أما بعد،
فإنه لا تكليف مع العجز، وإن المشقة تجلب التيسير. فما لك تُكلّفُ نفسَك ما لا تُطيق؟ أهو الحرص أم العزيمة؟ حرصٌ على دنيا تراها تُدبِر وجاهٍ يُولّي أم عزمٌ على تَولّي أمور الناس رحمة بهم وإشفاقا؟ أما الحرص فليس يغني عنك شيئا، ولو كانت تدوم لك لدامت لمن سبقك. وأما العزم فإن الله يحب أن تُؤتى رخصُه كما يحب أن تُؤتى عزائمه. أم تراك تحسب أنك جُذَيلها المُحَكَّك وعُذَيْقها المرَجَّب؟ فاعلم أن الأرحام لم تَعدم أن تلدَ من هو خير منك. فغادرْ ولا تُبال! ألا وإن العيبَ كل العيب أن يحكمَ الأصحاءَ الزَّمْنى، والعارَ كل العار أن يسوسَ العقلاءَ ذوو الخَرَف. كيف وقد ذهبت البَليلَةُ بالمَليلَة؟ فاربأْ بنفسك أن تكون ضُحْكةَ الفُرَقاءِ وهُزْأَةَ الأعيان! وإنك لتَعلم أنهم ما اجتمعوا إلا على فساد وخَلْس. فلا الجيش جيشٌ، ولا الدولةُ دولة. وانظرْ حوالَيك ترَ القوم يَغنمون من رعشةِ الوَهن وسقم البدن. فمن ذا يضرب على أيديهم؟ ومن ذا يَأطِرُهم على الحق؟ ولولا أن القومَ ألفَوْا ضالّتهم عند حاكم لا يأمر ولا ينهى ما استبْقَوْك. فانظرْ لنفسك خاتمةَ حُسنٍ علّها تُكفِّر سابقةَ عبَث وجوْر.
والسلام على من اتبع الهدى
رجب 1435 ه