الانتحاريون الحشاشون

كاظم فنجان الحمامي

لولا الضالون المضللون ووعاظ السلاطين والمنساقون وراء أهواء زعماء الأنظمة العربية المنحرفة لما أينعت أشجار الفكر الانتحاري، ولما أشيعت ثقافة الموت في الأوساط المدمنة على تعاطي الرذيلة السياسية بصورتها المتغلغلة بين صفوف أرباب السوابق والمضطربين عقلياً من المصابين بالأمراض النفسية الحادة، الذين يشكلون اليوم أرضية خصبة لأي أفكار متطرفة.
تركيبة عجيبة جمعت زعماء الغدر والخيانة بفقهاء السوء وشذّاذ الأفاق والمخابرات الدولية المتخصصة ببرمجة الأدمغة وتشفيرها طائفياً، فتخرجت على أيديهم الأفواج الأولى من الانتحاريين الموعودين بتناول الطعام على موائد الأنبياء والرسل بقداستها وخشوعها. قالوا لهم: أن عتلة التفجير المثبتة في أحزمتهم الناسفة هي قناطر الانتقال الفوري من دار الدنيا إلى فردوس الآخر، زعموا أن إقدامهم على الانتحار ليس سوى زفّة عرس لأكثر من سبعين حسناء من حسناوات حور العين ينتظرن قدومهم على أحر من الجمر في جنات عالية قطوفها.
قد يظن البعض أن الجماعات السلفية المرتبطة بأهل السنة والجماعة هي أول من تبنى الفكر الانتحاري، وهي التي سلحت عناصرها ووجهتهم لقتل الشيعة وحدهم، والحقيقة أن الأحزمة الناسفة موجهة ضد المسلمين كافة من دون تمييز بين شيعي وسني، لكنها وللأسف الشديد استمدت قوتها التدميرية من فقهاء الأقطار الخليجية، وصارت من أدوات نشر الرعب في الشرق وفي القارة الهندية، وإن كانت حصة الشعب العراقي هي الأكبر والأخطر والأطول.
تعود جذور الفكر الانتحاري إلى فرقة (الحشاشين) التي أسسها (الحسن بن الصبّاح) في القرن الخامس الهجري. فالحشاشون: طائفة إسماعيلية نزارية مشرقية، انشقت عن الفاطميين لتدعو إلى إمامة نزار بن المستنصر بالله ومن جاء مِن نسله، واتخذت من قلعة الموت في فارس مركزاً لنشر دعوتها وترسيخ أركان دولتها. تميزت هذه الطائفة باحتراف الانتحار والاغتيال لأهداف سياسية ودينية متعصبة. حتى دخلت كلمة الحشاشين: Assassin بأشكال مختلفة في المعاجم الأوربية بمعنى القتل خلسة أو غدراً.
يؤمن الانتحاريون الحشاشون بتناسخ الأرواح، أما شعارهم فهو: (لا حقيقة في الكون وكل أمر مباح). فأسسوا أول أفواجهم الانتحارية من المساطيل، وكانوا يتدافعون لتنفيذ عمليات الاغتيال ثم يقدمون على الانتحار بخناجرهم الملتوية حرصاً على أسرارهم، وسعيا للفوز بالجنة التي وعدهم بها كبيرهم الذي علمهم التحشيش. أما اليوم فأقراص الهلوسة المعاصرة أسرع مفعولاً وأقوى تأثيراُ من حشيشة القرن الخامس، فهي تحلق بهم في فضاءات الضياع الديني.
يقتل الانتحاري نفسه بنفسه ويقتل معه جمع غفير من الناس على اختلاف ألوانهم وأديانهم، فيبعثه الله من جديد يوم تُبلى السرائر فما له من قوة ولا ناصر. فيأتي المقتول ظلماً حاملاً رأسه بشماله، تشخبُ أوداجهُ دماً، فيقول: يا رب هذا قتلني. فيقول له الربُّ: ما حملك على قتل عبدي ؟، فيقول القاتل: أمرني فلانٌ، فيقول الربُّ: تَعِساً، فينغمسُ في النار. فمن يزرع الريح يحصد العاصفة، ومن يؤجج نيران التطرف يكتوي بلهيبها، ومن يسن سنة سيئة عليه وزرها ووزر من يعمل بها إلى يوم القيامة.