آخـــر الـــمـــشـــاركــــات

+ الرد على الموضوع
النتائج 1 إلى 2 من 2

الموضوع: أرضنا أرض البصل: كلها رؤوس ولكنها فارغة

  1. #1
    أستاذ بارز الصورة الرمزية عزت السيد أحمد
    تاريخ التسجيل
    07/03/2008
    المشاركات
    323
    معدل تقييم المستوى
    17

    Neww أرضنا أرض البصل: كلها رؤوس ولكنها فارغة

    أرض البصــل
    كلها رؤوس ولكنها فارغة
    الدكتور عزت السيد أحمد

    مقدمة خارج النص: يقولون: إن التاجر المفلس يرجع إلى دفاتره القديمة. وليس من هٰذا الباب عودتي إلى نشر مقال عمره نحو ثلاثين سنة أو أقل قليلاً. هٰذا المقال كتبته في أواخر الثمانينيات، ونشرته في جريدة الثقافة في أواسط التسعينيات. أعيد نشره لأن الواقع لم يتغير وليس لأني أفلست... ولو قلتم يئست لرُبَّما جاز.

    من اللمح الرائعة في مسرح الشوك «مسرح دريد ونهاد» مشهد الترشيح لانتخاب (البيك) من مسرحية «غربة». قال (البيك) للمعلم بعدما شاهد كلَّ الأهالي يرشحون أنفسهم لهذا المنصب: ـ «أترى؟! كلهم رؤوس/ زعماء. فمن أين آتي لهم بشعب؟!».
    لقد لامست هٰذه العبارة جرحاً أليماً في أعماق نفوسنا؛ جرحاً لا يني يلتئم حَتَّى ينفتق من تلقاء ذاته، وكأنه غير قابلٍ للشفاء، كأنه أحد عناصر تركيبتنا الفيزيولوجية… لقد ضحك الجمهور حينها، ولدى كلِّ إعادةٍ لهٰذا المشهد سيضحكون. أتعرفون لماذا؟ لأنهم نجوا من الفخ، لم يقعوا في مصيدة الانكشاف؛ انكشاف رغباتهم المتخلخلة في ثنايا أفكارهم؛ ضحكوا لأنهم لم يُضحك عليهم من انفضاح أمرهم كما حدث لشعب (البيك) هذا.
    هذه هي حقيقتنا؛ كأرض البصل كلها رؤوس، سلطويون بالفطرة، الأمر والنهي شيء صميمي من تركيبتنا النفسية، ويبدو لنا أن التسلط والقمع حقٌ لا ينبغي أن نُنَازَعهُ. أما كيف تحلُّ مشكلة التداخل في ممارسة هٰذا الحق فهي سهلة يسيرةٌ، يحلها المثل العاميُّ القائل: «كل ديك على مزبلته صياح» فكلُّ واحدٍ يمارس استبداديته في دائرته وميدانه، وضمن دوامه الرسمي، وهناك من يحق له ممارسة حقه التسلطي، الاستبدادي، خارج أوقات الدوام الرسمي.
    لا حاجة للتذكيـر ـ فيما أظن ـ بأن هٰذا الدِّيك الصياح دالَّةٌ رمزيةٌ بإمكانك أن تضع مكانها ما يخطر في بالك من مدلولٍ يتغيـر بتغيـُّر ريش الديك وألوانه؛ فقد يكون موظف بشباك البريد، وقد يكون شرطياً، وقد يكون أباً أو أستاذاً أو أخاً أو غيـر ذۤلكَ مما تحمله الوظائف الاجتماعية من أدوارٍ متعددة ومتباينة.
    ولذۤلك لا عجب أبداً في أن ترى الأميَّ الجاهل يأمر الأستاذ الجامعي وينهاه، ويوقفه باستعدادٍ وأدبٍ أمامه، وإذا رأى في يده سيجارة شزره بشدة ولقنَّه درساً في الأخلاق وآداب التعامل والسلوك، ورُبَّما انـزعج منه فأجَّل معاملته أياماً حسوماً عقاباً له على قلِّة أدبه وافتقاره إلى اللباقة والكياسة في التعامل مع موظف يؤدِّي وظيفته الرسميَّة. ولا عجب أيضاً في أن ترى إلى المفكر أو الأديب أو الشَّاعر الذي يهزُّ العقول كلامه، ويطرب النفوس بيانه… وهو يقف باستعداد ويداه خلف ظهره أمام من بالكاد يفكُّ الحرف بالجهد ليقول له مرغماً:
    ـ «أمرك أستاذ، حاضر أستاذ… هل تتأخر معاملتي يا أستاذنا؟… أين أذهب أستاذ؟ ومن أين آتي يا أستاذ؟».
    ولا فرق عند هؤلاء بَيْنَ المتوشح بالأناقة والمرقش بالرث البالي. ولٰكن لكلٍّ منهما دوره ووظيفته؛ فالتحكم بالأنيق يكون مثار الافتخار لهذا الموظف بَيْنَ زملائه وأصدقائه الذين يفجئهم كلَّ يومٍ بحديثه عن كيفية تعقيده واحداً يشبه أبناء الملوك بحسن رونقه وأنافته وذۤلكَ بإرساله من مكانٍ إلى مكانٍ من دون حاجة إلى ذۤلكَ. أما ذو الرثِّ فهو ميدان آخر لتنفيث عقد النقص والنـزوع الاستبدادي من دون خوف. كان المواطن ـ عندما يراجع دائرةً… ـ يرتدي أبهى ما عنده، أمَّا الآن فلا يدري ماذا يفعل، وإذا اشتدت الحيرة أو طالت فرُبَّما يحرِّر نفسه بالذهاب حراً من غيـر ثياب.
    ولأننا لا نعرف كوامن أنفسنا نظنُّ أنَّ الذين تضطرنا الظروف إلى التعامل معهم هم فقط الغليظون في تعاملهم، الرتابيون الذين يعقدون الأمور ويعرقلونها من غيـر ما مسوِّغٍ، المعقدون الذين يحلو لهم التحكم بغيـرهم ويلتذذون بتعذيب الآخرين، وننسى أنفسنا، لا ننتبه إلى تذمر الآخرين من استبداديتنا، وإن انتبهنا استغربنا، ورُبَّما دهشنا من التذمر من أوامرنا وتعليماتنا التي هي حقٌّ لنا وواجبٌ علينا.
    نعم، إننا نعتقد أنَّ من حقنا استبعاد الآخرين ومن واجبنا تقويمهم بالعصا، من حقنا أن نحسب أنفسنا (مارشالات) والناس عساكر عندنا، ومن حقِّنا أن نتحكم بأقواتهم وأرزاقهم وكأننا ننفق عليهم من جيوبنا، نخال أن من واجب من نتعامل معهم أن يقدموا لنا فروض الطاعة كل لحظةٍ وساعة، ولولا الخوف من الله لفرضنا عليهم أن يصلوا لنا كل يوم ركعتين.
    قد نكون محقين في عدم انتباهنا، لأن استبداديتنا لا تتجلى بوضوحٍ وصراحةٍ وجلاءٍ دائماً بوصفنا من عامَّة الناس الذين لم تُنط بهم أيُّ مسؤوليَّةٍ ـ صغيرةٍ أو كبيرةٍ ـ تجعلنا أصحاب كلمةٍ، ولو شكليةٍ، في تسيير معاملةٍ أو إيقافها، لأنَّ أكثريَّة هذه الفئة من الناس قد انطبعت على عادة التسلط والاستبداد المرتبط مستواها بمستوى وظائفهم أو أدوارهم الاجتماعية.
    ولكن، ألا ترانا نبالغ عندما نعدُّ الاستبداد فطرة فينا؟
    إذا أردنا ما يمليه المنطق والعقل لوجدنا أنفسنا مبالغين جداً، ومتطرفين في هٰذا الحكم لأن الفطرة لا تفترق من أمة إلى أمة، ولٰكنَّ الواقع يسوِّغ تطرفنا ويقدم لنا الإجابة معللةً.
    على الرَّغْمِ من ارتباط ذۤلكَ بعقليتي الشَّرق والغرب، والبعد التاريخي لهٰذا الانشعاب، والبنى التاريخية؛ الفكرية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية والنفسية….. لكلٍّ من الشرق والغرب، فإنَّنا لن ندخل هٰذه المعمعة لاتساع بحرها وسحيق غورها، على أنَّ لها كلها دوراً جوهرياً وحاسماً في هٰذه المسألة، ولكنَّنا سنقف عند نقطة الآن المُعاش، نقطة الضياع الذي نعيشه؛ ضياع الجهل والتَّخلف والتـرهل… كلُّ مفاصلنا بحاجةٍ إلى إعادة الشدِّ والتـزييت فقد أكلها الصدأ وغطاها الغبار.
    سنظلُّ نعاني من هٰذا الألم الصَّافع ما دمنا موبوئين بهٰذا الداء العضال، ولن يكون الشفاء بَيْنَ يومٍ وليلةٍ لأنَّ أدواء العقول غيـر أدواء الأبدان، ولذۤلك ليس غريباً البتة أن تجد حملة أعلى الشهادات لا يفتـرقون في تصرفاتهم ومواقفهم التلقائية عن أيِّ عاميٍّ إن أمسك الصحيفة لا يعرف ـ لولا الصور ـ رأسها من ذيلها. ولذۤلك، ومن هٰذا الباب وحده، نعذر الموظفين ـ على اختلاف مستوياتهم ـ الذين يستبدون بالمراجعين. وحَتَّى تقتنع بذۤلكَ كن مكان أحدهم ساعةً أو أكثر، رُبَّما يطيـر برجٌ من رأسك، أو ترجع إلى البيت من غيـر أبراج. على ألا يفرح الاستبداديون بهٰذا العذر فالذَّنب مشتركٌ، والتلوث عام، فإنَّ فرعون وإن فرعنه الناس غيـر معذورٍ لأنَّهُ يعرف في قرارة نفسه أنَّهُ تطاول على ما ليس يحقُّ له.
    هٰذا كان منذ نحو ثلاثين سنة!!! فما الذي تغير اليوم في عقليتنا وثقافتنا. أيعقل أن أن يمر من عمر مجتما ثلث قرن ونحن نرواح مكاننا في ظل كل هٰذا التقدم على مختلف المستويات والميادي؟؟؟

    رب يعبد.
    والسلام عليكم
    * * *


  2. #2
    أستاذ بارز الصورة الرمزية عزت السيد أحمد
    تاريخ التسجيل
    07/03/2008
    المشاركات
    323
    معدل تقييم المستوى
    17

    افتراضي رد: أرضنا أرض البصل: كلها رؤوس ولكنها فارغة

    كلما نظرت إلى واقعنا
    منذ ثلاثين سنة عندما كتبت هذا المقال
    وإلى يومنا هذا
    لا أجد إلا أن أصرخ:
    هل ستمتلئ رؤوس البصل؟
    هل ستمتلئ الرؤوس وتتحرك؟
    هل سيأتي اليوم الذي تكون في رؤوس العرب ملكهم؟

    وَلَوْ كُنْتُ غَيْرَ جَمِـــــيلٍ فإنِّي «أُحبُّ الجَمَالَ وَأَفْـدِيْ الجَمَالا»
    وَأَفْرِشُ مُهْــجَةَ قَلْبِـيْ لِحُـــسْنٍ تَبَدَّى أَمَامَ فُــــــــؤَادِيْ جَلالا
    أُحُـبُّ الـجَـمَالَ يُعَانِقُ رُوْحِيْ بِقُدْسِــــيَّة اللهِ عَـزَّتْ كَـــــمَالا

+ الرد على الموضوع

الأعضاء الذين شاهدوا هذا الموضوع : 0

You do not have permission to view the list of names.

لا يوجد أعضاء لوضعهم في القائمة في هذا الوقت.

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

المفضلات

المفضلات

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •