هذا ما نحاول الإجابة عليه معتمدين على أهم ما كتب في هذا الموضوع, أول ما نطالع في هذا المجال ذلك المقال المهم الموسوم بـ: الحداثة وقلب معنى الإنسان لكاتبه:الطيب بوعزة(10).
يحاول الكاتب أن يبني دلالة الإنسان في النسق الحضاري الغربي مع استحضار أصوله الفلسفية القديمة ومقارنته بالنسق الحضاري الإسلامي وفي سياق المقارنة بين النسقين الحضاريين الغربي والإسلامي يتناول الكاتب بالتحليل والمقارنة نموذجين سرديين هامين هما قصتا (روبنسون كروزو) لدانيال ديفوا و حي ابن يقظان (لابن الطفيل).
مستنتجا التمايز بين العقلين الغربي والشرقي، عقل يغوص في المادة ويغرق فيها فينسى ذاته وينسى سؤاله الكينونة، وعقل يتشوق إلى ما وراء وينزع نحو تأمله.
هذا ولأهمية هذا المقال سنحاول أن نتناوله بشيء من التفصيل:
كثيرة هي الدراسات التي تناولت موضوع النسق الحضاري الغربي سواء بقصد نقده واستهجانه أو بقصد تبجيله والإعلاء من شأنه لكننا نريد في هذا الكتاب أن نتناول النسق الحضاري الغربي في صيغة مقارنة للنسق الحضاري الإسلامي من خلال مقاربة مفاهيمية تروم تحديد طبيعة النظرة إلى الكائن الإنساني في كلا النسقين؛
الحداثة وقلب معنى الإنسان:
قام العقل الغربي الحداثي بقلب دلالي لمعنى ماهية الإنسان من الماهية العاقلة إلى الماهية المالكة، بالمدلول الاقتصادي المادي للتملك.
إذ تعد مقولة الإنسان كائن اقتصادي (Homo Economicus) مرتكزا نظريا أساسيا للنمط الثقافي الحداثي بدءا من لحظة استوائه في نمط الاجتماع الرأسمالي.
فهذه المقولة ليست مجرد محدد نظري لمفهوم الإنسان من حيث بعده الاقتصادي المادي، ولا هي مجرد مبدأ لتأسيس النظرية الاقتصادية الرأسمالية، بل إن تلك المقولة هي نقطة الانطلاق لبناء رؤية فلسفية عامة تتعلق بنوع النظرة إلى ماهية الكينونة الإنسانية ككل، وهي تعبير عن قلب دلالي جذري للمقولة القديمة المحددة للإنسان بوصفه كائنا عاقلا تتحدد ماهيته في التفكير (Homo Sapiens).
كما أنها في أبعادها الغائية تنتهي إلى توكيد نمط الرؤية المادية للإنسان، رؤية أصبحت في النسق الثقافي الحداثي ومنظومته المجتمعية تعبيرا عن أسلوب في العيش وأسلوب في التفكير على حد السواء. بل يحفز أن نقول: إنها ما تجسدت كنمط عيش إلا لأنها نمط تفكير ابتداء.
كما أن هذه الرؤية تتحكم في المنظور الثقافي الغربي، رغم تعدد واختلاف توجهاته الفلسفية، حيث استحالت إلى أنموذج نظري شارط لعملية إدراك الوجود الإنساني وتحديدا احتياجاته، ولذلك فهي تتمظهر في مختلف نتاجات الوعي الأوربي فَنّاً كان هذا النتاج أو فلسفة أو معمارا بنائيا، هذا فضلا عن التمظهر في القيم الناظمة للسلوك الاقتصادي ويرى الكاتب أن لهذا المنظور الاقتصادي المادي في تحديد الإنسان جذورا في الخلفية الثقافية الغربية، وليس مرتبطا فقط بظهور نمط المجتمع الصناعي وما رافقه وطرأ له من رؤى فلسفية ليبرالية.
مستدلا على ذلك أنه رغم التناقض الظاهري بين المشروع الليبرالي الرأسمالي والمشروع الاشتراكي الماركسي، فإن أساسها مشترك ومتماثل، وهو هذا النمط المحدد للنظرة إلى الكائن الإنساني بوصفه "حيوانا اقتصاديا" !
وهذا ما جعله يعد أحد مكونات الشبكة الإدراكية المحددة لرؤية الوعي الغربي إلى ذاته وإلى الوجود من حوله، لأنه يراها شبكة ماثلة في مختلف نظمه وأنساقه الثقافية على اختلافها.
وحاول الكاتب في جانب من فكره ودراسته أن يذكر الكتاب القيم لعبد الوهاب المسيرى الموسوم: ب: (الفلسفة المادية وتفكيك الإنسان) لإيضاح التفكير المادي الغربي لكينونة الإنسان. متحدثا عن القراءة النقدية التي اتخذتها مدرسة فرانكفورت لـ "العقل الأدائي" الباحثة عن جذوره في الخلفية الأسطورية والفلسفة الهلينية موضحا أن هذه القراءة ما هي إلا توكيدا لما سبق، وإشارة إلى أمر أعمق مما وقفت عنده هذه المدرسة السوسيولوجية ذاتها. فنمط العقل الأدائي هو مظهر للرؤية إلى الكائن الإنساني بوصفه كائنا ماديا.
مستخلصا أنه و بناءا على هذه الرؤية....يتواصل....