عندما تكون الخيانة وجهة نظر
الدكتور عزت السيد أحمد
ما أسهل الندم عندما تدرك أنَّك كنت مغفلاً سنين كثيرة في أمر ما... على الرَّغْمِ من أنَّ غير واحد قد ثقب طبلة أذنيك وهو يحذرك من أنك تستغفل وستندم.
ما أسهل الندم عندما تدرك بعد سنين من التحذير أنَّك شوَّهت وخرَّبت ودمَّرت الكثير بعدم سماعك التحذير والنصح... وكنت تسخر أو تهزأ بنصحهم ولا تعبأ به، إن لم تكن تتهمهم بالفتنة والعمالة والسعي إلى التخريب أو ما إلى ذۤلكَ...
ما أسهل الندم
ستبكي قليلاً
وتعود إلى ما كنت عليه من حياتك العاديَّة وكأن شيئاً لم يكن، ورُبَّما بل الأغلب أن تعود لتعيش مغفلاً مثلما كنت في قضايا وأمور جديدة...
طيب، والدمار والخراب والإساءات... التي أدى إليها غباؤك وأنت ترفض التغيير والتعديل وسماع النصح ماذا سيكون شأنه؟!!
هٰذا مستوى من الخيانة إذا أحسنا الظن وكنا مغفلين مثل جنابك.
ومن باب حسن الظن ذاته نقول أيضاً:
ليس هناك أغبى ممن يبذل الغالي والنفيس من أجل هدف، وعندما تصل اللقمة إلى فمه يبصق عليها، ويقذفها إلى المزبلة. هذا في الهدف الشخصي، الخاص، الذي يخصك أنت. أما من حمل أمانة الناس بهذا القياس فهو خائن خائن خائن. هذا إن أحسنا الظن به.
الخيانة هنا ليست نسبية وليست وجهة نظر. عندما تكون الخيانة حرية أو وجهة نظر ستكون الدعارة زكاة الجسد.
قد تكون الخيانة نسبية. ولكن لا يجاهد في الدفاع عن نسبية الخيانة إلا من لم يأمن من انفضاح خيانته
والذين يجادلون في نسبية الخيانة إنما يمسكون بالحق للدفاع عن الباطل. فالفرق هائل بل لا تجوز المقارنة بَيْنَ خيانة الموظف الذي يتأخر عن وظيفته، الأستاذ الذي لا يعطي بإخلاص... وبين من يخون الوطن مع الأعداء، بين من يرى أعداء الله والوطن أصدقاء...
ما هذا الخلط العجيب الغريب الصفيق بين نوعي الخيانة؟
أفمن اؤتمن على أرواح الناس أو أمولها وخانها كمن تأخر عن أداء واجبه تقصيراً أو كسلاً أو غير ذلك....؟؟
الحقيقة أن الذين تاجروا بشهدائنا ودمائنا
الذين سرقوا شقاءنا وتضحياتنا
الذين سرقوا أموال الثورة وجوعوا الناس
هم الذين باعوا وسلموا
لم يكتفوا بكل جرائمهم بل تمموها بجريمة أشنع من كل ما سبق. هٰذه هي الخيانة حَتَّى ولو لم تكن ببصمة عند المخابرات أو غيرها من أعداء الوطن.
في أحسن أحسن أحسن الاحتمالات، جدلا يصعب تصديقه، يمكن القول إنهم ليسوا أهلاً للقيادة.
حسناً. لماذا لم يدركوا ذۤلكَ على مدار عامين أو أكثر من الإخفاقات ؟؟
لماذا لم يترجلوا ويتركوا لغيرهم القيادة؟
إن ما بَيْنَ أيدينا من حقائق تنفي ذۤلكَ وتدحضه، فمن كان لصاً متنعماً بأموال الثورة وأموال الشهداء منذ عامين يدرك جيداً أنَّهُ يعمل لا للثورة وإنما لنفسه ولو انهزمت الثورة، لقد خططوا لكل شيء؛ إن انتصرت الثورة سيكونون أبطالاً، وإن شعروا بعكس ذۤلكَ حملوا الأموال التي نهبوها وهربوا.
هكذا فكروا وتصرفوا وسلموا المدن المحررة بعدما جردوا الأحرار الشرفاء من السلاح كي لا يبقى هناك من يواجههم.
أحاول أن ألتمس لهم العذر فلا أجد. وليست مهمتى التماس العذر لمشبوه. ولٰكنَّ لأن القضية قضية وطن أسعى جاهداً أن ألتمس لهم الأعذار لا العذر ولٰكنّ عبثاً أحاول، فما قدموا عذراً إلا كان أقبح من ذنبٍ. أتمنى من قلبي أن أكون مخطئاً.
المفضلات