نتائج الثورة السورية
ترسم خريطة المنطقة وربما العالم
الدكتور عزت السيد أحمد


من يظنون أنَّ الثورات حتمية النصر فهم واهمون، ولنا في تاريخ الثورات الكثير من النَّماذج التي يجب أن تكون أمام أعيننا وعقولنا، ثَمَّة ثورات انتصرت، وثَمَّة ثورات انهزمت، وثَمَّة ثورات اقتربت من النصر إلى أبعد الحدود ولۤكنَّهَا انقلبت موازينها وانهزت، وثَمَّة ثورات أوشكت على الهزيمة وانتصرت...
نحن لسنا أمام قانونٍ ثابتٍ، ولا قاعدةٍ واحدةٍ نقيس عليها.
نحن في حقيقة الأمر أمام قوانين الحياة العادية والمنطقية، مع بعض ما يمكن أن يضاف من خصوصيَّة الثورات؛ من يخطِّط جيداً، ويعمل جيداً... يصل إلى النتيجة التي يريد أن يصل إليها، من يتواكل ويتكاسل ويخلط الحابل بالنابل ويفقد الضمير ويقدم مصلحته على مصلحة الوطن... كل أولئك يقودون إلى نتائج عكسيَّة، احتمال كبير للهزيمة.
الأمر ليس معادلة استخراج العطر من المرحاض، ولا نضالاً لتحويل الخشب إلى ذهب، المعادلة واضحة وبسيطة...
ولذۤلك فإنَّ انتصار الثورة بهٰذه الوجوه البارزة أمرٌ مستحيلٌ، أمَّا الوجوه غير البارزة التي تأتينا أخبار انتصاراتها فهي التي يمكن أن تصنع النصر، ومع ذۤلكَ إذا لم تكن محققة لشروط نصر الثورة فإن انتصاراتها الجزئية لن تكون إلا إضاءات خاطفة في الظلام تلمع حيناً وتختفي.
إنَّ الذين يتصرفون على أساس أن نصر الثورة أمر حتمي ويتكلون على هٰذه الحتمية فإنهم يغامرون بكل تضحيات الثورة ويضعونها في مهب الرياح واحتمالية الهزيمة.
على أيِّ حالٍ، إنَّ ما يخص توقعات انتصار الثورة أو عدم انتصارها، المسألة ليست قرار شخص، ولا أمنيات شعب، إنه جملة من الظروف والشروط والمعطيات المتكاملة، مدى تحققها هو الذي يحدد مسار النصر وإمكاناته.
المخاطر التي تهدد أيَّ ثورة كثيرة. أخطر ما يهدد أي ثورة هو الوثوقية العمياء بالنصر، أو الوثوقية العمياء بالهزيمة. إنَّ الشعب الثائر الذي يتكل على أنه منتصر غصباً عن الطبيعة والبشر ولا يفعل ما يجب فعله بالطريقة التي يجب فعلها فإنه يسلم نفسه للهزيمة النكراء البشعة. والشعب الثائر الذي لا يملك إرادة النصر، ويؤمن بأنه لن ينتصر، أو لا يريد أن ينتصر، أو ينتظر العوامل الخارجية التي تساعده على النصر فاحتمال هزيمة كبير جداً. قلناها مرة ونعيدها: لا تستطيع قوَّةٌ خارجيَّةٌ أبداً أن تهزم ثورة أرادت أن تنتصر، لا يهزم الثورات إلا إرادة الثورات أن لا تنتصر. ولا تستطيع قوة خارجية أن تنصر ثورة لا يمتلك أهلها مقومات النصر، قد تستطيع القوة الخارجية احتلال البلاد وتغيير السلطة كما حدث في العراق وأفغانستان، ولٰكن هٰذه ليست ثورة، هي احتلال وسلطة احتلال بأشخاص من أهل البلد.
فيما يخص الثورة السورية بوضعها الراهن، الأمور معقدة نعم، ولكنها لا تختلف في سياقها العام عما سبق الكلام فيه أبداً. هناك تخبيص وتلبيص، وهٰذا منطقي في ظلِّ هٰذه المعطيات التاريخية، ولٰكن ما هو غير منطقي، وما لا يمكن القبول به أبداً أنه لا يوجد قيادة موحدة يلتزم بها الجميع.
أخطر ما تعيشة الثورة الثورية منذ البداية حتى الآن هو أنها بلا راس، بلا قيادة موحدة، بلا قائد ثوري، والثورة التي لا قائد أو لا قيادة موحدة لها ستقود البلاد إلى فوضى، والثورة التي لها أكثر من قيادة ستقود البلاد إلى فوضى ودمار.
هٰذه حقائق وليست مخاوف، وبداهات وليست أفكاراً فلسفيَّةً معقَّدة يصعب على الناس إدراكها، إنها بداهات يدركها الأطفال ويمارسونها.
على أي حال، الحقيقة التي يجب أن تكون حاضرة في أذهاننا هي نتائج الثورة السورية تحدد وجه المنطقة. مهما كانت نتائج الثورية السورية، من نصر نتمناه ولا نتمنى سواه، أو هزيمة لا سمح الله، فإنها ستغير وجه المنطقة وربما التاريخ البشري كله.
مثلما كانت عاصمة الخلافة دمشق فاتحة عصر جديد للحضارة البشرية بكل ما تعنيه الكلمة، فإن دمشق ستكون فاتحة عصر جديد، وانعطافة في تاريخ البشرية على مختلف الأصعدة والمستويات.
باختصار أقول:
إما أن تنتصر الثورة السورية ومن ثَمَّ فإن الثورة المصرية ستنتصر ويعاد صوغ العالم العربي والإسلامي من جديد عبر بوابة الشام مصر.
أو أن تنهزم الثورة السورية لا سمح الله، وهٰذا يعني أن الثورة المصرية أيضاً ستنهزم، ولكن المنطقة ستتحول إلى جحيم يأكل الأخضر واليابس، ولن تكون قوة قادرة على ضبط هذا الجحيم.
في الحالين كليهما: وجه التاريخ سيتغير، وإسرائيل ستزول، وكل هذه الجهود الأمريكية الإسرائيلية لحماية نظامي الأسد والسيسي الحاميين لإسرائيل، إلى جانب دول المنطقة، ستذهب هباء...
كلها ستذهب هباء، إسرائيل ستزول من الوجود وهي وأمريكا من فرض على المنقطة إزالتها، وإن لم يكن من السهل أبداً إقناعنا بقبولها في المنطقة.
ولذلك نصيحتي للشعب اليهودي في فلسطين أن يحمل أشياءه ويبدأ بالرحيل.