للروائي الياباني هاروكي مراكامي

رواية ضخمة تتدفق مثل النهر العظيم نحو مصب غامض و بعيد ... تتدفق عذوبة و سحرا و دهشة ... يتماهى فيها الواقعي البسيط بالغرائبي العجيب ...
لا يمكنك الإمساك بخيوطها إلا من خلال شخوصها الذين تتقاطع مصائرهم في حبكة محكمة شديدة الإتقان في مسارات ترسمها حتمية قدرية صارمة .

تبدأ الرواية بالفتى كافكا تامورا المراهق ابن الخامسة عشرة الذي يقرر أن يهرب من البيت العائلي في يوم عيد ميلاده عشية بلغ الخامسة عشرة سنة .

في الواقع لم يكن كافكا تامورا يعيش في أسرة و إنما كان يعيش مع أبيه فقط ...

فأمه هجرت البيت مع أخته حين كان هو في الرابعة من عمره ...و كل مايحمله من ذكرى لأخته هي صورة له معها على البحر...

أما أمه فلا يتذكر منها شيئا غير رائحتها و ملمسها ...غير ما تحفظه ذاكرة الجسد التي تقاوم عاديات الزمن .

و لأنه لا يطيق العيش تحت سقف واحد مع والده يقرر أن يغادر البيت هو الآخر ...و تكون وجهته إلى مدينة شيكوكو ... هذه المدينة التي تسوقه إليها أقدار غامضة يقول:

" حين نظرت إلى الخريطة شعرت أن شيكوكو هي المكان الذي يجب أن أتوجه إليه ، كل مرة كنت أنظر فيها إلى الخريطة أشعر بهذه المدينة تجرني إليها " ص16 مدينة يسير إليها في حتمية قدرية تذكرنا بخروج أوديب من مملكة المنشأ إلى مملكة الأصل هروبا من النبوءة المشؤومة التي تحكم عليه أن يقتل أباه و يتزوج أمه ...

كذلك خرج كافكا تامورا هاربا من البيت الذي لم يعد يطيق العيش مع أبيه فهو يعلن أنه " قد أكون قادرا على قتله (أبيه) إن أردت ، بالتأكيد لدي ما يكفي من القوة لفعل هذا " ص15 ، غير أنه يفضل أن يهرب ...

يأخذ وجهته إلى شيكوكو و هو يحمل في أعماقه نبوءة مشؤومة وشمها فيه أبوه ذو الشخصية الغامضة ذات الأطوار الغريبة ، نبوءة سوداء تحكم عليه كأوديب أن يقتل أباه و يضاجع أمه و أخته ...

في الحافلة في استراحة الطريق يتعرف على فتاة تكبره سنا ، ثم تطلب منه أن يسمح لها بالجلوس إلى جواره لأنه متعبة و تريد أن تنام فكانت تنام على كتفه ما بقي من الطريق ...

سيعرف القارئ لاحقا أن اهذه الفتاة هي ساكورا أخته التي يحمل صورتها معه صغيرين في حقيبته ...و التي سيأخذ عنها رقم هاتفها ، ثم وهو ضائع في شيكوكو تضطره الظروف أن يبيت عندها ليلة في شقتها ، و يتماسان في سرير واحد للحظات يبرع الكاتب في تصويرها ...

تتكرر هذه اللحظات حين يكون كافكا في الكوخ الجبلي بالغابة مختبئا عن الشرطة التي كانت تبحث عنه بعد ذيوع نبأ مقتل أبيه الذي اتضح أنه نحات عالمي شهير ...

في مخبئه بالغابة الجبلية الذي أرشده إليه صديقه أوشيما فمكث أياما في عزلة عميقة هناك في حلم غريب يرى نفسه مع ساكورا و قد صار يعلم أنها أخته و هي تبعده عنها و لكنه كان مصمما على المضي في إتمام ما نصت عليها لنبوءة المشؤومة .

يمضي كافكا تامورا على قدر كما رسم له ..فبعد قضائه لأيام في مكتبة توفر له جوا مريحا للمطالعة استطاع أن يعقد صلة صداقة مع أوشيما أحد العاملين بالمكتبة الذي يساعده على تدبر الإقامة في مدينة شيكوكو بأن يتوسط له لدى مديرة المكتبة لتقبل به عاملا مساعدا في المكتبة مع ضمان الإقامة له في غرفة بالمكتبة . وهكذا تستقر أحواله في المكتبة عاملا وقارئا نهما ردحا من الزمن ..

الكهل ناكاتا

شخصية غريبة فذة نجح الكاتب في رسمها فهي نمط فريد من الشخصيات الفنية النادرة التي نجح كبار الروائيين في تصميمها ...

معوق ذهنيا سبب إعاقته تعرضه مع مجموعة من أترابه حين كان تلميذا إلى إغماء بسبب سلاح كيمياوي تستعمله طائرة أمريكية ...بعد الإفاقة من إغمائه يجد نفسه بلاذاكرة و لا قدرة على القراءة ...ي

عيش على منحة تكفلها له البلدية ، ولكنه يتمتع بقدرة خارقة تتمثل في مخاطبة القطط و التحدث إليها ...

لهذا كان سكان الحي يكلفونه بالبحث عن قططهم الضائعة .تتميز حواراته مع القطط بطرافة منقطعة النظير ...

إلى أن يحدث أمر دموي عنيف من رجل يدعى جوني واكر صائد القطط ...كانت القطط الضائعة معضمها تنتهي إليه يقتلع قلبها حية و يلتهمه ليصنع من روحها نايا أسطوريا ...و

في مشهد غرائبي سوريالي يطلب صائد القطط من ناكاتا أن يقتله إن أراد أن يخلص القطة سيامية التي كان يبحث عنها ...و يستفزه و يحثه على أخذ السكين من المطبخ ، وفي لحظة حافلة بالجنون و القهقهة يغرز ناكاتا السكين في صائد القطط ...

يقرر ناكاتا بعد ارتكابه جريمة قتل جوني واكر الرحيل عن المدينة و يأخذ وجهة لا يعرفها بالضبط ولكنها في هذه المرة أيضا تكون الوجهة مدينة شيكوكو حيث الفتى الهارب كافكا تامورا .

صائد القطط المغتال يظهر فيما بعد أنه نحات مشهور و هو والد كافكا تامورا ...و هكذا تحقق الشطر الثاني من النبوءة المشؤومة فناكاتا يعلن أنه حين قتل جوني واكر كان يتقمص روح ابنه كافكا تامورا .

في مدينة شيكوكو تعمل حبكة الرواية على تحقيق الشطر الثالث من النبوءة ...فالآنسة ساييكي التي توصف بأنها ذكية و قوية في العقد الخامس من العمر عاشت أقسى أنواع العزلة و الوحدة هي في الحقيقة والدة كافكا تامورا يزور شبحها يوميا كافكا في غرفته إلى أن زارته في ليلة حقيقة لكتمل النبوءة ...

ثم تأخذ الرواية أحداثها نحو النهايات الحزينة في مسارات يتماهى فيها الواقعي بالسوريالي

في عوالم غامضة تبحث عن الحب و معنى الموت و قيمة الذكريات و الاتجاه الضائع ...