خوفي على شط العرب


كاظم فنجان الحمامي

لا توجد معاهدة حدودية واحدة كسب فيها العراق سنتيمتراً واحداً من أراضي ومياه دول الجوار, فالتنازلات والتراجعات هي الصفة الملازمة لبنود معظم الاتفاقيات الحدودية المبرمة مع إيران والكويت وتركيا وسوريا والأردن والسعودية.
أما الآن وبعدما خسرنا الشيء الكثير من حدودنا البرية والبحرية, وبعدما انكمشنا للداخل, في متوالية عجيبة مررنا بها منذ الحرب العالمية الأولى وحتى يومنا هذا, فأننا نخشى أن يضيع شط العرب كله بعد ضياع نصفه الشرقي عام 1975.
ربما تعزا حالة القلق التي نعيشها ونشعر بها الآن إلى مجموعة من العوامل المربكة والاستعدادات المحبطة, فالظرف الذي يمر به العراق والمنطقة يحمل سلسلة من محاذير جيوبولتيكية مؤثرة, تمنعنا من التورط بمعاهدات حدودية غير متوازنة أو غير متكافئة.
ثم أن استبعاد الخبراء البحريين وأصحاب المؤهلات الملاحية العالية, وعدم الاستئناس بآرائهم من شأنه أن يضعف موقفنا في المطالبة بحقوقنا, وربما يرفع درجة خطورة المحاذير القوية, ويحتم علينا التريث والتأني وتجنب الوقوع في مطبات التنازلات الحدودية المتلاحقة, التي قد تطيح بما تبقى لدينا من مسطحات بحرية متقوقعة في المياه الضحلة, آخذين بنظر الاعتبار أن إيران والكويت ضمنتا منذ زمن بعيد امتلاكهما لسواحل بحرية طويلة مطلة على البحار العميقة, فالكويت تمتلك شريطاً ساحلياً بطول (500) كيلومتراً في مياه الخليج العربي, وتمتلك إيران شريطاً ساحلياً بطول (3200) كيلومتراً في مياه الخليج العربي وخليج عمان وبحر العرب والمحيط الهندي وبحر قزوين, وبالتالي فأن الكويت وإيران دأبتا على خوض نزالات التفاوض الحدودي مع العراق بجرعات منشطة تؤهلهما لتحقيق الغلبة. الأمر الذي يفرض على المفاوض العراقي الحذر ثم الحذر ثم الحذر, والإصرار على العودة إلى مواقع الفنارات الملاحية القديمة لمدخل شط العرب, والتي تم تثبيتها في متن اتفاقية الجزائر بخطوط الطول والعرض. لأن مدخل شط العرب من جهة البحر يشكل الآن نقطة مصيرية حرجة, ويمثل أهم المحاور الرئيسة على طاولات التباحث الثنائي, من هنا يتعين علينا رفض قبول التقسيم بمقص التالوك في منطقة المدخل بوضعها الحالي.
فشتان ما بين ملامح دلتا شط العرب عام 1975 وبين ملامحه عام 2014, وبخاصة في المنطقة المحصورة بين رأس البشة و(خور العمية), حيث شهدت ممرات شط العرب انحرافاً خطيراً في هذه المنطقة نحو الأراضي العراقية, وربما زادت مساحة الأراضي المضافة إلى إيران على (32) كيلومتراً مربعاً, في حين أصبحت المنصات النفطية لميناء خور العمية في وضع جغرافي لا تُحسد عليه, بما يشكل خطورة تحول (خور العمية) نحو السواحل الإيرانية, وبالتالي احتمال ضياعه لصالح إيران, سيما أن إيران لا تخفي رغبتها بضم المزيد من المواقع الحدودية المكتسبة.
من نافلة القول نذكر أننا نطلق على هذه المنطقة بالذات اصطلاح (السد الخارجي), ونسمي القناة الملاحية المارة بها قناة (الروكا). أما الفنارات القديمة التي كانت ترسم ملامحها في عام 1975 فمازالت ظاهرة للعيان في أماكنها, وكأنها تعبر عن التزامها الوطني بحماية خط الأساس, ويمكن الرجوع إليها الآن لضبط مسارات القناة الملاحية الفاصلة بين العراق وإيران.
قد تأتي هذه المخاوف المشروعة متطابقة مع فتوى مجلس شورى الدولة عام 2009, والتي أكدت على ضرورة تجنب الخوض في أي مفاوضات حدودية مع دول الجوار لأسباب عللها المجلس بضعف المفاوض العراقي.
تبقى مسألة في غاية الأهمية, وهي وجوب التمسك باسم (شط العرب), ورفض الاسم الإيراني البديل (أرفند رود), والمطالبة بحذف المسميات الدخيلة, ورفعها نهائياً من الخرائط البحرية الأدميرالية.