وعْيُنا المنشود

بقلم: حسين أحمد سليم

قيمة كلّ منّا كمخلوقات بشريّة عاقلة مُتفكّرة, تكمن في مستوى تطوّر وعيه الباطني و عرفانه الذّاتيّ أوّلا و آخرا و ما بينهما... و التّخطيط السّليم لرسم معالم و مشهديّات مستقبل الوعي و العرفان في كينونتنا البشريّة الإنسانيّة, وجب رسم معالمها الإنسانيّة بكثير من الإنتباه و الدّقّة و الدّراية و الجودة في الوضوح و الجلاء و الصّفاء و النّقاء و الشّفافيّة, تتكامل و تتوافق و تتفاعل و ضوء إدراكنا أبعاد و معاني قوانين و أنظمة المشيئة الإلهيّة العادلة الحكيمة, الّتي شاءت الصّلاح للبشريّة في عظمة خلقها و إيجادها في بدائع صنعها و تكوينها, الّتي تتجلّى بعظمة بدائع صنع الله و وحدانيّته المطلقة فيما شاء و خلق و أبدع في الأكوان و الأفلاك المنظورة و المرئيّة و البعيدة و المغمورة و المجهولة...
مصلحة كلّ منّا التّكامل بوعي التّطوّر الباطني في ذاتيّة كينونته, كي يترقّى و يسمو للعلا عظمة في أخلاقه و رفعة في مناقبه و قداسة في تفكّره و طهارة في قوله و نظافة في عمله... و من يُعارض مصلحة نفسه عن جهل أو لغاية أخرى, يكون قد نأى بنفسه بعيدًا عن الحقيقة المجلوّة, و تنحّى بها خارج إطار الوعي الباطني و العرفان الذّاتي, و رمى بها خارج أطر مسارات التّطوّر الإنساني المنشود من أجل خدمة البشريّة جمعاء, لتكون الأرض الّتي نعيش عليها ميراث السّلف الصّالح بصلاحنا...
كلّ منّا يختار مساره الّذي يشاء في معتركات الحياة و تشعّباتها في ضرورات العيش و الإستمرار, و يكون إختيار كلّ منّا بملء إرادته و كامل حرّيّته و على مسؤوليّته الخاصّة, سواء كان إختياره ولوج النّور العرفاني و الإستنارة في الوعي, أو البقاء في ظلام اللاوعي الّذي إرتضاه لنفسه, وفي كلا الحالتين فسيلقى نتيجة إختياره... و الإنسان المُتميّز بالوعي و التّفكّر و النّضوج العقلي و الوجداني و القلبي و المنفتح على الغدِ و الّذي يُنشد التّطوّر نحو الأفضل في مستقبله, سيختار التّقيّد بما ينصّ عليه مخطّط الوعي و العرفان في حياته من أجل سعادته و سعادة الآخرين. لإدراكه من منطلق إطمئنانه بإيمانه أنّ المشيئة الإلهيّة العظمى, هي الّتي تفرض مشيئتها من خلال ما ترى فيه الصّلاح للكينونة و البشريّة و الخلق جميعًا من خلال فرض قوانينها و أنظمتها عاجلاً أم آجلاً...
الإبحار الإستقرائي التّجريبي و الميداني و التّقييمي في عالم كلّ من الجنسين العاقلين الرّجل و المرأة, يعكس لنا على ضوء الواقع المعاش في حاضر الحياة البشريّة و الإنسانيّة, أنّ الرّجل ما زال متقدّمًا على المرأة و يتجاوزها في العديد من مناحي الحياة, فيما المرأة تبذل كلّ جهدها و تبرز كلّ طاقاتها في السّعي الدّؤوب لتتساوى بالرّجل من النّواحي كافّة... و في مجريات الإحتكاكات اليوميّة المباشرة بين كلا الجنسين في البيت الواحد و العمل الواحد و المجتمع, نتلمّس البعض من الرّجال يغترُّ عنفوانًا و إستكبارًا و مكرًا بتقدّمهم على النّساء, كما بالمقابل نرى بعض النّساءِ تتشاوفن و تتكايدن و تتنافخن بتحدّيهنّ لصنف بعض الرّجال...و هذا لعمري لا يؤدّي إلى المستوى المتقدّم من التّطوّر القائم على الوعي و العرفان...
أخلاقيات و مناقب و سنن قوانين و أنظمة التّطوّر من منظور إنساني روحاني إلهي, ساوت بين كلا الجنسين في كلّ التّكاليف و أعطت لكلّ منهما الحقوق الكافية بتكوين شخصيّته بمعزل عن الآخر, وحرّضت كلّ منهما لبذل الجهد في طلب العلم و تطوير الذّات نحو الأفضل, و لم تُفرّق بينهما إلاّ بمستوى الوعي و العرفان و التّفريق بين العالم و الجاهل و المؤمن و الكافر...
و منظومة التّطوّر تقضي بشكل قاطع على تجاوز كلّ السّلبيات و إزالتها من النّفوس الأمّارة بالسّوآت, و العمل الجادّ على إكتساب فضيلة التّواضع تنظيرًا و تطبيقًا, فمن تواضع لله رفعه الله, و كذلك العمل الصّادق الطّاهر ببعد النّظر العرفاني على التّحلّي بعظمة الأخلاق, كي يسهل على كلّ من الجنسين إكتساب الخصائص الإيجابيّة الّتي تنقصه من الطّرف الآخر...
إذا تحقّقت الأنسنة في كينونة كلّ من الرّجل و المرأة, إنطلاقًا من الوعي الباطنيّ و العرفان الذّاتيّ لكلّ منهما, ستتوقّد كافّة الطّاقات و تتجدّد و تتنامى بإستدامة و تنطلق نحو حركة فعل التّطوّر, لتظهر في نتاجات جدّيّة مساعي كلّ من الرّجل و المرأة من أجل تطوّر الحياة, بالميّزات و القدرات و المواصفات و تضافر و تكامل كلّ الإتراضيات الخاصّة بمستقبل تطوّر الوعي و العرفان... لأنّ منظومة القوانين السّماويّة المنزّلة و ما يتوافق معها من قوانين و سنن إجتهاديّة وضعيّة, جميعها تصبّ في مسار واحد من الوعي و العرفان, و تعمل لصالح كلّ من الرّجل و المرأة, و يتمّ التّطبيق الفعلي و الإجراء العملي بالتّساوي في كينونة كليهما... و لا فرق بين الرّجل و المرأة و لا للمرأة على الرّجل إلاّ بمستوى الوعي و العرفان...
التّردّد في قبول ولوج مسارات الوعي و العرفان في مواجهة تحدّيات العيش, للإستمرار الكريم و المحترم في الحياة على هذه الأرض, يضعنا في مواجهة تجارب حياتيّة جديدة علينا, هذه التّجارب على مختلافها ستضعنا أمام منعطفات و مفترقات لا بدّ أمامها من الإختيار, فإمّا البقاء الجامد المتحجّر حيث كان سلفنا معتمين على , و متابعة حياتنا بكثير من المعوقات الّتي لا تساعدنا على تحقيق طموحاتنا,و إمّا إنتهاج أسلوب جديد لبناء المستقبل الواعد, إنطلاقًا من فعاليّتنا مع حضارة الوعي و العرفان للتّطوير الذّاتي... و مهما يكن الإختيار فكلّ المجالات و الخيارات مفتوحة و مشرّعة أمامنا لممارسة إختيارنا و بالتّالي تحقيق طموحاتنا و أهدافنا وفق إختياراتنا...
الفرص عديدة و كثيرة تلك الّتي تساعدنا على إكتساب الوعي و تعميقه بالباطن و إكتساب المعرفة و تثبيتها في الذّات, تطلّعًا للتّطوير في نهج مستقبلنا و كلّ ما يخدمنا إيجابيّا في معتركات الحياة الأرضيّة, بحيث ستتضاعف مجالات التّطوّر و التنمية و التّقدّم و الوعي و العرفان... و أمّا إذا غرقنا في المتفرّعات الجانبيّة عن المسارات الأساسيّة و الرّئيسيّة للوعي و العرفان و التّطوّر, فإنّنا سنضطّرّ إلى مواجهة النّتائج السّلبية النّاجمة عن إختيارنا, و النّتائج كذلك ستكون مضاعفة إنّما سلبًا...
تطوير العلوم التّوعويّة في بواطننا و تحديث المعرفة الشّاملة في ذواتنا تقودنا لتفعيل حركات التّطوّر في مساراتنا, فإذا وصلنا في وعينا و عرفاننا و تطوّرنا العلمي و الإجتماعي و الباطنيّ و ما يتعلّق بتفاصيل حياتنا على كوكبنا هذا, نكون قد إرتقينا و سمونا لمستوى فلسفة الفهم و التّفاهم و التّقارب و التفاعل و التّكامل في إستيعاب معنى الحياة و الهدف الأسمى منها و من وجودنا فيها, فوعينا معًا و عرفاننا معًا يُمهّد لنا معًا كلّ العقبات لممارسة أصول الحياة التّطبيقيّة الصّحيحة, و الإلتزام بالمنهج القويم السّليم الّذي يجب علينا أن نتبعه معًا و سويّا, واضعين نصب بصيرتنا الهدف الأسمى لمستقبلنا و أجيالنا الّتي ستأتي من بعدنا...