ياقوت محمّد الأحمد
الإعلاميّة والشّاعرة اللبنانيّة في حوار أدبي جريء وشامل

حاورها وعرّف بها: حسين أحمد سليم

من رحم المجتمع التّقليديّ في رحاب قرية نائية, تقع في قلب محافظة عكّار شمال لبنان, أتت ياقوت محمّد الأحمد الملقّبة بالدّندشي, المتأثّرة بواقع تاريخ عائلتها, تحمل معاناتها في كينونتها, يحدوها الأمل بتحقيق رؤى آمالها المرتجاة, وهي الّتي تهوى القراءة والكتابة والعلم, ممّا ميّزها في تفوّقها على مقاعد الدّراسة, لتبدأ بتشكيل شخصيّتها الأدبيّة رغم إختصاصها الإداري القهري لها, فخاضت مجال الإعلام في تجارب عديدة مسموعة ومقروءة ومرئيّة وحقّقت نجاحاً لافتاً فيه, معتمدة على شخصيّتها والتّمكن من لغتها العربيّة, ممّا حفّذَ طاقاتها المكنونة في دواخلها لولوج عالم الإبداع في الفنون الأدبيّة, فكان لها ما كان من الكتابات الشّاعريّة والنّثائريّة الفنّيّة, الّتي ساهمت في بعضها في مناسبات مختلفة, إلقاءُ من على المنابر ونشراً عبر الوسائط الإعلاميّة, وليس إنتهاءً بتعميم بعضها في المنتديات والمواقع وبرمجيات العلاقات الإجتماعيّة في أرحبة الشّبكة العنكبوتيّة العالميّة للمعلومات "الأنترنت"...
ياقوت محمّد الأحمد "الدّندشي" الإعلاميّة والكاتبة الجريئة نثرًا وشعرًا وصاحبة التّجارب الإعلاميّة, شاءت لنا الظّروف وسمحت أن نرود هدأة حياتها في سكنها بمدينة بيروت, وكان لنا هذا الحوار الأدبي الفنّي الجريء والشّامل معها, والّذي تجلّت فيه عظمة خلقٍ كريمٍ شكّل شخصيّتها المميّزة في رحاب هذا الزّمن المرير, المتربّص رصدًا ضاغطاً على مسارات المبدعين, ومنهم ياقوت محمّد الأحمد, يعوق بقساوته تحقيق رغد العيش بما يكفي أدنى المتطلّبات...

بدايةً كيف نتعرّف إليك؟ وكيف تصفين كينونة شخصيّتك؟ سيرة ذاتيّة شاملة ومختصرة؟
أنا ياقوتة محمد الأحمد، حائزة على إجازة في إدارة الأعمال والتنظيم، منذ الطفولة أهوى القراءة والكتابة والعلم بشكلٍ عام. وجودي في بيروت في السنوات الأخيرة أمّن لي الانتقال من الإدارة إلى الإعلام، وها أنا الآن كاتبة وإعلامية على الطريق الذي كنت أتمنى، يبقى أنني أبحث عن فرصٍ أفضل لتطوير ذاتي وتحقيق النجاح.

كيف يمكن تعريف ووصف وتحديد سمات المجتمع الذي نشأت فيه؟
ولدت في قرية مشتى حسن/عكار شمال لبنان، في كنف أسرة بسيطة منحدرة من عائلة إقطاعية لها تاريخها وتأثيراتها على شخصيتنا وربما مصيرنا. كان والدي يغيب لفترات طويلة بسبب العمل خارج البلد. قريتي كانت ذات طابع أسري، تتألف من عدد محدود من العائلات والتي أغلبها تشكل تفرعات للعائلة الأم "آل الدندشي". تعرف حضرتك أنه في القرية بطبيعة الحال، الطموح محدود وخاصة للبنات، فكيف بقرى الشمال، علماً أن قريتنا تعتبر متحضرة بالنسبة لجوارها، إذ فيها كل شيء تقريباً، خلافاً لقرى عكار المحرومة.

كيف قضيت طفولتك وما بعد وصولا حتّى اليوم ومن أنت حاليا؟
كنت لسنوات طويلة البنت الأصغر، وكان قد مات أخ لي أصغر مني ما جعل أمي تميزني عن باقي إخوتي، إضافة إلى تفوقي في دراستي منذ الطفولة، لم أكن أحتاج أحداً ليراقب دراستي لأن تحفيزي عليها كان ذاتياً. تفاوتت نتائجي الدراسية لأسباب كثيرة بعد مرحلة الطفولة، وجاءت أيام كان يكفيني أن أنجح. أحببت القراءة والكتابة منذ صغري، وكتبت وقرأت قصائد في المناسبات التي نحتفل بها في المدرسة.
لطالما تميّزت كتاباتي في المواد الإنشائية، الأمر الذي ميّزني عند أساتذتي، إذ كانوا يقرؤون نصوصي على زملائي. كنت أجيد التعبير بما يتناسب مع عمري دائماً فأكثر. أحياناً أشعر أنني لم أعش طفولتي لكوني أتصف بالوعي أكثر من غيري من أترابي.
بعد ذلك مرّت السنوات سريعاً ووصلت إلى مرحلة الجامعة ولم أرد الإبتعاد عن أهلي، أقرب جامعة وقتها كانت في طرابلس، ما يعني أن علي الإنفصال عن عائلتي والسكن وحدي مع طالبات غريبات عني، فاخترت حلاً آخر، وهو متابعة دراستي في مركز مهني قريب يمكنني أن أقصده يومياً وأعود إلى كنف عائلتي. وهكذا اخترت دراسة إدارة الأعمال، ليس حباً بها، بقدر ما كان قراراً. في هذه المرحلة عملت بشكل حر في التدقيق اللغوي والطباعة في البيت لطلاب كانوا يحضرون دراسات تخرجهم، فكان هذا أول عمل إنتاجي أقوم به، ما أعطاني خبرة في هذا المجال.
في آخر سنوات دراستي انتقلت إلى طرابلس ومنها إلى بيروت، وساعدني على ذلك إقامة أخي هناك. فشكّلنا معاً عائلة صغيرة. في بيروت عملت عدة مراتٍ في مجال دراستي، ولكنني لم أشعر بالإنجاز ولا بالراحة، كنت أشعر بانكسار، لا رضى، ولا سعادة، كنت أحب الإدارة، غير أنني لم أحب أن ليس فيها الأفق الذي أحلم به.

فتح لي موقع فايسبوك فضاءاً على عالم كنت أحلم به، ولم أعتقد أنني قد أصل إليه بدراستي الحالية، وهو عالم الإعلام. تعرفت إلى الإعلامي الصديق حسين شحادة الذي نصحني بالتوجه إلى الإعلام. عملت بنصيحته وتوجهت للتدرب على التقديم الإعلامي لدى صديقه السيد علي شقير المحترم. وبدأت رحلةً شاقة جداً بحثاً عن فرصة. كان الأمر صعباً خاصة أنني محجبة، كما توقع الجميع لي الفشل. باستثناء شخصين فقط شجعاني وصدّقا أنني سأصل، والدتي التي أعتبر أنني صناعتُها، وصديق العمر الجميل، الذي فقدته منذ أشهر، في جريمة قتل جماعية ضمن سلسلة جرائم طرابلس، فكسر فيّ شيئٌ من روحي لن يرمّم أبداً.
بينما أبحث عن فرصتي، تابعت في عمل الطباعة والتدقيق اللغوي مع دور نشر ومع عددٍ من الكتّاب في بيروت، وكنت أشعر براحة ذاتية لما يعطونني إياه من ثقة في مستوى لغتي العربية وثقافتي، وبعضهم يعاملني كمستشارة ثقافية ولغوية، فلا ينشر إلا بموافقتي. إضافة لذلك عملت في فريق جريدة إلكترونية تأخذ خط الوسط سياسياً ككاتبة و مديرة تحرير.
أول فرصةٍ جادّة لي في الإعلام المرئي حصلت عليها في قناة الثبات الفضائية، إذ انضممت إليها في العامين 2013 و 2014، حيث مارست أكثر من مهمة، تقديم وتحرير الأخبار، إعداد وتقديم برامج، تدقيق لغوي، مونتاج، وتحديث شريط الأخبار، وذلك لفتراتٍ متفاوتة. منذ مدّة استقلت من قناة الثبات وأتطلع إلى فرصة أفضل، عملي الأخير أخّر أي إصدار لي للأسف، ولكنني أنوي العمل على ذلك قريباً.

كيف ولجت عالم الكتابة؟ وما الدّوافع والمؤثّرات والتطلّعات والرّؤى في البعد المرتجى؟
كنت أحتاج دائماً لورقة وقلم، لمنبر، أقول من ورائه ما يختلج بصدري، أشارك بآرائي وأفكاري المجتمع، أنصح وأوجّه من يحتاج، كان عندي نظرة ناقدة ولسان لا يعرف أن يسكت عن الباطل. وصودف أن اشتهر موقع فايسبوك، فاستعملته لإيصال أفكاري، وقصائدي، وغير ذلك..

متى كانت بداية تجربتك مع الكتابة؟ وماذا يعني لك هذا التّاريخ وهل لعمر الإنفتاح على الذّات من تأثير آخر؟
في ما الحياة اليومية، فالكتابة كانت دائماً جزءاً من يومياتي، ولو لم يكن هناك طريقةٌ للنشر، أذكر أن أول قصيدة كتبتها كانت للبنان بمناسبة عيد الإستقلال، وقد قرأتها في احتفال مدرستي بتلك المناسبة.

هل يجد الكاتب ذاته من خلال الكتابة؟ ويُحقّق تطلّعاته وكيف؟
بكل تأكيد. كانت الكتابة وسيلتي لبلوغ نوعٍ ثمينٍ من الراحة. كانت ترمي عني ثقلاً عظيماً. وكنت أشعر أن لي منبري، حتى وإن اقتصر على ورقة وقلم لن يرى كتابتهما غيري. الكتابة أعطتني إحساساً بالقوة، والتحرر والتحدي، وشكلت دفعاً بالنسبة لي لتطوير طموحٍ كان فيما مضى مستحيلاً.

هل يتعامل الكاتب مع شكل فنّي معين للكتابة الأدبية ويختار أحد فنونها تحديدا؟
ربما هناك كتّاب أكاديميون، يركزون على مدرسة أو فن معيّن يفضلونه، ويلتزمون به. أما أنا فأظن أنني لن أكون منهم، ببساطة لأكثر من سبب، أولها أنني لا أحب الرتابة وتكرار الذات والنموذجية المطلقة، وثانيهما أنني لم أتلق تعليماً خاصاً في مجال الأدب، ما يعني أنني لست متعمقة في ماهية الفنون المحددة وتقسيماتها. وبذلك أعتبر أنني أحافظ على حريتي.

هل الشكل الكتابي يقيّد الكاتب؟ أم يُميّزه أم يحرجه؟
برأيي المتواضع، عندما يتخذ الكاتب شكلاً محددا فهو يقيّد نفسه، ويحد من الإبداع، ويضع نفسه أمام تحدٍ في مواجهة احتمال الفشل الذي بدوره سيحرجه. هو أمام واحد من اثنين إما النجاح والإبداع في تطوير الشكل والإتيان بجديدٍ مميّز، أو تكرار الذات وبالتالي الفشل.

ما دور الواقع والخيال والإفتراض والبعد المرتجى في كتاباتك؟
شخصيتي تستمدّ على السواء من الواقع والخيال. فالواقع ليس دائماً مثيراً للإهتمام، ولكنه يؤثر سلباً وإيجاباً على الكينونة وتوجهاتها. في حين أن الخيال يغذيه ما نخاف منه وما نرجوه. وكذلك كتاباتي، تسرق من الواقع والخيال على حدٍ سواء، لأقدم شيئاً أدبياً وليس مجرد رسائل شخصية لا ينبغي أن يعنى بها إلا شخصان، المرسل والمتلقي.

هل يتأثر الكاتب بقضايا البيئة التي يعيش فيها أم يبتكر عالمه الخاص؟
بالطبع يتأثر بكل ما حوله، وإلا لما صار كاتباً. الكتابة فن، والفن ينبع من شخصيات حساسة تعنى بكل تغيّر يطرأ على محيطه. ولكن لا يمنع أن تأتي البيئة بعاملٍ أساس يدفع الكاتب إلى خلق عالمه الخاص، كنوع من الهروب من سجنٍ كبير لا يحبه، إلى سجنٍ صغير أو صومعة إختيارية، تتمتع بالصفات التي يحتاجها.

كيف يمكن معالجة القضايا من خلال كتابات الكاتب وهل لكتاباته أذن صاغية؟
الكتابة تضع القارئ في مواجهة ما يتلافى مواجهته، وأول الحلول تأتي من المواجهة، إذاً بهذه الطريقة نكون قد تقدمنا على الخطوة الأولى في طريق المعالجة، عندما يتقبل الجمهور رؤية ومناقشة تلك القضايا. وحسبُ الكتابة أن تحرك في الجمهور شيئاً، حتى تتبلور بعد ذلك إلى رقيٍّ لدى الشعوب.

ماذا يتحقق للكاتب فعليا ومعنويا من خطواته الكتابية المختلفة؟
ربما من أهم ما يقال عن الكتابة في بلادنا أنها "لا تطعم خبزاً"، ولا يمكن من خلالها تكوين ثروة، خاصةً أنها غير محمية فعلياً. لكنها سبيلٌ جميل لتكوين شخصية يرجع لها العامة وينظرون إليها بعين الإحترام. ليس أجمل من أن يقول لك شخص: أشكرك لأنك عبرت عني. كل الناس لديهم شعور، ولكن ليس الكل قادرين على التعبير الأدبي والثقافي. شخصية الكاتب كنز معنوي لا يضاهيه شيء، فهو المفكر الباحث عن العلم دون هوادة، والذي لا تنتهي قراءاته عند انتهاء سنوات دراسته، بل يتابع في رسالة التنوُّر والتنوير، دون أن يتطلب ذلك توكيلاً من أحد، إنما يحصل عليه بموهبته واستحقاقه.

لمن يتوجه الكاتب بكتاباته؟ أم هي ذات طابع معيّن أم لها خصوصيّتها أم للعموم؟
جمهور الكاتب يختلف بحسب اختلاف الكتابات ويزيد تخصيصاً كلما زاد تخصص موضوع الكتابة. يعني كتاب الطبخ مثلاً موجه لفئة تهتم بذلك، وكتاب الشعر أو الرواية يتجه إلى محبي الشعر والرواية، على أن هؤلاء أيضاً ينقسمون بحسب نوع الرواية. ولكن هذا كله لا يمنع من وجود كتّاب يتوجهون للعموم، ويقدمون السهل الممتنع، مثلاً الشاعر الراحل نزار قباني، أحبه العموم كما كبار المثقفين على حدٍ سواء، وكان الأبرع في الوصول إلى جميع فئات المجتمع. وتمكن في زمن الضياع العربي من تأسيس مدرسته الخاصة والمتميّزة.

ما هو الدّور الذي تلعبه الكتابة بين الجنسين؟ وهل تصنع بينهما علاقة مميّزة؟
عندما تكون الكتابة وسيلة تواصل ما بين ذكرٍ وأنثى، سيعرفان أسمى أنواع العلاقات، لأنها نقية وراقية وراسخة، على الأقل أكثر من غيرها. فالكتابة تحاكي الروح، ومتى رضخت الروح، صارت ملكاً للآخر عن طيب خاطر. أقول ذلك وأقصد طبعاً في العلاقة المتبادلة.

ماذ يُستشفُّ من خلال كتاباتك في البعد المستتر؟ وعلى ما تنطوي حروفها وكلاماتها نثراً وشعراً وخواطر؟
أحاول عبر كتاباتي تمرير حِكَمٍ ونصائح وفلسلفات معينة، وأحاول تعرية الواقع المريض أحياناً أمام الجمهور، كما عندما أكتب عن المرأة. أسعى لمحاربة آفات المجتمع، من طائفية وعنصرية وجهل، وأنانية، وقد أصوّر أمراً ولا أذكر أبداً ما أقصد به، وأترك ذلك للقارئ، وأسعد عندما أجد من يفهم تماماً مقصدي من كلمة معينة.

إلى ماذا يرمي الكاتب من خلال كتاباته؟ وما دعوته التّكليفيّة وهل هي مسؤوليّة حضاريّة؟
الكاتب أكثر من مجرد كلمة، هو شخص أخذ على عاتقه إيصال رسالة سامية، تدعم تطور الجنس البشري فكرياً، وتدعو العموم للتفكّر. هو يقدّم نتاج عصفه الفكري لأناس ينبغي أن يتأثروا وتثار حفيظتهم للمزيد من المعرفة الفكرية والثقافة، وهكذا يكون قد شارك بشكلٍ أساسي في الحفاظ على الحضارة والتحضّر.

أيّ فنٍّ كتابيٍّ هو الأفعل بين الفنون الأدبيّة المعروفة سابقا والمستحدثة؟
برأيي لعلّ الشعر برز في السنوات الأخيرة بشكلٍ جنوني، بمساعدة وسائل التواصل الإجتماعي، فقد صار كل شخص لديه منبر من حيث يكون، ثم عاد وخبا نوعاً ما بسبب استفاقة الفئة المعنية بالأمر، أي الشعراء الحقيقيون، فلم يعد يأخذ أحد بكل كلمة لأيٍ كان، وعرف عموم الناس إلى حدٍ ما أن للشعر ناسُه وحُرمتُه، وليس غاية سهلة المنال. ومن هذا الشعر يبرز الشعر الحر، فنحن نلاحظ توجه الأكثرية إلى الكتابة بدون قيود التفعيلة وبحور الشعر وما إلى ذلك. وقد نصحني شعراء كبار بالتحرر من تلك القيود أيضاً.

كيف يُحدِّد الكاتب نسائج موضوعه ما قبل وخلال وما بعد؟
لا بد أن يحدث شيء يولّد لدى الكاتب الدافع للكتابة في موضوع معين، ذاتي أو مجتمعي أو حتى إفتراضي. الكاتب يكتب ليعبّر عن شيء يختلج بذاته بهدف التحرر منه، وإفادة الغير بطرحه إياه، وإلا لما كان كاتباً لو احتفظ بنتاجه لذاته. وهو في هذا الإطار يرى بعين بصيرته السبب والهدف والفائدة من كتابته للعموم ولذاته أيضاً. فيعمل على تقديمه بأفضل ما يستطيع، آملاً في لقاء آذانٍ صاغية، تتأثر بما كتب.

هل الكتابة هي نتاج ثورة عند الكاتب؟ وهل الكتابة تصنع ثورة وهل تصنع مجتمع حضاري؟
أحببت هذا السؤال، ربما لأنني كلما كتبت حرفاً، مهما كان بسيطاً، أشعر بأنني شريكٌ إيجابي في حضارة الإنسان الثقافية، لو لم يكن الكاتب يغمر في صدره ثورةً لما كتب حرفاً واحداً. ثورة نحو ما يراه أفضل، نحو خدمة المجتمع الإنساني ودعم تقدمه. ثورة تجاه الظلم والإستبداد، ثورة لإنهاء الإستعباد، ثورة لتحرير الأشخاص من انطوائهم وعزلتهم وانهزاميتهم. فالمجتمع الراكد والانهزامي هو مجتمع مريض. يحتاج إلى من يوقظه من غفلته. وهنا يأتي دور الكاتب.

هل التّحريض الخارجي يصنع الكاتب أم التّحفيز الذّاتي؟
الإثنان يصنعان الكاتب، فلو كان التحريض الخارجي بدون تحفيز ذاتي لما قرأنا كلمة. بينما التحفيز الذاتي ربما يفوق الأول في أنه قد يصنع منفرداً الكاتب، فالكتابة أولاً وآخرا نابعة من موهبة ربانية، قبل أن تكون بنت بيئتها.

ما هو دور الحبّ والعشق في إبداعات الكاتب وهل الكتابات الغزليّة تشبع الذّات؟
لا تأتي كتابات إبداعية إلا من أقصى حالات السعادة أو أقصى حالات التعاسة، والحب والعشق كلما كانا أكبر وأعمق، كلما جاءت الكتابات إبداعيةً أكثر. الكتابات الغزلية تتوجه إلى شخص نودّ التعبير له عما نقاسيه في عشقه، قد تريح المرسِل والمرسَل له، لأنها تحاكي الروح وتغذي نوعاً ما حاجتها للعاطفة.

بين البعد المرتجى وحقائق الواقع وعالم الإفتراض، من يُلهم الكاتب فعليا؟
كلها عوامل تتشارك في الإلهام، وفي بناء شخصية الكاتب ومنحاه وتوجهَه. تتآلف وتتلاقى وتتعاون في إيجاد الحالة الإلهامية للكاتب، ليحدث ردة فعل في شكل كتابة.

أين يتم نشر إبداعتك الكتابيّة إعلامياً وما هي ردود الفعل على كتاباتك وهل خضعت كتاباتك للنّقد وما دور الإنتقاد لها وعليها؟
أنشر مقالات عبر مواقع الإنترنت، في موقع إلكترونية الوسط اللبنانية وغيرها مما لا أذكرها، و أنشر عبر مواقع أدبية أهمها أصوات الشمال والمملكة الأدبية، إضافة إلى صفحة الفيسبوك الشخصية، التي أعتبرها منبري الحر دائماً. الحمدلله وجدت استحساناً من الأصدقاء لمعظم كتاباتي، وتشجيعاً على المثابرة وتحفيزاً على التقدم والمتابعة في هذه الرسالة. أما عن النقد، فقد سعيت لذلك شخصياً عبر عرض نصوصي على معارفي من المثقفين والكتّاب من الصف الأول في لبنان خاصة، والحقيقة أنني لم أطلق على نفسي تسمية كاتبة وشاعرة إلا بعد أن لقبني بذلك الشاعر الكبير الأمير طارق آل ناصر الدين، الذي أبدى تحمّساً لدى اطلاعه على بعض كتاباتي ويدعوني دوماً إلى اتخاذ خطوة النشر، مؤكداً دعمه المعنوي لي. وطبعاً هناك غيره أيضاً ممن أؤمن بنظرتهم وعدم مجاملتهم في شؤون الثقافة وأنا ممتنة لهم كثيراً، مثل الشاعر الكبير شوقي بزيع، والكاتب والشاعر نعيم تلحوق، وآخرون، كلهم أصدقاء أكبر بهم.

عناوين وماهية رؤى إصدارتك؟ ونماذج نصّيّة مختارة من إبداعتك الكتابيّة؟
أسعى لإصدار رواية بعنوان "ياقوت الشرق" ولهذا إسمي كذلك على موقع فايسبوك، ولكن لا تروي قصتي طبعاً. إنما أستعمل إسمي فيها. وكتاب شعر غالباً سيحمل عنوان: "حب مشبّه بالقتل"، وغير ذلك مما لا يمكنني استباق الأمور والحديث عنه.
وهذه بعض المختارات من كتاباتي الّتي تعكس بعض قناعاتي في مكنون شخصيّتي مكانا وزمانا...
أ -
"إنتحارٌ جميل..
كم مرةّ قتلتُ "أحبك" في مسقط رأسها.. بداخلي..
فانتحرت "أشتاقك" حزناً على رفيقتها..

كم مرةً تحوّلت الشفاه إلى بوابةٍ مُحكمةِ الإغلاق..
أمام سيل كلامٍ غائب عن الوعي..
يجتاح الكيان.. لعجزه عن إغراق أرض المحبين..
يحتاج التورط في كل قصة حب عظيم.. حتى يرمي بعضاً يسيراً..
من جموحه المتواري خلف الظلال القسرية.. أو المفتعلة.. لا فرق!!!

كم مرةً استحال الجسد مقبرةً لأحاسيسه العاصفة..
فأردَته حالة تسمُّمٍ جرّاءَ تحلّل جثمانها وتعفنه في زواياه الضيقة.. المعتمة.. الباردة.. الخائفة..
كم مرة ً بعد.. سيُمكِن أن نخفي العاطفة..
كم.. سنمعِن في معاداة ظلالٍ وارفةٍ
ونخنق قصائد جارفة..

كم سيطول هذا اللاشيء.. اللاحياة.. واللاموت

كم مرة سيكون هناك ما أقوله لنفسي.. التي هي أنت.. كلَّ ما تطرَبُ الروحُ لسماعِه وتسكَرُ منه.. فتأتي اللحظة التالية بالحقيقة المُرّة.. أنك لست هنا.. تسمعني.. ولم يبلغك شيء من جنوني.. ولم تعرف بقدر ضياعي ووحدتي..

جذعُ شجرةٍ منسيٌّ أنا.. منذ رحيلك..
لا المارّة يرَوْنهُ فـيسقونه ليحيا..
ولا هو يلفت انتباههم قصداً، في محاولةٍ للنجاة من شَرَكِ الانتحار الجميل..
ليس لأن لا حياة فيه..
فكم من غصن نما على طرف جذعٍ قديم.. ببركة المطر..
إنما..
من اعتاد ماء السماء المقدّس.. كيف ترويه مياه الأزقة..

ب -
(النص التالي كتبته بقلم صديقي الذي قُتِل)
إحترتُ..
ماذا ألبِسُها..
عروسيَ الجميلة..
ربيعاً ملوّناً.. يليقُ بزهوِها..
أم صيفاً تجرّه سنونواتُ الريح من أطرافه..
رداءاً أخضر كروحِها..
أم شتاءاً.. يفيض على تفاصيل جسدها..
مطراً نقياً طاهراً.. تعطيهِ لونَها الأصيل..
أم تُراني..
ألقي عليها خريفاً يتساقط اصفراراً بِكراً من بين أناملها..
ويغزو شفاهَها بتشققات عمر عليل..

احترتُ.. ماذا يليق بعروسي أكثر..
ابتسامةُ الموناليزا..
أم حرنُها الأنيق..
وماذا.. ستحبُّ عروسي أكثر..
حضنَ حبيبِها..
أو أحضان الثرى..

وهل لي أعيد ترتيب خصلاتِها..
بعدما عبث بها عصفُ السنين..
وهل يعود النبض كما كان..
رغيداً.. هانئاً..
لا تأخذه ظنون..

احترتث يا عروسي..
كيف هيئتُك المثلى..
كيف هيئتُك المثلى تكون!

ج -
قد أدركُ سِرّكَ..
يومَ أكشِفُ السِرَّ العتيقَ..
للمطر..
ذاك الذي لم يزلْ..
بحنكتِه الأزلية..
يجعلنا نُدهَش..
بسذاجةٍ طاعنةٍ في السن..
كلما ترامت قطراته وتهالكت..

فمهما رأيتك..
دائماً تصيبني الدهشةُ في حضرتك..
ولا أدري كيف تتسرّب عبارة

"كم.. أنا.. أحبك"..

من قلبي..
لتولـَد بين شفتَيَّ..

وهكذا..
مهما تكرر المشهد ذاته للمطر..
نقول..
كأنما نشهَدُ الحدث "الغريب" لأول مرة..
وببراءة لا مبرراتٍ معروفة ً لها...

"يا إلهي... إنها.. تمطر"

د -
الأزمة بخير.. والحمدلله!!

حضر الإعلامُ على عجلْ
متكدّراً.. مقهوراً.. في وجلْ..
لعله ينفي ما "قيل" أنه قد حصل
لعلّه يكشف حقيقة ما حصلْ..

وصرّح الرئيس "المُفتَعَلْ"..
بـِفخرٍ ليس يشوبُهُ خجلْ..
أن "الأزمة بخير.. والحمدلله"..!!!

"لا تخشَوا.. يا أبنائي..
لا تخشوا.. يا أحبائي..
لا تخشوا يا خِرافي الوديعة..
لا تخشوا.. فالكل لا محالةَ..
واقِعٌ في الخديعة...

يقولون انتهى زمن الموت الأسود؟؟
فليقولوا ما يريدون..
يقولون انتهى زمن القتل الأسود؟؟
تباً لهم.. وما يقولون..

وماذا إذاً كلَّ هذا الدم الجاري يُسَمُّون؟؟
ماذا إذاً كلَّ هذا الدمار..
كل هذا القهر..
كلَّ هذا الظلم العاري.. يسمّون؟!!!
بل خسِؤوا.. خسِؤوا.. وما يقولون"

فالأزمة ماضيةٌ ماضية..
بأي ثمن .. لا شك أنها ماضية..
عهدي لكم يا من كرّستم غباءكم لخدمتي..
أن تُزهَقَ أرواحُكم.. في سبيل حمايتي..
وتدوم إلى ما لا نهاية ولايتي..
حتى يرسخ في العقول.. أن لن تكون نهايتي

عهدي لكم أن أضاعفَ عدد قتلانا وقتلاهم..
ويكون في كل مدينة.. نهرٌ ترفِدهُ دماهم..
وأن يسوى مع الحضيض.. أسفلهم وأعلاهم..

فناموا في مقابركم.. ولتقرّ أعينكم..
ما دمت وليَّ مصائركم..
ما دمتُ ظلمي يطوّقكم..
ستبقى تِلكمُ الأزمة..
بألفِ خير.. والحمدلله..

هـ -
ومْلـَبّكي..
عيوني على جبين السؤال..
مْشَربَكِي..
بباقِة حكي..
مِتل البـِكي..
ودمعـــــات تِغْزُل.. تكْتكِي..
تحرس أنين البال..

والبـــــــال.. يصرخ..
-"شو بِـِكي"؟!..
-يــــا ريْت..
يا رَيْت فيي قول الـ ما بْيـِنقال..
إهتف وغنّي وعيد هالموّال..
خبِّر حْجار الأرض.. وإشتكي"..

و -
قامت من تحت الأنقاض..
نفضَتْ عنها كلَّ رماد..
رمادَ الذلِّ.. رمادَ القهر..
رمادَ الجهلِ.. والاستعباد!

قامت والناس مَوات..
تتلفّتُ والكونُ سُكات..
أحضانُ الحرقة تُغرقها..
والغربةُ كسرت ظهر الـ "ضاد"!

وتعالت أصوات الدهشة..
خنقت ملِكاً.. سحقت عرشَه
رَعَدَت بهديرٍ من وَحشة
ورمت أدواتِ الجلّاد..

بصراخٍ ملأ الكون ضياء:
"حقي أن أحيا مع الأحياء..
أنثى تتعرى لها الأرجاء
فخراً تتغنّى به الأمجاد.."

"فأنا العذراء.. لتُبصرَني..
وخديجةُ ما زالت مني..
حملتُك طـُهرا..
رعيْتُكَ دَهراً..
أبداً لم أشكُ الإجهاد”

“بلقيس تقبع في ذاتي..
ومن الخنساء دُمَيْعاتي..
أوروبا عروس القارّاتِ..
وزنوبيا غلبَت أعتى بلاد..”

“معكَ حاربتُ الإستعمار..
ومعاً نتحدى الإعصار..
وأزلنا معاً ويلاتِ دمار..
وقُتِلنا في حرب الأضداد!”

“أنا الإلهام للإبداع..
ورَوْحُ الحِس والإمتاع..
أيقونةُ بيتك وحدي أنا..
أنفخ من روحي..
في كل جماد!”

ز -
أرتدي الجنونَ..
لأسترَ عورةَ أحلامي..
الهاربة من قفصِ المستحيل..
ردائي يضيقُ بي..
كلّما فاقَ شوقي له حدَّ الأفق..
وانكفأ الكونُ معلِناً عجزَه..
عن تغطيةِ فائضِ جنوني!


كناشطة إعلاميّة، كيف تعاملت وتعامل معك الإعلام المرئي والمسموع والمكتوب وماذا منحتيه من كينونتك وماذا منحكِ؟
الإعلام كان حلماً صعب المنال، وهو حلمٌ مستمر، ليس شيئاً ينتهي ببلوغه، بل يبدأ. وقد أعطاني الوصول إليه لأول مرة الشعور بأنني حققت شيئاً أحبه، ناضلت لأجله، وقوّى من إيماني بأن لا شيء مستحيل، بعكس ما كان يقال لي دائماً، فقد ثابرت وتحديت ووصلت، وصلت إلى بداية طريق لا ينتهي، ومع الأيام تكبر التحديات، والآن أرجو أن أكون على قدر التحدي بشكل متجدد كما هو مجال الإعلام. الإعلام منحته عقلي ووعيي.. فمنحني الطمأنينة والأمل في تكوين شخصية مؤثرة وفاعلة أكثر في المجتمع.

كيف إستطعتِ التّوفيق بين إختصاصكِ ونشاطكِ؟
أنا بطبعي إدارية، حتى ولو لم أدرس الإدارة، وعندي نظرة إدارية حتى لأبسط الأمور، ولو أوكلت إلي مهام إدارية سأنجح، مهما كانت التحديات، ونشاطي الكتابي والإعلامي نابع من هواياتي أيضاً، يعني التقت في شخصيتي ونشاطاتي أمور تكوّن في كلّها ما أحب أن أكون. طبيعتي التي طبعني الخالق عليهت، لأكونها.

أجوبة لأسئلة لم تُدرج في الحوار تراودكِ؟
التحديات التي واجهتني وتواجهني: صعوبة تحصيل فرص عمل في الإعلام أكثر من غيره لكوني محجبة، في مقابل انحسار المؤسسات الإعلامية التي تستقبل إعلاميات يرتدين الخمار. إضافة إلى المحسوبيات وعدم النظر للشخص دون رؤية خلفيته البيئية والدينية وغير ذلك، في مجتمع حتى الشيوعيون فيه طائفيون.

رأي حرّ تبوحين به يعكس تجلّياتك الّتي تتراءى لك؟
عالم الكتابة وضعني أمام محاذير، أن هناك من سيواجهني ويرفض آرائي، خاصة في المقالات و الفكر السياسي، فكل جهة تريدك داعماً لها دون غيرها، في حين انني لم أجد جهةً نقية تستحق الإستماتة في الدفاع عنها، لكل جهة أخطاؤها، وعليه، لست أقدس الأشخاص ولا الأحزاب ولا الفئات. أنظر بعين الإعتدال والتجرد إلى الجميع، بقدر ما يتيسر لي ذلك، فلست أدّعي المعرفة المطلقة. أما الحقيقة المطلقة، فليست أبداً ملكاً لجهة دون غيرها.

كلمة ختاميّة جريئة البوح؟
مهما واجهتني من صعوبات، سيبقى زادي التحدي، وسلاحي عندما تنضب الوسائل، الصبر والإيمان. من قال أن الرفعةَ تُنال بالتمني والحلم! ولا مكان للإنهزامية في حياتي. قد يخبو نوري أحياناً، ولن أعتبرها إلا إستراحة محارب، أعود بعدها بكامل نشاطي وعطائي. ولكل من يحاربون حجابي عبر إقصائي أقول: أعطوني من يملك نصف عقلي، فأعطيكم حجابي. فما أكثر التافهات على الفضائيات، مقوماتهن سيقانٌ وعريّ مع عقولٍ فارغة وضحكات تصهل كما فتيات الملاهي الليلية. لقد أخذتم الإعلام إلى منحى آحادي الجانب، وهو التسلية في غالبية ساعات اليوم، فهمّشتم بذلك عقول الجمهور. على الأقل وازنوا، فلكل برنامج من يهتم به، ليس عدلاً أن تتابع الأجيال يومياً برامج الغناء والتفاهات التي لا تهم إلا السطحيين. هذه التسلية سطّحت عقول الأجيال، وجعلتهم أكثر فأكثر لا مبالين. اللهم إلا من رحم ربي.
طموحي كبير، ومتجدد، لا يبدأ بالكتابة ولا ينتهي عند عتبات الإعلام، طموحي يذهب إلى بلوغ مركز قوة وسلطة، وتولّي مناصب رفيعة تباعاً، في السياسة والثقافة. ولذلك، عندما تواجهني الصعوبات حالياً أشعر بخجل، لأنه ليس أكثر من القنوات والمؤسسات الإعلامية، وهي تفصيل أو محطة أرغب في اختبارها ضمن من محطات حياتي.
في الختام دعني أعبر عن شكري وامتناني لاهتمامكم وإجراء هذا الحوار، الذي أرجو أن أكون قد حللت من خلاله ضيفةً خفيفة على قرّائكم الكرام.