في إطار إحياء فعاليات أسبوع الأسير الفلسطيني

الأسرى الفلسطينيون.. في انتظار الحرية

د. لطفي زغلول
www.lutfi-zaghlul.com

يصادف اليوم السابع عشر من شهر نيسان/إبريل الذكرى السنوية لإحياء فعاليات أسبوع الأسير الفلسطيني في المعتقلات الإسرائيلية وفاء لهؤلاء الأبناء، وتذكرا لقضيتهم التي ما غابت يوما عن ذاكرة الشعب الفلسطيني.
منذ وقوع أول أسير فلسطيني،شكلت وما زالت قضية الأسرى إحدى أهم القضايا الساخنة التي تمس الشارع الفلسطيني،وهي أيضا تبرز باعتبارها أحد الثوابت الوطنية الرئيسة التي يتسلح بها أي مفاوض فلسطيني على مائدة مفاوضات أية عملية سلمية محتملة.
بداية لا بد لنا أن ننطلق من تعريف مفهوم الأسير كما هو في القوانين والأعراف الدولية.هناك تعريف واحد للأسير ينطبق على كل من ألقي القبض عليه من قبل الخصوم والأعداء،سواء كان ذلك في غمرة القتال،أو الاستعداد له،أو الاغارة عليه في عقر داره فهو عندئذ يكون أسير حرب.
في العصر الحديث أقرت الشرعية الدولية عبر اتفاقيات جنيف أسس معاملة الأسير وبقية الاجراءات التي ينبغي على الآسرين أن يطبقوها عليه بحذافيرها،بما فيها حتمية منحه حق الحرية بالافراج عنه،والعودة الى وطنه وأهله مهما طالت مدة أسره.
بناء عليه ثمة فرق كبير بين الأسير والسجين.فالسجين هو شخص آخر يطلق عليه سجين الحق العام،أي كل من ارتكب مخالفة قانونية أو جنحة أو جريمة أيا كانت،وأمره يعود الى قوانين بلاده.وهناك السجناء السياسيون أو الموقوفون السياسيون جراء معارضة أو ممارسة سياسية أو اختلاف في الرأي.وفي العالم الثالث يكثر هذا الشكل من السجناء على خلفية انعدام الديموقراطية وغياب منظومة حقوق الانسان.
أما الأسير فلا يحاكم ولا يحكم عليه بالسجن إلا اذا ثبت بما لا يدع مجالا للشك أنه ارتكب جرائم حرب،أو جرائم ضد الانسانية،فساعتئذ تتولى أمره محاكم دولية خاصة بهذا النوع من المحاكمات وهي المخولة في البت في أمره.وعليه فإن الأسير لا يعامل معاملة السجناء العاديين ولا يحشر معهم في سجونهم.
انطلاقا من هذه المقدمة القانونية المبسطة جدا،نعرج على قضية اسرانا الفلسطينيين في المعتقلات الاسرائيلية.فمنذ العام 1948 هناك حروب دائرة بين الفلسطينيين والاسرائيليين عبر اساليب قتال مختلفة ومتنوعة.
جراء هذه الحروب وقع عدد كبير من القتلى والجرحى والأسرى من كلا الطرفين المتحاربين.وبطبيعة الحال فإن جل الأسرى كانوا من الفلسطينيين،ذلك أن إسرائيل تمتلك من القوة والعتاد والعدة والتقنيات القتالية المتطورة،ما مكنها أن يكون لها هذا العدد الكبير من الأسرى الفلسطينيين.وكانت هناك حالات محدودة ومعدودة لوقوع أسرى إسرائيليين في أيدي الفلسطينيين.
لقد دأبت الحكومات الاسرائيلية المتعاقبة منذ تأسيس دولة اسرائيل في العام 1948 حتى أيامنا الحالية على انتهاج سياسة ثابتة تجاه الأسرى الفلسطينيين،تتمثل في عدم اعتبارهم أسرى حرب،ومعاملتهم على أنهم قتلة،مخربون،إرهابيون،أو خارجون على القانون،أو خطرون،أو أعضاء في تنظيمات معادية.
وهكذا فان كل من وقع في يدها أو ألقت القبض عليه،زجته في غياهب سجونها بعد أن قدمته الى محاكمها الأمنية،وأصدرت عليه أحكاما تتراوح مددها ما بين شهور الى سنين طوال،وانتهاء بعشرات المؤبدات.وهناك في سجونها ومعتقلاتها فئة اخرى من الاسرى الفلسطينيين تطلق عليهم مسمى الموقوفين اداريا،وهم الذين تشتبه السلطات الإسرائيلية انهم نشطاء سياسيون،وهم لا يحاكمون وانما يمكن تجديد مدد موقوفيتهم،وهي في الغالب ستة أشهر قابلة للتجديد التلقائي.
لقد اجمعت الحكومات الاسرائيلية أيا كان لون طيفها السياسي على تصنيف الأسرى الفلسطينيين.فهناك فئة تقول عنها إن أيديها ملطخة بالدم،وأخرى تقول عنها انها منتمية لهذا التنظيم المعادي لها أو ذاك،وثالثة ورابعة تصنفها كما يحلو لها،وكثير من هذه الفئات،ومن منظور اسرائيلي،لا يمكن أن تدخل في أية تسوية لإطلاق سراحها.

في ذا ت السياق،وعلى خلفية هذا المنظور الاسرائيلي في تعاملها مع الاسرى الفلسطينيين فان ظروف اعتقالهم تظل احدى القضايا الانسانية اللافتة للنظر،والاكثر تأثيرا في الشارع الفلسطيني،كونها لا تخضع لاتفاقيات جنيف بأي شكل من الاشكال.وبناء عليه فلم يعد وصف احوال هؤلاء الأسرى ضربا من التخيل أو التخمين.
إن جل الأسرى يعيشون في معتقلات نائية محاطة بالاسلاك،إحدى أهم سماتها الاكتظاظ الشديد وانقطاعها عن العالم الخارجي.وأما الظروف الحياتية فهي سيئة للغاية وتنعدم فيها أبسط الشروط لايواء البشر،علاوة على عوامل العزلة،وانقطاع الاتصال بالأهل،كون الزيارات تخضع هي الاخرى لمعايير خاصة فرضتها الحكومات الاسرائيلية المتعاقبة.وهذا يفسر الاضرابات المتلاحقة التي يقوم بها الأسرى بين الفينة والاخرى احتجاجا على هذه الظروف اللاانسانية.
ان موضوع الأسرى الفلسطينيين بالغ الأهمية،وهو جزء لا يتجزأ من القضية الفلسطينية التي يطالب كل فلسطيني ويصر أن يوجد لها حل شامل وعادل،وهذا الحل لا يمكن أن يكتمل الا باغلاق ملف الأسرى الذي هو واحد من منظومة الثوابت الفلسطينية. والفلسطينيون صغيرهم قبل كبيرهم لا يتصورون سلاما يحل في المنطقة دون آخر أسير يتحرر من المعتقلات الاسرائيلية.
ان الفلسطينيين ينظرون الى عملية تحرير الأسرى على أنها شمولية،علاوة على أنها أمر طبيعي لا يقوم على أية استثناءات ايا كانت،وهي في العادة تتم بين كل الشعوب المتحاربة التي تجنح جنوحا حقيقيا للسلم فيما بينها.وهذه العملية ليست منحة أو مكرمة أو معروفا أو مجرد نوايا حسنة،بل يفترض بها أنها عملية تأسيس لسلام متبادل دائم وعادل يجني ثماره طرفا النزاع دون تمنن طرف على آخر.
ان الأسرى الفلسطينيين الذين تجاوزت أعدادهم أحد عشر الف أسير خلف قضبان المعتقلات الإسرائيلية،ومنهم من انهى العقد الثالث من عمر أسره،يشكلون معاناة مريرة متجددة على مدار الساعة واليوم والشهر والعام لأسرهم بخاصة وللشعب الفلسطيني بعامة جراء ظروف اعتقالهم التي أقل ما يقال فيها انها لا تخضع لشروط اتفاقية جنيف الرابعة بشأن معاملة الأسرى.
إنهم أسرى فلسطينيون،وليسوا سجناء عاديين.وليس لهم أية صفة اخرى سوى أنهم أسرى نضالات الشعب الفلسطيني.انهم لم يقاوموا الاحتلال والاغتصاب الا باسم فلسطين وباسم شعبها،وهو حق مشروع كفلته الشرائع السماوية والأرضية.ولا فرق بين أسير وأسير فكلهم أبناء فلسطين.
أما المواصفات والمعايير والمسميات الاسرائيلية فهي تخص اسرائيل وحدها،وهي لا تتقاطع بأي شكل من الاشكال مع المواصفات والمعايير الخاصة بالعملية السلمية التي لا يضمن لها النجاح الا على أرضية نظيفة من الاضغان والاحقاد والمواقف التعصبية. والفلسطينيون أخيرا لا آخرا ليسوا مهزومين حتى يقبلوا بالشروط الإسرائيلية واملاءاتها ومعاييرها،ولا هم ملزمون بها . ويظل السلام الحقيقي كفتي ميزان متعادلتين.
أخير لا آخرا.انهم الأسرى الفلسطينيون.اسرى الحرية.ضحوا بزهرات شبابهم فداء للوطن،ولشعب هذا الوطن المحكوم عليه بالنفي والشتات.إني اراهم،ارى كل واحد منهم صامدا مرابطا خلف قضبان سجنه،لم يفقد الإيمان بالله القادر على كل شيء،وأن يحيل ليل انتظارهم الطويل إلى صباح تشرق في آفاقه شمس الحرية والخلاص.