آه يا وطن الأركان الأزلية
بقلم سمير الأمير

لم تكن بعض الشخصيات المشهورة المعارضة لنظام مبارك بالشجاعة والبطولة التى ظهرت لنا وجعلتنا نعتبرهم مثلا فى التضحية بالنفس -- اتضح أنهم كانوا تحت الحماية وأن صراعا داخليا كان يدور سرا وكانت أدواته العلنية عبارة عن بعض الصحف الخاصة وبعض الشخصيات التى كانت تهاجم النظام بضراوة وبشجاعة مدهشة - ذات مرة أخبرنى صديقى الصحفى اللامع أن جريدته مسموح لها بمهاجمة أى شخصية ما عدا الوزير الفلانى، وهو الأمر الذى كان هو نفسه يستغربه عندما يؤكد عليه رئيس التحرير الذى لا يملك أى موهبة ولا سابق خبرة كبيرة فى المجال الصحفى ولا يتمتع بثقافة خاصة ولا حتى بمظهر أو سمت يبعث على الاحترام وكأن الذى اختاره كان يؤكد على أنه يكفى أن تنال الرضا حتى يضعوك قائدا !!! صديق آخر فى جريدة أخرى أكد لى أنهم يستطيعون مهاجمة مبارك كما يحبون ولكن فقط ممنوع عليهم مهاجمة باقى أسرته، لقد فسر لى ذلك أمورا كنت أقف أمامها مشدوها، منها مثلا كيف أن عقوبة من قال " أيها الرئيس إننى أخجل من كونك الرئيس تكون فقط تجريده من ملابسه وانزاله فى الحى العاشر ليسير عاريا حتى تستره القوات المسلحة الأمر الذى لا يمكن اغفال مغزاه، فى مصر فقط تستطيع أن تتعايش كل تلك المتناقضات متجاورة دون أى اندهاش! ولذلك كان الصحفى الذى صعد على أكتاف الكلمات القومية إلى عنان الشهرة وصار يكرر أنه معارض ناصرى منذ أن كان عمره ثلاث سنوات ولكنه لا يقبل أن يهين أحد مبارك أو يتطاول على مقام الرئاسة هو نفس الصحفى الذى هرول لتقديم البلاغات ضد مبارك و ظل يتفاخر بذلك دون أن يشعر بشىء مما أصابنا من هول المفاجأة، لا أعرف لماذا أصبح عندى يقين وقتها أن هذا الرجل الذى بلغ من الحكم عتيا لم يكن سوى أحد أركان النظام الذى كان يجرى البحث له عن بديل غير التوريث من جانب جهات ما فى الدولة لا نعلمها ولن نعلمها إلا حين يرفع الله عنا الغطاء ليصبح بصرنا حديدا، هل أهرب الآن من الأسئلة التى أرقتنى حول لماذا يشتهر من يشتهر ولماذا نمضى فى الحياة دون أن يقرأ لنا أحد حرفا رغم أننا ولدنا لأمهات قارئات وكانت الكتب فى بيوتنا تحتل حتى أماكن الأسرة ؟ هل ما كتبته الآن لا يعبر عن الحقيقة وإنما يعبر عن حقدنا على هؤلاء المناضلين المشهورين والكتاب المشهورين والشعراء المشهورين ومعذرة لتكرار الكلمة ولكنها دفقة الحقد التى لابد لها أن تغادر الصدر قبل أن تحرقه فقد كان آخر ما شاهدته فى التلفزيون قبل كتابة هذا الرغى رئيس تحرير الجريدة الشهيرة التى تحمل اسمنا كما تحمل الأوطان أسماء القبائل فى الدول المجاورة، معذرة لأنى ظللت أفتش فى سمته وصوته وكلامه عن أى ملمح يؤهله لاحتلال أى من مواقعه فلم أجد سوى إجابة واحدة، فى مصر كن صحفيا، كن شاعرا، كن معارضا ولكن لا تغرنك الموهبة أو حسن مخارج ألفاظك، أو جمال طلعتك فكل ذلك مردود عليك إن كنت لا تستند إلى ركن من الأركان الأزلية للدولة المصرية العتيقة لأنها تريد أن تقول لك دائما " نحن الذين نفخنا فيك فلا تنسى نفسك" " وإن انتهت صلاحيتك سنرميك كما رمينا الذين من قبلك"