هذا التصعيد كما هو الحال في عهد الرئيس الأسبق ريكان الذي صرّح خمس مرات باعتقاده بقرب حلول معركة هرمجدون ، وجاء في حديث له في إحدى المقابلات التلفزيونية: ( أعتقد أحياناً أننا نتجه بسرعة عالية جداً نحو معركة هرمجدون) ، وأثناء ترشيحه للرئاسة (1980) أدلى بتصريحه لصحيفة نيويورك تايمز: ( إسرائيل هي الدولة الوحيدة التي نستطيع الاعتماد عليها كبقعة ستحدث فيها معركة هرمجدون) . وقد وردت أغلب النصوص المتعلقة بوصف معركة هرمجدون على شقين من التفصيل يكملان بعضهما بعضاً، فيؤكد شق من الروايات حتمية الإبادة البشرية فيما يثبــت الآخر نوويــة المعركة، جاء ذلك على لسان كثير من الإنجيليين والقــادة الغربيين واليهود، إذ يقول (سكوفيلد) صاحب أحد المراجــــع الإنجيلية، والذي يعــد عند الغربيين من أهم مراجعهم: ( إن عالمنا سوف يصل إلى نهايته بكارثة ودمار ومأساة عالمية نهائية، وإن المسيحيين المخلصين يجب أن يرحبوا بهذه الحادثة، لأنه بمجرد أن تبدأ المعركة النهائية والمعروفة بمعركة هرمجدون فإن المسيـــح سوف يرفعهم إلى السماء وســوف ينقذهم) .
ويُذكَر أنه في عام 1984 أجرت مؤسسة يانكلوفينش استفتاءً ظهر منه أن 39% من الشعب الأمريكي - أي حوالي 85 مليون - يعتقدون أن حديث الإنجيل عن تدمير الأرض بالنار قبل قيام الساعة ، سيكون بحرب نووية فاصلة . يقول أحد القساوسة الغربيين : ( كنت أتمنى أن أستطيع القول: أننا سنحصل على السلام، ولكني أؤمن بأن هرمجدون مقبلة، إن هرمجدون قادمة، وسيخاض غمارها في وادي مجيدو... إنها قادمة، إنهم يستطيعون أن يوقعوا على اتفاقيات السلام التي يريدون، لكن ذلك لن يحقق شيئاً، هناك أيام سوداء قادمة). ويقول (جيري فولويل) زعيم الأصوليين المسيحيين: ( إن هرمجدون حقيقة، إنها حقيقة مركبة، ولكن نشكر الله أنها ستكون نهاية العامة والعالم ) ويؤمن غيره من الأصوليين بأن تاريخ الإنسانية ينتهي بمعركة تدعى هرمجدون وأن هذه المعركة سوف تتوج بعودة المسيح الذي سيحكم بعودته على جميع الأحياء والأموات على حد سواء . ويتضمن كتاب ( لو كررت ذلك على مسامعي فلن أصدقه ) لمؤلفه الصحفي الفرنسي (جان كلود موريس) وقدم له عرضا الكاتب (كاظم فنجان الحمامي ) أخطر أسرار المحادثات الهاتفية بين الرئيس الأمريكي (جورج بوش الابن) والرئيس الفرنسي السابق (جاك شيراك)، والتي كان يجريها الأول لإقناع الثاني بالمشاركة في الحرب التي شنها على العراق عام 2003 ، بذريعة القضاء على (يأجوج ومأجوج). وذكر المؤلف (جان كلود موريس) في مستهل كتابه ، الذي يسلط فيه الضوء على أسرار الغزو الأمريكي للعراق، إذا كنت تعتقد أن أمريكا غزت العراق للبحث عن أسلحة التدمير الشامل فأنت واهم جدا، وان اعتقادك ليس في محله، فالأسباب والدوافع الحقيقية لهذا الغزو لا يتصورها العقل، بل هي خارج حدود الخيال، وخارج حدود كل التوقعات السياسية والمنطقية، ولا يمكن أن تطرأ على بال الناس العقلاء أبدا، فقد كان الرئيس الأمريكي السابق (جورج بوش الابن) من اشد المؤمنين بالخرافات الدينية الوثنية البالية، وكان مهووسا منذ نعومة أظفاره بالتنجيم والغيبيات، وتحضير الأرواح، والانغماس في المعتقدات الروحية المريبة ، وفي مقدمتها (التوراة) – التي بين أيدينا - ويجنح بخياله الكهنوتي المضطرب في فضاءات التنبؤات المستقبلية المستمدة من المعابد اليهودية المتطرفة. وكان يميل إلى استخدام بعض العبارات الغريبة، وتكرارها في خطاباته، من مثل: (القضاء على محور الشر) و(بؤر الكراهية) و(قوى الظلام) و(ظهور المسيح الدجال) و(شعب الله المختار) و(الهرمجدون) و(فرسان المعبد)، ويدعي انه يتلقى يوميا رسائل مجفرة يبعثها إليه (الرب) عن طريق الإيحاءات الروحية والأحلام الليلية. وكشف الرئيس الفرنسي السابق (جاك شيراك) في حديث مسجل له مع مؤلف الكتاب عن صفحات جديدة من أسرار الغزو الأمريكي قائلا: (تلقيت من الرئيس بوش مكالمة هاتفية في مطلع عام 2003 فوجئت فيها بالرئيس بوش وهو يطلب مني الموافقة على ضم الجيش الفرنسي للقوات المتحالفة ضد العراق مبررا ذلك بتدمير آخر أوكار "يأجوج ومأجوج" ومدعيا أنهما مختبئان الآن في الشرق الأوسط قرب مدينة بابل القديمة، وأصر على الاشتراك معه في حملته الحربية، التي وصفها بالحملة الإيمانية المباركة، ومؤازرته في تنفيذ هذا الواجب الإلهي المقدس، الذي أكدت عليه نبوءات التوراة والإنجيل). ثم يتابع المؤلف كلامه، قائلا: (إن الطائفة المسيحية التي ينتمي إليها بوش، هي الطائفة الأكثر تطرفا في تفسير العهد القديم – التوراة - وتتمحور معتقداتها حول ما يسمى بالمنازلة الخرافية الكبرى، ويطلقون عليها اصطلاح " هرمجدون" ، وهي المعركة المنتظرة ، التي خططت لها المذاهب اليهودية المتعصبة، واستعدوا لخوضها في الشرق الأوسط، ويعتبرونها من المعارك الحتمية الفاصلة) . وقد كتب الرئيس السابق للقساوسة الإنجيليين (س.س.كريب) عام 1977: ( في هذه المعركة النهائية، فإن المسيح الملك سوف يسحق كلياً ملايين العسكريين المتألقين الذين يقودهم الديكتاتور المعادي للمسيح) . فيما يقول المبشر ( ليندسي) في كتابه ( آخر أعظم كرة أرضية) : ( عندما تصل الحرب الكبرى إلى هذا المستوى، بحيث يكون كل شخص تقريباً قد قتل، تحين ساعة اللحظة العظيمة، فينقذ المسيح الإنسانية من الاندثار الكامل..) مشيرا إلى بقاء 144 ألف يهودي على قيد الحياة بعد معركة هر مجدون. وصرح القس (بيلي جراهام) عام 1977 (بأن يوم هرمجدون على المشارف، وأن العالم يتحرك بسرعة نحو معركة مجدو، وان الجيل الحالي يكون آخر جيل في التاريخ، وان هذه المعركة ستقع في الشرق الأوسط).

المعركة (حسب المصادر اليهودية )

تعتبر معركة (هر مجدون )عقيدة مسيحية - يهودية مشتركة ، وهي تؤمن بمجــئ يوم يحــدث فيه صــدام بين قوى الخير و الـــشر، و سوف تقوم تلك المعركة في أرض فلسطين ، متكونة من مائتي مليون جندي يأتون إلى وادي مجدو لخوض حرب نهائية ، ويبدو أن سر اهتمام الغرب قادةً وعلماء ومثقفين وكثير من عامتهم ب(هر مجدون ) راجع إلى أن هذه الكلمة وردت في موضع واحد من الإنجيل في سفر الرؤيا ، كما يستند اليهود أيضا إلى النص العبري الوارد في الإصحاح 16 من هذا السفر ، بأن المعركة المسماة (معركة هرمجدون) ستقع في الوادي الفسيح المحيط بجبل مجدون في أرض فلسطين وان المسيح سوف ينزل من السماء ويقود جيوشهم ويحققون النصر على المسلمين، والنص كما يلي:
(ثم سكب الملاك السادس جامه على النهر الكبير ـ الفرات ـ فنشف ماؤه لكي يُعدَّ طريق الملوك الذين من مشرق الشمس، ورأيت من فم التنين ومن فم الوحش ومن فم النبي الكذاب ثلاثة أرواح نجسة شبه ضفادع فإنهم أرواح شياطين صانعة آيات تخرج على ملوك العالم وكل المسكونة لتجمعهم لقتال ذلك اليوم العظيم يوم الله القادر على كل شيء، ها أنا آت كلص، طوبى لمن يسهر ويحفظ ثيابه لئلا يمشي عرياناً، فجمعهم إلى الموضع الذي يدعى بالعبرانية هرمجدون). واليهود أكثر تشوقاً لهذا اليوم الموعود الذين يسمونه يوم الله، فقد نقلت وكالة الصحافة الفرنسية نبأً من القدس المحتلة أثناء حرب الخليج عام 1991 للحاخام (مناحيم سيزمون) ، الزعيم الروحي لحركة حياد اليهودية ، مفاده أن أزمة الخليج تشكل مقدمة لمجيء المسيح المنتظر. وهذه الاعتقادات ظهرت عند اليهودي تيودور هرتزل – مؤسس الحركة الصهيونية – عندما ذكر انه ظهر له ـ في عالم الرؤيا ( المسيّا ـ المسيح ) الملك على صورة شيخ حسن وقال له بان يذهب ويخبر اليهود بأنه سوف يأتي عما قريب ليجترح المعجزات العظيمة ويسدي عظائم الأعمال لشعبه وللعالم كله ، ومما ذكر في التلمود عن حرب هرمجدون: (وقبل أن يحكم اليهود نهائياً –أي قبل أن يحكموا العالم- يجب أن تقدم الحرب على قدم وساق، ويهلك ثلثا العالم ليأتي المسيح الحقيقي ويحقق النصر القريب) . و( هر مجدون ) كلمة عبرية مكونة من مقطعين: (هار) بمعنى جبل، و(مجيدو) هو وادي بأرض فلسطين . وتقع (مجيدو) في منطقة فلسطين على بعد 90 كلم شمال القدس و 30 كلم جنوب شرق مدينة حيفا ، ويذكر اليهود في تاريخهم أنها كانت مسرحا لحروب ضارية في الماضي كما يرون فيها موقعا أثريا مهما أيضا. وعلى العموم فان السياسيين الغربيين واليهود يتسابقون إلى تثبيت فكرة المعركة بتفسيرها اليهودي لدى الشعوب للحصول على مكاسب سياسية رخيصة وتنفيذاً لمآرب الصهيونية العالمية وإرضاءً لدولة إسرائيل العنصرية، وبهذا الصدد تقول الكاتبة الأمريكية (جريس هالسل): (إن النبوءات التوراتية تحولت في الولايات المتحدة الأمريكية إلى مصدر يستمد منه عشرات الملايين من الناس نسق معتقداتهم ومن بينهم أناس يرشحون أنفسهم لانتخابات الرئاسة الأمريكية وكلهم يعتقدون قرب نهاية العالم ووقوع معركة هرمجدون، ولهذا فهم يشجعون التسلح النووي ويستعجلون وقوع هذه المعركة باعتبار أن ذلك سيقرب مجيء المسيح). وتقول مجلة ( دير شبيكل) الألمانية :( أن الرئيس السابق بوش أصبح واحداً من الستين مليون أمريكي الذين يؤمنون بالولادة الثانية للمسيح وهذا ما دعاه إلى القول: بأن المسيح هو أهم الفلاسفة السياسيين في جميع الأزمنة لأنه ساعدني على التوقف عن شرب الخمر). وشارك في هذا التوجه تقرير لمنظمة حقوق الإنسان صدر في قبرص عام 1990 يقول: (توجد هيئات وجمعيات سياسية وأصولية في الولايات المتحدة ومعظم دول العالم تتفق في أن نهاية العالم قد اقتربت، وإننا نعيش الآن في الأيام الأخيرة التي ستقع فيها معركة هرمجدون، وهي المعركة الفاصلة التي ستبدأ بقيام العالم بشن حرب ضد إسرائيل، وبعد أن ينهزم اليهود يأتي المسيح ليحاسب أعداءهم ويحقق النصر، ثم يحكم المسيح العالم لمدة ألف عام يعيش العالم في حب وسلام كاملين).

المعركة الفاصلة (حسب المصادر العربية والإسلامية)

أما المسلمون فإنهم مؤمنون بمعركة كبرى فاصلة – كما ذكرنا - في آخر الزمان تقع بين المسلمين والكفار دون الإشارة إلى اسم (هرمجدون) ، وينتهي الأمر بانتصار المسلمين في المعركة ، وتذكر المصادر العربية والإسلامية بان الحديث عن نشوب معركة كبرى بين المسلمين والروم جاء مصرحا به في السنة الصحيحة، فقد روى أحمد وأبو داود وابن ماجه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ستصالحون الروم صلحاً آمناً، فتغزون أنتم، وهم عدوا من ورائهم فتسلمون وتغنمون، ثم تنزلون بمرج ذي تلول، فيقوم رجل من الروم فيرفع الصليب ويقول: غلب الصليب، فيقوم إليه رجل من المسلمين فيقتله، فيغدر الروم وتكون الملاحم، فيجتمعون لكم في ثمانين راية ، مع كل راية اثنا عشر ألفاً". وروى مسلم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا تقوم الساعة حتى تنزل الروم بالأعماق - أو بدابِقَ التي في حلب سوريا - فيخرج إليهم جيش من المدينة من خيار أهل الأرض يومئذ ، فإذا تصافوا ، قالت الروم : خلوا بيننا وبين الذين سُبُوا مِنَّا نقاتلْهم، فيقول المسلمون : لا والله، كيف نُخَلِّي بينكم وبين إخواننا ، فيقاتلونهم ؟ فينهزم ثُلُث ولا يتوب الله عليهم أبدا ، ويُقتَل ثلثُهم أفضل الشهداء عند الله ، ويفتتح الثلث، لا يُفتَنون أبدا ، فيفتَتحِون قسطنطينية ، فبينما هم يقتسمون الغنائم، قد عَلَّقوا سُيوفَهُهْم بالزيتون ،إذ صاح فيهم الشيطان : إنَّ المسيحَ الدَّجَّالَ قد خَلَفَكم في أهاليكم، فيخرجون ، وذلك باطل ، فإذا جاؤوا الشام خرج ، فبيناهم يُعِدِّون القتال ، يُسَوُّون صفوفَهم ، إذا أقيمت الصلاة ، فينزل عيسى بن مريم ، فأمَّهم ، فإذا رآه عدو الله ذاب كما يذوب في الماء فلو تركه لا نزاب حتى يهلك ، ولكن يقتله الله بيده – يعني المسيح- فيريهم دَمه في حربته " أخرجه مسلم. وعن أبي الدرداء رضي الله عنه قال ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يوم الملحمة الكبرى فسطاط المسلمين، بأرض يقال لها الغوطة، فيها مدينة يقال لها دمشق، خير منازل المسلمين يومئذ" أخرجه الحاكم. وفي حديث أخرجه ابن منده ذكر فيه ست مسائل من علامات الساعة، وقد صحح ابن منده سنده كما صححه الألباني في فضائل الشام . فعن عوف بن مالك قال:" أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في خباء له من أدم فسلمت، ثم قلت: أدخل؟ قال: ادخل، فأدخلت رأسي، فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ وضوءاً مكيناً، فقلت: يا رسول الله، أدخل كلي؟ قال: كلك، فلما جلست قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: ست خصال بين يدي الساعة: موت نبيكم عليه السلام، فوجمت لذلك وجمة ما وجمت مثلها قط. قال: قل: إحدى. قلت: إحدى. قال: وفتح بيت المقدس، وفتنة فيكم تعم بيوتات العرب، وداء يأخذكم كقعاص الغنم، ويفشو المال فيكم حتى يعطى الرجل مائة دينار فيظل ساخطاً، وهدنة تكون بينكم وبين بني الأصفر فيغدرون فيأتونكم في ثمانين غاية، تحت كل غاية اثنا عشر ألفاً ". (هذا إسناد صحيح على رسم الجماعة رواه الوليد بن مسلم وغيره عن ابن زبر. انتهى، ورواه يحيى بن أبي عمرو الشيباني عن مكحول وإبراهيم بن عبد الله بن العلاء ثقة حدث من كتاب أبيه روى عن ابن عوف وأبو زرعة ويعقوب بن سفيان. انتهى.) وجاء في شرح هذا الحديث لمركز الفتوى ما نصه : أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر في هذا الحديث ست علامات من علامات الساعة الصغرى، وقد وقع منها خمس علامات، وبقيت السادسة، والخمس التي وقعت هي:
1. موت النبي صلى الله عليه وسلم.
2. فتح بيت المقدس، وكان ذلك في خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه في السنة السادسة عشرة من الهجرة النبوية، كما ذهب إلى ذلك أئمة السيرة، وقد ذهب عمر رضي الله عنه بنفسه إلى بيت المقدس وبنى فيها مسجداً في قبلة بيت المقدس، كما روى الإمام أحمد وحسنه أحمد شاكر من طريق عبيد بن آدم قال: سمعت عمر بن الخطاب يقول لكعب الأحبار: أين ترى أن أصلي؟ فقال: إن أخذت عني صليت خلف الصخرة، فكانت القدس كلها بين يديك، فقال عمر: ضاهيت -شابهت- اليهود، لا، ولكن أصلي حيث صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فتقدم إلى القبلة فصلى، ثم جاء فبسط رداءه فكنس الكناسة في ردائه، وكنس الناس.
3 . كثرة الموت، وذلك قوله صلى الله عليه وسلم: "موتان يأخذ فيكم كعقاص الغنم" وعقاص الغنم هو: داء يأخذ الدواب فيسيل من أنوفها شيء فتموت فجأة. قال أبو عبيدة: ومنه أخذ الإقعاص وهو القتل مكانه. قال ابن حجر: ويقال إن هذه الآية ظهرت في طاعون عمواس في خلافة عمر وكان ذلك بعد فتح بيت المقدس. وقال الشيخ يوسف الوابل في كتابه (أشراط الساعة): ففي سنة ثمان عشرة للهجرة على المشهور الذي عليه الجمهور وقع طاعون في كورة عمواس، ثم انتشر في أرض الشام فمات فيه خلق كثير من الصحابة رضي الله عنهم، ومن غيرهم. قيل: بلغ عدد من مات فيه خمسة وعشرون ألفاً من المسلمين، ومات فيه من المشهورين أبو عبيدة عامر بن الجراح أمين هذه الأمة رضي الله عنه.
4. استفاضة المال حتى يعطى الرجل مائة دينار، فيظل ساخطاً، وقد تحقق هذا في زمن عمر بن عبد العزيز فقد كثر المال في عهده، وفاض حتى كان الرجل يعرض المال للصدقة فلا يجد من يقبله منه، وسيكثر أيضاً في آخر الزمان حتى يعرض الرجل ماله، فيقول الذي يعرضه عليه: لا أرب لي به، وذلك عند ظهور المهدي، ونزول عيسى عليه السلام، ففي صحيح مسلم عن النواس بن سمعان: "... ثم يقال للأرض أنبتي تمرتك وردي بركتك، فيومئذٍ تأكل العصابة من الرمانة، ويستظلون بقحفها ويبارك في الرسل -اللبن- حتى إن اللقحة من الإبل، وهي قريبة العهد بالولادة لتكفي الفئام من الناس، والفئام هي الجماعة الكثيرة، واللقحة من البقر تكفي الفخذ، وهم الجماعة من الأقارب وهم دون البطن، والبطن دون القبيلة، والشاة من الغنم تكفي أهل البيت". وروى مسلم أيضاً عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " تقيء الأرض أفلاذ كبدها أمثال الأسطوان من الذهب والفضة. قال: فيجيء القاتل، فيقول: في هذا قتلت، ويجيء القاطع، فيقول: في هذا قطعت رحمي، ويجيء السارق، فيقول: في هذا قطعت يدي، ثم يدعونه فلا يأخذون منه شيئاً" ، وروى مسلم أيضاً عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "والله لينزلن عيسى ابن مريم حكماً وليدعون إلى المال فلا يقبله أحد". وهذه الاستفاضة للمال لم تقع بعد، لأنها تكون بعد ظهور المهدي، ونزول عيسى عليه السلام، وهذا ما لم يقع بعد.
5 . فتنة لا يبقى بيت من العرب إلا دخلته، وهي كما قال الحافظ ابن حجر في الفتح: والفتنة المشار إليها افتتحت بقتل عثمان، واستمرت الفتنة بعده.
6 . هدنة تكون بينكم وبين بني الأصفر، فيغدرون فيأتونكم تحت ثمانين غاية تحت كل غاية اثنا عشر ألفاً، وهذه لم تقع بعد، وقد نص جماعة من أهل العلم على أنها لم تقع حتى زمنهم، منهم: ابن حجر وابن المنير. وقال: أما قصة الروم فلم تجتمع إلى الآن، ولا بلغنا أنهم غزوا في البر في هذا العدد، فهي من الأمور التي لم تقع بعد، وفيه بشارة ونذارة، وذلك أنه دل على أن العاقبة للمؤمنين مع كثرة ذلك الجيش، وفيه بشارة إلى أن عدد جيش المسلمين سيكون أضعاف ما هو عليه.
وفي كتابه (الحرب العالمية القادمة في الشرق الأوسط) سَبَرَ هشام كمال عبدالحميد أغوار معركة كبرى حدثنا عنها معظم الأنبياء، أكبر معركة ستشهدها الكرة الأرضية في تاريخها وحتى قيام الساعة . وتعرف هذه المعركة في الإسلام باسم الملحمة الكبرى ، وستأتي بعد معركة هر مجدون ، ولكن متى ستحدث هذه الملاحم الكبرى ؟ عِلم ذلك عند الله عز وجل .

الخاتمة

تشير المصادر الغربية واليهودية إلى معركة هر مجدون بينما تشير المصادر العربية والإسلامية إلى حصول ملحمة كبرى- دون الإشارة إلى هر مجدون - وفيها يكون النصر حاسما للمسلمين ، كما ورد ذلك في الأحاديث النبوية الشريفة التي اشرنا إليها سابقا . وهكذا سيندحر الشر ويندحر أقوى وأعتى أعداء الإسلام ويدخلون في دين الله أفواجا ، ويتحقق قول النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ليبلغن هذا الأمر ما بلغ الليل و النهار ولا يترك الله بيت مدر ولا وبر إلا أدخله الله هذا الدين بعز عزيز أو بذل ذليل عزا يعز الله به الإسلام و ذلا يذل به الكفر " ، رواه ابن حبان في صحيحه ، ومما لا شك فيه أن تحقيق هذا الانتصار يستلزم أن يعود المسلمون أقوياء في معنوياتهم و مادياتهم وسلاحهم حتى يستطيعوا أن يتغلبوا على قوى الكفر و الطغيان . أما أسطورة هر مجدون ، التي لا توجد إلا في سفر الرؤيا ، فقد بنى عليها اليهود – ومعهم الغرب - عقائدهم وأوهامهم وخرافاتهم تعبيرا عن عقد فكرية وأزمات تاريخية ، والتي أرادوا إزاءها تحويل الأزمات إلى مركب وجودي في الواقع يقوم في كل محصلاته وأبجدياته على الفكر الوثني وقضية التوحد والاندماج مع الله تعالى الذي تعظم عن التشبيه. وينتهي هذا الفكر المزيف بقواعده وأصوله على المكر التلمودي الدموي العام القائم على الانتقام والعدوان والمتناقض مع مركب الأمم الأخلاقي والإنساني . ولهذا نرى الغرب ، الذي أصبح وحشا كبيرا ، يسعى إلى السيطرة على العالم ، وخاصة العرب والمسلمين ، بأي وسيلة وأي طريقة، وتحت أي ذريعة أو ادعاء أو غطاء ، وهذا الوحش على رأسه تلك الأفعى اليهودية توجهه يميناً وشمالاً، تمتص خيرات هذا العالم، وتوجهه ليحارب من يشاء ويترك من يشاء، ويبدو أن هذا التصعيد الإعلامي والتبشيري في الغرب ب(هر مجدون) ، راجع إلى أسباب كثيرة اشرنا إليها في سياق الدراسة ، منها تبرير عدوانهم على الدول والشعوب والاستحواذ على ثرواتها وسلب أرادتها ، ومنها حرص القيادات الغربية والصهيونية على تكثيف هجرة اليهود إلى فلسطين ومنع الموجودين فيها من الهجرة المعاكسة إلى بلدانهم ، وإغرائهم بأن(المسيح ) سيخوض معركة كبرى لصالحهم وسيحكم العالم ألف سنة وأنهم سيعيشون آمنين مستقرين. وهر مجدون تتواتر في الخطاب الغربي السياسي الديني (خصوصاً في الأوساط البروتستانتية المتطرفة واليهودية الصهيونية) لوصف المعارك بين العرب واليهود، أو لوصف أي صراع ينشب في الشرق الأوسط، أو حتى في أية بقعة في العالم، كما يتم إدراك الصرع العربي الإسرائيلي من خلال هذه الصورة المجازية (هرمجدون) . واخيرا نقول ان العرب والمسلمين بحاجة الى مراجعة تاريخ أمريكا التوراتي، ومناقشة مدى تأثرها بالخرافات الصهيونية ، وتعصبها لها أكثر من اليهود أنفسهم، وسنكتشف في نهاية الامر انه بات من الضروري أن يعرف أبناء امتنا حقيقة تلك العلاقة الدينية والتاريخية بين اليهود وأمريكا التوراتية، ويدركوا إن كل هذه الحروب الاستباحية التي تخوضها أمريكا ضد العرب والمسلمين، وكل هذه المؤامرات التي تحيكها هي من اجل تدميرنا ونهب ثرواتنا وتمزيق وحدتنا الوطنية من خلال زرع الفتن وإثارة النعرات الطائفية المسيسة، ومحاولة إعادة رسم خريطة الشرق الأوسط ، وتأمين وجود اسرائيل خنجرا في خاصرة العرب والمسلمين .


مراجع

1. من محاضرة: الأدلة الشرعية على سقوط الغرب ، موقع الدكتور سفر الحولي .
2 . أبو طيبة محمد مبخوت ، ليبلغن هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار ، منتديات أهل الحديث .
3 . فاطمة عبدالله خليل ، معركة هر مجدون : لكي لا يوقف الأعداء نبضنا ، صحيفة الوطن الالكترونية .
4 . خالد عبدالواحد ، نهاية إسرائيل والولايات المتحدة ، منتديات العدل والإحسان .
5 . كارلو تاجيزن / معركة هرمجدون/ ص 11 ترجمة أحمد علي.
6. حسن عبد الأمير الظالمي، معركة هرمجدون الفاصلة ، باحث ومحرر في مجلة الانتظار.
7 . هر مجدون ، موسوعة ويكيبيديا الحرة .
8 . هر مجدون ، عبدالوهاب محمد المسيري ، موسوعة الصهيونية واليهود واليهودية .
9 . ياسر حسين: معركة آخر الزمان ونوة المسيح منقذ إسرائيل ص 33 ط1/ 1413 ص 1993 دار الأمين القاهرة.
10 . أحمد حجازي السقا: عودة المسيح المنتظر : لحرب العراق بين النبوءة والسياسة ط 1/2003 دار الكتاب العربي القاهرة .
11 . ياسر حسين: معركة آخر الزمان ونوة المسيح منقذ إسرائيل ص 33 ط1/ 1413 ص 1993 دار الأمين القاهرة.
12 . المفكر الإسلامي محمد حسني البيومي الهاشمي ، سقوط نظرية الهر مجدون الزائفة ، الماشيحانية وحرب النهاية ، منتديات الأقصى الأسير الثقافي .
13 . جان كلود موريس ، لو كررت ذلك على مسامعي فلن اصدقه ، عرض كاظم فنجان الحمامي ، مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية - المملكة المتحدة - لندن