الأنظمة الحاكمة وبناء الشرعية
الدكتور عادل عامر
مقدمة
أساس الشرعية هو قبول الأغلبية حق فرد (أو جماعة) في الحكم وممارسة السلطة بما فيها حق اللجوء إلى القوة إن اقتضى الأمر ذلك. هذا التعريف المبسط يرسم بدقة معالم الشرعية. أولاً، يوضح أن "قبول المحكومين" وقناعتهم، وليس "إذعانهم"، هو جوهر الشرعية. ثانياً، الشرعية لا تستلزم "القبول" الأبدي لأنها ليست مكسباً نهائياً بل هي ذات طبيعة تطورية ومتقلبة تتجدد باستمرار، وعلى الحاكم صيانتها دوماً وإلا سقط "العقد" الذي بموجبه تحصّل من قبل المحكومين على هذه الشرعية. إذ يجب صيانة ما يسميه ماكس فيبر بـ "الإيمان بالشرعية" الذي يعتبره فيبر "عاملاً حاسماً". إذ يرى أن كل سلطة تسعى إلى صيانة الإيمان بشرعيتها. بتعبير أخر، "الشرعية هي فكرة واعتقاد وقناعة شعبية بجدارة الحاكمين باحتلال موقع القرار ومركز السلطة السياسية". وإن اندثرت هكذا فكرة، انهارت شرعية السلطة القائمة. فالشرعية إذن متحركة على الدوام: تتغير، تُكتسب، تُكرس، كما تضعف وتتآكل إلى أن تُفتقد. إذا فقد نظام سياسي شرعيته فإنه يفقد مسوِّغ وجوده وبقائه. توضح مقاربة ابن خلدون للبيعة معنى الشرعية السياسية من حيث هي عقد كالذي يُبرم بين البائع والمشتري، ذلك أن "المبايع يعاهد أميره على أن يسلم له النظر في أمر نفسه وأمور المسلمين، لا ينازعه في شئ من ذلك، ويطيعه فيما يكلِّفه به من الأمر على المنشط والمكره. وكانوا إذا بايعوا الأمير وعقدوا في يده تأكيداً للعهد؛ فأشبه ذلك فعل البائع والمشتري".فهذه العلاقة التعاقدية المبنية على الرضى المتبادل تُفسخ إذا أخلّ أحد المتعاقدين بشروط العقد. الشرعية، حسب فيبر، تستمد من مصادر ثلاث: التقاليد، الزعامة الملهمة، والعقلانية القانونية. وتعتبر الشرعية القانونية، المعمول بها في الديمقراطيات الغربية، أرقى نموذج وتُعرف أيضاً بالشرعية الدستورية أو المؤسسية. ويمكن إضافة الأيديولوجيا التي أصبحت تقريباً المصدر الوحيد للشرعية لبعض أنظمة الحكم في العالم الثالث وفي المنطقة العربية خلال العقود الماضية فلقد كانت الإيديولوجية القومية مصدراً لشرعية العديد من الأنظمة العربية، وحتى التي لم تتبن هذه الأيديولوجية كانت تعلن التزامها القضايا القومية حفاظاً على استقرارها.
تعريف الشرعية السياسية
للشرعية السياسية علاقة وطيدة بالاستقرار السياسي، فكلما تدعم هذا الأخير ترسخت، وكلما تدهور تضعف وتتآكل. وعلى السلطة في هذه الحالة توفير الاستقرار اللازم حتى تعيد إنتاج وتجديد مسوِّغات وجدودها. من العوامل الأساسية في تكريس الشرعية، الكفاءة والفاعلية في تسير الشأن العام. الشرعية والفعالية تحددان مستوى الاستقرار في المجتمع، لكنهما لا تأخذان دائماً نفس المنحى، فقد يحدث أن يتميز نظام سياسي بأداء عال (فاعلية)، لكن افتقاره للشرعية يقود إلى عدم الاستقرار الظاهر أو الكامن. تصور المحكومين لكل من الشرعية والفاعلية في تغير مستمر، ذلك أن المحكومين قد يقبلون في حقبة من الزمن بمصدر ما للشرعية، لكنهم يرفضونه في مرحلة لاحقة تبعاً للتطورات الاجتماعية. في الأنظمة غير الشرعية يكون الاستقرار ظاهرياً فقط، ذلك أنها كثيراً ما تمارس العنف الرسمي لكبح جماح القوى المناوئة لها، وبالتالي، حتى وإن وفقت، فلا تحقق إلا استقراراً سلطوياً، ظاهراً يخفي غلياناً كامناً والسبب هو أن هذا "الاستقرار" لم يكن نتيجة لسعي "النظام لتدعيم شرعيته، وزيادة فاعليته"، وإنما نتيجة لضرب قوى التغيير في البلاد. لهذا "فإن حالة عدم الاستقرار السلطوي تتضمن في إطارها مقوّمات كامنة لعدم الاستقرار، سرعان ما تنفجر في شكل دورة جديدة من العنف والعنف المضاد". ومن هنا فإن "العنف السياسي هو المظهر الأساسي لعدم الاستقرار". فالنظام السياسي الشرعي هو الذي يمتلك القدرة على الحكم من دون استعمال وسائل القمع والقسر والإكراه، ومن ثم تصبح الشرعية البديل الأكثر إنسانية لقواعد الإكراه أو الإجبار المادي والمعنوي التي يتم استخدامها لتسيير عملية الحكم، ولضبط الحركة العامة نحوها، ذلك أن أي سلطة أو حكومة لا بد لها، كي تفرض وجودها واستمراريتها، من شيء من القوة أو الترهيب، وإن كان ذلك بدرجات متفاوتة، ولكن ذلك وحده لا يستقيم إلا في الدكتاتوريات والأنظمة البوليسية البحتة، إن لم تصحبه قناعة مجتمعية بقبول هذه السلطة، عبر الاقتناع الاجتماعي بجدوى هذه السلطة، وبوجود أسس فكرية لها تبرر وجودها واستمراريتها. وهذا ما يمكن وصفه بالشرعية التي كلما تزايدت نسبها على حساب القوة والإرغام والقسر كانت المجتمعات المعنية أكثر استقراراً وجدوى وفعالية. فالشرعية تقوم بالذات على قيام المواطن بأمور تتوقعها السلطة منه، من دون أن يجد في ذلك حرجاً، ومن دون أن يشعر بالاضطرار، ومن دون أن يكون محكوماً برهبة، فالشرعية هي على الأرجح المسلك الطبيعي المتوافق مع وجود الدولة، ومع أسباب استمرارها وشروط بقائها، وهو مسلك طبيعي، يمعنى أنه قابل للتبرير في ذهن المواطن من دون تدخل الغير، فهي تعني التبرير الفكري أو الأخلاقي أو السياسي أو الاجتماعي للظاهرة محل البحث، بحيث تجد الظاهرة شرعيتها، باستنادها إلى مجموعة من الحقائق السياسية أو الاجتماعية أو الأخلاقية المجازة اجتماعياً أو أخلاقياً. وهذا المعنى يعبر عنه بالشرعية، وهو يشير إلى الأساس والمبرر، أو إلى السبب أو جواز الوجود المستمد من حقائق مسلم بها، قانونية أكانت ام سياسية أم اجتماعية أم أخلاقية. وتأسيساً على ما تقدم، فإن مصطلح الشرعية يتحدد معناها بإيجاز في أنه يمثل التعبير عن حالة الرضا والقبول التي قد يبديها المواطنون إزاء النظام وممارسة السلطة. فهي القاعدة النابعة من ضمير الناس وقناعاتهم وتأييدهم، ومن ثم فإنها تمثل قاعدة أقوى وأمتن للسلطتين، أي قاعدة قانونية، فالرضا عامل نفسي، وقيمة معنوية لا تترتب إلا بناء على تفاعل إيجابي بين المواطنين والسلطة. وتحقيق ذلك يفترض أمرين متكاملين هما: - الوحدة الفعلية بين أهداف السلطة وأهداف المجتمع بغالبيته. أما إذا كانت السلطة تمثل تعبيراً عن مصالح ضيقة، فإن ذلك يترتب عليه انشطار في قاعدة الشرعية لتصبح قاعدة فئوية أو نخبوية. - الممارسة الفعلية المعبرة عن هذه الوحدة في الأهداف، فالشرعية قاعدتها الممارسة، وليس مجرد الوعود أو الخطب الحماسية، وأساسها وحكمتها (أنه يمكن أن تضلل بعض الناس بعض الوقت، ولكن لا يمكن أن تضلل جميع الناس كل الوقت)... والحديث عن الممارسة الفعلية، هو ذلك الحديث الدائر في أوساط الرأي العام دائماً، سراً أو علناً، وهو الذي يمثل الحركة الخفية. وبالفعل، فإن ربط فكرة الرضا بفكرة تساوي حق كل فرد في المشاركة في الممارسة السياسية – ممارسة السلطة – هو الذي سمح بالخصوص باتخاذ النظرية الديمقراطية الحديثة، شكلاً واضحاً وشمولياً، فما كان لعدة قرون أمراً بديهياً مقبولاً ولا خطر فيه، وهو أن الناس متساوون من حيث المبدأ، وأن الرضا هو الطريقة الوحيدة المؤكدة لإسباغ الشرعية على النظام والسلطة قد تحول إلى نظرية جديدة للقانون والدولة، بحيث صار الحكم المستند إلى الرضا هو الحكم الشرعي الوحيد، لأنه وحده الذي يعترف بالحقوق الأساسية للإنسان والمجتمع. لقد بحث الكثير من علماء السياسة والاجتماع في معنى ومفهوم الشرعية السياسية وبرغم اختلاف المفاهيم والتعريفات الا أنها تكاد أن تتفق على تعريف واحد وان اختلفت الكلمات والعبارات وكلمة مشروعية legitimacy مرتبطة بمفاهيم الحق والسلطة والقبول فالسلطة تكون مشروعة إذا استعملها من عنده حق استعمالها وحازت على القبول الطوعي غير القسري لمواطنيه فقط عندئذ تصبح الحكومة شرعية أي أن ممارسة النظام الحاكم للسلطة بالحق الممنوح له من الأمة يكون شرعيا ونستنج من ذلك أن الشرعية السياسية تقوم على مبدأي القبول والاعتراف بالسلطة السياسية من قبل مواطنيها الخاضعين لسلطتها بصورة سلمية طوعية دون أي شكل من أشكال القهر سواء القانونى أو الديني أو العرفي أو استخدام القوة الغاشمة وهناك فرق بين الشرعية والمشروعية فالثورات تقوم والدساتير قائمة لتغير الدستور وما يعطي الدستور “كشرعية دستورية” مشروعيته هو مشاركة الناس في بنائه وقبولهم له وخضوعهم لأحكامه طوعا واحتكامهم له بالرضا.
فقدان السلطة شرعيتها
فقدان السلطة لشرعيتها في نظر المحكومين يجعلها تسعى لاستدراك الأمر بالإيحاء بأهليتها في الحكم. إذ تميل النظم غير الشرعية عموماً إلى إجراء انتخابات شكلية (وإلى تزويرها). و بالتالي يصبح هذا السلوك والتظاهر بالتمتع بالشرعية بحد ذاتهما تعبيراً على أزمة شرعية السلطة. معالجة المشكلة بالتحايل على المحكومين يعمق إذن من محنة الشرعية. وهذا ما يحدث مع "ديمقراطية الواجهة" التي تبنتها بعض الدول العربية. ليس الهدف من هذه الإطلالة المفهومية مناقشة مختلف المقاربات النظرية للشرعية السياسية، وإنما للتأكيد على طابعها التطوري والمتغير. وحسبنا أن أزمة الشرعية التي تعانيها الأنظمة السياسية العربية حالياً ناجمة عن عدم إدراكها لهذه الحقيقة التاريخية. فهذه الأنظمة التي تربعت على الحكم تحت مختلف المبررات (تقليدية، قبلية، دينية، ثورية، تاريخية…) في مرحلة من التاريخ اعتقدت أن شرعيتها مكسباً لا رجعة فيه وأنها مسوّغة إلى الأبد وهذا ربما ما يفسر ظاهرة الحكام على مدى الحياة في العالم العربي وتأصل شخصانية السلطة. من هذا المنطلق، نستطيع القول أن معيار شرعية الحاكم يتمحور حول "الرضا والقبول". ويقصد بذلك قبول المحكومين لسلطة الحاكم، الأمر الذي يستطيع من خلاله الحاكم ممارسة السلطة ومن ثم تحمل المسؤولية في إدارة شؤون الدولة داخلياً وخارجيا. إلا أنه يجب ملاحظة أنه ليس بالضرورة أن شرعية الحاكم يقررها التأييد أو تنفيها المعارضة، فقد يجد المحكومون أن من مصلحتهم أن يطيعوا إرادة النظام السياسي القائم لكونها تتسق مع قيم المحكومين ومبادئهم وأخلاقياتهم وأمانيهم وتحقق المنفعة العامة على المدى الطويل. ولذلك فالشرعية بهذا المعنى أوسع وأشمل من التأييد أو المعارضة. وقد يتذمر المحكومون من بعض قرارات وسياسات السلطة، إلا أن هذا لا ينفي شرعية السلطة طالما شعر المواطنون أن السلطة في توجهها العام سلطة وطنية منسجمة مع التاريخ الوطني للدولة ومخلصة بوجه عام لإرادة الشعب وللقيم العامة التي تحكم سلوكيات جميع أفراد الشعب. ويقابل مفهوم الشرعية في الفكر السياسي عموماً مفهوم البيعة في الفكر الإسلامي، حيث أن شرعية الحاكم في الفكر السياسي الإسلامي تتحقق من خلال مرتكزين أساسيين: [أ] البيعة الشرعية، [ب] تطبيق الأحكام الشرعية. إذن البيعة قد تستخدم كآلية لاختيار الحاكم وهي كذلك ركيزة أساسية لتثبيت شرعية الحاكم. وفي هذا الإطار يقول ابن خلدون: "اعلم أن البيعة هي العهد على الطاعة كأن المبايع يعاهد أميره على أنه يسلم له النظر في أمر نفسه وأمور المسلمين لا ينازعه في شيء من ذلك ويطيعه فيما يكلفه به من الأمر في المنشط والمكره، وكانوا إذا بايعوا الأمير وعقدوا عهده جعلوا أيديهم في يده تأكيداً للعهد." وبهذا تعتبر البيعة الشرعية هي الآلية التي تتحقق بموجبها شرعية الحاكم في الفكر السياسي الإسلامي. وقد حدد أبو الحسن الماوردي أهلية الحاكم لممارسة السلطة ضمن شروط سبعة: العدالة على شروطها الجامعة، والعلم المؤدي إلى الاجتهاد في النوازل والأحكام، وسلامة الحواس، وسلامة أعضاء الجسد، والرأي المفضي إلى سياسة الرعية وتدبير المصالح، والشجاعة والنجدة، والنسب. أي أن البيعة الشرعية للحاكم، والتي بدورها تفضي إلى شرعية السلطة، لا تعطى إلا لمن تتوفر فيه الشروط السابقة. فالحاكم نائب عن الأمة في الحكم والسلطان، اختارته وبايعته برضائها ليطبق عليها شرع الله، وهو في هذه الحالة مقيد في جميع تصرفاته وأحكامه ورعايته لشؤون الأمة ومصالحها بالأحكام الشرعية. إذن الأمة هي صاحبة السلطة، تمتلك حق اختيار الحاكم وتنصيبه وعزله. فشرعية الحاكم من المنظور الإسلامي تنطلق من معيارين: الرضا والاختيار ثم البيعة والطاعة. ومن تمت بيعته البيعة الشرعية وجبت طاعته، وهذا يدل على أن السلطان للأمة تعطي الشرعية للحاكم وتحجبها عنه إن هو خرج عن الأحكام الشرعية. وهذا الحكم (البيعة الشرعية) يسري على كل من تولى أمر المسلمين. ونستطيع أن نقول أن الشرعية لا تتحقق إلا إذا حققت السلطة المنشأة وفقا للشرعية الدستورية الحد الأدنى من المصالح المشتركة للشعب المعين باختلاف طبقاته وفئاته حينها يحصل النظام الحاكم على القبول بسيادته ولكن لماذا يقبل انسان ما او مجموعة بشرية التنازل للآخر عن سيادته فيقدم له الطاعة ويعطيه الحق بممارسة السلطة؟قدم عالم الاجتماع الفرنسي مارسيل غوشي تفسيرا لهذا التنازل بانه عندما تتوفر لدي الأفراد او الجماعات قناعات بأن هناك من لديه القدرة على اشباع حاجاتهم المادية ورغباتهم المعنوية تصبح الطاعة والقبول نتيجة منطقية لقناعات الأفراد بقدرات وامكانيات السلطة وبالتالى فالمشروعية هنا تاتى نتيجة لضرورة داخلية ذاتية وليس نتيجة لقسر خارجى ولا تحتاج السلطة الى القوة لفرض نفسها حتى يطيعها الناس.
أصل الشرعية في الأنظمة العربية
ان مصدر الشرعية للأنظمة العربية ان وجدت مجازا فانها تعتمد على طبيعة كيانها الاجتماعي وطبيعة مجتمعاتها والتي تأتي ضمن سياق تراكم كمي ونوعي من الافرازات التاريخية والثقافية والنفسية والقبلية والجغرافية فكل اقليم من أقاليم وطننا العربي له طبيعته التاريخية والعقائدية (ايديولوجية) والثقافيه (فكرية) وهي مؤثرات أساسية لصياغة أو رسم الحالة السياسية في أي مجتمع من المجتمعات كما دخل العامل الدولي بصور مختلفة كمحتل أو تغريبي أو سلطوي كل ذلك جعل من أصل الشرعية السياسية ومصدرها في وطننا العربي تباين شاسع وتنوع شديد بين اقليم وآخر في وطننا العربي الكبير وتتوافق مصادر الشرعية مع ما طرحه عالم لاجتماع الفرنسي مارسيل غوشي حسب الاقاليم العربية كما يلي:
أولا:الشرعية الوراثة
وهي عملية نقل السلطة السياسية من الأب الى أفراد عائلته في حالات الوفاة والعجز ويكون النقل مدعوما بالسلطة المادية والمعنوية أو بالقاعدة الشعبية والتوريث السياسي شيء طبيعي لمستبد يعتقد أن البلاد والعباد ملك خاص له ولأسرته ومن الطبيعي أن يميل المستبد لتوريث امارته أو مملكته أو سلطنته الى أفراد أسرته الأقرب فالأقرب باعتبارهم السند القوي في مقارعة الخصوم وادارة شؤون الحكم وتستمر ادارة الحكم في الأسرة حتى تستولي عليه أسرة أخرى أو نظام سياسي آخر وشرعية الوراثة رغم انها قد مورست وتمارس فى في وطننا العربي كما في دول مجلس التعاون الخليجي والأردن والمغرب الا انها ما كانت قط كافية كمبدأ أساسي للشرعية ولذلك غالبا ما تدعم بمصدر آخر للشرعية كالأساس الديني أو القبلي أو الدستوري كالملكيات الدستورية. ان نظم الحكم الخليجية اقطاعيات سياسية لتنظيم شؤون السلطة والثروة وما الدولة الا اطارا قانونيا مؤسسيا قائما على مبدأين وهما الاحتكار والتبعية حيث يتم احتكار الأفكار والمعتقدات والقناعات في حدود ما تراه السلطات الحاكمة الخليجية وتصاغ الهوية الوطنية الخليجية في حدود ما يراه النظام بل أنه لا هوية ولا وجود للشعب الخليجي دون الأسر الحاكمة أما التبعية فتتمثل باجبار الأمة على اتباع فكرالنظام وسياساته لتذوب الهوية الوطنية للانسان الخليجي وشخصيته ومرجعيته الثقافية والاجتماعية وتنصهر لتدور في كنف حاكم الاقطاعية فأقصي أي تمثيل شرعي للأمة وفقد الانسان انسانيته وحريته وأصبح تابعا فان حاول التحرر وتحقيق انسانيته والحصول على كرامته دخل في دائرة الكفر وأتهم بضرب الوحدة الوطنية وهنا يتضح أن شرعية هذه الأنظمة قامت على مصدرين وهما العصبة (النظام القبلي) والدين والذي يعتبر شريكا في السلطة. ان نظام حكم الأسر الخليجية نظام عشائري عاش منذ ضعف الخلافة العثمانية وحتى بداية الثمانينات من القرن الماضي وفق هذا الفكر وكانت الدولة قادرة نسبيا على القيام بواجباتها ضمن دائرة العشائرية أو مساحة القرية خاصة وأن غالب جزيرة العرب يسيطر عليها النظام الأسري القبلي ولكن التغيرات الاجتماعية والتطورات العالمية أثرت بشكل سلبي في كفاءة النظام وقدراته الادارية على أداء وظائفه الأساسية ومما زاد الطين بلة اغفال النظام لأهمية مراكز الدراسات لبحث طبيعة المجتمع وديناميكيته بل تناسى أن العالم من حوله يتطور وتغافل عن الحقيقة التي يجمع عليها الجميع وهي أن المجتمعات تتغير وأن أكثر المجتمعات تغيرا هي المجتمعات الخليجية وهنا وصلت الأسر الحاكمة الخليجية الى مرحلة العجز الكامل عن ادارة شؤون الدولة لعدة أسباب وهي: أولا: ضعف النظام وتخلفه والفشل المستمر في ادارة الحكم مقارنة بكبر المسؤوليات وضخامة التحديات الداخلية والخارجية وتطور المجتمعات بصورة تجاوزت قدرات النظم الحاكمة الخليجية كما أن درجة استيعابها لهذه التغيرات كانت ضعيفة جدا ولا يخفى على أحد أن شيوخ وأمراء وملوك النظم الخليجية من كبار السن وتجاوز غالبهم الثمانينات من العمر. ثانيا: انتشار الفساد السياسي والمالي والاداري والأمني وضعف النظام وعدم قدرته على استيعاب أن المجتمع الخليجي مجتمع شاب بطبيعته وعلى درجة عالية من الوعي لما تمر به البلاد من فساد طال كل جزء فيها. ثالثا: صراعات أقطاب الحكم من أبناء الأسر الحاكمة الخليجية لحكم البلاد وما أتبعه من سر الحاكمةاااشراء الأتباع والسيطرة على المؤسسات الاعلامية والاقتصادية والتحالف مع الجماعات الدينية والمذهبية والفئوية مما جعل البلاد في حالة من عدم الاستقرار يضاف الى ذلك فضائح استغلالهم لمناصبهم الوزارية والادارية ومحاولة الاثراء غير المشروع والنهب المنظم لثروات البلاد كوسيلة لكسب الأتباع ليكونوا عونا لهم في الوصول لسدة الحكم ومنافسة خصومهم من أبناء الأسرة. تآكل النظام العشائري القبلي خاصة مع تعالي صيحات المطالبة ببناء وطن للجميع حتى كان غالب المعارضة والمطالبون بالتغيير هم من أبناء القبائل وذلك بسبب الفساد العريض الذي شهدته المنطقة وضعف بنية النظام السياسي وتحول البلاد الى ساحة صراع معلنة بين أقطاب الحكم وتخلف الأنظمة السياسية والأقتصادية والاجتماعية والتعليمية وفقدان الخليج لاستقلاله السياسي بوجود القواعد الأمريكية واستخدام البلاد كقواعد لضرب واحتلال الدول العربية والاسلامية كل ذلك ساهم مساهمة جادة في تغيير طريقة تفكير المجتمع وبرهن على أن الأنظمة الحالية تقودهم الى نفق مسدود وهذا معناه فقدان السند الرئيسي للنظام السياسي الخليجي أل وهو النظام العشائري القبلي. كل العوامل السابقة جعلت أنظمة الحكم الوراثية الخليجية عاجزة عن ادارة أمور البلاد وتلبية احتياجات المجتمع المتطورة حتى بات الضعف والوهن وحتى الشلل سمة أساسية من سمات هذه الأنظمة مقارنة بنشاط وشبابية القاعدة الشعبية ووعيها لمجريات الأمور ورغبتها الجامحة بالتغيير وأملها بمستقبل أفضل ان تنازل المجتمعات الخليجية عن السيادة للأنظمة الحاكمة ليس هبة ممنوحة لهذه الأنظمة وانما لقناعات تاريخية بأن الامراء والملوك والسلاطين في ذلك الوقت لديهم القدرة على اشباع حاجاتهم المادية ورغباتهم المعنوية وادارة شئونهم السياسية والاقتصادية والاجتماعية بكفاءة وفاعلية الى جانب تحقيق كرامة الوطن وعزة أهله ونصرة دينه فقبلوا بالطاعة ومنحوهم السيادة فكانت نتيجة منطقية لقناعات الأفراد والقبائل بقدرات وامكانيات السلطة وبالتالى تحققت المشروعية حينئذ ولم تكن الأنظمة بحاجة الى القوة لفرض نفسها حتى يطيعها الناس أما في وقتنا الراهن وفي ظل الاخفاقات المستمرة للأنظمة الحاكمة الخليجية بدأت تتآكل شرعيتها السياسية لتتحول لشرعية واقعية يساندها القوة وشراء الولاءات وعقد التحالفات الطائفية والفئوية وبدعم خارجي.
ثانيا: الشرعية الدينية
الشرعية الدينية هي قيام السلطة في بلد ما بتأكيد شرعيتها السياسية من خلال الدين ورجال الدين وهي من اقدم نظريات الشرعية مارستها أمم قديمة ذات ديانات وثنية أو سماوية فوجدنا أن أوربا في القرون الوسطى يحكم ملوكها باسم الحق الالهي الممنوح من بابا الفاتيكان الى أن تآكل هذا المبدأ بعد الدعوة البروتستانتية علي يد مارتن لوثر وانتهاء هذا الحق تماما باقيام الثورة الفرنسية. أما الدولة الاسلامية فهي “دولة مدنية بمرجعية اسلامية” اسسها رسول الله صلى الله عليه وسلم في المدينة المنورة بدستور سياسي سمي “صحيفة المدينة” وأكد حكمه بمشروعية سياسية شعبية دستورية دعمتها الانجازات والنجاحات وقامت على أساس الرضا والقبول العام من أهل المدينة المنورة ومن جاورها من القبائل والتي بايعت طواعية رسول الله صلى الله عليه وسلم برئاسة المدينة المنورة وقد تابع خلفاء رسول الله صلى الله عليه وسلم سيرته ومنهجه في أمر الحكم وأكدوا مشروعيتهم ومشروعية نظام الخلافة الاسلامية من خلال البيعة والرضا العام دون استخدام للقوة أو اجبار مادي أو معنوي فعاشت الأمة زمن دولة الخلفاء الراشدين تنعم بالحرية في أجل معانيها. عد استهلاكها لكل الشعارات والوعود التي كانت تمني بها شعوبها ، واكتساح الفساد لكل مؤسساتها ، و تغول الاستبداد في كل هياكلها ، وصلت الدولة العربية القطرية الحديثة إلى مأزق حقيقي، لم تستطع معه أن تفتح لنفسها أفقا لتطوير مصدر شرعيتها، باعتماد الآليات الديمقراطية وفتح المجال للحريات ، بما يعنيه ذلك من تعددية سياسية وتداول على السلطة والحكم. مما جعل هذه الأنظمة فوق فوهات براكين شعبية قابل للثوران في كل لحظة. فالنخب الحاكمة التي ورثت السلطة بعد الاستقلال اعتمدت الإسلام أو النَسَب " القرَشي" كمصدر تقليدي والشكل الليبرالي البرلماني الجمهوري ترجمةً للعقلانية القانونية الدستورية، كما اعتمدت الملَكيات البرلمانية الدستورية كنوع من التوفيق أو التلفيق بين التقليدي والعقلاني، ومن ثم جاءت الايديولوجيا وبدعة الحزب الطليعي أساساً لشرعية ثورية اتضح زيفها فيما بعد. هذه اللوحة الفسيفسائية من التعدّد في مصادر الشرعية لم تكن بإرادة وطنية شعبية حرّة، أو حتى إرادة النُخَب الحاكمة، أكثر مما كانت تعبيراً صريحاً لإرادة قوى خارجية كانت وما زالت تمارس دوراً رئيسياً في زرع وإنبات نخبات حاكمة واستنساخها من جديد. والذي " زاد في الطنبور نَغَما "وما زال يتردد صداه حتى اليوم هو انفصال مساري التعبئة الاجتماعيSocial Mobilization والسياسيPolitical Mobilization عن بعضهما.فالنخبة الحاكمة ظلت قاصرة عن استيعاب مؤشرات التغيّر الاجتماعي ( التعليم، أنماط المعيشة، الاثنيات ودورها على مسرح الحياة العامة الإعلام، الطبقة العمالية.. الخ ). ومن المفارقات العجيبة، أنّ النخب الحاكمة قامت بتعبئة سياسية اعتماداً على ما أفرزتها التعبئة الاجتماعية من قوى اجتماعية جديدة، ولكن لم يكن ليسمح لها ان تتحوّل الى مشاركة سياسية حقيقية. الأنظمة الحاكمة في الولايات العربية هي إما ملَكية أو جمهورية، ونقطة الالتقاء بينها هي شرعيتها المأزومة أبدا. الأنظمة الملَكية العربية هي أنظمة اوتوقراطية بالأساس، ومصدر شرعيتها تقليدي داخل إطار الإسلام، أو الانتماء القبائلي أو كليهما معا.وتدرك هذه الأنظمة أنّ مصدر شرعيتها التقليدي مهمّ ولكنه غير كاف.من هنا لجأت هذه الأنظمة الى الحماية الأجنبية المُعلنَة أو المستترة، واعتمدت على استخدام العوائد البترودولارية في عملية رشوة أو تدجين جماعية لرعاياها، أو لبعض الأنظمة "الثورية"، أو حتى لدولٍ من خارج المنطقة. كما حاولت بعض الأنظمة الملكية أن تبني مصدراً جديداً للشرعية العقلانية القانونية والذي تجلّى في الملكيات البرلمانية الدستورية، وهو ما أطلقنا عليه سابقاً التوفيق أو التلفيق ما بين التقليدي والعقلاني. وبالرغم من القفزات التي حققتها الملكيات العربية من حيث وجود الخدمات، أو برامج الرفاهية والحراك الاجتماعي، أو من حيث قدرتها على الحفاظ على كياناتها حتى الآن بإدارة ذكية لعلاقاتها الإقليمية والدولية، فان معظم هذه الأنظمة ما تزال تعتمد " استراتيجيا وقائية " جوهرها تطويق أو محاصرة أي توسّع في دائرة المشاركة السياسية الحقيقية. على هذه الملكيات مراجعة ذاتها، باختيارها، وخاصة في ظل عصر" الفتوحات " الاميركية وتغيير الأنظمة من الخارج. فالتغيّر والتغيير الاجتماعي في ظل العولمة وثورة المعلوماتية لا يمكن ضبطه بشرعية تقليدية، كما ان النفط الى زوالٍ والرعايا لا يمكن ان تبقى محاصرةً في قلاعها الى الأبد. أما فيما يتعلق بالأنظمة الجمهورية فهي لا تستمد شرعيتها من مصدر تقليدي " دين، قبيلة، عشيرة، طائفة" أو من مصدر عقلاني قانوني " حقوق وواجبات مقننة، تداول السلطة "، بل تستمد شرعيتها، باستثناء لبنان، من " إيديولوجيا ثورية " اعتمدت عليها هذه الأنظمة في " رسم وبرمجة " سياساتها الداخلية والخارجية كما وعدت من خلالها جماهير شعوبها بالعدالة والحرية والرخاء مقابل أن تمنحها الولاء والطاعة.وعلى شمّاعة هذه الوعود تم إنكار مبدأ التعددية السياسية Multi-political وكذلك مبدأ التعددية الاجتماعية Multi-social، فتمّت محاربة الأحزاب السياسية، وضُرِب بقسوة أي توجّه أو تجربة ليبرالية، كما حُوصِرت أي خصوصية اثنية ولو في إطار الوحدة الوطنية بزعمهم أنّها تفرّق ولا توحّد، كما تمهّد الطريق لعودة "القوى العميلة" الى السلطة. وكانت " الفعالية " هي السبيل الوحيد أمام هذه الأنظمة لتكريس شرعيتها. فخاضت تجارب عدة على مستوى التنمية الاقتصادية/ الاجتماعية.إلا ان المنجزات كانت محدودة قياساً بالشعارات الثورية المتضخّمة بالوعود، والتي ربما كانت مبرراً من اجل الاستيلاء على السلطة واحتكارها. وتبرّر هذه الأنظمة فشلها باسم المؤامرات الخارجية، أو باسم القوى الداخلية الحاقدة والمناهضة للشعب والثورة. انطلاقا من المحددات السابقة لمفهوم الشرعية، اجتهد العلماء والمفكرون لتحديد مصادر الشرعية التي يستند إليها الحاكم في ممارسة السلطة وإدارة شؤون الدولة. لقد تعامل الفكر السياسي (بشقيه الغربي والإسلامي) مع مصادر شرعية النظم السياسية من منطلقات متباينة. حيث ينطلق الفكر الغربي من العقلانية المؤسسة على فلسفة الحقوق الطبيعية، بمعزل عن التعاليم الدينية. فقد وضع ماكس فيبر ثلاثة نماذج مثالية لمصادر الشرعية في الدولة.
(1) الشرعية التقليدية. Traditional Legitimacy وتركز على قوة العادات والتقاليد والأعراف السائدة في المجتمع التي تحدد أحقية الحاكم في الحكم، ويبرز فيها ولاء الأفراد من خلال احترامهم للمكانة التقليدية للحاكم إما بحكم الوراثة أو بالامتثال للأوامر الدينية.
(2) الشرعية العقلانية – القانونية.Legal-rational Legitimacy ويعتمد هذا المصدر على قواعد مقننة موضوعية غير شخصية تحدد واجبات وحقوق الحاكم والمحكومين، وأسلوب الوصول إلى السلطة، وتداول السلطة وممارستها، وهذا يعتمد على إيمان المحكومين بأن هناك مؤسسات سياسية تقوم بوضع إجراءات وقواعد ملائمة تحظى بقبول الحكام والمحكومين. ويرى بعض المفكرين أن نموذج العقلانية-القانونية هو المصدر الرئيسي في بناء الدولة القومية الحديثة في الغرب، حيث ارتبط بهذا المصدر ظروف تاريخية وهيكلية حكمت مسيرة التطور الاجتماعي – الاقتصادي للمجتمعات الغربية في القرون الأربعة الأخيرة، وجاء ترجمة سياسية لهذه المسيرة، والتي من نتاجها "الديمقراطية الليبرالية" في الغرب.
(3) الزعامة الملهمة. Charisma وهي القيادة الفذة التاريخية القادرة على التأثير في المجتمع والدولة. وشرعية هذا النوع من الحكام ترتبط بشخص الحاكم، حيث هو مصدر جذب وإعجاب المحكومين بصفاته وأعماله وقيمه ومثله العليا. ويرتبط هذا النموذج للشرعية بالحاكم، مما يعني أن الشرعية وقتية تنتهي بغياب الحاكم عن الساحة السياسية. أما ديفيد إيستون David Easton فينطلق من محددات مختلفة لمصادر الشرعية، تتمثل في العناصر التالية:
(1) الشرعية الشخصية Personal Legitimacy حيث تلعب شخصية الحاكم دوراً جوهرياً في تحقيق شرعية النظام اعتمادا على قوة الشخصية وفاعلية الإنجاز، حيث هي أقوى وأكثر هيمنة وتأثيراً من الشخصية الكاريزمية في النمط الفيبري.
(2) الشرعية الإيديولوجية Ideological Legitimacy وهي الشرعية التي يكتسبها الحاكم من خلال اطروحاته العقائدية، ومن خلال استخدام المنهج التعبوي الفكري والعقائدي للجماهير، الأمر الذي يؤدي إلى "أدلجة" المحكومين، لذا فإن العامل الأساسي في إضفاء الشرعية على فعالية النظام السياسي يكمن في عملية التوافق بين الإيديولوجية التي يروج لها النظام السياسي وبين قناعات المحكومين.
(3) الشرعية البنائية Structural Legitimacy ويقصد بها الشرعية التي يكتسبها النظام السياسي من خلال بناء الهياكل والمؤسسات السياسية في الدولة، وذلك في محاولة لتأكيد دور المؤسسات وأهميتها في ترسيخ شرعية النظام السياسي. فالمؤسسات السياسية في حد ذاتها تعتبر مصدراً أساسياً للشرعية في حالة تفعيلها، حيث تمنح الشرعية القانونية للنظام السياسي.
أما كارل دويتش Karl W. Deutsch فيرى أن الشرعية المؤسسية (البنيوية-الدستورية) تقوم على ثلاثة أسس:
(1) الأساس الدستوري: ومضمونه أن شرعية السلطة تتحقق وفقاً لمبادئ البلاد الدستورية والشرعية.
(2الأساس التمثيلي: وتقوم شرعية النظام على اقتناع المحكومين بأن الذين في السلطة يمثلونهم ولم يصلوا إلى السلطة إلا من خلال الوسائل المشروعة.
(3) أساس الإنجاز: حيث تتحقق الشرعية للنظام السياسي من خلال الإنجازات التي تتم في المجتمع وللمصلحة العامة.
بينما يذهب بعض المفكرين إلى تحديدات أخرى لمصادر الشرعية تتمحور حول المفاهيم التالية:
(1) الشرعية الثورية: ويستند النظام السياسي في توليه للحكم على شرعية الثورة، سواء أكانت هذه الثورة من أجل الاستقلال أو الثورة ضد نظام سياسي آخر. ففي هذه الحالة يحاول النظام السياسي الذي يأتي إلى الحكم استثمار أسلوبه الثوري في تثبيت شرعيته السياسية.
(2الشرعية الثيوقراطية: وهي الشرعية التي تنبثق من الاعتقاد بأن الحاكم يتمتع بصفة القداسة، انطلاقا من أنه يستمد السلطة من الله سبحانه وتعالى، ولذلك فالحاكم يحاول فرض طاعته على المحكومين اعتماداً على هذه القداسة.
(3) الشرعية الديمقراطية: في هذا النمط من أنماط الشرعية يستمد الحاكم شرعيته من المحكومين حيث أن المحكومين يخولون الحاكم سلطة إدارة شؤون الدولة، ولذلك فسلطة الحاكم هنا هي سلطة شرعية لأنها جاءت بطرق مشروعة تكفل بتحقيقها دستور الدولة.
الفكر السياسي الإسلامي
أما في الفكر السياسي الإسلامي ، فإن مصدر شرعية الحاكم يقوم على أساس الشورى، بحيث يتمكن الحاكم من الاستناد إلى هذه الشرعية من ممارسة السلطة في إطار الشرع الإسلامي. ويستند مصدر الشورى كأساس لشرعية الحاكم إلى نصوص قرآنية وأحاديث نبوية شريفة. قال الله تعالى: (وأمرهم شورى بينهم) كما قال تعالى: (وشاورهم في الأمر). أما في التراث النبوي فقد ثبت عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه كان يستشير في مختلف الأمور العامة، سياسية كانت أو اقتصادية أو عسكرية، وكان يؤكد على مبدأ الشورى كأساس للتفاعل مع الأمة. فقد روى الترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: [ما رأيت أحداً أكثر من مشورة لأصحابه من رسول الله صلى الله عليه وسلم]. وطبقت الشورى كأساس لشرعية الحاكم بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم، ففي دولة الخلافة الراشدة لعب مبدأ الشورى دوراً جوهرياً في تحقيق شرعية النظام السياسي إنطلاقاً من:
أولاً/ عملية اختيار الخليفة، حيث يقوم أهل الشورى بترشيح الخليفة.
ثانياً/ أخذ البيعة العامة من الشعب، وهي الآلية التي تثبت شرعية الحاكم. من الاستعراض السابق للمعايير التي نقيس بها مفهوم ومصادر الشرعية، نستنتج أن أنماط مصادر الشرعية متعددة وتختلف من دولة إلى أخرى، ومن زمن إلى آخر ومن فكر إلى آخر.
وسنقوم بتوظيف الاطروحات الفكرية السابقة للبحث في مصادر الشرعية للأنظمة السياسية في دول مجلس التعاون الخليجي، ومعرفة إلى أي من هذه المصادر تستند الأنظمة السياسية في دول المجلس في بناء شرعيتها؟ أم أن لها خصوصية مختلفة؟
الواقع الثورى
الأوضاع السياسية والاجتماعية تشكل الواقع الثورى فى سياق الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية فى البلدان العربية والتي تربت علي إتباع عدد من السياسات تقوم علي خليط من تجاوز القانون والاحترام النسبي لحقوق الإنسان، وقد شكلت هذه الأوضاع الصورة العامة للمناخ السياسى حتى اندلاع الاحتجاجات والثورة التي اندلعت في ظل جمود التنظيمات التقليدية والتي تشمل الحركات الاجتماعية، كما تشمل الأحزاب السياسية بشكل أساسى باعتبارها كانت أقل تعبيرا عن مصالح الجماهير، سواء فى مؤسسات الدولة أو خارجها، وتشير خبرة الأحزاب الحاكمة إلى حدوث انعكاس فى الوظيفة السياسية، حيث اتجهت للتعبير عن مصالح أعضائها وتسخير جهاز الدولة لخدمة مصالح النخبة الحاكمة، وقد استمر هذا الوضع لفترة طويلة أدت إلى تأميم أحزاب المعارضة والنشاط السياسى، لتشكل حالة الاستبداد وانتهاك كرامة الإنسان معضلة أمام حرية التعبير والإصلاح السياسى، وتعد خبرة ليبيا استثناءً من خبرة دول شمال أفريقيا، حيث ظلت بعيدة عن تأثير سياسات التحول الاقتصادي التي فرضتها مؤسسات التمويل الدولية، وقد يفسر ذلك الوضع ـ إلي جانب عوامل أخري تتعلق ببنية الدولة ـ المنحي الصراعي المسلح الذي اتخذته الثورة الليبية، وهو ما يعطي نموذجاً مختلفاً للتحول السياسي لدول شمال أفريقيا. وقد أدى هذا الوضع إلى تشكُل مجموعات جديدة من خارج التنظيمات التقليدية، وقد عبرت هذه المجموعات عن نفسها فى شبكة علاقات مترابطة بدأت فى الظهور منذ عام 2006، وسعت للدخول فى مجال النشاط العام والاحتجاج ضد سياسة الحكومات، ومع تطور هذه الشبكة تنامت ظاهرة الاحتجاج خلال السنوات الماضية، وانتشرت فى قطاعات مختلفة داخل البلدان العربية، وقد مهدت هذه الشبكات لاندلاع الثورة فى غالبية البلدان العربية. وقد شكل تدهور شرعية الإنجاز لدي النظم الحاكمة عاملاً رئيسياً في تغذية الروح الثورية لدي الجماهير، ورغم أن متوسط عمر النظم الحالية يقترب من 25 سنة، لم يحقق أى منها إنجازات سياسية أو اقتصادية، فقد كان السمت العام والمشترك فيما بينها، يتمثل فى تدهور الأداء الاقتصادي وحرمان قطاعات كبيرة من الحصول على نصيبها من الثروة الوطنية، وقد ترافق هذا الحرمان مع التوسع فى حظر النشاط السياسى للمواطنين ومكافحة الهوية الوطنية، والتوسع فى سياسات التغريب، وبشكل عام انعكست هذه المشكلات سلبياً على جيل الشباب، وقد دفعتهم الظروف السياسية والاقتصادية لتشكيل المجال الخاص بهم بمعزل عن التنظيمات التقليدية، وقد ظهرت معالم هذه الشبكة فى المستويات الشبابية وخاصة على شبكة الانترنت لتشكل ظاهرة حديثة فى الاتصال السياسى بين الناشطين السياسيين.
إذ إن القوانين في كثير من الحالات تأتي تعبيرا عن إرادة الحكام، ولذا فهم يتمتعون بسلطات فعلية اكبر من تلك التي تتيحها لهم الأطر القانونية التي يعملون في ظلها، بل تختفي في بعض الحالات الأطر القانونية بالمعنى الحديث، فيترتب على ذلك توسيع سلطات الحاكم وتقليص القيود القانونية المطروحة عليه تضم معظم الدول العربية، على تنوع نظمها السياسية وتوجهاتها الأيديولوجية، جملة من السلطات تضفي على حياتها السياسية نسقا خاصا لا يسمح بدور رئيس للمجتمع المدني، هي :
1ـ يحتل الحاكم الفردي مكانا فريدا سواء أكان رئيسا أم ملكا، وكذلك الحال بالنسبة لجميع توابعه من النخب السياسية داخل السلطة الحاكمة.
2ـ ان إشراك النخب السياسية يقوم على أساس قاعدة التزكية، والتي تنطبق على اصحاب الولاء، أكثر من انطباقها على أصحاب الكفاءة .
3ـ تعتمد الانتخابات التي تجري في الدول العربية (إن وجدت) على ذات نظام التزكية الذي يعتمد عليه في اختيار النخب السياسية. انعدام الفكر المؤسساتي الذي يمثل الطابع الرئيس للعملية السياسية الجارية في ظل الأنظمة السياسية العربية، على الرغم من إن بناء المؤسسات السياسية بمثابة الحل الوحيد لتحقيق عملية سياسية ديمقراطية، إلا إن هذه العملية تصطدم بعقبتين رئيسيتين هما :
أـ إن بناء المؤسسات يستغرق كثيراً من الجهد والوقت حتى تكتسب المؤسسات الشرعية السياسية وتترسخ في إطار البناء السياسي والاجتماعي، وتتضح وظائفها وأدوارها وعلاقتها بالمؤسسات الأخرى.
ب- عدم رغبة القيادات السياسية في بناء المؤسسات، لأنها ترى في هذه المؤسسات قيدا على حرية حركتها وقدرتها على المناورة أو الانفراد بصنع القرارات السياسية.
الخاتمة
ان المخرج من حالة الانسداد السياسي وتجاوز مرحلة الدولة التسلطية بالولوج في عالم الدولة الديمقراطية ودولة القانون يكمن في الحل الديمقراطي كحل أنسب للاستعصاء السياسي العربي الراهن. لكن لا بد من الإشارة إلى أن الديمقراطية ليست وليدة مراسيم وقرارات سياسية، بل هي ثقافة وسلوك مدني وسياسي. بمعنى أنها أولا وقبل كل شيء قضية تربية وتنشئة. وليس من الصدف أن وزارات التعليم تسمى عادة لا سيما في الدول المتقدمة بـ وزارات التربية، لأن التربية تسبق التعليم. وهذا ما يفسر عجز الدول المتخلفة رغم نخبها المتعلمة من الالتحاق بركب الأمم المتقدمة. على أية حال لا يمكن الخروج من عهد التسلطية وبناء دولة ديمقراطية بين عشية وضحاه، بل العملية هي سيرورة اجتماعية وسياسية معقدة، وعلى النخب السياسية تهيئة الظروف لتوجيه هذه السيرورة في مسارها الصحيح والعمل على ألاّ تحيد عنه. لأن عدم اليقظة السياسية قد يقود إلى مجرد انتقال من نموذج تسلطي إلى نموذج آخر
إن للثورات مؤثرات ومحفزات تتشارك بها عند أي شعب من شعوب الأرض كالتهميش السياسي بأنواعه والحرمان الاقتصادي وتأثير المحيط الاستراتيجي والتاريخ أكبر دليل على ذلك فالثورة الفرنسية على سبيل المثال قامت لتهميش حقوق مواطنيها السياسية ولفسادها الاقتصادي وما تبعه من خروقات واضحة لحقوق الإنسان وضياع العدل والأمان فلما نجحت أثرت على أوربا من أقصاها إلى أقصاها فغيرت الملكيات الدكتاتورية إلى جمهوريات شعبية أو ملكيات دستورية والنتيجة المنطقية لكل ما سبق انه إذا استمرت الأنظمة الخليجية في غيها من تهميش لحقوق مواطنيها السياسية ونهب لثرواتهم الاقتصادي مع استمرار مسلسل ثورة الكرامة العربية وآثارها الايجابية على نفسية كل رجل وامرأة وعجوز وطفل في الوطن العربي من المحيط إلى الخليج كل ذلك يجعل الأنظمة الحاكمة في دول الخليج العربي في مهب ريح التغيير ومؤهلة وباقتدار للسير في ركب ‘ربيع’ الثورات العربية التي تعصف بالأنظمة الجمهورية.