لماذا الكيمياء؟
من سلسلة دروس في الكيمياء لغير المختصين
بقلم
الدكتورعبد الرزاق محمد جعفر
أستاذ جامعات بغداد وطرابلـس وصفاقس / سابقاً

المقدمة:
كانت الحقيقة تحكم البشرية، إلا أن العالم في نهاية القرن العشرين سقط في الأنحطاط،.. وما من احد رفع صوته لردع ذلك الأنهيار والظلم أو ترميمه من دون خوف أو رهبة من المتسلطين على حرية البشر، ولذا تم اغتيال القًّيمْ التي آمن بها أجدادنا، فطحنت حضارتهم وتمزقت شَذَرَ مَذَرَ!!... ونتيجة لذلك، اندلعت الحرب الكلامية في أوساط طلائع الأمة المثقفة، وتبادلوا التهم التي قادتنا إلى ما نحن عليه ألآن!
وهكذا,...جعلونا نسير وفق مخططات علمية شئنا ذلك أم أبينا،.. وجلنا أغمض عينيه حتى عن ابسط القيَمْ الانسانية وأصبنا بالإحباط!.. ولم نترك شيئاً والا ان نتهمه ونعلق فوقه أسباب الإحباط والانتكاسات،..لانعدام رؤيتنا للحقيقة والتخبط في التكهنات التي لا أساس لها من الصحة.، فزدنا جبناً في اتخاذ أي قرارلحل مشاكلنا.
كم من مرة سألت ذوي الأختصاص عن أسباب عدم التوفيق في عمل ما أو ما يسمى (بالنحس)، الذي يلازم عملنا بشكل مزري، ومسبباً لنا الإحباط !
لم اجد الجواب الشافي ... ولم استطع استنباط الواقع أو بعض الحقيقة، وهكذا عشت كغيري من ملايين البشر في شقاء دائب، أو كما قال المتنبي :
ذو العقل يًشقى في النعيم بعقلهِ = وأخوالجهالةِ في الشقاوة يَنعَمُ
من خلال تدريسي لهذه المادة منذ سنة 1966 تمكنت من تشخيص ما يحتاجه الطالب لاستيعاب هذا الفرع بصورة عامة والتركيز على اساسيات الكيمياء التناسقية مراعياً في ذلك التدرج في المادة العلمية بحيث يتلائم مع مقررات السنة الرابعة والدراسات العليا في الأقسام الكيميائية لجامعات العراق .
ان كيمياء المركبات المعقدة تعمل على دراسة المركبات التي تحتوي على آيون أو ذرة فلز مركزية يحيط بها عدد من الآيونات الحاملة لشحنة معاكسة او جزيئات متعادلة تسمى بالليكاندات. Ligands
لقد تجنبت الأطناب في الشرح وركزت على الأشكال التوضيحية والمصطلحات العلمية المقرونة بالإنكليزية لتيسر للطالب القدرة على الاستفادة من المصادر العلمية الاجنبية.
سألني العديد من طلبتي لماذا أخترت الكيمياء؟ ..لم تتبلور في ذهني أية أجابة صادقة , فقد كنت أهوى منذ الصغر اللعب بقناني وأدوات ألأسعاف , وكان الكثير يتكهن بأتجاهي نحو دراسة الطب ,..ألا أن الظروف التي أحاطت بي لم تترك لي حرية الأختيار وكنت دائماً أردد قول الشاعر شفيق الكمالي :
مشيناها خُطاً كُتبت علينا = ومن كُتبت عليه خُطاً مشاها
وبمرور الزمن حيث مزاولتي التعليم الثانوي في بداية عام 1958 الدراسي , ثم التدريس الجامعي في نوفمبر 1966 توفرت لي الأمكانية العلمية والخبرة العملية لأقول :
لماذا أخترتُ التخصص بعلم الكيمياء !
.....الكثير من الدارسين لعلم الكيمياء عاجزون عن استيعاب الأسس العامة لهذا الفرع من العلوم الذي دخل في نمط حياتنا , ولو تمعن اي فرد منا لما حوله فقط ... لوجد كل شيئ قد دخلته الكيمياء وساهمت في صناعته , اذن لماذا يعزف العديد من الناس عن تفهم هذا العلم؟ .. وما هي المشكلة؟!.. هل هي في الكتاب المدرسي على مختلف مستوياته؟.. أم فيمن يهب المعلومة الكيميائية لمن يرغب بتعلمها,حيث قيل : " التعليم عـلـم وفـن ".
ان ما ارغب بتدوينه على هذه الصفحات ليس لعرض العضلات, بل العكس صحيح, حيث سأضع الدارس على ساحل بحر"عـلم الكيمياء", ليتمتع بعظمة هذا البحر اللجين, ويقرأ بمتعة تماما كما يتمتع بقراءة اية قصة او رواية من دون اطناب! ..حيث ان استيعاب كل علم يعتمد على التبسيط والتدرج في المعلومة بأسلوب شيق!
والحديث النبوي," اطلب العلم حتى ولو في الصين ", المقصود به وفق فهمي ,..السعي للحصول على المعلومة مهما كانت بعيد او صعبة المنال!
ما هو العلم ؟.. هو نتائج السلوك في الطبيعة, وقد تعلم الانسان الكثيرمن الحقائق العلمية , وراح يعلمها لأولاده عملياً حيث لم يعرف في ذلك الوقت القراءة والكتابة, وراح الأبناء يطورون كل ما تعلموه من الآباء , ... وقد سميت هذه الطريقة " بـسـر الـمهـنـة".
لقد وهب الله الأنسان القدرة على التفكير والحدس , اي انه يتخيل الكثير من الحقائق العلمية من دون ان يراها,...فالسومريون قي بلاد الرافدين كانوا ينامون فوق سطوح المنازل والنجوم تتلئلئ فوقهم, فرسموا ابراجها واستوعبوا الكثير من الحقائق حولها من دون ان تكون لديهم- في حينه- ما هو متيسر لعلماء الفلك في وقتنا الحاضر!
وبمرور الزمن,.. ازدهرت صناعات عديدة في الأزمنة الغابرة واكتسب الأنسان مهارة في بعض منها مثل الصباغه والخزف ومواد التحنيط عند الفراعنة, والتي الى الآن نجهل الكثير من طرق تصنيعها ,..كما ازدهرت صناعة الأقمشة والدباغة والمخللات والنبيذ ,..ولصـناعة النبيذ قصة واقعية اليكم موجزها :
زار احد الملوك قريةً ,..فرحب به اهلها وقدموا له ما طاب ولذ من مأكولات وفواكه,..واعجب الملك بالعنب, وقال لهم لم اذق في حياتي اشهى من هذه الفاكهة!... فجمعوا له كل ما تحمله الكروم من عنب وقدموه هدية لجلالته,..فشكرهم ووهبهم المال الكثير وطلب منهم العناية بالكروم وسوف يحضر في الموسم القادم لينعم ورعيته بأكل العنب!
مـرً العام وحان الموسم ولم يحضر الملك ولم يرسل رسولاً لجلب الفاكهة التي احبها,..فأمـر شيخ القبيلة ان يحفظ ناتج تلك الفاكهة في قوارير مصنوعة من الفخار لحين وصول جلالة الملك او من ينوب عنه ,.. ومرت الأيام ,..وفي مطلع ربيع السنة التالية مـرً الملك بتلك القرية وتذكر الفاكهة التي اعجبته ولما سأل قيل له :
"حفظناها لكم في هذه القوارير , وان الموسم الجديد لم يحن الا بعد ثلاثة شهور , فطلب الملك تذوق المخزون في القارورة, وما ان تذوقها حتى زاد من شرب عصيرها وقـدمه لجماعته.وبعد فترة قصيرة دبً على وجوههم الفرح والسرور وراحوا يرقصون ويغنون , واهل القرية في عجب لما يشاهدون ,..وبعد ساعات فاق الملك وحاشيته من السكر, وعاد الى وقاره,..ثم طلب من شيخ القبيلة ان يخزن ناتج هذه الكروم في قواوير ثم يرسلها له ,..فهي اطيب واكثر متعة من اكلها وهي طرية ,..وهكذا اغوى الشيطان البشر ليخمر العنب ويحوله لشراب مسكر , أي الكحول الأثيلي وصيغته الكيميائية هي ( C2H5OH ).
قصة جائزة نوبل :
تفنن الأنسان بصنع العديد من المواد ليهلك بها نفسه وغيره من البشر, ..فبالرغم من ان الطبيعة زاخرة بشتى المواد والنباتات المفيدة, الا ان بعض الناس سولت لهم انفسهم لأستخدام تلك المواد للضرر ولأغراض شريرة,..فمن منا من لم يسمع بجائزة نوبل للسلام ,..فمن هو نوبل ؟
نوبل,..عالم كيميائي سويدي , اكتشف الديناميت والبارود المستخدم في التفجير وصناعة الطلقات النارية المستخدمة في البنادق والمدفعية! ..فأدى هذا الأكتشاف الى هلاك الملايين من البشر والحيوانات وتهديم المدن,.. فأسف على ما اقترفه عقله بسبب اكتشافه لصناعة المواد الفتاكة,..ورصد قبل وفاته مبلغا جسيما خصص ريعه لكل عالم يسعى لـنشرالسلم ومنع الحروب وينبغ في اختراع مفيد لعموم البشر!
ومن المؤسف تولدت فكرة اسوء,كما قال الشاعر العراقي :" دكتورجرح الأولي عوفه..جرح الجديد عيونك تشوفه!", حيث تم اكتشاف القوة الهائلة الكامنة في الذرة , فقد سعى العلماء في البداية الى ترويض تلك الطاقة لأغراض سلمية , الا ان امريكا استخدمتها في صناعة القنبلة الذرية ورمتها على مدينة "هيروشيما" في اليابان قبل نهاية الحرب العالمية الثانية , تبعتها بقنبلة اخرى على " ناكازي", مما ادى الى استسلام اليابان بدون قيد و شرط !
لا اريد ان ازرع في ذهن القارئ الخوف من البحث العلمي,.. وليتذكر كم من المخترعات انقذت البشرية من امراض فتاكة مثل الملاريا و التيفوئيد والسل والسرطان ,... وتمكن العلم من ايجاد عقاقير قضت على العديد من تلك الأمراض . لقد ظهرت في منتصف القرن السابق امراض اخرى بشكل وبائي مثل الأيدز وانفلونزا الطيور وجنون البقر وانفلونزا الخنازير,..ومن يدري ما يخبأه لنا الزمن من امراض اخرى!! فشمـر العلماء عن سواعدهم في البحث عن عقار يشفي او يمنع الأصابة بمثل تلك الأمراض , ..وقانا الله واياكم منها!

أكتشافات علمية بالصدفة !
ازدهرت العلوم في عـهد الدولة العباسية ,..وتأسست اول جامعة في العالم في بغداد ,..مازالت أثارها شامخة تطل على نهر دجلة هي" جامعة الـمـستنصرية ".
لست هنا بصدد تدوين منجزات تلك الجامعة من معارف انتشرت في كافة ارجاء اوربا ,..وما زالت جامعاتها تكتنز المصادر القيمة لتلك العلوم وتعترف بفضل العلماء العرب في التطور العلمي الذي ازدهر في ربوعها وتطور تطوراً مدهشاً ,ان الصدفة التي تمخضت عنها ما هو مفيد ان لم يتمعن المرئ في التحري عنه وتطويره يظل بلا اهمية,..فالعمل في الأبحاث الكيميائية تمخض عنه اكتشافات حولت اصحابها من خط الفقر الى عالم الملايين ,.. ومثال لذلك الحدوثة التالية :
كان احد الباحثين في المانيا يجري بعض التفاعلات الكيميائية على املاح الحديد مع بعض محاليل املاح اخرى لدراسة تأثير آيوناتها على التفاعل ,..وكانت جميع المحاليل عديمة اللون , اي انها كلون الماء,.. وبعد ان انتهى من التجربة ودون نتائج بحثه,.. جلب قطعة من القماش الأبيض ومسح بها مكان عمله ورمى قطعة القماش المتسخة بالمحاليل في سلة المهملات, ومن حسن حظه سقطت على حافة السلة ,..وفي اليوم التالي دخل المختبر, واراد رمي محتويات سلة المهملات,..واستغرب من تلون قطعة القماش التي مـسـح فيها الطاوله باللون الأحمر!! .. فدون هذه الملاحظة , وراح يستذكر المواد التي استخدمها,.. فأعاد خلطها, وعلى الفور تكون لديه محلول مشابه للون قطعة القماش التي مسح فيها الطاولة!... وراح يجرب الى ان علمً , علم اليقين انه توصل الى اكتشاف الواناً من محاليل الأملاح , واعلن اختراعه بتركيب الألوان الصناعية , حيث لم تعرف في ذلك الوقت اصباغاً صناعية , فجميع الأصباغ التي كانت مستخدمة آنذاك مستخرجة من النباتات,..واصبح ذلك الباحث من اغنياء العالم!


تطور المعارف البشرية :
تطورت المعارف البشرية في أيامنا بسرعة خارقة، ومع ذلك فأن عملية أدراك جوهر العوالم الجديدة لم تبق كما هي فحسب، بل أصبحت أكثر صعوبة وتناقضاً. وقد أعطاها أينشتين وصفاً صائباً حينما قال : انها "مأساة الأفكار".
إن التغيير في المفاهيم والتصورات في الكيمياء هي عملية طويلة جداً ومعقدة وشاقة، وكم ستكون مفاهيمنا حول تركيب الذرات ساذجة لأحفادنا بعد مئات السنين.
ففي عام 1805 ساعدت نظرية "دالتون Dalton" على شرح الكثير من القوانين الكيمياوية , وقد بينت أن ذرات العنصر الواحد متساوية في الوزن، بينما ذرات العناصر المختلفة تختلف في جميع النواحي.
وفي عام 1807 تمكن "ديفي Davey" من تحليل الصودا الكاوية كهربائياً، وأطلق على الجسيمات المشحونة التي اتجهت نحو القطب الموجب أسم الآيونات السالبة والتي اتجهت نحو القطب السالب أسم الآيونات الموجبة.
وفي عام 1811 عرف "أفوكادرو Avogadro" الذرة , وبين أنها أصغر جسيمة يمكنها في التفاعل الكيميائي، والجزئ هو أصغر جسيمة يمكن أن يتواجد باستمرار على حالة أنفراد.
ظهرت بعد ذلك نظرية وحدانية المادة عام 1815 للعالم الإنكليزي "برور Brora" حيث أعتقد أن الهيدروجين هو المادة الأولية، ولقد أظهرت الدراسات فشل هذه النظرية!.
وفي عام 1835 أكتشف "فراداي Faraday" قانون المكافئات الكيميائية الكهربائية.
وفي عام 1904 وضع"تومسن Thomson" نموذجاً للذرة وتخيلها على أساس كرة ثقيلة موجبة الشحنة بداخلها ترقد الألكترونات كقطعة من الكيك المحشو باللوز!.
جاء بعد ذلك "رذر فورد Rather Ford" (وهو تلميذ العالم تومسن Thomson) عام 1911 وأعطى صورة أخرى للذرة وأفترض وجود نواة صغيرة موجبة تشغل جزءاً من حجم الذرة وتتركز الشحنات الموجبة في مركز النواة وتدور حولها وعلى أبعاد كبيرة نسبياً عدد من الألكترونات مساوياً لعدد الشحنات الموجبة، إن نظرية "رذر فورد" التي طورت صورة الكوكب للذرة، ونظرية "بور Bohr" عام 1913 التي قدمت النظرية الكمية الأولى للنواة، قد ساهمتا في طبيعة المادة .
منذ زمن قديم كان فلاسفة الأغريق يتسائلون عن طبيعة المادة ,.. وهل بالأمكان تجزئتها الى ما هو اصغر؟..وكان الجواب نعم !...حيث كان الأنسان يحدس ويتامل ويفكر في الامورغيرالمنظورة ,وادرك وجود عالم الأجسام الدقيقة التي لا يمكن تجزئتها الى ما هو اصغر منها بأستخدام الوسائل التي كانت متوفرة لديه آنذاك.
ان فكرة وجود الذرات عند بعض الفلاسفة في العصورالساحقة ( مثل : أبيقور وديمقراط ) , اعتبرت نوعاً من الفطنة والحدس , ثم طواها النسيان لفترة طويلة !
في بداية القرن العشرين ,..عاد علماء الكيمياء الى تصوير طبيعة الأشياء, فوضع العالم يونج في انكلترا والعالم فردنيل في فرنسا ,..اسس النظرية الموجية للضوء ,كما بين كل من لافوازيه الفرنسي ودالتون الأنكليزي قدرة الكيمياء على التوغل في اعماق الأشياء .
كما ان وجود ذرات محدودة غير قابلة للتقسيم ومختلفة الأوزان لم تكن كافية لمسألة تركيب المادة لأنها تفشل في حل كثير من المسائل!
وهكذا صار الأيمان بضرورة البحث عن نظريات يمكن بواسطتها شرح قوانين الأتحاد الكيمائي والأختلاف في الصفات الكيميائية بين الذرات التي لم يكن بالأمكان شرحها على اساس يعتمد على الأختلاف في الوزن فقط.. .. ولذا يمكن أن نعرف علم الكيمياء / هو علم مكونات المادة وتركيبها.

أكتشاف النار:
فمنذ آلاف السنين , بدأ الأنسان يحول المواد الطبيعية الى منتجات مفيدة ,..فبعد اكتشاف النار بالصدفة , حينما اراد احد اجدادنا ان يكسر حجراً وينحته لأستخدامه في صيد الحيوانات ليتغذى بها ويصنع منهامعطف من الفرو الطبيعي للحبيبة جدتنا حواء ومن دون خوف من الممثلة الفرنسية برجيت باردوالتي تهزها فروة حيوان ولا تهتز لقتل الأنسان لأخيه الأنسان في كل زمان ومكان.
وتشاء الصدفة في احدى المرات ان تؤدي تلك العملية الى احتراق الأعشاب المجاورة له عندما مستها شرارة من الحجر اثناء تكسيره , فخاف من اللهب , الا انه استلطف ذلك وروضه فيما بعد , وراح يستخدم النار التي تكونت من حرق اللهب لأغصان الشجر واستخدمها لأغراض عديدة ,..حيث لاحظ التغير في بعض الصخور والمواد المعدنية عند تعرضها للنار التي صنعها ,..ومن تلك الظاهرة تطورت صناعة السـيراميك والزجاج والمعادن, وكذلك تم صنع الأصباغ والعقاقير وتطورالدباغة على يد علماء مهرة.
اشتهر الكثير من العلماء العرب في الكيمياء وحضروا مركبات واحماض عديدة , واجتهد عدد منهم في البحث لأيجاد طريقة لتحويل المواد الخسيسة مثل:
( الزئبق ) الى معادن ثمينة مثل ( الذهب ), ..ولكنهم لم يوفقوا في ذلك الحين,..ولم يتحقق حـلم العرب الا عند صنع المعجلات النووية ,..حيث بواسطتها تم صنع اطنان من الذهب في الأتحاد السوفيتي السابق لحاجته الى العملة الصعبة لشراء الحبوب من امريكا ,..بسبب رخص الطاقة الكهربائية عند السوفيت والمتولدة من مساقط مياه الأنهار في منطقة السدود العديدة المقامة عليها والمشابهة للسد العالي قي مصر.
تطورعلم الكيمياء:
في بداية القرن الثامن عشر, بدء علم الكيمياء بالتطور , وظهرت مصطلحات عديدة لهذا العلم, كما انه تفرع الى فروع عديدة , مثال ذلك : الكيمياء العضوية وغير العضوية والتحليلية والفيزيائية والحياتية والنووية , ثم تكونت فروعاً لكل نوع من تلك الأنواع ,..وهكذا تشعب هذا العلم واتسع وصار يشمل كل مرافق الحياة,..فظهرت الكيمياء الصناعية التي وفرت كافة المنتجات الكيميائية التي دخلت حياتنا العصرية وصرنا لا نستغني عن اي منها مثل الصابون والأصباغ والعطور والروائح وادوات الزينة على اختلاف انواعها ,..ومن منا لا يتذكرالأموال الطائلة التي تصرف على هذه الصناعات والتي تفوق ميزانية التسلح في الدول الكبرى!
مما تقدم في اعلاه وفي الحلقات السابقة, صار واضحاً للقارئ ان العلم بالأساس مبني على الملاحظة ,..والتي يمكن تعريفها: " بالمتغيرات التي نحسها اثناء قيامنا بعمل ما" , والأمثلة عديدة على ذلك ,فعندما نلاحظ ذبول بأوراق نبته في حديقة المنزل , فهذه ملاحظة فورية ,..فتستمر النبته بالذبول الى ان تموت ! فهل ما حدث من دون سبب ؟.. الجواب كلا,.. ولا بـُدً ان يكون هناك اسباباً عديدة,.. وهنا تبرز عملية اطلق عليها " التجربة", وتطرح اسئلة عديدة للتوصل للسبب الذي ادى الى هلاك النبته , لحين التوصل الى ما يسمى بـ" النتيجة"!
كل منا يعلم ان الماء يتجمد في درجة الصفرالمئوي, الا ان القليل من غير المختصين يعرف السبب, وقد طرحت هذا السؤال على العديد من طلبتي في عدة جامعات زاولت التدريس فيها , ولم يجبني الا طالب واحدا , ولا اريد ان اظهر هنا عبقريتي او ذكاء ذلك الطالب,..بل النصيحة التي قدمها لي استاذي عندما اقرأ اي حقيقة علمية, ان ابادر بالسؤال دائما عن السبب واقول " لماذا؟".. اي لماذا الماء يتجمد بهذه الدرجة وليس بغيرها؟
لماذا أندحر هتلر ؟!
قد يستغرب اياً من القراء ان درجة انجماد البنزين كانت سببا في اندحار قوات الزعيم النازي هتلرالتي غزت الأتحاد السوفيتي في بداية الحرب العالمية الثانية حيث اجتاحت اوكرانيا حتى وصلت الى اطراف موسكو آنذاك والقريبة الآن من جامعة موسكو التي شيدت في سنة 1953 , و تعتبر تحفة معمارية منذ انشاءها والى يومنا هذا !
اعود الى نكبة هتلر بسبب عدم توصل العلماء الألمان آنذاك الى العامل الذي يزيد او ينقص من درجة الأنجماد,.. وكما هو معروف لجميع المختصين في الكيمياء , ان لكل مادة سائلة درجة انجماد معينة كمادة البنزين المستعمل لتشغيل السيارة او الدبابة او اي وقود سائل اخر,...ولو ان علماء هتلر ايام الحرب العالمية الثانية تمكنوا من وضع مادة معينة في وقود الدبابة لما اندحرت قوات هتلر وهي على اطراف موسكو, فقد اصبحت دباباته من دون حركة وتجمد معظم الجنود وهجم عليهم الروس المتمرسون في العمل بالصقيع وتمكنوا من طرد الغزاة , ومن يدري , فـلولا ذلك لتغير وجه العالم الذي نعيشه الآن !
اثبتت التجارب بعد خراب مالطه او خراب البصرة, ان درجة الأنجماد لأي سائل تنخفض اذا ما اضيف له كميه من مادة صلبة, فالماء النقي يتجمد عند الصفر المئوي الا ان درجة انجماده قد تصل الى عشرة تحت الصفر,..كذلك البنزين ما كان يتجمد في درجة تجمده لو اضيف له مادة تمنع التجمد,..ومعظم سكان المناطق الباردة يطبقون ذلك شتاءاً !
وعلى اية حال , فقد اهمل العلماء آنذاك , تطبيق ما يسمى " بالفرضية ",.. ولم يستخدموا شتى الأحتمالات للتخلص من ظاهرة تجمد الوقود السائل ,..الى ان تبين القانون التالي:
" ان كل مادة سائلة تزداد درجة غليانها وتنخفض درجة انجمادها اذا ما وضع فيها مادة اخرى " .
أكتشاف المصطلحات الكيميائية :
تعود المتعلم او الدارس العربي على الحفظ الأصم للموضوع العلمي او حتى المصطلح العلمي يحفظه من دون التعمق في معناه او الأستفسار من استاذ المادة عن الجانب الخفي لذلك المصطلح والطلب منه شرح الطريقة التي اوصلتنا لتثبيت ذلك التعريف لأي مصطلح علمي فأذا سألت اي مبتدأ بدراسة العلوم عن تعريف درجة غليان او انجماد الماء ؟ ,..لأجابك على الفور: " الماء يغلي بدرجة 100 مئوي ويتجمد في درجة الصفر المئوي " ,..وما ان تسأله,..لماذا ؟.. حتى يتلعثم ويتخبط في الجواب , ويذكر لك الف سبب وسبب لا تمت بأية صلة للمصطلح ! .. والطالب معذور, لأنه لم يتعود تقصي الحقيقة, وتعود على ترديد التعريف كما يفعل الببغاء!... وبأعتقادي ان اللوم لا يقع على الطالب بل على المعلم او التدريسي ,لأنه لم يبين له اساس ذلك المصطلح , ومن الذي اكتشفه وكيف توصل اليه !
لذا سأحاول توضيح ماهو خفي على غير المختصين , مع الرجاء من كل من يزاول مهنة التعليم ان يبسط المعلومة أثناء شـرحها وان لا يتمسك بالتعريف كما هو مدون في الكتاب المدرسي!..ولا بـًدً من الأشارة هنا من ان جميع المصطلحات القياسية التي نستخدمها في ابحاثنا مثل,..اللتر والجرام والقدم والمترهي نسبية ومن صُنع الأنسان !, ومن أهمها الآتي:
درجة الغليان و الأنجماد:
لنبدأ الآن بموضوع درجة الغليان, ونتسأل لماذا يغلي الماء في درجة 100 مئوي؟
خلق الله الماء وخصه بمزايا لا نجدها في مركبات اخرى, ومن اهم تلك المزايا درجة غليانه ودرجة انجماده , فعندما نسخن الماء في دورق فأن درجة حرارته تبدأ بالزيادة الى ان تصل حداً تستقرفيه تلك الدرجة ولا تتغير!.. الى ان يتبخر كل الماء في ذلك الدورق !....وتلك النقطة هي نقطة غليان الماء , وكذلك اذا ما جمدنا اي كمية من الماء فأن درجة حرارته سوف تنخفض الى ان تصل حداً تظهر فيه جزيئات من الثلج , وبالتبريد المتواصل يحصل الأنخفاض بدرجة الحرارة ,.. ثم تستقرتلك الدرجة في نقطة معينة الى ان يتم انجماد الكمية باكملها ! وهكذا علمتنا هذه الظاهرة العلمية ان هذه النقطة هي نقطة انجماد الماء ,... ولكن من الذي علمنا ان نقطة الغليان هي 100مئوي ونقطة الأنجماد هي الصفر مئوي؟!
ليـس بالأمكان سـرد كافة الدراسات التي اوصلتنا لـمعرفة خواص الماء , ولندخل في الطريقة التي اوصلتنا لمعرفة درجة غليانه ودرجة انجماده , ولماذا أعتبرنا نقطة الغليان 100 درجة مئوية ونقطة الأنجماد هو الصفر المئوي !
يبدأ الماء بالغليان عندما تتكون فقاعات البخار فوق سطح السائل , ثم تصعد رويداً رويداً الى الأعلى ثم تنفجر, ولذا تعرف درجة غليان السائل , بأنها الدرجة التي عندها جزيئة السائل قد امتلكت طاقة تمكنها من ان تفلت من الجزيئات التي تحيط بها ومن ثم يكون ضغط البخار مساوياً للضغط الواقع على السطح , وتبقى هذه الدرجة بالنسبة للماء ثابتة لحين تبخر آخر الجزيئات !
من اجل تطبيق هذه التجربة , نأخذ انبوب زجاجي بطول 10 سـم وبقطر 0.1 سم مربع , مغلق من جهة واحدة على شكل مستودع صغير ,وتبقى الجهة الأخرى من الأنبوب مفتوحة , ثم نضع في الأنبوب كمية صغيرة من الزئبق. تبدأ التجربة بادخال انبوب الزئبق في دورق بحجم لترمملوء لغاية نصفه بالماء النقي , بحيث تكون جهة الأنبوب المغلقة مغمورة بالماء من دون ان تمـس قعـر الدورق ,... ويمسك انبوب الزئبق بماسك خاص, ثم نبدأ بتسخين الماء بواسطة مصدر حراري, ونلاحظ بعد دقائق صعود ابخرة الماء ,وتصاعد فقاعات الماء وأرتفاع عمود الزئبق من مكانه قبل التسخين وارتفاعه الى مكان اعلى,...ونعلم على الفور بقلم " ماجك" ملون على سطح انبوب الزئيق بأشارة نستدل منها على درجة غليان الماء, ثم نسحب النار ونضع الدورق في اناء يحتوي على كمية كبيرة من الثلج , ونترك الجهاز لفترة من الزمن , الى ان نشاهد تكون حبيبات من الثلج في الدورق, مع انخفاض بعـمود الزئبق في الأنبوب ,وعلى الفور نؤشرعلى سطح الأنبوب في المكان الذي وصل اليه الزئبق عندما بدأت جزيئات الثلج بالظهور.
يرفع عمود الزئبق من الدورق , ونغلق فتحته العليا , ونبدا بتقسيم الخط بين نقطة الغليان ونقطة الأنجماد الى 100 جزئ, وبهذا نكون قد صنعنا محراراً لقياس درجة الحرارة , ومن هذه التجربة يتبين للقارئ نحن الذين قررنا ان يكون الرقم 100 هو درجة الغليان , والرقم صفرهو درجة الأنجماد ,.. واذا ما استعملنا هذا المحرار في قياس درجة حرارة شـيئ ما , فان الدرجة المعينة هي نسـبة لدرجة غليان الماء ( 100), وانجماده عند درجة ( الصفرالمئوي) !
وهكذا نجد ان الأنسان هو من اخترع هذا المقـياس, وسنجد الأمر نفسه يتكرر في مصطلحات اخرى نستخدمها في حياتنا وابحاثنا وكلها من صنعنا,مثل اللترالذي يساوي حجم ألف سم مكعب, والجرام الذي يساوي وزن سنتمتر مكعب من الماء.
************************************************** *********