قراءة نقدية في مجموعة القاص والشاعر أحمد القاطي القصصية
بوعـــزة الفرحــان
صدرت مجموعته القصصية " الاتجـاـه المعاكس " عن منشورات ومضة / طنجة .. تشكلت هذه القصص القصيرة جداً في طبعة جميلة وأنيقة جداً ساهمت في جماليتها أياد فنانة كثيرة .. طبعت هذه المجموعة القصصية بدعم من الفرع الجهوي لاتحاد كتاب المغرب ــ تـــــــــــــــــازة ..
تتكون المجموعة القصصية من تسعة وخمسين قصة متفاوتة الحجم والسطور .. يبلغ عدد صفحات الكتاب خمسة وثمانين صفحة تقريباً ..
وإذا سألنا المبدع أحمد القاطي : لماذا تكتب القصة القصيرة جداً ؟ كيف تكتب القصة ؟ متى تكتب ؟ لمن تكتب ؟ أتكتب لنفسك أم للناس ؟ تلك تساؤلات نقدية لن يجيب عليها سوى المبدع سي أحمد القاطي ..
هذه الأسئلة يمكن طرحها على أي مبدع وكاتب وقاص ، ولكني متأكد أن الأجوبة ستــــكون مختلفة لكنها متقاربة في الهـــــــدف والرؤية ..
اختار أحمد القـــاطي الكتابة في جنس القصة القصيرة جداً عن رغبة واقتناع وميول فطري أصيل . فسخر كل طاقاته المعرفية والثقافية ليقبض على لحظات هاربة من الزمن ، ويرصد تحولات الواقع وتناقضاته ، علماً أن للقصة القصيرة جداً جاذبية خاصة ، يقول أحد الدارسين " فتبدو القصة القصيرة جدا جاذبة لأن وقت كتابتها لا يستغرق زمنا طويلا، فحياتنا اليومية مشبعة بالملل والرتابة، بينما كلامنا عادة ما يطوّقه الإطناب والتكرار.. ولأنها تعبر عن الحكمة القائلة: (ما قل و دل).. فهي / القصة القصيرة جداً / الأقدر على التسرب والتوغل عميقاً في ذات المتلقي والتأثير فيه ، بل تدفعه حنكة القاص إلى المشاركة في أحداث القصص وصياغة قصته الخاصة من جديد .. وهو ما يدفع البعض لكتابتها مخافة أن تخنق الصرخات أنفاسه الداخلية، هي قصيرة جدا لكنها كبيرة الفعل، ومداها شاسع في الدلالات والمعاني .."
ولعل الانتباه لعتبة هذا العمل القصصي قد يفتح الشهية لأسمى ما يطمح إليه القارئ وهي : تشويقه وإثارة انفعاله ، وإيقاظ متعة القراءة والاستفادة لديه . فعنوان المجموعة القصصية " الاتجاه المعاكس " له جاذبية خاصة للقارئ ، يقول رولان بارث عن أهمية اختيار العنوان : يجب أن يثير في القارئ الرغبة في القراءة. فما هي معايير اختيار العنوان .؟ هناك من ينتقي عنوان مجموعته القصصية من بين النصوص المتضمنة في المجموعة القصصية ، وغالباً ما يجعل نصوصه القصصية مفتوحة وقابلة لتعدد القراءات الممكنة ، تقنية تعتمد على التوجه الانفتاحي الحواري... ومجموعة الأستاذ أحمد القاطي القصصية تنتمي لهذا الصنف من السرد . فقد اختار الكاتب "الاتجاه المعاكس " عنواناً للمجموعة من داخل عناوين النصوص الموجودة بين دفتي الكتاب .. وهناك من يفرض عنوانــــــــــاً للمجموعة القصصية من خارج النصوص الموجودة في الكتاب ..
دلالـة عنوان المجموعة القصصية " الاتجاه المعاكس "
كثيراً ما يجد المبدعون صعوبات في اختيار عناوين لمجموعتهم القصصية ،هناك من يحبذ أن يكون العنوان معبراً بشكل مباشر ، وهناك من يحبذ أن يكون العنوان معبراً عن روح قصص المجموعة التي تنتظم تحت خيوط مشتركة التي تربط القصص ببعضها ،أي أن يكون العنوان معبراً عن المحور الرئيس الذي تدور حوله المجموعة القصصية .. وأحسن العناوين هي التي تعبر عن المعنى المهيمن في المجموعة القصصية .. يقول الأديب الكبير خيري شلبي : " لا توجد لديه قاعدة ثابتة في اختيار عناوين أعماله الإبداعية ، فأحياناً يعكف على كتابة العمل حتى نهايته ثم يختار له العنوان المناسب والدال، وأحياناً أخرى يكتب العمل وفي ذهنه عنوانه المحدد سلفاً ، وأحياناً ثالثة يطرح عدة بدائل للعناوين ويختار الأنسب منها. "
فعنوان المجموعة على مستوى الدال هو نسق لغوي يحيلنا الوصف اللساني لمتوالية " الاتجاه المعاكس" على البنية النحوية التالية .. اسم معرف + اسم معرف .. جملة اسمية تدل على الثبات والاستقرار ، جملة مبنية على علاقة إسنادية بين المسند والمسند إليه ، مبتدأ وخبر .. فأصبحت من المحمولات الاسمية التي تفيد التأكيد والتقرير والوصف وتبيان حالة أبطال القصص عبر التناقض والتضاد داخل الواقع المعيش ..
فهل عبر عنوان المجموعة القصصية على المعاني المهيمنة بين ثنايا القصص الموجودة داخل الكتاب .؟ فمن خلال استقراء قصص المجموعة لم نجد اتجاهاً واحداً ، بل هناك اتجاهات متعددة تعيشها شخصيات القصص ، أغلبها متباينة ومتناقضة في التوجه ، كلما اصطدمت بعوائق تحد من قدراتها على الاستمرار في مجابهة الحياة تغير الاتجاه وتعدله لتتماشى مع مختلف الأوضاع الطارئة .. فكل بطل يغير وضعيته ويعدلها وفق الطريق التي يجد فيها النجاة .. فيسقط في التناقض مع نفسه وذاته وفكره فيعاكس موقفه الأول ، والواقع إنه يرفض حياة ويقبل على حياة تضمن له البقاء والاستمرارية ..وما من سبيل إلا أن يغير اتجاهه ويعكسه ..
2
نحاول أن نتلمس بعض الخيوط الناظمة لقصص المجموعة من خلال القصة الأولى "الاتجاه المعاكس " والتي عنون بها الكاتب مجموعته القصصية المتميزة ..
تقول القصة ص : 9 التي كتبت بتاريخ 19/ 04/ 2009
قالت له : إن العمر قصير ، فتعال ياحبيبي ، نجن من شجرة الحب كل لذيذ .
قال لها : اهنئي وقري بالا ، أنا من محبي الاتجاه المعاكس .
اختار السارد الحوار كطريقة من طرائق التعبير، والحوار يتميز بالسمة المشهدية التي تعبر عن مظاهر الصراع اللغوي والفكري مع تجسيد اختلاف وجهات النظر .. قصر الكاتب الحوار على موضوع معين وهو : كيفية استغلال العمر في لذة الحب .. فاختار العبارة التي تتفق وتتماشى مع نفسية البطلة وتفكيرها وتوجهها / إن العمر قصير، فتعال ياحبيبي / بطلة زفت المعلومة للبطل / إن العمر قصير / كوسيلة من وسائل الإقناع والإخبار التي سوف تنتظر نتيجتها ، فهي مهدت له بالتوسل والترجي / تعال ياحبيبي / لتمرير فكرتها خوفاً من أن تلقى معارضة من الطرف الآخر / نجن من شجرة الحب كل لذيذ / فالسارد لم يقل / الحب/ بل قال / شجرة الحب / فليس للحب شجرة على وجه الحقيقة ، لأنه لا يدرك بالعين وإنما يدرك بالفعل والسلوك والقلب والرغبة .. فاستعار كلمة "الشجرة " لبيان قوة الحب وسلطته وإنسانيته وتمكنه من القلوب كعاطفة من أسمى العواطف الإنسانية .. فأسندت كلمة " شجرة " إلى الحب فدخلت في المجاز بسبب انحرافها الدلالي ، فخرجت من الحقيقة إلى المجاز .. بطلة عبرت عن مشاعرها وموقفها بجرأة في تأكيد فكرتها / إن العمر قصير / كمبرر لاغتنام الفرصة قبل فواتها لقطف أيام مزهرة من شجرة الحب ، كأنها تحاول أن تنقل البطل من حالة الاعتراض إلى حالة الموافقة ..
حب يتميز بالدفء والحرارة ، حب عمق جذوره في الأرض ، فامتدت أغصانه وتطاولت في السماء ، فأينعت وأثمرت ، فشهدت كل الأمكنة على صدقه وقيمة لذته المتاحة ..
ويبدو أن البطلة أحست بفتور وبرودة البطل نحوها ، فودت أن تحركه من جديد فكأن قولها عبارة عن ضخ بنزين الحياة في جسمه ونفسه وفكره واتجاهه ..لكن البطل خيب أملها حين قال : / اهنئي وقري بالا .. / فهو يدعوها للاطمئنان أنه لن ينساق لطلبها ، فقد حدد موقفه من الحب ، فما عاد الحب يملأ حياته ، لأنه حقق شبعه ولذته منه ، فأخذ ما يكفيه من الزاد ..
بطل ربما أفرط في لذة الحب ، فلم يجد ما يحقق شخصيته ، كأنه استنزف كل قوته وطاقته .. فغير موقفه في اتجاه معاكس وهو العزوف التام عن حب لم يبق يانعاً ومزهراً كما كان في القديم .. بطلة عاكست البطل عن قصد ، اعترضت توجهه الفكري ، حاولت أن تزعزع موقفة الجديد من الحب ، فغازلته وداعبته من أجل يلين وينساق من وراء كلماتها .. لكن البطل ثبت على موقفه مما أحدث تصادماً وتناقضاً وتضاداً مما خلق توجهاً معاكساً..
قصة " ما الســـر" ص : 13 التي كتبت يوم السبت بتاريخ 25/07/2009 استهلها السارد بجملة سردية " من قصره الفرعوني خرج " إذا تأملنا البنية النحوية نجد السارد قد خرق الرتبة النحوية حين أخر الفعل " خرج" فقد تم تقديم الجار والمجرور على الفعل ، وإذا قال : خرج من قصره الفرعوني ، فإن الجملة تكون عادية ومألوفة ،لكن السارد مارس لعبة الاختيار والانتقاء ليكون التعبير أبلغ وأشد جرساً فيجذب القارئ من أول جملة في القصة .. جملة تحمل في طياتها خاصية تاريخية ودينية تحيلنا على العلو والجبروت ، فكأن هذه الكلمة استعملت كمفتاح محفز لمتابعة القراءة .. كلمة تجعل القارئ أن يكون فكرة عن موضوع القصة لكنه يبقى حذراً من انزلاق الفهم والحكم السريع .. صورة تكفلت بالمعنى وهيأت الدلالات البعيدة والقريبة ..
كلمة الفرعوني حددت صورة هذه الشخصية ومكانتها الاجتماعية ، نفهم بسرعة دلالتها من السياق التاريخي ، فبدل أن يصف هذه الشخصية بلباسها ومكانتها ومحيطها وعلاقتها بالناس ، وازى بما يدل على ذلك بوجود السائق والسيارة والقصر الفاخر..
نتأمل المتواليات السردية التالية :
/ من قصره الفرعوني خرج ، فتح له سائقه الخاص باب سيارته ، وركب . كفا يديه معوجتين . وقف بجانبه متسول وسأله أن يعطيه صدقة . شزر إليه ، وأمر سائقه بالانطلاق ./
سارد شاهد ، راصد ، دقيق في رسم صور ومشاهد متلاحقة للبطل ، كلها تنبض بالحركة والحيوية ، صورة تفضي إلى أخرى ، ومشهد يفضي إلى آخر عن طريق مؤشرات لغوية نابت عن طريقة الكاميرا في التقاط الصور .. خرج / فتح له/ ركب/ شزر إليه / أمر سائقه / كل فعل يشكل وضعية تسمح بتنقل البطل من وضعية إلى أخرى .. لكل مشهد أو صورة زمان معين ومكان مختلف .. قد يبدو لنا التسلسل الزمني طويلا بين الخروج وانطلاق السيارة ، لكن السارد اختزل الزمن الفيزيقي في تواز مع الزمـــــن النفسي بمؤشرات لغوية دقيقة تعمل على تسريع الحدث وترتيبه ..
فصورة الفرعوني توجد في الأعلى ، قابلها السارد بصورة المتسول وهو في الأسفل ، هذا التقابل يسمح لنا بتصور الهوة الفاصلة بين هذا الغني والمتسول .. فهما يشتركان في النفس والذات والروح والآدمية لكن المال باعد بينهما .. !!! فانطلاق الفرعوني في سيارته هو هروب من المسؤولية الدينية والإنسانية ، هروب تطعمه الأنانية والتعالي واحتقار الآخر ..
3
جملة :/ كفا يديه كانتا معوجتين / تحتمل قراءتين من حيت المعنى الصريح والمعنى التأويلي ، إما أن تكون عاهة جسدية لحقت بيديه ، وإما أن تكون يداه منكمشتين مغلولتين لا يبسطهما للفقراء كناية عن الشح والبخل وحب المال وكراهية الصدقة .. فلو كان
المعنى التأويلي هو الذي يسود في الجملة يمكن اعتبارها جملة اعتراضية ، فإذا ما حذفناها لا تخل بانسجام النص ، لأن جملة / شزر إليه / نابت عن المعنى المؤول .. صورة المتسول بدت في النص ثابتة في الزمان والمكان ، لكن السارد عوض حركة المتسول بحركة فكرية عندما قال : الآن عرفت سر بلائك .. !! قول فيه نوع من التشفي ، في اعتقاده أن الله جازاه على عدم إعطاء الفقراء حقهم ..
قصة : مشتبه فيه ص: 20 التي كتبت بتاريخ : 21/08/2009
تقول القصة :
وقف في قفص الاتهام كالمغشي عليه ، كان غير مصدق لما يجري ..
محكمة . خاطبه القاضي :
ـ أنت البائع المتجول فلان .
ـ نعم سيدي القاضي .
!! ومشتبه فيك !!ـ أنت متهم بقلب النظام

أجابه : من أشبه سيدي القاضي .
وقف في قفص الاتهام كالمغشي عليه / استهلال جيد في القصة ، بنيت على جملة بسيطة ذات المحمول الواحد لخدمة التركيز والاختزال ورسم حالة الوقوف / كالمغشي عليه/ .. مشهد يثير في القارئ الفضول ويعطيه الفرصة لتأمل حالة الواقف في قفص الاتهام .. صورة ثابتة فيها حركة داخلية ، فالوقوف خلق نوعاً من الارتجاج من خوف وهلع في نفسية البطل وفكره ، وترقب لنتيجة سيئة يتقاسمها المتهم مع القارئ..
فكلمة " المغشي " صورت حالة المتهم وما يعيشه من توتر وقلق وانفعال ، كلمة أبعدت كل ثرثرة أو إطناب ،فاستغنى عن ملاحقة الزوائد اللغوية التفصيلية ..
/ كان غير مصدق لما يجري / بإمكان الكاتب أن يستغني عن فعل " كان" .. فرغم أنها جاءت مرتبطة بما قبلها ، فإن فعل القبض وإنجازه سابقان لفعل الوقوف ، قبض عليه وأدخل إلى الزنزانة ، ثم تم اقتياده إلى المحكمة ،في هذه الوضعية المتشابكة / كان غير مصدق لما يجري / فعدم التصديق سابق لوقوفه في فقص الاتهام ، ومن هنا كان لزاما استعمال فعل " كان" كمؤشر على أن الحدث يجري في الزمن الماضي ..
هذا نموذج وصل فيه التكثيف الدلالي جودته إن لم نقل ذروته ،حيث تم تسريع وتيرة المحاكمة من خلال سؤال القاضي وجواب المتهم ، وكل منهما في مفترق الطرق ، كأنهما يسيران في خطين متوازين سوف لا يلتقيان في فهم المقصود ..
فحدث المحاكمة جرى بصورة عفوية ، فالقاضي يقصد شيئاً ، والمتهم يقصد شيئاً آخر، لذلك تصرف تصرف الجاهل بحقيقة ما يدور حوله من أمور متناقضة لوضعها الحقيقي من حيث دلالة الكلمة " مشتبه فيك " .. القصة تجسد مفارقة جيدة تستند على شخصية واعية وأخرى جاهلة مما أبعدها عن السرد المباشر من أجل إثارة القارئ وتشويقه لصناعة الحدث من جديد ..
أعجبتني طريقة تشكيل كتابة النص بترك البياض بين سؤال القاضي وجواب المتهم ، فإذا تأملنا جسد النص من الناحية البصرية وجدناه يمثل قراءة خفية متوازية مع مضمونه تجسد التباعد والتنافر بين المتهم والقاضي والقفز على معطيات قد تفيد في التحقيق لتبرئة المتهم .
فقصة " مبادئ " ص: 24 التي كتبت بتاريخ 03/09/2009 تحكي عن بطل كان يسير في اتجاه وفقاً لمبادئه ، فرغم معاكسته ومحاولة إرغامه على أن يتخلى عن نضاله ، صمد مدة ، لكنه تغير مع مرور الزمن ، فعكس اتجاهه فأصبح شاعراً يتكسب بشعره .. بطل غير اتجاهه وعاكس مبادئه حسب الظروف والأوضاع الطارئة / يقول السارد على لسان البطل : سأله : هل حصلت على شغل ؟ أجابه : لا أنا شاعر مناسبات.. همساً قال : إذا عرف السبب .... / فأوضاع النضال قد تغيرت في المكان والزمان ، بعد ما حلت الانتهازية والوصولية محل النضال الصادق .. استعمل السارد نقط الحذف في هذه القصة أربع مرات ، وهي خاصية يهدف من ورائها المبدع إلى إشراك القارئ وتقاسم الفكرة معه، مع ترك الحرية له أن يتخيل الجواب فيملأ البياض وينطق الصمت ..
وقصة "رغـــبة " ص : 25 التي كتبت بتاريخ 04/09/2009
أحلام الصغار جميلة وبريئة ، يقول السارد / سئل عندما كان صغيراً ، ماذا تريد أن تكون عندما تكبر؟ أجاب : شرطيا / قيل لماذا ..؟ أجاب : كي ألقي القبض على الخونة واللصوص ../ ولكن هذه الأحلام قد تكبر في أذهاننا وتعيش معنا وتلازمنا ، وتسكن
4
ذاكرتنا ، ومع الأيام تصبح غير ثابتة ، قد تتغير وتتبدل وتسير نحو اتجاه معاكس ، بطل صغير يحلم أن يكون شرطياً ليساهم في بناء حياة آمنة للوطن وسكانه ، لكنه غير اتجاهه وموقفه لما كبر ، فأصبح لصاً وخائناً لما أصبح وكيلا ..يقول السارد :/ كبر
وأصبح وكيلا وفي زمن قياسي اغتنى .. واشترى واكتوى وتهاوى ../ مفارقة جيدة جسدها السارد بحنكة .. فالقول لم يتماش مع الاتجاه السابق بل انفصل عن الفعل والممارسة ، وتناقضت الذات مع الواقع ، فبدل أن يثبت على موقفه واتجاهه نحو الخير وخدمة الوطن عكس اتجاهه نحو الشر فاكتوى وتهاوى لأن أوضاعه تغيرت ....
ففي قصة / استجداء / ص: 57 التي كتبت في 15/08/2010 ، قصة منسجمة تتكون من مقاطع سردية تترابط أطرافها وتتعالق وفق منطق خاص وخطاطة سردية مبنية أساساً على ثلاثة عناصر : الذات / الموضوع / التحول / فذات المستجدي تملك من الخاصيات والصفات تمكنه من الانتقال من حالة على حالة أخرى / استعداد نفسي ، الفقر ، البطالة ، انعدام المساعدة ، الجوع ،... وهي عوامل خلقت من البطل ذاتـــاً تسعى أن تحصل على الموضوع وتمتلكه : موضوع الحصول على المال ..
اختار السارد مقاطع سردية دالة على حالته / تقطعت به الأسباب والسبل / لجأ إلى باب المسجد / تفنن في استجداء المصلين / كان يومه الأول كالثاني / ..فرغم قيام البطل بهذه الأفعال والسلوكات من أجل تغيير حالته البدئية بقيت حالته مستقرة لم يفلح في تغييرها ، لكن السارد ساعده على تغيير مساره عن طريق مقاطع سردية أخرى /أطال شعره / مزق ثيابه / طلى جسده بالطين / أن في استجدائه / مقاطع سردية تدل على التحول سمحت بانتقال البطل / المستجدي / لتغيير حالته التي بدأها .. فقام بمجموعة من التعديلات على سلوكه وأفعاله بعدما عمل السارد على انتقاله وتدرجه من حالة أخرى ، فاستطاع أن يمتلك الموضوع ويحوله لصالحه بعدما حقق مراده ورغبته .. / رقت له القلوب / انفتحت له الجيوب / كان لا يملك شيئاً مما يطلبه فأصبحت جيوبه ممتلئة ، لكن المفارقة التي ختم بها السارد قصته كانت صادمة ، /عاج في المساء إلى خربة . غير ملابسه . لما وصل وجد ما كان ممتلئاً فارغاً /.. بطل رغب أن ينقذ ذاته من الفقر ، فعلا حقق رغبته ، ولكنه أخفق في امتلاك موضوع الفقر والحاجة .. وأخيراً ، استطاع السارد أن يحدد خطاطته السردية بفنية أدبية متميزة عن طريق متابعة الذات عن طريق مقاطع سردية تصف الحالة التي كان عليها البطل في النهاية ، ذات راغبة في تغيير وضعيته ، فرغم المحاولات ــ وقد نجح فعلا ــ ولكنه فشل في نهاية السرد ، فبقيت حالته البدئية عما عليه ..
وعليه فعنونة المجموعة القصصية تحت " الاتجاه المعاكس " كانت ناجحة وموفقة ، بحيث لم يأت العنوان اعتباطياً أو مفروضاً من خارج النصوص مع اختلاف عناوين القصص .. سارد متمكن ومطلع على خبايا القصة القصيرة ، واع بتقنياتها فراهن على جودتها ونكهتها الأدبية المتميزة .. حيث جعل الصورة تتكفل بالمعنى وتهيئ الدلالة لتكون قريبة من القارئ ،عن طريق براعة الاختصار ومهارة التكثيف ، وتبسيط البنية التي خلصها من الزوائد اللغوية والتفاصيل المملة والزخرفة المثقلة ..مما يعزز قولة يوسف إدريس " القصة القصيرة رصاصة، تصيب الهدف أسرع من أي رواية".وتعرفها كاترين آن بورتر بأنها ( العمل الذي يقدم فكرة في المقام الأول، ثم معلومة ما عن الطبيعة البشرية، بحس عميق).
بدقة متناهية اختار السارد مواضيع متنوعة لقصصه تتجسد من خلالها رؤية عميقة معتبراً إياها أساس عمله،أحداث تتم في أمكنة مختلفة وأزمنة معينة تسمح بإنشاء علاقات إنسانية مختلفة، متمثلة في أنماط سلوكية بشرية تسعى لتحقيق هدف ما، ومعبرة عن آمالها ومشاعرها الوجدانية. وأبطال القصص معظمهم يعيشون في أزمنة متعددة ، ولا مكان لهم محدداً ، فهم موجودون في القصور ، في الشارع ، في البيت ، المقهى ، المحكمة . يتجولون ، يتحاورون ، يعبرون عن مواطن أوجاعهم وأفكارهم .. في بعض القصص يترك الكاتب لشخصياته بالتحدث وإسماع أصواتها لتكشف لنا عن فوضى في حالتهم النفسية والثقافية التي يتعايشون معها قسراً وتماشياً مع ظروف التغيير .. فيثورون على مواقفهم ومبادئهم ليسهل عليهم تغيير الاتجاه ..
إن قصص الكاتب أحمد القاطي جاءت كتنغيم هادئ لها نكهة أدبية متميزة ، تارة تلهج بالإدانة القوية للواقع ، وتارة تلهج بالسخرية النقدية الهادفة .. واقع يتشكل فيه الإنسان ويتلون ، واقع يتأرجح بين الثبات والتغيير ، بين السلب والإيجاب ، بين الخير والشر ، بين الوعي والجهل ، بين الوعي الثقافي والأمية ، بين الانتهازية والوصولية بين التفاوت الطبقي والتفاوت الثقافي ، بين القول وعدم القدرة على تنفيذه .. وأخيراً بين الثبات على الموقف وتغيير الاتجاه من أجل البقاء ..
أبطال يواجهون ضغوطاً داخلية نفسية وخارجية اجتماعية ، كأنهم يمارسون على أنفسهم عنفاً يقبلون به عن مضض .. ...
قصص قصيرة جداً كتبت بذكاء الواعي والمدرك لما يدور أمام عينيه ، وحسه وسمعه ، كأني به يعيد مقولة تشيكوف / البراعة عندما نكتب المختصر لحزن الروح وابتساماتها في تركيز وإيجاز ../ فالكاتب أحمد القاطي يعطي الكلمة لسارد يأخذ بزمام البداية الفعلية للحكي ، مختفياً وراء ضمير الغائب /الرؤية من الخلف / جلس فوق صخرة شماء / قصة حشيش ..دخلت إلى المطبخ لتهيئ الغذاء / قصة ضريبتان ، تعب من العمل ، خرج إلى البادية / قصة مقايسة .. يرسل الخطاب ، لا يتحدث عن ذاته ، يصاحب أبطاله أينما حلوا وارتحلوا ..وجوده مضمر، يتموقع داخل عالمه القصصي كواحد من سكانه .. بذلك يصنع هويته وتميزه..

5
فالقارئ ينسى وجود السارد كان المادة السردية تروى بسلطتها الجمالية والفنية وحدها ، بعيداً عن سارد سلطوي يفرض مادته الحكائية على المتلقي ..
التشخيص الحكــــائي
حاول الكاتب أن يشتغل على تيمات حكائية واسعة داخل نسيجه السردي ، فرسم بذلك فضاء غــير محدود ، وعالماً مليئاً بالمفارقات المتعددة والمتشابكة ، تأخذ حركة التناقض لتنفتح على واقع متعدد الشرائح الاجتماعية ، موجودة في أمكنة متعددة وأزمنة معينة وأخرى مجهولة ..
من خلال استقراء دقيق لقصص المجموعة نجد الكاتب تناول عدة تيمات منتزعة من حياة الناس وصراعهم الأبدي في الواقع الاجتماعي ، وبحكم تنقل الكاتب ــ على ما أعتقد ــ وملامسته للواقع بين ثلاثة مدن هي : تازة / بوزنيقة / تمارة .. فقد تمكن من تكوين رؤية سردية لعالم متعدد المواضيع والأحداث ، من خلال ملاحظته وتتبعه وترصده ، فاستطاع أن يراكم معرفة طويلة وأن يغامر في سباحة فكرية وتخييلية قد لا تخلو من معاناة ووجع الكتابة الإبداعية .. فسلط منظاره الخاص بدقة ومن كل الزوايا الممكنة للنظر ، فكان منظاره مرتبطاً بالمجتمع وقضاياه المتعددة / صراعات / أحداث / وما يحتويه من ظواهر متباينة ، ومن خلال تتبعي لتيمات المجموعة القصصية أثناء القراءة ، تبين لي غنى المجموعة وشساعة عالمها المتنوع رغم أن بعض التيمات تتداخل في قصص عديدة لكنها تنفرد برؤية خاصة ومعالجة متفردة ، والمجموعة القصصية تتضمن التيمات التالية على التوالي متوازية مع مضمون القصص ..

الحب / العمل / الحمق / التفاوت الطبقي /التفاوت الثقافي / المساعدة / التسلط / العنف النسائي / السعادة / التعاسة / الأنانية / الظلم / تلفيق التهم / البلادة / التحرر / الصداقة / القضاء والقدر/ النضال / الخيانة / السرقة / الفن التشكيلي/ الشعائر الدينية / منهجية التعليم / الثورة / الحرب على المقدسات / الخدمات الإدارية / الموت / الجنس / العري / الخيانة الزوجية / الانتهازية / الانبطاح / التاريخ / الاستعمار / الزواج المتأخر / الجمال / الغزل عبر الانترنيت / الطرد من البيت / عنف المرأة / المخدرات / الشعوذة / التحايل / الإنجاب غير الشرعي / الموسيقى والغناء / الزواج / القتل / حفلة العرس المتأخر إلى الفجر/ ضياع المال / الكذب / التباهي ....

إنها تيمات حكائية تجمع بين ما هو فردي وجماعي ، ما يفسر لنا التناقض والتشابه في أشكال السلوك وأنماط التفكير والعادات والمعارف والقيم السائدة في المجتمع ..
شخوص المجموعة القصصية :

المرأة / الرجل / الموظفة / الطبيب / الأمي / الغني / المتسول / ابن الحاكم / المرأة المتسلطة / رجل أعمال / البدوي / المتهم / القاضي / المهاجر / الشرطي / الصديق / المناضل المزيف / الأطفال / الجيران / حراس الشركات / رجال الدين والعلم / الرسام / العجوز / المعلم / المسافر / أعداء السلم/ اغتصاب الأرض / الاحتلال / الحاكم / الوالي / الأناني / الباحث عن الزواج/ العامل / الأب والابن / الرجل العاقر / الجنرال / الوالي / العسكري ..


وإذا ما تفحصنا البنية المكانية المؤطـــرة للمادة السردية وجدناها موسومة بالتنوع والاختلاف مندرجة ضمن رؤية فكرية غير مخطط لها تنم عن منظور حضاري للكاتب إزاء عناصر مساهمة في استــثمار الحياة : المجتمع / الإنسان / الكون .. أماكن متراكبة الأبعاد متعددة الدلالات وهي :

البيت / الشارع / البيت الفاخر/ المكتب / المرسم / مواقع الاتصال والنشر/ المحكمة / الغرفة / المسجد / الحي / المصحة / المرسم / المكان المقدس / القسم / مهد الديانات السماوية / المدينة / عيادة الطبيب / قارعة الطريق / الخلاء / الانترنيت / البادية / المطبخ / البحر/ الأضرحة ..

نظراً لطبيعة القصة القصيرة جداً ، اقتصر الكاتب على إشارات مقتضبة للمكان تدعو إليها الضرورة لإقامة الحكي ، ورغم ذلك فإن أمكنة القصص ساهمت في خلق المعنى داخل كل قصة ، وما دام جل أبطال القصص يعيشون في تناقض فــــكري وسلوكي ، يقولون شيئاً ويقصدون غيره ، فإنهم فقدوا إحساسهم بأهمية المكان ، لأنه لا يبعث في أنفسهم الشعور بالاطمئنان ، اغتراب
6
الذات ، توتر النفس ، قلق الفكر ، الخوف من المستقبل ... لذالك عمد الكاتب إلى انتقاء أمكنته كإشارات عابرة لجريان الأحداث وتحرك الشخصيات دون تغييب أو تدمير مكان عيشها .
تنوع المفارقات في قصص المجموعة / الاتجاه المعاكس /
ما معنى المفارقة في القصة القصيرة جداً ..؟ يقول مارك سينســـيري وهو فيلسوف أنجليـــــزي ، المفارقة تعني خاتمة قد تبدو غير مقبولة ، مستمدة من فرضيات قد تبدو مقبولة من خلال منطق قد يبدو مقبولا .. ولكي نقرب هذا التعريف جيداً إلى الأذهان ونعمل على تبسيطه ، نتأمل المثال التالي /حكم مدة من الزمن، جلس على الكرسي ، تخشب الكرسي ،ولم يتخشب رئيس الجماعة التي أنتمي إليها / .. إنه تناقض صارخ نجد فيه الذات منفصلة عن الواقع .. فقد يتخشب الرئيس قبل الكرسي ، ولكن القول ينفصل عن الحقيقة فتخشب الكرسي بدل الرئيس ..
والكاتب أحمد القاطي نجح في تأسيس تقنية خاصة به ، لها خصائص تفرد بها ، تحتاج لدراسة متخصصة للاستفادة منها والسير على منوالها ، يقول جاسم خلف إلياس : فالمفارقة تقنية من تقنيات العمل القصصي ... وتكمن جماليتها في أنها تورط المتلقي في اكتشاف / قول شيء وتقصد غيره / وتمدح لكي تذم أو تذم لكي تمدح / وكثيراً من المبدعين المبتدئين أخفقوا في إتقانها ..
يقول جمال نوري /أفق آخر ص: 21 ..
" وتعد المفارقة لعبة عقلية ذكية من أرقى أنواع النشاط العقلي, إذ هي على الرغم من أنها إستراتيجية في الإحباط واللامبالاة وخيبة الأمل؛ إلا إنها في الوقت نفسه تنطوي على جانب إيجابي، فهي سلاح هجومي فعّال، وهذا السلاح هو الضحك الذي يتولد عن التوتر الحاد وليس عن الكوميديا."
1 ــ المفارقة اللفظـــــــية
ففي قصة " فهم" ص : 16التي كتبت بتاريخ 10/08/ 2009 تقول القصة :
بعد أن قضى له وطراً من أوطـــاره ، شكره قائلا له :
ــ الله يعطيك العافية !!
نظر إليه طويلا والغيض باد على محياه ، ثم قال له :
ــ وأنت ، الله يعطيك الحمام !!
رد عليه :
ــ طعمه لا يعجبني ، فهو لـك وحدك ..
فالحديث جرى بين البطلين عادياً وبصورة عفوية ، فكلمة "العافية " تعني الصحة والسلامة من الأمراض ، ولكن البطل اعتبرها سباً وهجاءاً فرد عليه بما هو أقبح ، فدعا له بالحمام ( بكسر الحاء ) أي "الموت " لكن الآخر فهم أنه يقصد الحمام ( بفتح الحاء ) الذي يطير لذلك قال : طعمه لا يعجبني ..
تصوير جيد للتناقض الموجود بين البطلين في استعمال معاني الكلمات ، براءة تتخللها سذاجة تعطينا فكرة عن المستوى الثقافي لكل منهما .. فكلمة " العافية "تستعمل في الشرق بكثرة ، ونحن في المغرب نفهم منها "النار" الأول واع مدرك لمعنى قوله ، والثاني ضحية غافلة ..
نجح الكاتب في استعمال نوعاً من التعبير يكون المعنى المقصود مخالفاً للمعنى الظاهر ، فيصبح الدال يؤدي مدلولين متناقضين ،الأول مدلول حرفي ظاهر، والثاني مدلول سياقي خفي .. وبذلك تكون القصة قد جسدت ما يسمى في القصة القصيرة جداً ب " المفارقة اللفظية "
لقد حققت هذه المفارقة إمتاعاً للقارئ ، فرغم هذه السخرية التي قد تؤدي إلى الإضحاك فإنها تحمل في طياتها مأساة فكرية وثقافية ، مما يدفع بالقارئ أن يتعاطف مع البطلين ..فيتحول ضحكه إلى نقد العقل الذي لا زال يعاني من التعلم غير السليم .. ومن أهم أنماط المفارقة التي توفرت في المجموعة القصصية " الاتجاه المعاكس " المفارقة الملحوظة ، ولتوضيح ذلك نسوق أمثـــلة لذلك ..
2 ــ المفارقة الملحوظـــة ..
ففي قصة تفســـيــر ، ص : 17 التي كتبت بتاريخ : 15/08/2009
تقول القصة : تزوج على سنة الله ورسوله ، في الشهر السادس بعد الزواج ، أنجبت له زوجه مولوداً ليس خديجاً ، احتار كثيراً ، اغتم ، واهتم .
أثناء رحلة الصيد ، باح بالأمر لصديقه ، بعد ترو ، قال له :
ــ كنت أصطاد ، ولما طارت أمامي حمامة ، صوبت بندقيتي نحوها ، أريد قصفها ، لكنها سقطت قبل أن أطلق النار عليها ،
7
ــ قال له : لقد رماها غيرك .
ــ أجابه : ذلك ما وقع !!
بطلان يتحدثان عن امرأة أنجبت لأحدهما ولداً ، حكي لصديقه وهو يتظاهر بالسذاجة ، كأنه يطلب منه أن يفسر له سقوط الحمامة قبل أن يطلق عليها رصاصته أثناء رحلة الصيد ، مع أنه يقصد شيئاً آخر .. فتجلت المفارقة عندما قال له : لقد رماها غيرك . إجابة منطقية تتماشى مع الواقع ، وهو المعنى الظاهر من ملفوظ التفسير، لكنها تنطوي على معنى آخر وهو المقصود .. فهو يقصد أنها حملت من رجل آخر قبل أن يتزوج بها ..
فالتفسير عمق الفهم للحدث ، وصل إلى القارئ بطريقة إيحائية ، مغلفة باستعارة جميلة وجذابة ، وجهت انتباه المستفسر /المخاطب / نحو التفسير السليم للقول .. يقول توماس مان عن غوته : " إن المفارقة هي ذرة الملح التي وحدها تجعل الطعام مقبول المـــــــذاق "
تفسير قد يكون ملائماً لحالة البطلين وهما في رحلة الصيد ، لكن التناقض جلي في كون الحمامة سقطت دون أن يطلق عليها الرصاص .. بطل متوتر وقلق ، ساذج وغافل بحقيقة الحدث وظروفه ، وقد نجح الكاتب في إشراك القارئ لما زوده بالمعلومة في بداية النص / في الشهر السادس بعد الزواج ، أنجبت له زوجه مولوداً ليس خديجاً / ليكون على علم تام بوضع الشخصية الحقيقي حتى يصنع مع السارد الحدث ..
كاتب يعرف كيف يفسر أفق توقع القارئ ، بجمالية أدبية متميزة عن طريق ما يصطلح عليه ب : " المفارقة الملحوظة " والهدف منها هو إشراك القارئ بمتعة نفسية وفكرية ، والدفع به إلى التفاعل أكثر مع مضمون القصة ..
يقول الدكتور سي ميويك : " المفارقة الملحوظة هي التي يتفجر بالقنبلة صانعها " فعلا فقد اكتوى البطل بما صنعت يداه حين تزوج امرأة حاملا في شهرها السادس وهو لا يعلم بذلك ..
3 ــ المفارقة الدرامـــية
يقول محمد محي الدين مـــينو: ص: 60 / فن القصة القصيرة مقاربات أولى ./
" المفارقة الدرامية وهي المفارقة التي ينطوي عليها كلام شخصية لا تعي أن كلامها يحمل إشــــــــــــارة مزدوجة: إشارة إلى الوضع كما يبدو للمتكلم ، وإشارة لا تقل عنها ملاءمة إلى الوضع كما هو عليه، وهو الوضع المختلف تماماً مما جرى كشفه للجمهور "
ففي قصة " تصفية " ص: 26 التي كتبت 05/09/2009
تقول القصة : استفحلت العداوة بين الجارين .. التقيا أمام المسجد . تبادلا نظرات حادة ، تصافحا ، وقال أحدهما للآخر :
لا بد من تصفية القلوب . يوم الغد ، هاج الحي وماج ، فتمت التصفية .
اختار السارد حدثاً عادياً وقع بين جارين ، سكت السارد عن أسباب الخصام ، لكنه رمز له بالعداوة ، كنتاج لاحتدام الصراع المتكرر بينهما ، صراع لم يبق حبيس البيوت ، بل نشر ظلاله أمام باب المسجد ، ويبدو أن حدته قد خفت / لا بد من تصفية القلوب / لكن في الغد كانت تصفية جسدية ..
بلغ التكثيف قمته بعدما تغاضى السارد عن التفسيرات والشروح التي تشوش على خطية النسق السردي .. تكثيف يتماشى مع سرعة السرد ، وهما يمتدان بتواز خطي مع سرعة الزمن ..
بطل لا يعي أن كلامه يحمل إشارة مزدوجة لما قال ـ / لا بد من تصفية القلوب / فقد تعني خلوها من الحقد والكراهية ومنع العداوة من الاستفحال ، وقد تحمل إشارة إلى الإجهاز عليها ، وضع آخر كشفه السارد للقارئ في نهاية القصة وهي تصفية الأجساد .. مفارقة درامية جسدتها القصة ، تقنية جيدة استخدمها الكاتب ليبتعد عن السرد المباشر من أجل إثارة القارئ وتشويقه ..
4 المفارقة الساخرة
قد تنبني مفارقة السخرية على الرمز أو المجاز ، تحمل ظاهرة الإضحاك ولكن ليس أساسياً في القصة ، فقد نكتشف بصماتها من خلال كلام الشخصية داخل النسيج السردي . فهي تصور الفرق بين نموذجين متضادين للحالات التي نعيشها في الواقع كأن يتظاهر المرء بتبني وجهة نظر الآخر عندما يستخدم لهجة تدل على المدح ولكنه يقصد التهكم والسخرية ..
ففي قصة : عدل ص : 37 التي كتبت في تاريخ : 17/09/2009
تقول القصة :
كان ماراً أمام قصر الحاكم .. لفت انتباهه كثرة حراسه .. بدأ يعد القصور التي يملك ..!! والحراس التي يحرسونها .. !! ويقدر الميزانية التي تكلف مالية الدولة .. !! وصل إلى دور الصفيح ، توقف عن العد والحساب .. تذكر ما قيل عن عمر بن الخطاب : " عدلت فأمنت فنمت ياعـــــــمــــر "
حملت القصة بين ثناياها بصمة الإضحاك ، إضحاك يخفي من ورائه مأساة إنسانية تتجلى في التفاوت الطبقي ، والتناقض الحاصل بين قصر الحاكم ودور الصفيح ، قصة جسدت مفارقة سخرية لما توسل السارد بما قيل في حق عمر وعدله " عدلت
8
فأمنت فـنمت ياعـــــــمــــر " فالبطل تبنى مضمون القولـــــة مادحاً لها ، لكنه استخدم لهجة القــــــدح والتهكم والسخـــرية في حـــــق الحاكم ..
وكخلاصة سريعة ، فقصص المجموعة تنبني على مفارقات متعددة ومختلفة ، مفارقات مبنية على دقة الملاحظة ومقدرة على كشف التناقض الموجود في دواخلنا والاطلاع على أسرارنا ، وكأن قصص الكاتب أحمد القاطي أخذت على عاتقها أن تعيد للحياة توازنها بتضييق هوة التناقض الموجود في واقعنا البائس ..
مجموعة تستحق الدراسة والتتبع من قبل النقاد والدارسين ، فالجمل السردية موظفة بإتقان تأخذ طابع الحركة تمتد بين صور ناطقة وأخرى صامتة ينطقها القارئ .. صور خادمة للمضمون ، ومشاهد متحركة تعمل على نمو الحدث بإيقاع قصصي سريع يتميز بالإيجاز والإضمار والحذف ..مع إشراك القارئ في استنطاق صمتها ، وقراءة رسائلها ، وتقاسم هموم شخوصها عن طريق التأويل والتفسير والاستنتاج ..
قصص غنية بتيماتها المتعددة والمتنوعة كأن الكاتب يسابق الزمن ليقول الكثير بأقل الكلمات عن قيم ودلالات فكرية واجتماعية وأخلاقية وسياسية على أبطاله ..بتعميق عمارة فن القصة القصيرة جداً وإرساء قواعدها ، عن طريق ترصيف الأحداث ، والدفع بالشخصيات إلى التفاعل معها وبينها ..
قصص تتميز بتشخيص دقيق للذات وصراعها المرير مع واقع يتردى يوماً بعد يوم ، مما دفعها أن تتناقض مع نفسها وتخرج عن توازنها ....
ببراعة فنية استطاعت القصص أن تلتقط هفوات اللسان ، وتقلبات القلوب ، " واستنساخ " المبادئ ، ومعاكسة المواقف ، وتحويل الأهــداف ، والتراجع عنها كلما تغيرت الظروف وتبدلت ..
كل شخوص قصص المجموعة تبدو متناقضة مع نفسها وذاتها وأفـــكارها في ظل واقع متناقض يعج بفوضى فكرية واجتماعية واقتصادية وسياسية .. شرائح اجتماعية متنوعة تحس بالغبن والاغتراب والتهميش والضياع الوجودي ، لذلك راهن الكاتب في قصصه على مفارقات ساخرة تكشف عن مآسي حقيقية يعيشها أبطال القصص في خفاء وصمت ، لكن الكاتب استنطقهم وجعلهم يبوحون ، يفضفضون ، يعبرون بعدما ترك لهم الفرصة للتعبير والإفصاح .. مفارقات تستحق الدراسة لتنوع أنماطها واختلاف تقنياتها ، أجاد الكاتب استخدامها ، وبرع في تأسيس مقوماتها الفنية والأدبية ..
أتمنى أن تحظى المجموعة القصصية " الاتجاه المعاكس " بإدماجها في الكتب المدرسية والمناهج والبرامج ، والدراسة النقدية التي تليق بها .. فقد حان الوقت لتوسيع الأدبية وتمديد رقعة نظرية الأدب بفنون جديدة وعلى رأسها : القصة القصيرة جداً ...
انتهى بتاريخ 29/ 05/ 2013
بوعزة الفرحان
ملحــــق
ملحــــق
ملحــــق

جرد كامل لقصص المجموعة القصصية " الاتجاه المعاكس " للكاتب والشاعر : أحمد القـــــــــــاطي
السنة : 2009
الرقم تواريخ كتابة القصص عنوان القصة الشهر الأيـــــام
1 19/04/2009 الاتجاه المعاكس ابريل الأحد
2 06/05/2009 علامات الاستفهام ماي الأربعاء
3 19/05/2009 سقوط ماي الثلاثاء
4 20/05/2009 درس في التفاهم ماي الأربعاء
5 21/05/2009 من الأحمق ..؟ ماي الأربعاء
6 25/07/2009 ما السر ..؟ يوليوز السبت
7 25/07/2009 طلب خاص يوليوز السبت
8 08/08/2009 تسلط غريب غشت السبت
9 10/08/2009 فهم غشت الإثنين
10 15/08/2009 تفسير غشت السبت
11 16/08/2009 حرمان غشت الأحد
12 18/08/2009 زهو غشت الثلاثاء
13 21/08/2009 مشتبه فيه غشت الجمعة
14 22/08/2009 غباوة غشت السبت
15 24/08/2009 شماتة غشت الإثنين
16 29/08/2009 قضاء غشت السبت
17 03/09/2009 مبادئ شتنبر الخميس
18 04/09/2009 رغبة شتنبر الجمعة
19 05/09/2009 تصفية خاصة شتنبر السبت
20 08/09/2009 امتناع شتنبر الثلاثاء
21 09/09/2009 وسيلة شتنبر الثلاثاء
22 11/09/2009 لوحة شتنبر الجمعة
23 12/09/2009 الموسم شتنبر السبت
24 13/09/2009 حوار شتنبر الأحد
25 15/09/2009 وداع شتنبر الثلاثاء
26 15/09/2009 دعم شتنبر الثلاثاء
27 16/09/2009 مقابل شتنبر الأربعاء
28 16/09/2009 خيبة شتنبر الأربعاء
29 17/09/2009 أمنية شتنبر الخميس
30 17/09/2009 عدل شتنبر الخميس
31 18/09/2009 حلم شتنبر الجمعة
32 21/09/2009 عري شتنبر الإثنين
33 21/09/2009 رحم شتنبر الإثنين
34 22/09/2009 أفعال شتنبر الثلاثاء
35 26/09/2009 تنفيذ شتنبر السبت
36 10/10/2009 نذالة أكتوبر السبت
37 10/10/2009 قصد أكتوبر السبت
السنة : 2010
الرقم تواريخ كتابة القصص عنوان القصة الشهر الأيـــــام
1 11/02/2010 الخطر الحقيقي فبراير الخميس
2 28/02/2010 عانس فبراير الأحد
3 26/04/2010 ترحال أبريل الإثنين
4 11/05/2010 مقايسة ماي الثلاثاء
5 24/07/2010 ضريبتان يوليوز السبت
6 02/08/2010 غاندي غشت الاثنين
7 03/08/2010 طبيب غشت الثلاثاء
8 04/08/2010 تجريب غشت الثلاثاء
9 07/08/2010 في الطابور غشت السبت
10 14/08/2010 حشيش غشت السبت
11 14/08/2010 مقاومة غشت السبت
12 15/08/2010 استجداء غشت الأحد
13 16/08/2010 الذروة غشت الاثنين
14 20/08/2010 حدس غشت الإثنين
15 21/08/2010 حكم غشت السبت
16 21/08/2010 كرامة غشت السبت
17 26/08/2010 جنرال غشت الخميس
18 28/08/2010 الوالي غشت السبت
19 28/08/2010 اقتناع غشت السبت
20 30/08/2010 مال غشت الإثنين
21 03/08/2010 نوم غشت الثلاثاء
22 08/09/2010 عيشة غشت الأربعاء

إحصــــــــــــائيات عـــــــــــامـة

سنة : 2009 سنة: 2010 سنة : 2009 سنة: 2010
الشهور عدد القصص التي كتبت في الشهـــــر عدد القصص التي كتبت في الشهـــــر الأيــــــــــام عدد القصص الأيــــــــــام عدد القصص
يناير ****** ****** الاثنين 04 الاثنين 05
فبراير ****** 02 الثلاثاء 07 الثلاثاء 04
مارس ****** ****** الأربعاء 05 الأربعاء 01
ابريل 01 01 الخميس 03 الخميس 02
ماي 04 01 الجمعة 04 الجمعة 00
يونيو ****** ****** السبت 11 السبت 08
يوليوز 02 01 الأحد 03 الأحد 02
غشت 09 17 37 22
شتنبر 19 ****** المجموع 59
أكتوبر 02 ****** *الكاتب أحمد القاطي يكتب في سائر الأيــــــام بتفاوت في العدد عدا الجمعة سنة 2010
*سنة : 2009 لم يكتب في الشهور التالية :/يناير / فبراير/ مارس/ يونيو/ نونبر /ديسمبرــ ذروة الكتابة في شهر : شتنبر ــ 19 ــ قصة ..
*سنة : 2010 لم يكتب في يناير /مارس/يونيو/شتنبر/ أكتوبر/ نونبر /دجنبرــ ذروة الكتابة كانت في شهر: غشت ـــ 17 ـــ قصة ..
كتب 37 قصة سنة : 2009
كتب 22 قصة سنة : 2010
نونبر ****** ******
دجنبر ****** ******
37 22
المجموع 59
كتبت المجموعة القصصية " الاتجاه المعاكس "
الكاتب : أحمد القــــــــــــــــــاطي ـــــ ما بين
[ 19/04/ 2009 و 08/09/2010 ]