لماذا التحرش الجنسـي؟
ا. د. عبد الرزاق محمد جعفر
كثر الحديث في الآونة الأخيرة عن التحرش الجنسي في العديد من بلدان العالم المتحضروخاصة عندما يستخدم المتحرش العنف في أشباع نزواته، والتي قد تسبب انهيار الحالة النفسية للضحية، أوعاهة جســدية، أو الأغتيال من أجل طمرآثارالجريمة، وخاصة عندما تكون الضحية على علم بهوية الجلاد!
موضوع التحرش الجنسي ليس بالسهل، أذا ما أراد الباحث التحدث عنه بأسهاب، لأنه يختلف وفق الجغرافية والوازع الديني والأجتماعي وقوة السلطة الحاكمة في المجتمع، كما أنه مرتبط بالمستوى المهني والأجتماعي للطرفين، فيتحمل الضعيف الضرر، ويحاول ألتسترعلى ما أصابه، حتى لا تتفاقم المشكلة وتصل الى العائلة !
عُرفَ التحرش الجنسـي في الموسوعة الحرة، على أنه مضايقة او فعل غير مرغوب فيه من جنس على الجنس الآخر، يظهر بهيئة أفعال من الأنتهاكات التي قد تتطور
الى مضايقات اكثرعنفاً تتضمن الفاضاً جنسية غيرلائقة او قل أباحية يستخدم فيها النشاط الجنسي .. ولذا أعتبر التحرش عملاً مشيناً غير مباح في كل القوانين والأعراف الدولية .. لأنه يسبب الأذى الجنسي والنفسي للضحية!
كما عَرفَ المركز المصري لحقوق المراة، على انه:
" كل سلوك غير لائق له طبيعة جنسية يضايق المرأة أو يعطيها أحساساً بعدم الأمان"، وانني أؤكد كشاهد عيان ان التحرش قد يكون من الأنثى وقد يصل الى حالة الأجرام!
وخير شاهد على ذلك قصة سيدنا يوسف عليه السلام لما راودت أزليخه أمرأة العزيز فتاها عن نفسه، وأبى أن يستجيب لها كما جاء في سورة يوسف :
وراودته التي هو في بيتها عن نفسه وغَلقت الأبواب وقالت هيتَ لك قال معاذ الله انه ربي احسن مثواي أنه لا يفلح الظالمون. (سـورة يوسف آية 23).
كما ذكر (فرويد، عالم الجنس) .. أن استخدام سطوة الرجل في ممارسة الجنس بالغصب، أي من دون رغبة الأنثى، حتى لو كانت زوجته، يُعتبر أغتصاب، وهو شكل من أشكال العنف النفسي .. يوسم به الشخص الذي يجبرغيره بتلبية رغباته، فيتسبب عن ذلك صدمة نفسية قد تؤدي الى القلق او الأكتئاب!
رغبت في تدوين ما تسببه هذه الظاهرة من بلاء، حيث سجلت مشاهداتي ودونت العديد من القصص التي كانت تنشرها الصحف والمواقع الألكترونية التي يتقزز منها الأنسان السوي .. كما دونت الكثير من الملاحظات كشاهد عيان عند تجولي كسائح أومقيم في عدة أقطارعربية، وما تنشره الفضائيات عن التحرش في اقطار أجنبية متعددة،
ووجدت أن من أصعب ما يعانيه الكاتب عندما يتطرق لموضوع يمس المجتمعات الأسلامية والعربية .. حيث يعتبرها البعض انن الكاتب يقدم لقمة سائغة للأعداء حتى يشمتوا فينا ويعيبون علينا حياتنا، ولذا نجد انتشار كتاب مقالات َجلد الذات، من دون تقديم اية وصفة مُجدية لحل المشكلة التي يطرحونها ومثلهم مثل الطبيب الذي يشخص المرض ولا يصف العلاج!
كافة المجتمعات منذ فجر التاريخ الى يومنا هذا فيها الحسن والقبيح!،ومن لم يستوعب ذلك عليه بقراءة الكتب التاريخية التي تتحدث عن تسلط المستبدين من الحكام على الرعية، او ليتذكر المسلسلات التركية مثل حريم السلطان أو فاطمة .. ليرى أنواعاً من التحرش الجنسي والأغتصاب ما تقشعر له النفوس!
لا أريد أن أسرد العديد من الأمثلة حتى لا أبتعد عن الموضوع .. . وسأسرد حادثة مؤلمة وقعت لأحد معلمي المدرسة الأبتدائية الغرباء في ناحية (..)، فقد كان يمر ظهر كل يوم على أمرأة خبازة مطلقة تقطن مع ابنتيها في أحد الأحياء الشعبية .. ليشتري منها الخبز الحار! .. ومن سوء حظه أن مرضت الخبازة في أحد الأيام .. ولم تكن قادرة على تسليم الأستاذ أرغفه الخبز، ولذا طلبت من أبنتها الأصغر تسليم الخبز للمعلم من وراء الباب!،حتى لا يشاهدها أحد المارة، الا أن جينات الأنوثة تفجرت او قل هاجت،وأطلت البنت بكامل جسدها الثائر! .. فبادلها التحية،وأستلم منها الخبزبأمتنان وبعبارات منمقة هزت أشجانها، وراح يردد اغنية،ناظم الغزالي:
(من ورا التنورتناولني الرغيف ..)، ومن سوء حظه أن يمُر في تلك اللحظة أحد أبناء المحلة،ويلتقط مشهد المعلم المترنح فرحاً .. ويستنكرهذا العمل المعيب!وينتشر الخبر في ارجاء المدينة مؤطراً بأشاعة قذرة حول علاقة سرية بين المعلم والفتاة الكبرى! .. ورغبة الأم في تزويجها له، ولهذا هرع أصدقاؤه لأخراجه بسرعة من المدينة، لأن المرأة الخبازة هي طليقة أحد شيوخ المنطقة .. والبنت تعتبرعُرفاً زوجة لأحد أبناء عمومتها، وأذا ما وصل الخبرالى شيخ القبيلة،فسوف يأمر أحد أولاده لغسل العار، ويستبيحون دمه!، وهكذا تم تسفير المعلم من المدينة ليلاً .. ولجأت الأم وأبنتيها الى المختار من أجل حمايتها وابنتها من القتل، وهذا مايعرف بـ (الدخيل)، ولكن وبطريقة ما، تمكن أثنان من ابناء عمهن بقتل الأم وابنتيها، وكنت شاهد عيان للجثامين أثناء وضعهاعلى سطح سيارة الأجرة (التكسي) ومغادرتها من أمام دار المختار متوجهة الى مركز اللواء (المحافظة)، لأجراء فحص الطب العدلي، وبعد أيام تبين أن البنات صاغ سليم!، لم يمسهن بشر،أي (بُاكرات)، وهكذا راحت الأم وابنتيها ضحية بسبب اشاعة سببها ظاهرة التحرش.
في سنة 1961 كنت طالبا في موسكو، واشتقت لزيارة الأهل في العراق .. والتقيت في مسقط رأسي بكل زملاء الطفولة، وغاب عن الجمع أحدهم، كنت على علاقة حميمة معه .. ولما سألت عنه .. قيل أنه مشلول!
صممت على زيارته، وعرفني!، حيث بانت على وجهة الفرحة وبطريقة الأشارة راح يسرد قصته .. ألا أنني لم أفهمها! .. ولما خرجت حدثني قريب له عما حدث لزوجته عندما تحرش بها رجال الأمن ودافعت عن نفسها، وكادت أن تقتل من هَمَ بأغتصابها، فتعرضت لأبشع العقوبات!،
ودون تلك القصة الشاعر(..):
سمعت ليلاً عواءاً للكلاب = وطرقاً على الباب .. بلا هواده
فخرجت بملابس النوم مذعورة = وفتحتُ الباب من دون أرادة
وأذا بزمرة من الرفاق تطوقني= وقالوا اركعي لأصحاب السيادة ونادي على زوجك بسرعة= فأشرت لمشـلول راقداً على السجادة
فشعرتُ بلطمة على خدي = وطرحتُ أرضاً بلا وسادة وهم بقوة لمضاجعتي فأبيتُ= وصرختُ بعبارات العبادة
وبقوة الحق رجمتُ الزاني بصخرة = وراح يزحف، كالجرادة !

ومن ذكريات التحرش العذري حدثت في اليوم التالي لوصلي موسكو لأكمال دراستي العليا في 1/11/1960. ففي ذلك اليوم توجهت برفقة أثنان من الزملاء للتسكع في الساحة الحمراء التي تعتبر مركز مدينة موسكو في تلك الحقبة من الزمن.
لم يكن لأي منا نحن الزملاء الثلاث أية خبرة او دراية بطريقة التحرش لتكوين صداقات مع الجنس الآخر، فقد سمعنا الكثيرعن الحياة في موسكو،الا أن الواقع غير ذلك!
فما أن وقفنا مبهورين أمام الضريح المسجى فيه مؤسس الأتحاد السوفيتي الرفيق لينين والرفيق ستالين .. حتى وجدنا أنفسنا وجهاً لوجه أمام ثلاثة فتيات في مقتبل العمر تطفح على وجوههن الصحة والسعادة، .. فراح كلاً منا يبحلق فيهن (كالأطرش بالزفه)، وهن في مرح يوجهن الكلام لنا ولم نفهم أي شيئ! .. واخيراً التقط احدنا ماكن يرغبن في معرفته! .. فقال لهن باللغة الأنكليزية نحن طلبة بعثة من العراق لأكمال دراستنا العليا .. فأزداد أعجابهن .. وبلغة الأشارة لزق كلاً منا بواحدة كـ (لزكه جونسن)، ثم طلبن مرافقتهن للتسكع ومشاهدة أشهر مخزن في موسكو آنذاك الموسوم بـ (الكوم) القريب من شارع مكسيم غوركي .. فدبت الفرحة فينا .. وبلغة الأشارة تمكنا من أن ندخل برفقتهن لأحد المطاعم في شارع غوركي المشهور بأكلاته الشرقية، وبعد جهود مضنية استطعنا ان نطلب العشاء كلاً حسب رغبته ودارت بين كل زميل وفتاته محاورة أبدعها كانت مع زميلنا خريج قسم اللغة الأنكليزية .. حيث كتبت له زميلته على ورقة وفسرها لنا على اساس انها تريد طفل! .. أي انها I want Tofil
تريد علاقة حميمة من أول يوم!،وراح يكررتفسيرقصدها وحسدناه على حظه، ولما تعلمنا اللغة الروسية تبين انها تريد منه (حذاء كعب عال) .. يسمى بالروسي (تُفل)، فأكل منا (رزالة)!، على الطريقة العراقية !
خلاصة هذا الموضوع ان التحرش ليس معناه ان يكون الجلاد رجلاً والضحية أنثى، وانما العكس ايضاً صحيح، والروايات التي سمعتها وشاهدتها وقرأت عنها تحتاج الى كتيب لأدون فيها كل مساوئ هذه الظاهرة غير الخلقية !
أما حوادث الأغتصاب فهي جرائم بكل معنى الكلمة، وفي الجعبة قصصاً يقشعر البدن منها حدثت في الدول التي أقمت بها او التي زرتها، ومافيش حَد أحسن من حَد!

الدكتور عبدالرزاق محمد جعفر
أستاذ جامعات بغداد وطرابلس وصفاقس / سابقاً

************************************************** ***************