السخرية السياسية في الصحافة التسطيحية
لم أستطع أن أخفي توجعي وتألمي مما صرت أقرأه في بعض الصحف الديلية كما صرت أضرب عن قراءة صحف أخرى اختارت منهجية تعتمد على الإثارة أو التلفيق أو الاستهزاء والسخرية الهادمة , وكنت أتألم كثيرا وأنا أحاول أن أتعامل بجدية مع سخريتها وهي تطول منظمة نقابية أو حزبا وطنيا ظل منذ تأسيه جادا في دفاعه ونضاله إلى حد أنه لم يسجل في تاريخ المغرب أن حزبا قبله أو بعده وقف ضد الظلم والجهل والاستبداد من أجل كرامة الإنسان المغربي كما وقفها ومارسها . ولاحظت أنه بحكم دعوة هذا الجزب باستمرار إلى حرية التعبير , لم يتصد لأي نوع من السخرية التي صارت تطال عددا من مناضليه . بل وامتدت لقيادته اليوم . وإني إن كنت معه في عدم التصدي فلأن هذا الموقف لا يعتبر تقصيرا أو قبولا بالأمر الواقع . بل لأن أي موقف آخر يجعل من التصدي للسخرية مسخرة , تمارس هزلا فعليا يتفوق على مجازات السخرية الآخذة في النشاط كلما وجدت مادتها في متغيرات هذا الحزب بخاصة أو بقية الأحزاب والهيئات النقابية المغربية . ولكن تشوه ذلك الموقف وتروجه بأسلوبها في المنتديات وعلى أعمدة الصحافة التسطيحية , الورقية منها أو العنكبوتية وهي لا تدري أنها تكشف عن حماقتها فيما يبدو لها حكمة وتنويرا للرأي . بينما هي تسخر من نفسها وتجز بنفسها في قادورات هي أوسخ ما في اللعبة السياسية في بلادنا , وتزيد من الاستخفاف بالمواطنات والمواطنين الذين نضج تشكيكهم في قراءة ما تكتبه بعض أقلامهم المأجورة أو التي تؤدي الخدمة المجانية لنفوذ الاستبداد وتنامي الفساد . وأصبح نضج التشكيك على نفس الدرجة مع التشكيك في جدوى الفعل السياسي والنقابي وتفريخ الأحزاب والنقابات . الأمر الذي نمى ظاهرة النكتة الساخرة لدى عامة المواطنين في حق هذه الصحافة والفعل السياسي والأداء النقابي والتطوع الجمعوي . وصارت النكتة الساخرة تشكل أسلوبا من أساليب معركة التحرر من القراءة في وقت تعتقد فيه أنها تسعى إلى تحرير العقل القارئ لها من قيود وإشكالات هي صانعتها والمفبركة لها – ومعركة التحرير الحقيقية - كما لا يخفى على أحد - كانت ولا زالت من أبرز شعارات الحزب التقدمي . أدى في سبيلها ضرائب الدفاع عنها. بتعامل مبني بالأساس على الوعي بواقع الاستبداد والتسلط وهيمنة الفساد والمفسدين والتصدي لها جميعها لا باختلاق الحوادث وترويج السخرية الكاذبة . وكم كان المناضل يشتبك بثقة مع إرادة الهيمنة ويربكها ويهز كيانها تدريجيا . ولا يمكن بحال أن تمتلك هذه الصحف تلك الثقة التي ظل يمتلكها هذا الحزب عبر مختلف محطاته النضالية – ولكن من الممكن القول بأن الحزب أو النقابة فقد الكثير من حقيقة نضاله . وغدا مجازا يتوارى خلف ضعف وتفاهة ما يفتعل بداخله نتيجة احتضان من لا معنى لانتمائه له إذ لا تربطه به إلا الانتهازية . ما دام طبعه غير طبيعة تلك النقابة , ومنهجه في الحياة ليس هو أسلوب الحزب في النضال والمواقف , وأفكاره ومبادئه – إن كانت له مبادئ أصلا – لا تلتقي مع مبادئ الحزب وشعاراته في الحداثة والديمقراطية وفي نظرته للمستقبل . وهذا التواجد المربك هو الذي ألبسه لبوس الهزل بدل الرصانة . ورغم هذا فالأجدر بالنقد أن يعمد بعد التشخيص والتحليل , إلى النصح الباني بدل السخرية الهادمة , التي لا تنفر من السياسة والسياسيين , بل تجعل المواطن يتقزز من هذه الصحافة وصحافييها
وأنا مع السخرية المضحكة التي تستعمل النقد في قالب كوميدي . وتجعل الجدية والصرامة رمزا للأضحوكة وللاستخفاف . ولكن بمن يستخفون بكل عمل جاد ونضال مستميت . وخاصة تلك الفئة من القادة السياسيين والنقابيين التي بات من المستحيل زحزحة قناعاتها وتفكيك النمطية في عقول الكثير منها , مما يجيز في حقهم شخصنة القضية بأسلوب يتناولهم بمعاول السخرية العدائية وكسر الهيبة والجدية التي اتسم بها حزبهم أو نقابتهم . ووضع كل الأحزاب في سلة واحدة بما فيها تلك التي لها تاريخ مجيد – طبعا قبل تسلط قيادات اليوم عليها - القيادة التي عرت صدرها لتلقي طلقات سهام السخرية وتوجيه فوهة المدفع على أخطائها وتناقضاتها . لكن العيب في هذا النوع من السخرية , أنها تلبس الأخطاء الشخصية بمؤسسة الحزب والنقابة , وهي لم تستطع كشف أي مفارقة أو لا منطق في فعلها النقابي أو السياسي كما هو الشأن بحزب كتب اسمه ( الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية ) مثلا بدماء الشهداء في مواجهة الجبروت والطغيان والاعتقالات وصدور الأحكام والاختطاف والاختفاء والطرود الملغومة وإغلاق المقرات وتخريب مقر جريدته ومصادرة العديد من أعدادها . فهذا يقودنا إلى الاعتقاد بأن سطحية هذه الأساليب الساخرة – المومأ إليها – ليس لها عمق وامتداد . وأنها تقود نوعا من القصاص بالوكالة . وتحاول أن تجر مثل هذا الحزب إلى حرب باردة – مع الأسف تسقط في فخها قيادة اليوم باستئسادها عند الدفاع عن الأخطاء وإيجاد المبررات والمسوغات لها نتيجة الاقتداء بما يماثلها فتتجرد من الموضوعية وتتعرى من المصداقية – ولكن مع ذلك فمصداقية العمل الصحافي تفرض أن لا تتحول السخرية الهادمة في كتاباتها إلى منشط لتأزيم الأجواء فهذا يفقدها رسالتها النقدية النبيلة التي تنبني على مناقشة الأفكار والمشاريع والإجابة عن أسئلة العصر ومواجهة التحديات . بدل الدخول في الترهات وإلهاء القراء عن قضاياهم المصيرية
فاس . محمد التهامي بنيس
30 – 4 – 2014