ازدواجيتنا الطائفية المضحكة


كاظم فنجان الحمامي

شر البلية ما يضحك, وشر المواقف المبكية المضحكة أننا أصبحنا في هذا الزمن الأغبر فريسة سهلة لوحوش غابات الشرق الأوسط, تارة تقتلنا عبوات أشرار العرب, وتارة تبعثرنا غارات أشرار الغرب, حتى طحنتنا الأيام بين مطرقة المنظمات الإرهابية وسندان جيراننا الداعمين لها والمؤازرين لأوكارها في حربها المعلنة ضدنا.
لم نقترف ذنبا ولم نرتكب إثما, فكل القصة وما فيها: أننا ننتمي إلى العراق, وأننا أصبحنا في منظور الأقطار المجاورة لنا من الكائنات البشرية المرشحة للزوال, وهذا يفسر سعيها الحثيث للقضاء علينا, وإزهاق أرواحنا, من صغيرنا إلى كبيرنا, ومن شمالنا إلى جنوبنا, بالأساليب الإرهابية المبتكرة.
لا تسألونني عن الأسباب والدوافع والمبررات, لأنني مثلكم تماماً لا علم لي بما يجري في خضم هذه المآسي الدامية, لكن ما يحيرني في هذا السيرك السياسي الفوضوي, المتفجر بالألغام والأحزمة الناسفة والعجلات المفخخة والمسدسات الكاتمة, أن جمهور القراء صاروا يتعاملون معنا نحن الكتاب معاملة لا نحسد عليها, فنحن في مقاييسهم أما مع هذه الفئة أو ضدها.
حتى الذين تمسكوا بالحكمة والتزموا بالعقلانية لم يسلموا من تصنيفات الازدواجية الطائفية, ولم يفلتوا من حملاتها المشككة بنواياهم وتوجهاهم الحقيقية, وليس أدل على كلامنا هذا من قافلة الضحايا الطويلة من الكتاب والصحفيين والإعلاميين, الذين استشهدوا غدراً بخناجر المنظمات الطائفية.
أما فضائياتنا المعنية بنشر الوعي الوطني المتجرد من التبعات الطائفية, فصارت هي التي تغذي النعرات, وتؤجج النزاعات, وتبث الفتن, وهي التي تتفنن في اختلاقها وتلفيقها وتعليبها وتسويقها, حتى غرقت تماماً في برامجها الطائفية والمذهبية والعرقية والمناطقية.
عندنا الآن مدن مغلقة لطائفة بعينها, وجامعات مجيرة لفئة واحدة, أو لقومية متعصبة, وعندنا إذاعات تبث سمومها على الترددات الطائفية العاملة في المديات والموجات الفئوية الضيقة, وعندنا أحزاب سياسية شيدت ديمقراطيتها المزيفة فوق أوحال البؤر الطائفية, وعندنا فقهاء يطلقون الفتاوى على هواهم, من دون حاجة للرجوع إلى كتاب الله, أو إلى سنته المطهرة, أو إلى عترة أهل بيت النبوة, وسياسيون يدينون بالولاء لدول الجوار من دون خوف ولا خجل.
قبل بضعة أيام ظهر علينا زعيم سياسي كبير يتباهى بعلاقاته السرية مع دول مجلس التعاون الخليجية, ويتفاخر بقيامه بتزويد مخابراتها بتقاريره اليومية التحريضية, وظهر علينا زعيم آخر يتبجح باستعداده للتخندق مع إيران والقتال ضد العراق عند نشوب أي حرب بين بغداد وطهران, وشاهدنا على التلفاز زعماء يمجدون بتل أبيب ويهيمون بحبها.
لقد وصلنا في مواقفنا الطائفية والسياسية إلى منعطفات حرجة لا مثيل لها في تاريخنا, ولعلها تمثل إحدى الحالات النادرة, التي بلغنا فيها هذا الحد من الوضوح في الانقسام والتشتت والتشرذم والتمزق والتفكك وغياب الروح الوطنية.
ربنا مسنا الضر وأنت أرحم الراحمين