قراءة في ديوان
الليلة شعر .. وغدا شعر
للشاعر د. لطفي زغلول
بقلم: أ.د خديجة بنت ميمون
محاضرة جامعية



الليلة شعر.. وغدا شعر هو الإصدار الشعري الرابع والعشرون في تاريخ تجربته الشعرية. ولإيمانه بأن الشعر ديمومة لا تنتهي إلا بانتهاء الإنسان الشاعر، فقد اختار الشاعر د. لطفي زغلول لهذا الإصدار عنوان:
الليلة شعر.. وغدا شعر
قصائد لآخر المدى
الليلة شعر.. وغدا شعر إصدار شعري للشاعر والكاتب الفلسطيني الملهم د. لطفي زغلول أحب أن يرى النور في اليوبيل الذهبي لزواجه من الإنسانة التي أحب، طوال هذه العقود وما يزال.

يمتاز هذا الإصدار بتعدد فضاءاته. وقد استهل هذه الفضاءات بقصيدة نظمها وفاء لذكرى والده الشاعر الراحل عبد اللطيف زغلول، وصفها بأنها ملكة القصائد، وثمة قصيدة أخرى داخل النصوص الشعرية حملت عنوان" بطاقة حب إلى أمي "، وفاء لذكرى والدته الراحلة.
الفضاء الأول: أبجدية بأريج الياسمين: قصائد للمرأة.
الفضاء الثاني: قطوف دانية من د. لطفي زغلول
الفضاء الثالث: لعبة الكبرياء: قصائد.. لامرأة مكابرة.
الفضاء الرابع: إغتراب: قصائد.. في ديمومة الإرتحال.
الفضاء الخامس: مختارات: قصائد.. من بواكير حصاد تجربته الشعرية.
الفضاء السادس: مختارات: نثيرات.. من بواكير حصاد تجربته النثرية.. نصوص شاعرية.
الفضاء السابع. قصيدة خاصة: بطاقة حب.. مهداة إلى حفيده الثالث كريم.
أرسل لي الصديق الشاعر والكاتب الفلسطيني د. لطفي زغلول مسودة ديوانه الذي حمل عنوان "الليلة شعر.. وغدا شعر".. قصائد لآخر المدى، مرفقا بنبذة من سيرته الذاتية، وطلب مني أن أقدم هذا العمل الشعري بقراءة من قراءاتي الإنطباعية، يستهل بها ديوانه هذا. فكان له ما أراد، ونزلت تقديرا واحتراما له عند رغبته.
بداية.. أقتبس بعضا مما جاء في هذه السيرة التي نوهت لها.
"وتشاء الأقدار إلا أن يكون شاعرا، قيل فيه وفي شعره الكثير الكثير من الأفكار والقراءات الإنطباعية والدراسات الأدبية. هناك حقيقة واحدة تخصه باعتباره ذلك الشاعر الذي أتحدث عنه، مفاد هذه الحقيقة أنه كوّن نفسه بنفسه، ليس لأحد كائنا من كان، أفرادا، أو جهات مسؤولة فضل على شاعريته باستثناء إنسان واحد، هو أول شاعر في حياته، إنه والده الشاعر الراحل عبد اللطيف زغلول.
لم تكن دروب تجربته الشعرية التي شاءتها له الأقدار معبدة بالأزاهير. لقد عانى الكثير في هذه الدروب. برغم ذلك فإننا عندما نستعرض تاريخ هذه التجربة، فإننا نجده يزهو فخرا بأنه لم يكن غصنا على شجرة أحد أيا كان، وكان على الدوام تلك الشجرة المتباهية بأوراقها الخضراء، تلك الشجرة السامقة التي لم تترجل أغصانها عن كبريائها وعلوها.
في تاريخ تجربته الشعرية هذه، كان للشاعر د. زغلول، والحق يقال، جمهور عريض من المشاهدين والمستمعين. لقد حصد في سنوات هذه التجربة العشرات من الشهادات والدروع التقديرية، والجوائز. أصبح له إسم في كثير من المنتديات والمجلات الإلكترونية، والمؤسسات الثقافية الفلسطينية والعربية وحتى الدولية.
إلا أنه في هذا الصدد، ينوه أن أعظم تقدير له، يوم أدرجت بعض من أناشيده وقصائده في مناهج اللغة العربية التعليمية في كل من المملكة الأردنية الهاشمية، والمناهج التعليمية الفلسطينية، الأمر الذي أتاح لأوسع شريحة إجتماعية، أقصد بها طلبة المدارس أن يتعرفوا عليه عن قرب من خلال زياراته المتكررة لهذه المدارس بناء على دعوات تلقاها من إدارات هذه المدارس. وهو هنا لا ينسى فضل مدينته نابلس عليه التي توجته منارة من مناراتها الثقافية في العام 2012، ولا فضل جامعتها وبلديتها ومحافظتها ومؤسساتها التربوية، والعديد من مؤسساتها المجتمعية التي كرمته بدروعها وشهاداتها التقديرية".
إلى هنا أكتفي بهذا القدر من سيرته الذاتية المفعمة بأحداثها، وأنتقل إلى نصوص الديوان. الليلة شعر.. وغدا شعر مجموعة شعرية جديدة فاضت بها قريحة الشاعر المبدع د. لطفي زغلول، إستهلها بفضاءين شعريين يخصان المرأة التي تشكل أحد المرتكزات الأساسية في شعره.
في شعره الخاص بالمرأة لا يخرج شاعرنا د. زغلول عن سياق اختطه لنفسه، مفاده أنه لا يتسول هذه المرأة، ولا ينكسر شعره أمامها مهما بلغت من الأنوثة والجمال الباهرين، وتظل قصائده مجنحة بالكبرياء والسمو. صحيح أنه يحب المرأة ويحترمها ويقدرها، وهذا هو شأنه معها، ليس في ذلك أدنى ريب.
في الفضاء الأول الذي أطلق عليه أبجدية الياسمين نراه محبا عاشقا لعيني هذه المرأة، لرقتها، لأنوثتها، لجمالها لكل مكوناتها الأنثوية، سواء تلك المرأة التي تربطه بها علاقة لا تنفصم عراها، وتتقاطع هذه العلاقة معها في كل نقاطها وتضاريسها. أو تلك المرأة الأخرى الصديقة والودودة التي أرخت سدول أنوثتها على محرابه الشعري.
هنا فهو شاعر تغلب عليه العاطفة المجنحة بالخيال والرقة في التعامل والنهج. أما لغته فهي استمرار لهذا النهج مزدانة بالإنزياحات اللغوية التي برع في مجالها. إنه باختصار شاعر يستحق شعره أن يوصف بالسهل الممتنع.
تتجلى قصيدته " قلبي أنا قصيدة " من بين قصائد هذا الفضاء برسم حقيقة مشاعره، وتكريسه للطبيعة في تصوير جل قصائده.
قلبي أنا قصيدةٌ..
إن تدخليها تقرأي أزهارَها..
حروفَ عشقٍ.. كلَّما تصبو يثورُ فوْحُها
ينسابُ في سمعِ الليالي بوْحُها
للساهرينَ الليلَ.. والنُدمانِ والسمَّارْ

قصيدةٌ.. تغرّدُ الأطيارُ.. في أوصالِها الغنَّاءِ..
تجري تحتَها الأنهارْ
تتلو لها معلقاتِ العشقِ والأشعارْ
تختالُ غضَّةً نسيماتُ الصَّبا..
تلوِّنُ المدى رؤىً .. أطيافُها
تسبحُ في لجَينِها ضفافُها
تصطافُ في شطآنِها الأنجمُ والأقمارْ
ليس غريبا أن يلقب د. زغلول بشاعر العيون. لقد تغنى بالعيون عبر عشرات من قصائده للمرأة. لقد سبق وأن قال "إن عيني المرأة هما أجمل ما خلق الله في المرأة، وهما مفتاح أية إمرأة إلى عالمها الساحر والدخول فيه، وهي فضاء رومنسي بلا حدود يسافر عبره إلى النجوم والأقمار والجنان الوارفة الظلال المفعمة بالأزاهير، تشدو في أفيائها الأطيار، هربا من عالمه الأرضي". إن المرأة هنا هي المحور الأساسي الذي يحتل المساحة الشاسعة من قصائده، وعلاقته بالمرأة الواحدة التي يتقاطع معها في كل نقاط تضاريسها.
إن الحديث عن علاقته بالمرأة ذو شجون. ثمة إمرأة عابرة سبيله، أو تلك التي تريد أن تفرض نفسها متسللة إلى محرابه الشعري، وثمة تلك التي تدعي القرابة والقربى، ولكن في حقيقة الأمر هي من ألد الخصام. سواء هذه أم تلك لها شأن آخر يتجلى في فضاء آخر أطلق عليه لعبة الكبرياء.. قصائد.. لامرأة مكابرة. هنا في هذا الفضاء يحافظ د. زغلول على أسس شاعريته اللغوية والبلاغية. إلا أنه حاد وجاد في الحديث معها.
أراني هنا مضطرة للوقوف عند هذا الحد، لكي أتناول فضاءات أخرى من فضاءات هذا الديوان. هنا سوف أتوقف عند فضاء بواكير من تجربة شاعرنا د. زغلول، فهي الأقرب إلى ذات الشاعر ووجدانه. إن الماضي في اعتقاده كان أكثر رومنسية وشيوعا في تلك الفترة من الزمن.
لا غرابة أن شاعرنا قد أطلق على هذه الآونة زمن الشعر الجميل كما جاء في لقاء له مع جريدة القدس المقدسية. هنا أقتيس مقطعا من حديثه المذكور: ردا على أسئلة وُجهت له أجاب: لم يعد الشعر هذه الأيام كسابق عهده. لقد ولى زمن الشعر الجميل، ولم يبق من هذا الزمن إلا القليل القليل. إنه زمن الكومبيوتر والفضائيات والإنترنت والأجهزة الخلوية. رغم كل ذلك سيظل هناك شعر وشعراء حقيقيون. إنني لا أتصور عالما بلا شعر، ساعتئذ يصبح جسدا بلا روح. مما زاد الطين بلة هذا النمط من الكلام الذي يطلق عليه شعرا. إنه كلام فارغ غارق في الطلاسم والإبهام والغموض، ولا أدري لمن يكتب، ولا لأية شريحة من المتلقين، هذا إذا ما وجد له متلقون.
هكذا يتأسى شاعرنا على هذا الزمن الجميل كما يعتقد هو، يومها نظم أحلى قصائده وأجملها، وهذا لا يعني أنه لم يعد ينظم ما هو حلو وجميل، إلا أن تجربته الشعرية، قد انتقلت من الذاتية إلى العامة، كما أنها نضجت بكل ما في هذه الكلمة من معنى. لقد حرص شاعرنا د. زغلول على تراثه الشعري، فنراه في دواوينه الأخيرة قد أضاف فضاء أسماه " من بواكير التجربة الشعرية ".
في فضاء آخر يحرص شاعرنا على إضافة نصوص شاعرية غير شعرية من بواكير تجربته النثرية، عبر مقطوعات يعزفها قلمه، فتأتي وكأنها شعر تصدح به روحه، فتسكر الأجواء بالشذا والرؤى المجنحة بالخيال.
هذا هو شاعرنا د. لطفي زغلول، وهذا غيض من فيض ديوانه الأخير "الليلة شعر.. وغدا شعر". هذا الديوان الذي مهما تجلى قلمي لن يوفيه حقه. إنه بكل بساطة جدير بالقراءة من ألفه حتى يائه. إنني أعترف أن قلمي قد وقف حائرا في كثير من لحظات التجلي، عاجزا عن تصوير ما ينبغي أن يصوره، ذلك أن أحاسيس الشاعر ومشاعره لا يمكن إخضاعها لأية عملية قياس أو تقويم.
هذا هو المبدع الشاعر د. زغلول، كان إبداعه ولا يزال لافتا، حافرا في صميم الوجدان لوحاته الشعرية التي يظن لأول وهلة أنها مألوفة، إلا أنها غير ذلك، فقديما قيل إن الإبداع هو النظر إلى الأشياء المألوفة بطرق غير مألوفة.