العبادي وتحديات المهمة المستحيلة


كاظم فنجان الحمامي

بات من المؤكد أن مهمة تشكيل الحكومة في الصين أو تشكيلها في أمريكا تُعد أسهل ملايين المرات من تشكيلها في العراق، فرؤساء الوزراء هناك لا يخضعون للتحديات الصعبة التي يواجهها الدكتور العبادي في مهمته المستحيلة. وربما يحظى معظمهم بالدعم الشعبي والحزبي والتشريعي والسياسي والدولي، بينما يقف العبادي وحده في قلب العاصفة، ولا يجد من يمد له يد العون حتى من بين صفوف التنظيمات التي ينتمي إليها. فقد وجد نفسه أمام تركة ثقيلة، ومشاكل هائلة، وأزمات معقدة، ومعارك مشتعلة، وميزانية معطلة، ومؤسسات خدمية ضعيفة، وعلاقات دولية متوترة، وكيانات سياسية لا علاقة لها بالمصالح الوطنية لهذا البلد الذي مال بجمعه في البحر فاجتمعت عليه الأبحر.
فالشعب يريد منه الإسراع بتشكيل حكومة وحدة وطنية، على أن يختار أفضل الوزراء من قائمة التكنوقراط في ضوء معايير المفاضلة الوطنية الصحيحة المؤطرة بالعفة والنزاهة والكفاءة والمعرفة والخبرة والموهبة، بينما تصر معظم الكيانات السياسية على ترجيح كفة المعيار الحزبي، وربما تطالبه بتوزير وزراء المراحل الفاسدة، من الذين انتحلوا خصال الورع والتقوى، ثم اشتركوا في اغتيال عذرية (الدين)، فسجلوا أعلى أرقام التقهقر والتراجع في مسيرتهم الوزارية السابقة.
زعماء إقليم كردستان يريدون الفوز بحصة الأسد من غلة الوزارات القيادية، ويخيرون (العبادي) بين بقائهم تحت خيمة العراق مقابل تحقيق مطالبهم التي لا تقبل المساومة، أو إعلانهم الانفصال عن العراق والاستفادة من تمددهم الجغرافي في الحقول النفطية على حساب المناطق الشمالية الخاضعة لسيطرة البيشمركة.
البرلمانيون يقولون: ربما يوزر نائب أو أكثر انطلاقاً من فكرة توثيق العلاقة بين الحكومة والبرلمان، وكسب المزيد من الدعم للسياسات الحكومية، وتخفيف التوتر بتذليل الخلافات التي قد تنشب بين السلطتين.
المهمشون من أبناء المحافظات المنسية يتطلعون لتحقيق الحد الأدنى من التوازن السكاني العادل عند توزيع الحقائب الوزارية بين المحافظات، ويأملون أن لا يكون اختيار الوزراء مقتصراً على أبناء المحافظات البلورية المدللة.
بعض رؤساء القبائل من المتواطئين مع الإرهاب يشترطون الحصول على المناصب العليا مقابل توقفهم عن دعم الخلايا الإرهابية، أو مقابل الكف عن العصيان والتمرد، ووصلت ببعضهم المراوغة إلى المطالبة ببعض المكاسب السياسية مقابل تهدئة الأزمة العراقية الحالية.
خلاصة القول: لن يكون من السهل على (العبادي)، ولا على غيره تشكيل حكومة الوحدة الوطنية، حتى لو انتدب مخترع الكهرباء (أديسون) لإدارة ملف وزارة الكهرباء، وحتى لو كَلَّفَ يوليوس قيصر بإدارة وزارة الدفاع العراقية، وحتى لو أناط وزارة الثقافة بالأستاذ (ساطع الحصري)، وحتى لو اختار أفضل وزراء ألمانيا لإدارة وزارة الصناعة، وأفضل وزراء بريطانيا لإدارة وزارة المالية.
بل حتى لو هبط علينا رجل سوبرماني الخصال. يحمل نزاهة غاندي، وحكمة لقمان، وعبقرية آينشتاين، وثورية جيفارا، وإخلاص هوشي منه، ووطنية جوزيف بروس تيتو، وصلابة الإسكندر ذي القرنين، وسماحة حاتم الطائي، ودهاء ونستون تشرشل، فأنهم سيقفون ضده، وبالتالي لن يحالفه الحظ في تحقيق التوافق السياسي المطلوب حتى لو استعان بأفضل خبراء الكون في حمل الحقائب الوزارية المعبأة بالمشاكل. فالفوضويون والطائفيون والعشائريون والانتهازيون والنفعيون والمتآمرون على العراق، ومن سار على نهجهم من العملاء والخونة، هم الذين يقفون بوجه الشعب العراقي. ولا فرق عندهم بين (العبادي) وبقية عباد الله.
والله يستر من الجايات