بسم الله الرحمن الرحيم

كلمة في الذكرى 93 لتأسيس الجيش العراقي الباسل

الحمد لله نحمده، ونستعين به ونسترشده، ونعوذ به من شرور أنفسنـا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده ولا شريك له، إقراراً بربوبيته وإرغامـاً لمن جحد به وكفر.وأشهد أن سيدنا محمداً صلى الله عليه وسلم رسول الله سيد الخلق والبشر، ما اتصلت عين بنظر، أو سمعت أذن بخبر. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد، وعلى آله وأصحابه وعلى ذريته، ومن والاه ومن تبعه إلى يوم الدين. اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علما، وأرِنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممــــن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
قال تعالى : (وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ بِنَصْرِ اللَّه﴾(الروم :4) .

اما بعد :

تمر علينا هذه الأيام الذكرى 93 لتأسيس الجيش العراقي الباسل الذي ولد في السادس من كانون الثاني عام 1921 بفوج صغير سمي في حينه بفوج موسى الكاظم ، والذي اتخذ من خان ( الكعبولي ) في بغداد مقراً له ، ثم انتقل بعد ذلك إلى مقره في الاعظمية وتنقل في أكثر من مقر ومكان حسب توسعه وتطوره حتى شملت مقرات الجيش العراقي عموم العراق من أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب ، فتأسس هذا الجيش على أسس وثوابت وطنية وعقيدة راسخة وخالصة مهمته ومهنته الدفاع عن أرض الوطن وحماية حدوده والدفاع عن الأراضي العربية فعقيدته ومواقفه الوطنية والقومية والدينية ومهنيته جعلته من الجيوش المتميزة في المنطقة والعالم . ثم أخذ بالتوسع عاما بعد عام ، وعملت الحكومات المتعاقبة على تطويره وتحديثه حتى وصل ذروته القصوى في معارك الشرف دفاعا عن الوطن والأمة ، وبلغ تعداده سبعة فيالق منتشرة على طول الحدود العراقية مع الدول المجاورة وبقيت أراضيه وحدوده مصانة ، وكان الشعب يسنده ويدعمه مادياً ومعنوياً لأنه كان يدافع عن حدوده ويتصدى للأعداء والطامعين مما يشكل حالة واحدة مع الشعب الذي يثق به ثقة مطلقة .

أن السادس من كانون الثاني من كل عام هو يوم مجيد ومميز في حياة العراقيين يوم تأسس درعهم الحصين وسورهم المنيع ، والمدافع الصلب عن أمته العربية في معاركها المشرفة ضد قوى الاستعمار والصهيونية والهيمنة والابتزاز والعدوان الخارجي والتدخل الأجنبي . لقد شارك هذا الجيش المغوار في معارك الدفاع عن الوطن ضد الهجمة الفارسية الشرسة ولقن الاعداء دروسا في الشجاعة والبطولة لن ينسوها مدى حياتهم ، وشارك في كل معارك الدفاع عن الامة والتي فرضت عليها وخاصة حرب فلسطين سنة 1948 والعدوان الإسرائيلي سنة 1967 وحرب تشرين المجيدة عام 1973 والانتفاضات الجبارة التي قام بها شعب العراق ضد المستعمر البريطاني وأدواته وأعوانه، حتى انه حمى بغداد من فيضان سنة 1954 بجهده الهندسي وشجاعة منتسبيه من المراتب والضباط الغيارى، كما شارك في اكبر حربين بعد الحرب العالمية الثانية عامي 1991 و2003 ضد أكثر من أربعين دولة بما فيها ثلاث دول كبرى تمتلك احدث الأسلحة وأكثرها خطرها وتطورا ومنها أسلحة اليورانيوم المنضب والصواريخ الجوالة والأسلحة غير التقليدية ودافع عن شرف الوطن رغم الفرق الشاسع في ميزان القوى وقدم التضحيات الجسام على طريق رد العدوان والدفاع عن شعب العراق وحرائره وثرواته وتاريخه .

كان الجيش العراقي جيشا مهنيا ومتطورا ورائدا في رفد أشقائه من الجيوش العربية الأخرى بالخبرة والتدريب والتجربة الميدانية والكفاءات القتالية التي يفتخر بها ولم يبخل بها ، ووضعها تحت تصرف أشقائه في الجيوش العربية وجعلها متوفرة في مراكز التعليم والتدريب وفي الكليات والأكاديميات العسكرية. فقد كانت الكلية العسكرية العراقية وكلية الأركان العراقية وأكاديمية البكر للدراسات العسكرية العليا قد خرجت الكثير من الضباط والقادة العسكريين العراقيين والعرب من اليمن والسودان وليبيا والأردن ومصر وسوريا ودول عربية أخرى .هذا الجيش كان يمثل كافة شرائح الشعب العراقي بكل أطيافه وقومياته وأديانه ومذاهبه بفعل قانون التجنيد الإلزامي الذي كان مطبقا فيه على مدى مراحل نموه سواء كان في العهد الملكي أو العهود الجمهورية التي تلته ، كما فتحت أبواب التطوع في تشكيلاته وصنوفه كافة وانخرطت في مدارسه ومعاهده وكلياته العسكرية ، أجيال من الشباب والشابات العراقيين من كل أبناء الشعب ،ولهذا أستهدف بصورة واضحة في عدوان الاحتلال بعد أن اظهر مقاومة ضارية لقوات الغزو في معارك أم قصر جنوب البصرة والفاو والناصرية ومطار صدام الدولي وفي كل شبر من ارض العراق الطاهرة ،وفعل ما يستطيع فعله أمام قوى الاحتلال والعدوان وهي تفوقه كثيرا وبكل المقاييس، بالعدد والعتاد الضخم الذي كان من أفضل ما أنتجته التكنولوجيا الحربية الغربية، إضافة إلى تأثيرات الحصار الاقتصادي الجائر الذي فرض ظلما وعدوانا على العراق ولا مثيل له عبر التاريخ الكامل للبشرية واستمر لمدة ١٣ عاما . لهذه الأسباب كانت أولى قرارات سلطات الاحتلال الأمريكي هي حل هذا الجيش المفخرة التي حظيت بموافقة وتأييد القوى التي تنهج المنهج الأمريكي والتي ارتضت لنفسها أن تُغيب مآثر وبطولات جيش العرب الكبير تخوفا وخشية من انتفاضته على الظلم والعدوان والفساد ، وكان لإيران وإسرائيل عيد عندما اصدر الحاكم المدني الأمريكي للعراق قراره بحل الجيش العراقي . وبهذه المناسبة العزيزة علينا لابد من وقفة تأمل واستذكار وإجلال لتضحيات هذا الجيش الظافر ، فهو حق وواجب على الجميع أن نحتفي ونحتفل في يوم تأسيسه ، فلقد استذكر العراقيون وبكل فخر واعتزاز على امتداد الوطن وخارجه ذكرى ولادة جيشهم العظيم ، الذي ما بخل يوما لمساعدة ودعم أشقائه بالغالي والنفيس ودون منة بل هو الواجب والمسؤولية التاريخية أن يدعم الشقيق شقيقه خاصة في أوقات المحن .

هنيئا لجيشنا البطل بكل صنوفه ومن خدم فيه بيوم عيده السنوي ونقول بحناجر ملتهبة : سلامُ عليك أيها العملاق يوم ولدت لعزت العراقيين والعرب وحمايتهم ويوم مزقك حاكم الاحتلال ويوم تُشكل وتبعث قوياً من جديد إن شاء الله . رحم الله شهداء الجيش العراقي أينما كان رفاتهم الطاهر في العراق وسيناء والمفرق وجنين وكوكب الهوى وفلسطين والأردن والجولان ولبنان وفي كل ارض العرب . رحم الله شهداء الجيوش العربية ورحم أمواتنا وأموات المسلمين والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد المرسلين محمد صلى الله عليه وسلم وعلى اله وصحبه أجمعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين

6/ 1/ 2014