لا تسبقوا الإمام ولا تساووه


دائمًا يقول الإمام قبيل كل صلاة هذه العبارة:
"لا تسبقوا الإمام ولا تساووه" للتذكير، وذلك كما أمرنا النبي - صلى الله عليه وسلم - في الصحيحين: ((إنما جُعِل الإمام ليؤتَمَّ به، فلا تختلفوا عليه، فإذا كبَّر فكبروا، وإذا ركع فاركعوا....)) الحديث، والفاء هنا للتعقيب، ففيه مخالفة للاقتداء به، والكراهة قول الجمهور خلافًا للأحناف القائلين بأن المساواة مستحبة، واعتبروا الفاء للحال؛ أي: فاركعوا حال ركوعه. انظر حاشية ابن عابدين (1/471).

بالطبع التذكير مطلوب؛ حتى لا ينسى أحد هذا الأمر المهم؛ لأنه من صحيح الصلاة، فبالنسبة للمصلين المداومين على الصلاة جماعة خلف الإمام بالمسجد، هذا الأمر بدَهي، ولكن بالنسبة للأطفال الصغار الذين في مرحلة التعود على الصلاة والتدريب على صلاة الجماعة فهذا التذكير ضروري، وحتى للكبار في السن الذين بدؤوا الالتزام في الصلاة متأخرًا (الملتزمين الجدد)، وفي العموم التذكير أمر إلهي حيث حثّنا المولى - عز وجل - عليه: ﴿ وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنفَعُ المُؤْمِنِينَ ﴾ [الذاريات: 55].

ولكن الإشكالية التي سنناقشها من خلال السطور، هي أن من يسمّون أنفسهم (يطلق عليهم) يسميهم الناس بأهل المسجد، وهم الموجودون بشكل دائمٍ بالمسجد بالصلوات الخمس، والموجودون دائمًا قبل الأذان بمدة، وهم في الغالب أصحاب المعاشات، لدرجة أن الصف الأول دائمًا محجوز، لا بأس من حضر مبكرًا فله الحق في الصلاة بالصف الأول، صحيح يحدث من بعضهم بعض المشاحنات والاحتكاكات إذا فكّر أحدٌ في مزاحمتهم في الصف الأول.

من المفترض أن كل من في المقدمة على مستوى المسؤولية، فما بالنا بمن يقف في الصفوف الأولى خلف الإمام للقاء الله - عز وجل - البعض منهم وأقول: البعض، وأؤكد على ذلك، يأخذ من مسألة الصلاة خلف الإمام كأنه سباق، إما أن يساويه أو يسبقه، فلا أدري ما تفسير ذلك، هل لأنهم متعبون بسبب كبر السن ويريدون إنهاء الوقوف أو الركوع أو السجود أو الجلوس بين الركعتين بأسرع ما يمكن بسبب ضعف أو خشونة العظام؟ فإذا كان الأمر كذلك، فلا داعي للصلاة واقفين، بل الصلاة جالسين على الكراسي، بدلاً من ارتكاب خطأ يبطل صلاتهم؛ وهناك من يتخذ أو يعتقد أن مسألة مساواة الإمام في الصلاة نوع من أنواع الخشوع بالصلاة أو إظهار التركيز الشديد في الصلاة؛ مما يجعل صلاتهم ليست خالصة لله تعالى بل مراءاة للناس، ولا حول ولا قوة إلا بالله!

وماذا ينتج عن عدم التزام المصلين في الصفوف الأولى باتباع الإمام؟
هناك من هم ضعاف السمع الذين لا يسمعون صوت الإمام عبر مكبّرات الصوت، وبحكم أن المصلي لا ينظر بعينه إلا أمامه وفي محل السجود، فمن ثم هو يعتمد على حاسة البصر باتباع المصلي الذي أمامه المخالف لقاعدة عدم المساواة أو استباق الإمام، فيكون قد تسبب في انتقال الخطأ لغيره؛ هذا لضعاف السمع، فما بالنا بذوي الاحتياجات الخاصة من الصم والبكم، الذين لا يسمعون ولا ينطقون تمامًا، ومن ثم ليس أمامه عند الصلاة جماعةً إلا حاسة البصر لتتبُّع الإمام والقيام بأركان الصلاة على الوجه الأكمل.

بقلم
محمود سلامة الهايشة

كاتب وباحث مصري
elhaisha@gmail.com