منير الشيخ يطوي أشرعة الشروق


كاظم فنجان الحمامي

انطوت أربعة أعوام والأيام ما زالت في قسوتها الأولى، وما زالت تقتص من أعمارنا بلا رحمة، وتتلذذ بدهشتنا ومحاولاتنا البائسة في لملمة أشتات الضوء، الذي أفل بعد رحيل المرشد البحري (منير عبد المجيد الشيخ) وهو في عنفوان شبابه.
أشعر أن كلماتي تتقزم أمام ما أنوي تدوينه بعد رحيله، أحس أنها تشرد وتتبعثر لتطارد ذكرى معينة، أو تقف حائرة أمام مرحلة بعينها، أو في منعطف من منعطفات شط العرب، لتلاحق نورس جريح راح يبحث في أفياء الأشجار المتسامقة عن ملاذه الآمن.
اقلب الصفحات، اجتر ذلك الزمن القريب البعيد، أعود إلى فترة تدريبه على ظهر محطة الأدلاء (الشروق)، حين كان يصاحبني في نوباتي الإرشادية المتكررة. كان تدريبه معي سريعاً، لكنني مازلت أذكر تفاصيل الأشياء الصغيرة، وكيف كان متلهفاً لاجتياز مرحلة التدريب، والمباشرة بالعمل في المسطحات المائية المفتوحة بين شط العرب وخور عبد الله. لكنه رحل عام 2010، وانطفأت برحيله أنوار (الشروق).
ينتمي (منير) إلى أسرة بصراوية عريقة. كان والده من أوائل الصحفيين، ومن الذين أسسوا نقابتهم في البصرة، وهو صاحب مطبعة دار الطباعة الحديثة بالعشار، قرب أفران أبو الخير، وكان في أوائل الستينيات يصدر جريدة (الحياة)، ويرأس تحريرها حتى عام 1979.
أخوه الأكبر (نبيل) من الطلاب الأوائل في جامعة البصرة سنة 1970 ، والأول على دفعته في فرع الهندسة الكهربائية، ومن ضمن المهندسين الذين انتخبوا للدراسة على حساب المنشأة العامة للحديد والصلب التي كانت قيد الإنشاء من قبل شركة (كروزلوار) الفرنسية. حصل على الماجستير بعد دراسته في مصر وروسيا، وكان في طليعة المبدعين بعمله، فأصبح مديراً للخدمات في غضون بضعة أعوام. لكنه اضطر إلى ترك العمل والسفر خارج العراق بسبب المنغصات اليومية، التي ظلت متفشية في معظم مؤسساتنا حتى يومنا هذا. فحصل على الجنسية الكندية، وهو الآن من أفضل الخبراء باختصاصه.
أخوه الثاني سمير (أبو سرمد)، كان يهوى التجارة والأعمال الحرة منذ سنوات شبابه، فكان يتابع أعمال والده في المطبعة، وهو الآن من كبار تجار القرطاسية في المنطقة الجنوبية.
أخوه الثالث (غسان) من خريجي الجامعة التكنولوجية في بغداد. لكنه امتهن الأعمال الحرة بعدما واكب ما مر به أخوه الكبير (نبيل) من ظلم أثناء عمله في الحديد والصلب.
نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
أصيب (منير) بسرطان الغدد اللمفاوية عام 2004، وظل يعاني من تراكمات هذا المرض الخبيث، لكنه ظل يواصل أعماله اليومية في سلك الإرشاد، حتى تدهورت صحته تماما عام 2009، ما اضطره للعلاج في الأردن على نفقته الخاصة، حيث وافته المنية في محطات الغربة.
مازالت ذكراه تعبق في الخاطر، وتتعمق في نفوسنا كلما امتد بنا الزمن، ومازلنا نشق الطريق ونتطلع إلى يوم انتظرناه طويلاً، وعملنا من أجله سوية. يوم يبسط فيه العراق سيادته الكاملة على مياهه الإقليمية المنكمشة إلى الداخل، لكن الدرب مازال عصياً.
لك الرحمة في عليائك، ولكل من أحبوك الصبر والسلوان.