من سايكس بيكو إلى كيري لافروف
الدكتور عزت السيد أحمد
في تقرير لا ندري إن كان تحليليًّا أم تسريبياً نشرته صحيفة التايمز في عدد الأحد 2/2/2014م تقول: إن احتمال إعادة رسم خريطة الشرق الأوسط التي كانت حدّدت باتفاقية سايكس بيكو قبل نحو مائة عام هو الاحتمال المرجح لحل الأزمة السورية... والحقيقة لتكريس المشروع الغربي الصهيوأمريكي لشرذمة المنطقة أكثر.
قال التقرير «إن الصراع الدائر في سوريا منذ أكثر من ثلاثة أعوام لن ينتهي إلا بإعادة رسم خريطة منطقة الشرق الأوسط، التي حددت في إطار ما يعرف باتفاق "سايكس بيكو" قبل حوالى 100 عام». وقد بدأ التفتيت في السودان وقبلها العراق ثمَّ اليمن الآن، وها هم في طريقهم إلى سوريا...
من المسؤول عن ذۤلكَ؟
كل من يتهم الغرب فهو تافه. الغرب يريد ولٰكنَّ الأنظمة العربية هي المسؤول الأول والأخير عن التنفيذ.
يتابع أنطوني لويد الصحافي والمحلل السياسي قائلاً:«رُبَّما لا يرغب أحد في الإقرار صراحة بأن تقسيم سوريا، وفق أسس طائفية وفيدرالية، قد يكون حلا محتملا ينهي الأزمة المستمرة». هو يقر بأنه لا أحد يرغب في ذۤلكَ. ولۤكنَّهُ في الوقت ذاته يتابع بدهاء الإنچليز: «إنَّ الكثيرين يعربون سرًا عن شكوك كبيرة في مدى استمرارية الخريطة، التي حُددت معالمها، قبل قرن من الزمان».
وهٰذا صحيح تماماً فالشكوك كبيرة في خريطة سايكس بيكو، والربيع العربي كان يضمر في باطنه الكثير من احتمالات إعادة رسم خريطة سايكس بيكو. ولٰكنَّ الذي حدث أن الأنظمة العربية والسياسة الغربية انتبهت إلى هٰذه الخطورة وأرادت أن تحول الشكوك في استمرار خريطة سايكس بيكو إلى شكوك حقيقية ولٰكنَّ بعكس الاتجاه الذي سارت أو يجب ان تسير فيه.
فالسلاطين العرب لا مانع لديهم من مزيد التقسيم والتفتيت مقابل الاستمرار في مناصبهم. وهٰذا ما يفسر لنا تآمر الأنظمة العربية على الثورة السورية وعلى الربيع العربي بمجمله. وعلى هٰذا الأساس ينتهي لويد إلى ضرورة «الوصول إلى حل يعالج المشكلة الإقليمية، بدلا من أن يركز فقط على سوريا سيستغرق عقودا يسقط خلالها آلاف من القتلى الآخرين»، أي مساهمة سلاطين المنطقة في تكريس الفدراليات على أساس طائفي وعرقي قبل أن يصبح القرار بأيدي الشعوب وتضيع فرصة السيطرة على المنطقة بضمانات الأنظمة ورعايتها فترة من الزمن حَتَّى يأخذ أبعادها واستقرارها الفيدرالي الذي سيتحول بطبيعة الحال إلى دول مستقلة.
لن أقطع بعدم نجاح الفيدرالية في هذه الدولة أو تلك. سأفترض أنَّها ستنجح. ولٰكنَّ هل يمكن أن تنجح في سوريا بعد كل هٰذا القتل والخراب والدمار والتشريد؟
لا أظن ذۤلكَ أبداً. ولا أظن أنَّهُ يمكن أن تنجح الفيدرالية في أيِّ دولةٍ عربيَّة. أي فيدرالية ستنقسم إلى دول. وهٰذا ما لا يعترض عليه الغرب إطلاقاً. وحَتَّى يمرر هٰذا المشروع تتم الممطالة في حلِّ ما يسمى الأزمة السورية من أجل تهيئة الأجواء المناسبة لإعادة رسم خريطة المنطقة العربية من جديد. مشروع الشرق الأوسط الكبير لم يمت في العقلية السياسية الغربية والأمريكية خاصَّة. وأمريكا تطهوه على نار هادئة، والعرب مثل المهابيل يسيرون في الطريق المرسوم بكل طاعة بل بطاعة غير مسبوقة، فهم يحاربون من يحارب يحارب شرذمة المنطقة أكثر.
وفي هذا السياق صرت أسمع بين الحين والحين من بعض السوريين الثائرين قولهم: «يا أخي يقسمونا ويريحونا». وليت أنهم يفهمون، لو أن التقسيم سيريحنا وتنتهي المشكلة لربما فكرنا في الارتياح إلى هذا المشروع. إن تقسيم سوريا تحت أي شعار أو عنوان هو فرض واقع الذل والهوان وتكريسه، ولا ندري إلى متى للأسف؛ عشرات السنين، مئات السنين
حتى ولو أمَّن التقسيم للسوريين الاستقرار وكذلك القصاص للشهداء والتعويض عن الدمار فإنه أخطر ما يهدد الكرامة والهوية العربية والإسلامية وإني لأظن أنَّ البقاء في ظل الاستبداد الأسدي أفضل ألف مرة من تقسيم سوريا
المفضلات