قاريء – نص قصصي -

في محطة القطار، لايزال الصباح يتثاءب، غوغاء تطرد غبش الليل، صياح شبيه بالنباح، وعويل يكاد يكون دليل حاجة لحليب الأم، لغط هنا، لغط هناك، زحام أمام الشبابيك التي لم تفتح بعد.
يجلس وحده خارج الزمان، ويغيب في جلسته عن الحضور المكاني. وحده يفتح صدر حقيبته، ينتزع من جوفها كتابا، وينغمس بين دفتيه.
المقعد الخشبي مزدحم، تتراكم على طوله جثث تنفث ضجيج الصباح. وحده يفرغ ضجيجه في صمت الحروف.
حدقوا في غربته، هالهم صمته ، ظنوا به مسا أو ما يقرب من المس؛ نفروا المقعد وتزاحموا فوق مقاعد أخرى.
تحسس خفة المكان، وخفة النظرات، نظر إلى ساعته مترقبا مجيء قطاره، تقدمت نحوه طفلة صغيرة تحمل علبة شوكولاته، وكتيبا لرسوم كانت متحركة قبل أن يوقفها الطبع.
سألته ببراءة الأطفال: أنت أستاذ؟
وقبل أن يجيب أو يعي ما المراد، ناولته كتيبها ورجته أن يقرأ معها قصة " إليس في بلاد العجائب".

هــري عبدالرحيم.