إيران والثورة السورية ومستقبل المنطقة
إيران تتصرف على أنها دولة عظمى
الدكتور عزت السيد أحمد

كتبت محذراً في 2/11/2013م: يخطئ من يظن أن إيران غير قادرة على التهام كل دول الخليج العربي خلال أيام قليلة من أجل فرض تسويات جديدة.
ويخطئ من يظن أن إيران لا تفكر في ذلك بشكل جديٍّ.
ويخطئ من يظن أن دول الخليج العربي اتخذت أي احتياط لمثل هذا التهديد المحتمل بشدة.
ويخطئ من يعتقد أو يظنُّ أن الفرصة المتاحة الآن أمام دول الخليج لاتخاذ الاحتياطات ستبقى كثيراً.
وأكبر خطيئة ترتكبها دول الخليج الميمونة أن تظن أن الولايات المتحدة ستدافع عنها مثلما دافعت عن الكويت يوماً ما؛ دافعت عن الكويت لأن العراق هي التي احتلتها ولو أن إيران هي التي فعلت ذۤلكَ لما اهتز الجفن الأمريكي.
وقع هٰذا الكلام موقعة عند من يفهم المعادلات السياسيَّة وعنده رؤية استراتيجية. ولۤكنَّهُ فيما يبدو لم ولن يجد أذنا صاغيةً عند حكَّام العرب وخاصَّة الخليجيين منهم. والذي بدا لنا أنَّ معظم حكومات الخليج ليست إلا بيادق بيد كسرى. هٰذا في أحسن الظَّن طبعاً.
لن نعود إلى ما مضى من التاريخ كثيراً الآن. ولٰكنَّ حساسية الموقف وخطورته تستدعي منا العودة قليلاً إلى التاريخ؛ أجتزئُ هنا خاتمة مقال لي كتبته في أول أيام عام 2005م بعنوان وصار الخليج فارسيًّا، ونشرته في كتابي العرب جثة تنهشها الكلاب الذي صدر عام 2009م، وفي هٰذه الخاتمة:
من الخطأ القول إننا لا ندري إن كان لإيران مطامح ومطامع في لعب دورٍ إقليميٍّ في المنطقة. فإيران في توقٍ إلى إعادة أمجادها الفارسية. ولا نبوح بسرٍ إذا قلنا إنَّ إيران ترى أنَّها الأحق باحتلال المنطقة العربية والسَّيطرة عليها بدل أمريكا، ولذۤلك لا نستبعد أن تقوم لاحقاً بترويج أفكار تخدم هٰذا المشروع من قبيل أنَّ العراق جزءٌ من إيران قديماً، أو أنَّ الكويت أو الإمارات أو قطر جزءٌ منها... أو رُبَّما كلها جزء من الإمبراطورية الإيرانية.
لا نغفل هنا أبداً أنَّ الحقد الفارسي على العرب لم يتوقف منذ إسقاط الإمبراطورية الفارسية. فالفرس على الرَّغْمِ من دخولهم الإسلام فإنهم منذ انهيار إمبراطوريتهم وهم يكنون الحقد البالغ على العرب، ورُبَّما على الإسلام أيضاً. ويرون أن سقوط إمبراطوريتهم على يد العرب أو المسلمين أمر لا يمكن أن يغتفر ولا بُدَّ من الثأر له.
لذۤلك فإنَّ الموقف الإيرانيَّ من العرب غيرُ مرتبطٍ بالموقف الطائفي، ولا علاقة له به. إنَّهم عندما كانوا سُنَّةً خرجت منهم الحركة الشُّعوبية التي تقزِّم العرب وتقلل من شأنهم وقيمتهم. وعندما تحولوا إلى شيعةٍ وأعلنوا انتماءهم إلى آل البيت لم يتغير حقدهم على العرب وحرصهم على الثأر من انهيار إمبراطوريتهم على أيدي العرب والمسلمين.
كل ذۤلكَ يعني أن المشروع الفارسي قادمٌ بقوَّةٍ، وإنما هو يتحين الفرصة المناسبة للانقضاض على المنطقة. وما المجاهرة بإعلان اسم الخليج الفارسي إلا خطوة أولى على طريق هٰذا المشروع.
العرب حكومات وشعوباً نيام... نيام.... نيام...
فمتى يستيقظون؟
كم مرة سألنا هٰذا السؤال وما من مستيقظ يسمع النداء!!
فجرنا القنابل كلها ولم يستيقظوا!!!
إيران وحزب الله يدركون هٰذه الحقيقة تمام الإدراك ويعرفون ماذا يريدون. أما الحكام العرب فمنغمسون في الملاهي والملذات الشخصية والغباء الاستراتيجي أو الخيانة العظمى، ولا شيء ثالث يفسر سلوكهم. ولذۤلك ما إن اندلعت الثورة السورية حَتَّى استنفرت إيران وحزب الله كامل الاستنفار وراحوا يتدخلون في الوضع السوري رويداً رويداً في كلِّ مرحلةٍ أكثر من سابقتها تبعاً للحاجة.
يخطئ من يظن أن التدخل الإيراني والحزبلاتي في قمع الثورة السورية لم يكن منذ البداية. ومنذ سنة لم تعد تغفل إيران ولا حزب الله تدخلهم الصريح عسكرياً وماديًّا ومعنويًّا في مناصرة النظام السوري. ولقد أعلن حسن نصرالله إعلاناً صريحاً في آخر خطاب له قبل يومين؛ الجمعة 20/12/2013م أنَّ سقوط نظام بشار الأسد يعني نهاية إيران، وهو يقصد في أقل تقدير نهاية المشروع الإيراني في السيطرة على المنطقة، وفي احتمال أبعد قليلاً وضع حدٍّ للقدرة الإيرانية. ومن ثمَّ حزب الله الذي ليس أكثر من بيدق إيراني في المنطقة وقد أعلن زعيم الحزب ذۤلكَ بوضوح عشرات المرَّات وليس مرَّةً واحدةً.
إيران لا تتعامل مع سوريا على أنَّها دولة صديقة، إيران تتعامل مع سوريا على أنَّها محافظة إيرانية، جزء من إيران، وبشار السد ليس أكثر من محافظ كلفته إيران بإدارة الشؤون السورية. ولذۤلك فإنَّ إيران تريد بأيِّ ثمنٍ أن تكون شريكاً أو طرفاً في حل (الأزمة السورية) سياسياً. الصفة الوحيدة التي يمكن رؤيتها من هٰذا الحضور هي أنها شريكة في القتل والدمار، وأكبر المتضررين من سقوط النظام السوري. وقد أعلن أكثر من مسؤول إيراني أكثر من مرةٍ أن سوريا جزءٌ من إيران، وأن سوريا محافظة إيرانية، وأنَّ بشار الأسد محافظ سوريا الإيراني.
ولذلك نحن لا نستغرب إصرارها على الحضور لأنها تتوهم أو ترى أن هٰذه هي علاقتها بسوريا.
ولكنَّنا نستغرب من الإقرار الدولي بهٰذه الأوهام والاعتراف بأنَّ سوريا محافظة إيرانية وفرضها جزءاً من الحل السياسي السوري. وأكثر ما يثير الاستغراب ليس الإصرار الروسي على حضور إيران جنيف2 ولٰكنَّ إصرار المبعوث الدولي الأخضر الإبراهيمي على حضور إيران مؤتمر جنيف2؛ لماذا هٰذا الإصرار الإبراهيمي خاصَّةً ومعه الروسي على حضور جنيف2، أي على أن تكون إيران شريكة في (الأزمة السورية)؟
هل هو من أن أجل تفرض حضورهاً في سوريا ما بعد الثورة؟
أم من أن أجل أن تتم ترضيتها بحصة في سوريا ما بعد الثورة؟
هل هو اعتراف بدورها الإقليمي أم من أجل إعطاءها دوراً إقليمياً؟
هٰذه الأسئلة سألناها قبل جنيف 1 ونعيد طرحها من جديد.
هٰذا الكلام الكلام والتساؤلات مع تصاعد الحديث عن ضرورة عقد جنيف2 في أوائل تشرين الثاني 2013م. ففي هٰذه الفترة بداً إصرار الإبراهيمي شديداً على حضور إيران ومشاركتها في جنيف2، ووصل الأمر إلى هٰذا الأخطل الإبلايهمي يتمنى على إيران أن تتفضل وتتكرم وتقبل أن تشارك في جنيف2. كانت إيران تعرقل أيَّ خطوة بشأن سوريا لا تكون شريكةً فيها، وتثبت فوق الأرض مترين إذا لم تستطع أن تشارك، فماذا حدث؟
سنجد من يقول: رُبَّما تتخلى عن النِّظام السوري في ظلِّ تسوياتٍ جديدةٍ مع الولايات المتحدة...
إيران لن تتخلى عن النظام السوري حَتَّى تراه يتهاوي وتطلع على تقرير الطبيب الشرعي. لا تستغربوا فقد قالت إيران غير مرة: إنَّ سوريا محافظة إيرانية. وها قد مضت سنة ولم ينكر النظام السوري ذۤلكَ ولم يعترض عليه، ليؤكِّد حقيقة أنَّهُ محافظ إيراني لسوريا...
اليوم 2/11/2013م تعلن إيران على لسان جواد كريمي ما عكفت إيران على إنكاره منذ سنة، وهو أنَّها أرسلت مئات الكتائب للقتال ضد السوريين الثائرين على النظام. وليس هٰذا فحسب بل أكَّد حقيقة أنَّ الحرس الثوري الإيراني هو الذي يقود سوريا اليوم. فهل سيطول الأمر كثيراً لتعلن إيران من طهران قائمة المسؤولين الجدد في سوريا؟؟
إذن وارء الأكمة ما ما وراءها.
كان هٰذا الكلام في 2/11/2013م. بعد غيابها فترة عن التَّصريحات المتعلقة بجنيف خاصة والثورة السورية، وتساءلنا في ذۤلكَ التاريخ عن سبب هٰذا الغياب: غياب إيران المفاحئ. وكتبت في ذۤلكَ التاريخ: هناك مساومات كبيرة تجري بَيْنَ أمريكا وإيران، التي غابت منذ فترة عن التصريحات في الشأن السوري. فيما العالم ونحن خاصة منشغلون بجنيف2 الذي يدرك الروس والأمريكان والغرب أن فرص انعقاده شبه ممتنعة، ومع ذۤلكَ فإنَّ ضخهم الإعلامي لمؤتمر جنيف2 كبيرٌ جدًّا.
سيفاجئ العالم، غالباً، بتفاهمات أمريكية إيرانية، لا ندري حقيقتها، ولۤكنَّهَا ليست مما يسرُّ عالمنا العربي بكلِّ تأكيد.
ضوءٌ صغيرٌ فقط نلقيه على الحدث: الوثيقة التي قدَّمتها إيران لأمريكا من أجل التفاهمات القادمة تتضمن بنداً يقضي بالاعتراف المتبادل بتوازع مناطق النفوذ في المنطقة.
قد يقول قائل: هٰذا وهم أو خيال.
الوهم والخيال أن تطير فوق الواقع بما هو غير واقعي.
أرجو أن تقرؤوا الخريطة الحالية قراءةً جيدة.
ومن هٰذا الباب الإصرار الإيراني الروسي وحَتَّى الدُّولي على إشراك إيران في جنيف الأزمة السورية.
لماذا تشارك وبأيِّ صفةٍ لولا هٰذا التَّصور الإيراني؟
كتبت في 2/11/2013م تعليقاً على هٰذا الإصرار: لا مانع من مشاركة إيران في جنيف2. فالحقيقة التي يجب أن نعترف بها هي أنَّ النظام وإيران طرفٌ واحدٌ في المعركة ضدَّ الشعب السوري والثورة السورية، ومن الخطأ القول إنَّ إيران شريكٌ في المعركة، وكل التصريحات والحقائق والمعطيات تؤكِّد هٰذه الحقيقة... ولذۤلك لا مانع من أن تكون إيران طرفاً في المفاوضات، ولكن إما أن تكون إيران أو أن يكون النظام في جنيف، ومن غير الإنصاف أن يكونا معاً. ومع ذۤلكَ أنْ تدخل إيران طرفاً في الحوار والتفاوض بَيْنَ النظام المعارضة فهٰذا ما يحتاج إلى توضيحٍ. وأما أن تحضر إيران جنيف على أساس أن تتعشى وتمشي مثل بقية المدعوين، ويتركون النظام والمعارضة للتحاور فهو أمر يمكن أن يُستوعب أو يتم تقبله بصيغةٍ أو بأخرى، على الرَّغْمِ من عبثية هٰذا المشروع... هٰذا إذا انعقد جنيف أصلاً. ففي ظلِّ كلِّ المتوافر من المعطيات حَتَّى الآن، وحَتَّى إذا ضاعفنا ما فيها من محاسن مرتين وثلاث بل عشر مرات، أعني كل ما يمكن أن يظن أنَّهُ محاسن، فإنَّ المؤتمر لن يعقد. وإذا عقد فلن يكون إلا عبثاً وهدراً للوقت وقتلاً للأرواح.
يستحق جنيف أن نطيل الوقوف عنده لأنه مفتاح لدخول إيران إلى تحقيق مشروعها وطموحها الإمبراطوري، فهو مصيري لإيران أكثر مما هو مصيري لسوريا الثورة أو النظام. وحَتَّى يتم الوصل جيداً بَيْنَ مستقبل سوريا ومستقبل إيران كان الخيط جنيف ذاتها، جنيف الحل الإيراني وجنيف الحل السوري. وهٰذا ما يكشف لنا عن سبب الغياب المفاجئ المؤقت لإيراني عن التَّصريحات بالشأن السوري.
منذ عشر سنوات ونحن نسمع كلَّ شهرٍ أو شهرين قول أمريكا وصحبها: «أمام إيران الفرصة الأخيرة ويجب استغلالها في الملف النووي!!!»، بينما لم تحظ العراق بفرصةٍ واحدةٍ أبداً من هٰذا المجتمع الدولي.
وبعد عشر سنوات من قول المجتمع الغربي: أمام إيران فرصةٌ تاريخيَّة لتسوية الملف النووي!!! إيران اليوم صارت تقول: أمام المجتمع الدولي فرصة تاريخيَّةٌ لتسوية الملف النووي الإيراني!!! هٰذا التصريح كان يوم السبت 9/11/2013م.
فماذا حدث؟
أظن وظني لي أنا وحدي أنَّ إيران أنهت أزمة برنامجها النووي مقابل أن تبقى في سوريا. هٰذا يقتضي برمجة الحسابات ضمن أطر جديدة. وعلى أيِّ حالٍ لا أظنُّ أنَّ أزمة البرنامج النَّووي الإيراني قد انتهت، وإنَّ ما حدث الآن ليس إلا مناورةً إيرانية لتحقيق مكسبٍ مؤقَّتٍ في الوضع السوري، وسرعان ما ستعود أزمة البرنامج النووي الإيراني من جديد.
أصلا الاتفاق الذي سيعلن عنه في المؤتمر بعد قليل اتفاقٌ غريب يقول مثلاً: تمَّ الاعتراف ببرنامج إيران في التخصيب ولم يتم الاعتراف بحقها في التخصيب.
أقول بعد قليل لأنَّ هٰذا المقال مجموع تعليقات متتابعة لعلاقة إيران بالثورة السورية ومستقبلها في المنطقة.
انتهى التفاوض وبدأت التسريبات والتصريحات: هل انتهى الملف النووي الإيراني؟
هل كان من الضرَّوري أن يعلن وزير الخارجية الأمريكي بعد دقائق من توافق إيران مع المجتمع الدولي أنَّ إسرائيل باتت الآن بأمان أكثر بموجب هٰذا الاتفاق، ثُمَّ يتلوه الرئيس الأمريكي ذاته بمؤتمر صحافي خاص يعلن فيه أن إسرائيل الآن بأمان كبير بسبب هٰذا الاتفاق؟؟؟
ثَمَّة سر لا بد أنَّهُ موجود!!
إنَّ تصريح أكبر رأسين في أكبر دولة في العالم هٰذا التَّصريح السرَّيع جدًّا يوحي للبشرية جمعاء وكأن كل هٰذا التفاوض والصراع كان من أجل إسرائيل وليس من أجل المعايير الدولية والقوانين الدولية والاتفاقيات الدوليَّة... يوحي بأنَّ دول العالم العظمى كلها خدمٌ لإسرائيل فقط.
الأمر في حقيقته ليس كذۤلكَ أبداً.
إسرائيل وجدت لتخدمهم وليس ليخدموها، وخدمتهم لها هي خدمة لأنفسهم لا أكثر. ومن هٰذا الباب لا مانع من القول إنهم يخدمون إسرائيل.
ولكن أن يعلن كيري وأوباما هٰذا الإعلان بهٰذه السرعة يجعل من المجتمع الدولي أضحوكة اللهم إلا إذا كان وراء الأكمة ما وراءها. فما الذي يمكن أن يكون وراء الأكمة؟
إنَّ التَّسريبات التي وصلت إلينا من المفاوضات الأمريكية الإيرانية على مدار الأشهر الثمانية الماضية يوحي بأنَّ هٰذا التصريح جاء للفت النَّظر عن توافقات ضمنية بَيْنَ إيران وأمريكا حول النفوذ الإيراني في المنطقة ولا شكَّ في أنَّ الملف السوري بينها. وحَتَّى لا يلتف المحللون إلى ما قد كان سراً أوحوا بأنَّ الهدف هو حماية إسرائيل من النووي الإيراني المحتمل.
لقد تمت حماية إسرائيل ولٰكن ليس من إيران. فإيران لن تكون عدواً لإسرائيل، حماية إسرائيل ستكون من خلال الدَّور الإيراني الجديد في المنطقة.
قد يرى بعضهم ذۤلكَ بعيداً.
لا بأس. لن يكون ذۤلكَ ضاراً. لننتظر التَّطوُّرات على السَّاحة السوريَّة خلال الأيَّام القريبة، وعلى ساحة المنطقة خلال الأشهر القادمة. لن تتأخَّر البوادر التي ستجعلنا نقترب أكثر من مضامين المفاوضات السِّريَّة بَيْنَ إيران وأمريكا.
على أيِّ حالٍ يجب أن ندرك جيِّداً أن ما سُمِّي نهاية أزمة الملف النووي الإيراني ليس إلا وهماً تآمر عليه جمعهم وجميعهم، تآمروا على إظهار هٰذا الوهم على أنَّهُ حقيقة لأغراض منا ما يمكن توقعه ومنها ما يحتاج إلى وقت كي ينكشف؛ لقد أرادت أمريكا خاصَّةً والغرب أن يظهروا أيَّ نجاحٍ في ظلِّ إخفاقاتهم المستمرة في التَّعامل مع الثورة السورية، وإظهار أنَّ السَّيطرة على الكيماوي السوري ليس مصادفةً، وليس مكافأة للنظام السوري.
بينما في الحقيقة لم يحدث أيُّ توافقٍ حاسمٍ على الإطلاق، كلُّ ما كان هو نقاط اتفاقٍ سرابيةٍ، غامضةٍ، هي نفسها التي تمَّ التَّوافق عليها منذ أكثر من خمس سنوات. فلماذا سمي هٰذا نهاية أزمة الملف النووي الإيراني، ولم يكن كذۤلكَ منذ نحو خمس سنوات؟
المسؤولون الأمريكيون شنوا حملةً كبيرةً على إدارة الرَّئيس أوباما التي وافقت على خروج إيران منتصرة وتحقيق مطالبها سالمرفوضة منذ عشر سنوات. وإيران أعلنت أنها خرجت منتصرة. والحقيقة أنَّ إيران هي التي خرجت منتصرة بكل الأحوال.
انتصار إيران يكمن في أنَّها لم تقدِّم أيَّ تنازلٍ حاسمٍ، وأبقت الأمور معلقةً؛ علقت الملف والخلاف بضع أشهر ترفع فيها القيود والحصار وتتفرغ للملف السورية على نحوٍ خاص، وإعادة ترتيب أوراقها في المنطقة ريثما يتمُّ حسم الملف السوري ومعرفة مصير النظام، وعلى ضوء مصير النظام يكون مخططها للمرحلة التالية.
وعلى أيِّ حالٍ، لا يمكن أن نفهم ما يمكن أن تؤول إليه الأمور إلا إذا أدركنا أمرين:
الأول أنَّ الدهاء الإيراني في السِّياسة عريقٌ وخطيرٌ. ولا يجوز أن يستهان به بحال من الأحوال.
الثاني أنَّ من يظن أنَّ إيران تعادي إسرائيل وأمريكا أكثر من العرب فهو واهم.
وعلى ضوء هاتين النقطتين، وفي سياقهما يجب أن نفهم بنية المفاوضات الأمريكية الإيراينة. على اعتبار الولايات المتحدة الشرطي العالمي الأول إلى الآن.
هل انتهى الأمر هنا؟
من المؤكَّد أنَّهُ لم ينته ولن ينتهي.
ذكرنا في سياق التَّعليقات السابقة من هٰذا المقال أنَّ الوثيقة التي قدمتها إيران لأمريكا من أجل التفاهمات القادمة تتضمن بنداً يقضي بالاعتراف المتبادل بتوازع مناطق النفوذ في المنطقة.
كان ذۤلكَ في شهر تشرين 2013م على اقرب تقدير. أي إنَّ إيران بدأت تتصرف على أساس أنَّها دولة عظمى تناطح أمريكا منذ نصف سنة. وذكرنا أنَّ أحد الأسباب غالباً هو حسمها ملفها النووي واقترابها من تصنيع النووي مهما كانت نتائج مفاوضاتها النَّووية مع أوروبا وأمريكا. وإيران لا تخفي ذۤلكَ؛ لا تخفي مطامعها في المنطقة، ولا تنفي تدخلها في دول المنطقة. فهي صارت تعلن بصراحة أنَّ الشاطئ الغربي من الخليج العربي كله فارسي، وأنَّ العراق جزءٌ من إيران، وأنَّ سوريا محافظة إيرانيَّة... صفاقةٌ غير محدودةٍ.
تحاول أن ترقِّع هٰذه التصريحات بَيْنَ الحين والحين ولٰكنَّ التصريحات تتفلت من المسؤولين والمثقفين الإيرانيين عفو الخاطر. من آخر هٰذه التصريحات تصريح أستاذ العلوم السياسية الإيراني فؤاد يزدي على قناة الجزيرة مساء 12/12/2013م. قال في سياق الكلام: نحن مع حكومة ديمقراطية، ولن نسمح بقيام حكومة موالية لإسرائيل ولا تدعم المقاومة. طبعاً هٰذا الكلام صفيقٌ صفاقةً غير محدودةٍ لأنه يرى أنَّ الشَّعب السوري السني مع إسرائيل وعدو للمقاومة. في حين أنَّ الحقيقة هي أنَّ إيران والنَّظام هما من يساند إسرائيل وإسرائيل تساندهم.
على أيِّ حال، لم يرق المذيعة الجواب فسألته: بأي حقٍّ تفرض إيران على سوريا حكومة مواليةً أو غير مواليةٍ لإسرائيل؟
فقال: إنَّ إيران ستعمل على التَّأكد في سوريا وأيِّ بلد من بلدان المنطقة أنَّهُ لن يقوم فيها حكومة موالية لإسرائيل وأمريكا.
هنا مربط الفرس.
إيران تعلن وصايتها على المنطقة العربية كلَّها وليس على سوريا فقط. لقد قطعت شوطاً بالغاً في ذۤلكَ. فكثيرٌ من أنظمة المنطقة العربيَّة الآسيوية خاصَّة حكومات صفوية بامتياز. ولذۤلك بدأت هٰذا المقال بقولي: يخطئ من يظن أنَّ إيران غير قادرةٍ على التهام كلِّ دول الخليج العربي خلال أيام قليلةٍ من أجل فرض تسوياتٍ جديدةٍ.
ويخطئ من يظن أنَّ إيران لا تفكر في ذۤلكَ تفكيراً جديًّا.
ويخطئ من يظن أن دول الخليج العربي اتخذت أيَّ احتياط لمثل هٰذا التهديد المحتمل بشدة.
ويخطئ من يظن أو يعتقد أنَّ الفرصة المتاحة الآن أمام دول الخليج لاتخاذ الاحتياطات ستبقى كثيراً.
وأكبر خطيئة ترتكبها دول الخليج الميمونة هي أن تظن أن الولايات المتحدة ستدافع عنها مثلما دافعت عن الكويت يوماً ما.
لا يفتأ المثقفون العرب ومن ورائهم سياسيون وإعلاميون عن مهاجمة إيران وفضح مطامعها في السيطرة على المنطقة العربية، ولكن قليلاً ما كلَّفوا أنفسهم عناء النظر إلى أبعد من أنوفهم قليلاً، لينظروا إلى حقيقة أن من حقِّ إيران أن تبني أمجادها وأن تطمع في تحقيق ذۤلكَ... ولٰكن ماذا فعلنا نحن العرب كي لا نكون الأسماك الصَّغيرة الدسمة التي يتلتهمها هذا القرش؟

14/12/2013م