آفة الدين التطرف


كاظم فنجان الحمامي

من سخريات الأقدار أن معظم المنظمات المتأسلمة, التي تتظاهر اليوم بولائها المطلق للدين الحنيف, هي التي تحمل معاولها الهدامة لتطيح بصروحه, وهي التي تقود بلدوزراتها لتنسف أركانه, وهي التي تقف ضده بفتاواها الباطلة, ومعاملاتها السيئة, وتفاسيرها الارتجالية الخاطئة.
أنظروا كيف يتعرض المسلمون للظلم باسم الدين, يظلمهم غلاة التكفير والتفجير, الذين يخدمون الكيانات السياسية المتطرفة, وتبتزهم مجاميع من الأميين والجهلة, من الذين يرفضون تصحيح أيدلوجياتهم المتعصبة, ويرفضون تغيير أهدافهم الضيقة. يزعمون دائماً أن فهمهم للدين هو الفهم الوحيد الصحيح, ويسعون لفرض مفاهيمهم المغلوطة على الآخرين.
ألم تنتبهوا كيف انتهى الصراع العربي الإسرائيلي ؟, وكيف احتجب وراء حرائقنا الداخلية المتمثلة بالصراع العربي العربي, والصراع الإسلامي الإسلامي, والصراع السني السني, والصراع الشيعي الشيعي.
راقبوا كيف يتعرض المسلمون للظلم على يد الجهلة, من الذين تعصبوا لجهلهم, فشوهوا صورة الإسلام بأفعالهم المشينة, وجعلوا الرأي العام العالمي يظن أن هذا هو الإسلام.
هؤلاء يؤمنون إيماناً قاطعاً أن انتمائهم لتلك المجاميع التكفيرية المتطرفة تمنعهم من تفعيل أدمغتهم, وتعفيهم من مشقة البحث عن الحلول الصحيحة بالتفكير والاستقراء والاستنباط والاستنتاج, وكأنهم لا يعلمون أن المتدين لا يكون متديناً إلا بالعلم, وأن الله لا يُعبد بالجهل, فالمتعبد بغير معرفة كالبندول المتأرجح في الظلمة, يدور ويتأرجح على غير هدى, من دون أن يبرح مكانه.
أن مجاعة الفكر في بلداننا أبشع من مجاعات الأمن والاستقرار, وأكثر بشاعة من مجاعات لقمة العيش, وأن الأفكار الخلاقة كالأسلحة الحربية, تتطور بمرور الزمن, فالذي يحتفظ بأفكاره المتحجرة كمن يخوض الحرب النووية بالهراوات والخناجر الصدئة, لذا يتعين علينا أن نتعايش بسلم مع الآخرين, أو أن يهلك بعضنا بعضا في خضم هذه الفوضى, التي طغى فيها صوت التطرف فوق صوت التعقل في غابات التصحر الفكري, التي لا مكان فيها للعقلاء, فالذين يجعلونك تعتقد بما هو مخالف للعقل, قادرون على جعلك ترتكب الفظائع, فكل تدين يتناقض مع العقل, ويجافي العلم, ويخاصم الفكر, ويرفض عقد الصلح مع الجنس البشري, هو تدين فقد صلاحية البقاء, فلا تخف بعد الآن من الشخص الذي لا يقرأ, وأحذر من الشخص الذي لا يفهم ما يقرأ. وتبقى الحقيقة هي الحقيقة ولو كانت الجاهلية كلها ضد عاقل واحد.
وأعلموا أن الإسلام هو دين المحبة والسلام, ودين التسامح والوئام, ودين العلوم والمعارف, ودين العقل والمنطق. والدين الذي رفع راية (أقرأ) منذ القرن الهجري الأول وحتى قيام الساعة.