أعداء شط العرب وخور عبد الله

كاظم فنجان الحمامي

ليس من خصالنا أن نظلم أحد، أو نقذف الاتهامات جزافا على الناس، لكننا وجدنا أن هذا العنوان هو الصفة الرسمية المطابقة لتوجهات الذين أعلنوا وقوفهم مع ظاهرة الانكماش البحري في مياهنا الإقليمية، أو الذين تجاهلوها ولفقوا لها الأعذار والتبريرات، وينطبق أيضاً على الذين فقدوا مروءتهم وسمحوا بتغلغلها في ممراتنا الملاحية المشتركة مع الكويت أو مع إيران، وتسري صفة العداء لشط العرب وخور عبد الله على كل الذين أسرجوا بغال الإهمال الملاحي وتركوا سواحلنا نهباً لمن هب ودب، اعتباراً من عام 1975 وحتى يومنا هذا.
نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
أما المتشدقين بالباطل والمتحذلقين بإطلاق التعليقات المناوئة لصيحاتنا الوطنية المتكررة والمتواصلة، والذين ماانفكوا يسفهون كلامنا، ويميعون مواقفنا. نخص بالذكر منهم أولئك الذين هربوا من دعواتنا المتكررة لفتح أبواب النقاش الحر المفتوح على شاشات الفضائيات، من أجل الوقوف على الحقيقة، ومن أجل أن يبينوا لنا المنافع المزعومة التي جناها العراق عندما زحفت علينا الكويت في خور عبد الله، أو عندما أقدمت إيران على تغيير أسم شط العرب وتحويله إلى (أروند رود) في الخرائط الملاحية.
قبل بضعة أيام قمت بزيارة خاطفة لمدير من المدراء البحريين من خارج تشكيلة الموانئ العراقية، ومن خارج تشكيلة وزارة النقل، وكانت معي مجموعة من آخر إصدارات كتابي الجديد (عراق بلا سواحل)، وكان في نيتي التحاور معه حول نتائج التغيرات الجغرافية والجيولوجية والجيمورفولوجية والهيدروغرافية والجيوبولوتيكية في دلتا شط العرب، وما أن دخلت مكتبه الذي حملته إليه رياح الصدفة في غفلة من الزمن، حتى ظهر عليه الاستياء والتذمر، فلم ينهض من كرسيه للرد على تحيتي، وربما أراد أن يتصنع النهوض بتثاقل ملحوظ، بينما راحت ملامح وجه تكشف عن سريرته المشحونة بالكراهية، ولم تمض بضعة دقائق حتى أطلق بعض العبارات الاستفزازية، التي حملت ما يجول في ذهنه عن مياهنا الإقليمية، فقال لي: أن الجماعة يقولون أن فلاناً (يقصدني أنا) لم يكن صائبا في استنتاجاته، ولم يكن موفقا في أطروحاته، وأنه (أي أنا) على خطأ كبير فيما ذهب إليه من تحليلات وتوقعات.
كان يتحدث معي وعينه على الحائط، بينما ظل جسمه يتمايل فوق كرسيه المجنح، ثم انشغل بتحريك رأسه بحركات بندولية مفتعلة، وغرق في غطرسة فارغ. قلت له: طيب ما الذي تقوله أنت باعتبارك من أقوى فلاسفة الإحباط والانبطاح ؟, فلم يجبني ولم يرد على استفساراتي. تظاهر بقراءة بريده الرسمي، وأخذ يقلب الأوراق المبعثرة على طاولته، فتركت مكتبه وانصرفت على الفور من دون أن أودعه.
من المفارقات العجيبة أن هذا المدير المتأرجح في كرسيه يريد أن يشرح لي أبعاد الصورة المشوشة، التي يراها هو في مياهنا الإقليمية، تصوروا يريد أن يعلمني أنا الذي أفنيت عمري كله في خور عبد الله وشط العرب، وهو الذي لم يعبر جسر التنومة في حياته، ولم يركب زورقاً في الكورنيش، ولم يخرج يوماً في رحلة نهرية، ولم يصطد سمكة واحدة بصنارته، ولم يلتقط صورة تذكارية واحدة عند ضفاف نهر العشار أو تحت أقدام السياب.
و(من هالمال حمل جمال).