الانعطافة السيسية في تاريخ السياسة اللاسياسية
الانقلاب السيسي يفعل ما تخشى إسرائيل فعله
الدكتور عزت السيد أحمد
لقد اعتبر النظام الانقلابي المصري الأخوان تنظيماً إرهابياً.
أمر الله.
وسيكون إراهبيًّا كل من ينتمي إلى الأخوان المسلمين، أيضاً مقبول على مضض. ولٰكنَّ أن يكون إراهبيًّا كلُّ من يمدح الأخوان أو يدافع عن الأخوان أو يروج للأخوان أو يحمل أفكار الأخوان فهٰذا تمادٍ في الاستبداد غير معقول.
والتمادي الأكبر من ذۤلكَ حَتَّى الشطط المثير للاشمئزاز فهو أنَّ سلطة الانقلاب ستطلب من كل دول العالم تسليمها أي مصري يشعر بالتعاطف مع الأخوان... حَتَّى الذين يظهرون على تلفزيون الجزيرة ستطالب بهم السلطة الإنقلابية، وستمارس ضغوطها على المجتمع الدولي لمحاصرة قطر اقتصاديًّا إذا لم تسلمها ضيوف قناة الجزيرة الذين يمدحون الأخوان. أي إن المفكرين والإعلاميين والأدباء هم موضوع الاتهام بالإرهاب؛ المفكر الذي سيكون له موقف إيجابي من الأخوان سيكون إرهابيًّا.
الخلاصة: لا يجوز لأحد بعد اليوم أن يتعاطف مع الأخوان تحت أي ظرف شعوري أو لا شعوري... ورُبَّما حَتَّى في المنام.
ولا نحتاج إلى كثير بداهة لنكتشف أنَّ أيَّ تظاهر في مصر بعد اليوم هو إرهاب لأنَّهُ تعاطفٌ مع ما يريده الأخوان. وكلنا يعلم اليوم كيف أنَّ الانقلاب يتهم كل المتظاهرين بأنهم أخوان على الرَّغْمِ من أنَّ بينهم المسيحيون والعلمانيون، وقد حكم منذ أيام على عدد من الأشخاص هم ضد الأخوان، ولۤكن لأنهم يتظاهرون بالتزامن مع الأخوان حكموا بالسجن ثلاث سنوات.
وهٰكذا يستطيع السيسي أن يمرِّر الدستور، ويمرر قداسته في الدستور، ويمرر ترشيح نفسه للرئاسة، ورُبَّما نجاحة في الرئاسة كما يطالب أبواقه بلا حياءٍ ولا خجلٍ، وسيستمر في محاصرة غزة بكل الطرق التي يريد، بل وسيسطيع محاربة أيِّ فلسطينيٍّ يريد محاربة إسرائيل، وأيِّ سوريٍّ يريد الحرية... وهو يفعل ذۤلكَ عمليًّا بلا أدنى حياء أو خجل منذ صبيحة الانقلاب على الشرعية بل على النظام السابق مهما كانت صفته. واستمر في هٰذه الممارسات الدنيئة بحق الفلسطينيين والسوريين وسط صمت مريب بل مشاركة مخجلة من المصريين أنفسهم ومن المجتمع الدولي الذي لا أريد منه شيئاً لأني لا أترقب منه شيئاً أصلاً.
أتخيل أن سيكتب كلمة حرية وينشرها في كل الشَّوارع، وكل من ينظر إليها سيتم اعتقاله بتهمة الإرهاب.
أنا شخصياً لا أحب الأخوان، ولم أحببهم يوماً، ولكني أجدهم أشرف من السيسي ومن كلِّ من يقف مع السيسي، ومن كل من يدعم السيسي... هٰذا تفرضه علينا سلوكات الانقلاب على مختلف المستويات والأصعدة، والتصريحات والأقوال التي يطلقونها مما يتجاوز كل حدود المنطق والاستغفال والاستحمار للبشر.
الأخوان أخطأوا، نعم أو رُبَّما أو لا... ولٰكنَّ حملة التحريض عليهم تتجاوز كلَّ ما يمكن أن يكونوا قد ارتكبوه من أخطاء بألف الف ألف مرة. والممارسات التي ارتكبت بحقهم من قبل السلطة السيسية الانقلابية تتجاوز كل حدود المقبول والمعقول. وتجاوز كل ذۤلكَ إلى محاربة سفيهة للسوريين والفلسطيين بحجة أو ذريعة تعاطفهم مع الأخوان.
السيسي أعاد حصار غزة أكثر بألف مرَّةٍ مما كان أيام حسني باراك تحت ذريعة تعاطفهم مع الأخوان، لا شكَّ في أنَّهُ يريد أن يقدِّم لإسرائيل الخدمات التي تعطيهم الطمأنية من جانبه، ويؤمن أمن إسرائيل أكثر مما تحلم به إسرائيل.
السيسي ارتكب عدَّة جرائم وتفجيرات في مصر لينسبها إلى الأخوان، كما تفعل الأنظمة العربيَّة عادةً لتخويف المواطنين ولملمتهم حوله، وعلى الرَّغْمِ من كون بعض هٰذه التفجيرات أو الجرائم مفضوحاً إلى حدٍّ بعيدٍ فإنَّ النِّظام لا يتورع عن توجيه الاتهام مع ثواني التفجير الأولى إلى الخصم الموجود في الساحة؛ وهو الأخوان في الحالة المصرية.... كلُّ ذۤلكَ من أجل أن يبقى في السلطة ويحمي إسرائيل ولا أفصل بينهما أبداً. فقد أثبت الواقع العربي اليوم بما لا يقبل الشكَّ أنَّ الحاكم العربي الذي يريد أن يدعم جلوسه على الكرسي يجب أن ينكب على حاء إسرائيل تقبيلاً وتقديساً كي يستطيع الصمود أمام شعبه الذي يرفضه، وكي يقتل شعبه بأي طريقةٍ شاء من دون أن يهتز جفن أو ضمير الشرعية الدولية، إذا كان هناك اصلاً شرعية دوليَّة.
السيسي اعتقل كلَّ المسؤولين الذي كانوا في عهد مرسي من محافظٍ إلى وزيرٍ إلى رئيس وزراء ورئيس مجلس الشعب ونائب رئيس مجلس الشعب وأعضاء مجلس الشَّعب وكلَّ أنواع قيادات الأخوان ومن يتعاطف مع الأخوان... وهٰذا ما لم يفعله انقلابٌ عبر التاريخ ولا حَتَّى ثورة في التاريخ وصلت إلى هٰذا التمادي والمبالغة في اعتقال شخصيات النظام السابق... لقد تجاوز الانقلابات والثورات في محاربة النظام السابق تجاوزاً غير مسبوق، ورُبَّما غير ملحوق. لقد اتسم في هٰذا الجانب بجرأة وقحة لا تصدق أبداً، ولا ندري على أيِّ أرضيةٍ يستند حَتَّى يتصرف بهٰذه الوثوقية المغرورة العمياء. لا أخفيكم أني ألقي على الشعب المصري كبير اللوم في منحه هٰذه الحرية في الجبروت، فهم بالكاد خرجوا من أجواء ثورتهم على حسني باراك... ولا أطيل في هٰذا الوجع فإنه مرٌّ أكثر ممما يحتمل.
السيسي انعطافةٌ كبرى في تاريخ السياسة؛ الانعطافة السيسية. سيتحدَّث التاريخ عن سلوكات السيسي التي لم يسبق لها نظير من أشد الديكتاتوريات في التاريخ. الديكتاتورية ليست قتل الناس فقط. قتل الناس وحشية، الديكتاتورية هي الاستبداد والتفرد في السلطة، والسيسي يتفرَّد بها الآن على نحو رُبَّما لا أقول إنه غير مسبوق ولٰكنَّ أقول فجٌّ بطريقة مثيرة ومرعبة... وإذا كانت هٰذه البوادر فالقادم أعظم...
سينجح السيسي في تدمير القيم والأخلاق أكثر مما نجح السابقون. وسينجح في محاربة الإسلام والمسلمين أكثر مما فعل الكافرون. وسينجح في حماية إسرائيل أكثر مما فعل الإسرائيليون. هٰذا إذا استمر السيسي في الحكم، وليس ذۤلكَ بمستبعد أبداً، فإنَّ العالم يقف معه مثلما وقف مع النظام السوري، ورُبَّما سيقف أكثر وأشد نظراً لحجم مصر السكاني وموقعها الجغرافي أيضاً.
والذين يقولون إننا لا نعلم، أو لم نعلم غير معذورين أبداً أبداً أبداً.. فليس مثل اليوم إمكان للوصول إلى معرفة الحقيقة. فإنه بالكاد يوجد إنسان ليس لديه أكثر من طريقة للوصول إلى كل أنواع المعلومات التي يريد؛ التلفزيون، الهاتف، النت... ولا يوجد حجرٌ على شيء، فما لا تستطيع الحصول عليه من هنا تحصل عليه من هناك... بل يكفي أن يعمل المرء تفكيره قليلاً في وسائل إعلام النظام ذاته ليدرك حقيقة ما يحدث... لإعلام النظام ذاته يدين ذاته بفجوره وتناقضاته.
وعلى القيم السلام، وعلى الإسلام السلام، والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.
نقطة انتهى
المفضلات