من وماذا يخطط لسوريا ما بعد الأسد
حقائق خطيرة تستحق الوقوف عندها
الدكتور عزت السيد أحمد
ماذا بحث الطرفان الأكبر في العالم؟ ماذا اقترحا؟ ماذا قررا؟
لا أحد يعلم. ولن يعلم أحد. هي أمور ستبقى طي الكتمان بَيْنَ القطبين. قد يكون عنوان الاجتماع تضليلاً، ما الذي يمنع ذۤلكَ؟
علىٰ أي حالٍ لا بُدَّ أنَّهُما بحثا فعلاً في مرحلة ما بعد الأسد، لأنَّ مرحلة ما بعد الأسد هي التي حكمت سلوكات مختلف دول العالم تجاه الثَّورة السُّوريَّة، وهي التي أدت إلىٰ كل ما هي فيه سوريا من مصائب ونكسات وخراب ودمار... كل ذۤلكَ من أجل أن لا تنتصر الثَّورة، ومن أجل أن يبقى الأسد. لم يستطيع ولم يتقبل أحد أن يدرك أن الأسد انتهى ولا يمكن لقوَّة في الأرض أن تبقيه لا هو لا نظامه. وقد كتبت في ذۤلكَ منذ بدايات الثَّورة، لأنَّهُ منذ بدايات الثَّورة بدا أنَّ الأسد يمشي في طريق الهلاك ووضع الشَّعْب السُّوري أمام الخيار الوحيد هو عدم قبول النِّظام مهما كلفه ذۤلكَ من ثمن... ومع ذۤلكَ الواضح وضوح الشَّمس كله أصرت الدول الإقليمية والأقطاب العالمية والمتعلقة بالنِّظام أن لا يفهموا هٰذه المعادلة.
الأمور اليوم باتت علىٰ وضوح لا يقبل الشك في أنَّ الأسد والنِّظام في حالة موتٍ سريريٍّ وانتهاء صلاحية، وما بقاؤه إلىٰ هٰذا الوقت إلا لعب في الوقت الضَّائع. ولذۤلك لم يعد من بُدٍّ من النظر في مرحلة ما بعد الأسد. هم يعنون مرحلة ما بعد الأسد تمريراً لفكرة أو مسألة بقاء النِّظام، والحل السِّياسي الضامن لبقاء النِّظام تحت شعار سفيهٍ فاقدٍ للشَّرعيَّة والمشروعيَّة والمصداقيَّة وهو المحافظة علىٰ مؤسَّسات الدَّولة... علىٰ أساس أنَّهُم حريصون علىٰ سوريا.
صحيحٌ أنَّ الاجتماع كان أمس إلا أنَّ الترتيب له وإدراك أهميَّته والتَّخطيط له كان منذ أشهر عندما تسرب بطريقة أو بأُخْرَىٰ أنَّ الأسد يوضب حقائب الرحيل، وأنَّهُ فقد القدرة علىٰ الصبر مع تداعي مؤسَّساته العسكريَّة والأمنيَّة كلها تقريباً.
منذ ذۤلكَ الحين حَدَثَ أن تقدَّم الجيش الحرُّ علىٰ مختلف الجبهات تقدُّماً مدهشاً. لم ندر في حقيقة الأمر أكان ذۤلكَ تمرداً من الجيش الحر وعدم التزام بأجهزة تحكم الداعمين أم أنَّ الداعمين أدركوا تلك الحقائق فوجدوا أنفسهم أمام التحدي الأصعب وهو إمام إطلاق العنان للجيش الحر. أغلب الظنِّ وفق تصوري أنَّ الداعمين الذين كانوا يلجمون الحر وجدوا أنفسهم أمام الخيار الأخير وهو إطلاق يد الجيش الحر لاحتلال فراغات النِّظام قبل أن تملأها الدَّولة الإسلاميَّة.
تقدم الجيش الحر في وجهٍ من أوجه الفهم ليس إلا خوفاً من تقدم الدولة الإسلامية لتملأ الفراغات مع هشاشة النِّظام وتراجعه الكبير، وهٰذا التَّقدُّم بدفع خارجي وإن كان توقاً وشغفاً من الجيش الحر للتَّقدُّم حَتَّىٰ مع عدم وجود هٰذا التحريض أو الدَّفع الخارجيِّ. وبهٰذا المعنى قال مدير الاستخبارات الأمريكية جون برينان في 14/3/2015م: «يجب علينا تزويد المعارضة المعتدلة بالسِّلاح كي لا تسمح لغيرها بالزَّحف إلىٰ دمشق».
هٰذا هو المخطط الأساسي الذي تعمل أمريكا خاصة علىٰ إدارته علىٰ طريق الوصول إلىٰ إدارة الملف السُّوري أو تفويض روسيا به ولا مشكلة عند أمريكا في ذۤلكَ طالما أنَّ النَّتيجة هي وضع اليد علىٰ سوريا. حَتَّىٰ إذا سقط النِّظام كانت أمريكا ممسكة بما أمكن من خيوط السياسة السُّوريَّة والقيادات التي ستستلم السلطة.
وهنا لا بُدَّ من التساؤل:
بعد هٰذه التضحيات كلها، والخراب، والدمار، والقتلى، والتَّشرد الذي طال ثمانين بالمئة من الشَّعْب السُّوري... هل بعد ذۤلكَ كلِّه ستقرر أمريكا وروسيا مستقبل سوريا والشَّعْب السُّوري كما يريدون؟
منذ فترة قصيرة وهناك تسريبات وهي بحكم المؤكدة تماماً تقول إن بعض الدول الإقليمية علىٰ رأسها دولة عربية خليجة كبيرة المساحة، والمجتمع الدولي وعلىٰ رأسه أمريكا وروسيا يبحثون عن خمس سياسيين وخمس عسكريين يسلمونهم زمام السلطة، ويبحثون عن رئيس توافق عليه دول العالم هٰذه، وموافقة السوريين غير مهمة فيما يبدو. وفي السياق تشكل حكومة ورقية اسمها حكومة تكنوقراط علىٰ أساس حياديَّة. وفي هٰذا السياق ستأتي مسودة دستور سوري متوافق عليها من السي آي إي والكي جي بي والشا باك والمو ساد والسو عاد والعاد سو وتفرض علىٰ هٰذا الطقم الكرتوني علىٰ أساس أنَّها اختيار الشعب السوري الحر.
الحقيقة الأكيدة هي المثل الشَّعْبي الشَّائع: «من لا يحضر ولادة عنزته تخلف له كلباً»، ويترافق معها الحكمة الشهيرة: «من ليس لديه مخطط سيكون جزءاً من مخططات الآخرين». هٰذا يعني علىٰ نحو مباشرٍ إذا لم يحضر السُّوريون في صناعة مستقبل ما بعدهم الأسد فإنَّ الآخرين هم من سيرسم مستقبل سوريا وفق مصالحهم وحدهم بكل تأكيد. فهل سيغيب السُّوريون عن صناعة مستقبلهم بعد الأسد؟
والحقيقة المرة الملازمة لذۤلك هي أنَّ القيادات التي تمسك الثَّورة، بعد تصفية أو تنحية أو تهميش الشرفاء، هي قيادات أنانيِّة تخطِّط في أحسن الظنون لمصالحها الشخصيَّة بأنانية مفرطة. ولذۤلك هي علىٰ استعداد لبيع الكرامة السُّوريَّة في المزادات ورُبَّما المزادات العلنية.
المفضلات