نحن الذين صنعنا هذا البرلمان


كاظم فنجان الحمامي

نحن لم نعترض على أعضاء مجلس النواب, ولم نعترض على أعضاء مجالس المحافظات, ولا على أصحاب المناصب العليا, ولم نحتج عليهم عندما بسطوا نفوذهم على شوارع مدننا, ولم نعترض عندما استطالت بيوتهم بالطول والعرض, ليحجزوا مساحات أوسع فأوسع من أرصفتنا وساحاتنا حتى تحتلها كرفاناتهم الأنيقة المخصصة لإيواء حماياتهم, وحتى تشغلها عجلاتهم وسياراتهم ومولداتهم وصهاريجهم, فلماذا نتذمر الآن من رواتبهم المليونية وامتيازاتهم المالية السخية, التي احتجزت الحصة الأكبر من تخصيصات التقاعد ؟.
ونحن لم نحتج على العارضات الفولاذية, التي أغلقوا بها شوارعنا الفرعية, ولم نعترض على الكتل الكونكريتية والحواجز الخراسانية, التي سدوا بها المنافذ المؤدية إلى بيوتنا, فلماذا نعترض الآن على الكتل المالية الهائلة التي سيقتطعونها من مواردنا المالية ؟.
ونحن لم نتذمر من صخب مواكبهم المنطلقة في كل الاتجاهات بسرعاتها الجنونية, ولم ننزعج من مكبرات الصوت وهي تزعق علينا بغضب, وتزجرنا لإفساح الطريق لسياراتهم المدرعة وعرباتهم المصفحة, فما الذي جعلنا ننزعج الآن من أصواتهم المتعالية في المطالبة بالمكافآت المالية الفلكية ؟.
ونحن لم نخرج إلى الشوارع لنتظاهر عليهم عندما أجهضوا قانون البنية التحتية, الذي كان من المفترض أن يخدم الفقراء, وكنا نأمل أن نعيد به الحياة لمشاريع الماء والكهرباء والصناعة والزراعة والطرق, ونبني به مدارسنا وجسورنا وتجمعاتنا السكانية, فلماذا نتظاهر عليهم الآن لنحرمهم من بناء مستقبلهم برواتبهم التقاعدية, ونحرمهم من فرص التفوق الطبقي والبنيوي على أصحاب الكفاءات العلمية والمهنية العليا ؟.
ونحن لم نمتعض من غيابات نسبة كبيرة منهم عن حضور معظم الجلسات, ولم نمتعض من الغيابات المتكررة, فلماذا نمتعض الآن من وقوفهم صفاً واحداً في الجلسة التي صوتوا فيها بالإجماع بكلمة (نعم) على امتيازاتهم التقاعدية الكبيرة ؟.
ختاماً نقول: نحن الذين انتخبناهم قبل بضعة أعوام, ونحن الذين جئنا بهم عبر صناديق الاقتراع, ونحن الذين اخترناهم بمحض إرادتنا, ونحن الذين اشتركنا كلنا في صناعة أعضاء هذا البرلمان, فهل سنعيد انتخاب الوجوه نفسها مرة أخرى ؟, وهل سنعيد اختيار الأعضاء الذين ارتكبوا كل هذه الأخطاء والهفوات ؟؟.
أولم نؤمن بعد بالحكمة النبوية التي تقول: (المؤمن لا يُلدَغ من جحرٍ مرتين), فهل نطبق هذه الحكمة ونعمل بها ؟. وهل سنتسلح بها عندما نذهب مرة أخرى إلى صناديق الاقتراع ؟. أم أننا سنتلقى المزيد من اللدغات والعضات والوخزات من الجحر نفسه, من دون أن نتعلم من هفواتنا المتكررة, التي ارتكبتاها بمحض إرادتنا.
والله يستر من الجايات