للكاتبة البنغلادشية تسلمية نسرين


هي رواية أثارت ضجة حين صدورها ، و أثارت عاصفة من الانتقادات الموجهة إلى الكاتبة تحولت إلى إهدار لدمها من قبل جماعة متطرفة لتلتحق تسليمة نسرين بقائمة الكتاب المغضوب عليهم المهدرة دماؤهم ...

تقع الرواية في 207 من الصفحات موزعة على ثلاثة عشر فصلا معنونة على شكل كرونولوجي : اليوم الأول ...اليوم الثاني ...اليوم الثالث ...اليوم الثالث عشر .

تنطلق الرواية من حادثة واقعية حصلت في الهند يوم 7 ديسمبر 1992 حين قامت جماعة هندوسية متطرفة بهدم مسجد عتيق يعود إلى خمسة قرون بدعوى أن المسجد محل ميلاد إله الهندوس راما .

تدور أحداث الرواية حول انعكاسات هذه الحادثة التي أشعلت حربا طائفية بين المسلمين و الهندوس في الهند و بنغلادش ...

ترصد الكاتبة آثار هذه الفتنة الطائفية على حياة أسرة بنغلادشية هندوسية تتكون من : رب الأسرة سودهاموي ... الأم كيرونموي...الابن سورنجان ... و أخته نيلانجان .

تدخل أسرة " سودهاموي" في حالة من الذعر و الترقب خشية التعرض للانتقام من المتشددين الإسلاميين . الأخت نيلانجان تلح على أخيها أن يوفر لهم ملجأ يختبئون فيه ريثما تهدأ عاصفة الانتقام التي تشنها الأغلبية المسلمة في بنجلاداش على الأقلية الهندوسية ...أخوها سورنجان لا يحرك ساكنا ، و كذلك الأب يرفض مغادرة بنجلاداش إلى الهند كما فعل كثير من الهندوس البنغال ... تصيح فيهم نيلانجان : " يمكنكم أن تبقوا حتى تتعفنوا هنا ، ولكن سأذهب "

وحين يسألها أبوها " و ماذا ستفعلين باسمك ؟ نيلانجانا اسم مميت ."

تجيبه على الفور " لا إله إلا الله هو كل ما تحتاج إلى قوله لكي تصبح مسلما ...و سوف أغير اسمي إلى فيروز ، بيجوم .." ص21

تختبئ نيلانجان مؤقتا عند صديقها المسلم ..ومن خلال شخصيتي الأب سودهاموي و الابن سورنجان نقف على مدى التمييز العنصري الذي تتعرض له طائفة الهندوس في بنغلاداش ... فالأب كان قد رفض الهجرة إلى الهند بعد استقلال بنجلادش عن الهند و فضل البقاء في موطنه الأصلي حيث بنغلاداش للجميع باختلاف طوائفهم لكنه يدفع ثمن ذلك غاليا ...ففي عام 1971 يقتل أصدقاؤه أمام عينه لأنهم هندوس ، ويضطر هو و أفراد أسرته إلى التخفي و التنكر بأسماء إسلامية هو تحت اسم " عبد السلام " و زوجته كيرونموي تحت اسم " فاطمة "

وحين يكتشفون أنه هندوسي يقومون بتختينه بطريقة وحشية : " ... مددوه و ختنوا قضيبه ، شاهد سودهاموي الدماء ، وغرلته المقطوعة ، وسمع الضحك القاسي قبل أن يفقد الوعي ..."

أما الابن سورنجان فيدخل في حال من الإحباط النفسي الشديد بعدما وقف على الوضع المأساوي الذي أصبحت فيه طائفته الهندوسية وهو العلماني الذي كان يرى في الإنسانية متسع للجميع ، وكانت له صداقات مع أبناء وطنه المسلمين الذين يسارعون إلى حمايته من الانتقام الطائفي في كل مرة تشب فيه نار الطائفية ...لكنه هذه المرة يصر على عدم التخفي ... و يعبر عن تذمره من وضع الهندوس في بنغلاداش و قد تحركت فيه العصبية لطائفته المستضعفة في بلد غالبيته مسلمة ...و هو يتحدث إلى أمه في الموضوع يلمح قطته عند الباب فيأخذ في نوع من التداعي عن القطة أهي مسلمة أم هندوسية ؟ " ...لونها أسود و أبيض .كانت تنظر إليه بعذوبة كما لو أنها تشفق عليه ، ولكن إذا كان بإمكانها أن تشفق عليه فلابد أن تكون مسلمة ، مسلمة ليبرالية ، لأنهم عادة ماينظرون إلى الهندوس بإشفاق ؟ ص63

يكتشف و هو في ذروة الإحباط أنه كان واهما في أفكاره الوطنية و الإنسانية " ...كان من الحماقة بالنسبة إليه أن يحاولوا رؤية أنفسهم على قدم المساواة مع المسلمين الذين هم مواطنون من الدرجة الأولى في هذا البلد " ص68

يشتد الضغط النفسي على أفراد العائلة و هم يسمعون الشعارات العنصرية المليئة بالتهديد و الوعيد تهدر بها المظاهرات في الشوارع " أيها الهندوس إذا أردتم أن تحيوا ، ارحلوا عن هذا البلد " ص103

في اليوم السادس تأخذ حياة الأسرة الهندوسية منعطفا دراميا حين تكون الأخت نيلانجان – وكانت قد عادت إلى البيت بعد تعرض والدها لنوبة أصابته بالشلل – بينما كانت تقدم لوالدها المشلول الإسعافات تقتحم عليهم فجأة مجموعة من الشباب المتعصب البيت و يشرعون في تحطيم محتويات البيت ، ثم ينسحبون و هم يسحبون معهم الأخت نيلانجان و هي تستغيث بوالديها العاجزين ...تصور الكاتبة المشهد قاسيا في ص139 و ص140

تغرق حادثة الاختطاف الأسرة في الدموع الذي يعلق على دموع أمه " حين تكون هندوسيا ليس هناك وسيلة لتجنب الدموع " ص153

كما يعمق الحادث الشرخ النفسي عند أخيها سورنجان الذي يخاطب أحد أصدقائه " نعم ، قلت إني إنسان ، و آمنت بالإنسانية لكن هؤلاء المسلمين لم يتركوني إنسانا ، لقد جعلوني هندوسيا "

سورنجان – بعد تعرض أخته إلى الاختطاف – يتحول إلى طائفي إرهابي يقول لصاحبه : " ...أنا ايضا أريد سواطير و خناجر و مسدسات و قضبان حديدية ، ألم يذهبوا ليبولوا على حطام المعبد في دكا القديمة ؟ أنا أيضا أريد أن ..." ص155

ليعلن في أسف " أن تاريخ الإنسانية ملطخ بالحروب الدينية و الحروب المقدسة " ص157

بل يتحول إلى مجرم يتردى إلى حضيض السفالة و الدناءة حين يدفعه الانتقام إلى دعوة عاهرة مسلمة إلى بيته ثم يقوم باغتصابها بوحشية كأنه يثأر لأخته التي اختطفها مجموعة من الشباب المتطرف من المسلمين ..

حين يفقد كل أثر لأخته يتوسل لأبيه أن يوافق على الهجرة من بنغلادش إلى الهند ...الأب الذي قضى حياته متشبثا ببنجلاداش يجد نفسه في النهاية و قد خسر كل شيء مضطرا إلى الرحيل عن بنجلاداش :

-إلى أين سنرحل يا أبي ؟

-إلى الهند

كان صوته يتكسر ، والخجل يغمره ، ولكنه نطق بها ... الصفحة الأخيرة



كلمة لا بد منها :

و أنا أقرأ الرواية كنت متنبها جدا لأعثر على مبرر إهدار دم الكاتبة .

فوجدت ما يلي :

* الكاتبة تعلن موقفها واضحا بأنها علمانية ، وتدافع عن العلمانية بأنها صمام الأمان للبلد من التناحر الطائفي ، فببنغلادش يجب أن تكون علمانية ليتعيش فيها جميع البنجلادشيين بمختلف طوائفهم الدينية .و تعترض على التعديل الدستوري الذي نقل بنغلادش من دولة علمانية إلى دولة إسلامية .



* الكاتبة لا تهاجم الإسلام كدين ، ولكنها تهاجم ممارسات المعصبين من الهندوس على لسان سورنجان الذي يقول معترفا بالخطأ الذي ارتكبه الهندوس المتطرفون الذين هدموا المسجد العتيق " تدمير أثر يعود للقرن السادس يمثل ضربة وحشية لمشاعر المسلمين في الهند وخارجها " ص 11 كما تهاجم المتطرفين من الإسلاميين ويظهر ذلك في الأقوال الغاضبة لسورنجان بعد تعرض أخته للاختطاف من قبل جماعة متطرفة من الشباب الإسلامي في مثل هذه العبارات الحادة :

يقول وهو يتحدث عن بطالته لصاحبه " لقد حاولت ولكنك لا تستطيع الحصول على عمل في بلد مسلم ، بجانب ذلك من يرغب في العمل عند هؤلاء الجهلة " ص107

، يقول في صفحة أخرى " لا داعي للرعب .أنا أشتمهم حقا ، ولكن لك أنت فقط . هل تعتقد أن من الممكن أن تشتمهم في وجوههم ؟ ألن يفصلوا رأسي عن جسدي " ص108

" إنهم متشابهون جميعا يا بولوك و ليس أمامنا سوى الإنتحار أو الهجرة " ص111

لعل مثل هذه العبارات هي التي كانت وراء إهدار دم الكاتبة.

أيبرر هذا إهدار دم الكاتبة ؟