شوقي وحافظ


شعر
عبدالمجيد فرغلي

بريم على القاع استهلت مدامعي .. ومن موقف الخلق استهامت مسامعي

فأولهما كانت لشوقي فريدة .. وأخراها عن حافظ من روائع

روت بذكرى الشاعرين كليهما .. فأجرت دموعي من حبيس ودامع

ففي بيت روضة من بلاغة .. تموج بأطيار الغناء النواجع

فكل لها في مهجتي رجع خاطر .. وموقع تأثير بلون وطابع

و ( من أي عهد في القرى ) قد تفجرت .. ينابيع فكر من دفوق وهامع

ومن ( همت الفلك ) استعدت مراجعا .. بما سجلت من كبريات الوقائع

تمثلت شوقي بأمجاد أمة .. يؤرخ من أحداثها كا ناصع

بريشة فنان ودقة عالم .. يصورها في منطق متتابع

ويبدي ( لوادي النيل ) اّيات خلده .. بأروع ما ضمت ثنايا مراجع

وفي ( غاب بولون ) رأى جنة الهوى .. وأطيارها من كل ساج وساجع

ولم ينس عهدا تحت أدوحة انقضى .. فأحيت (سلو قلبي )أليم مواجع

وفي (نائح الطلح ) استبد بي الاّسى .. على من بمنفاه رأى كل فاجع

وفي البال ما يوحي بروعة منظر .. تهادت صباه كزهر لوامع

صبايا يغار البان من خطراتها .. كأسراب غزلان روان جوازع

وفي ساحة الحمراء أندلسية .. تشير دفين الحزن بين الأضالع

رثى المجد فيها غاربا منحسرا .. على ذاهب من ذكريات ضوائع

وفي نكبة منها دمشق تفجعت .. دعا العرب ألا يركنوا المخادع

كأّس يواسي كل من حزه أسى .. بأمته من كل باك وجازع

وفي ملت للكتب التمست سنى الهدى .. أحب لنفسي من جي مضاجع

رواياته ( مجنون ليلى ) وغيرها .. أجاد بها استجلاء اخفى النوازع

وفي ( كيلوباترا ) قد تبدا مصورا .. يحرك للأحداث بين أصابع

فأوحت (لاكتافيو ) بتدمير خصمه .. وإغراء (أنطونيو ) كخصم مصارع

دبرت ( كليوباترا ) قصد كل وأدركت .. وكل له في مصر أحلام طامع

كذا كان شوقي في روائع شعره .. وتصوير شخصياته في روائع

يطل على اّّفاقها بخياله .. وفكر عميق عبقري وبارع

لذا شوقي للإمارة كفئها .. وبايعه في الشرق خير مبايع

يقد فيها (شاعر النيل )بيعة .. يقود القوافي بين زحف مشايع

يذكرني إذ جاء يسعى مبايعا .. أبا بكر والفاروق غير منازع

(قلادة نيل ) من يدي حافظ بها .. يقلد شوقي من صفي متابع

إلى صانع الاّيات بالفكر والنهى .. له النيل قد وفى بصدق ووازع

فحافظ إبراهيم شاعر نيله .. له العز منها من شرود وذائع

له ( غادة اليابان ) درة عصره .. بها ( لا تلم كفي ) نبا فيه قاطعي

وسل ( قاهر الفرس ) التي طار ذكرها .. كملحمة تروي أجل وقائع

جوامع اّيات غدت كلماتها .. لاّلئ فكرنا ضيات البراقع

وفي عاد يسعى ( عبقري زمانه ) .. عقود جمان طوقت جيد راجع

وفي قوله ( يا قبر اّمال أمة ) .. مشاعر صدق لامست قلب وادع

يودع روح الشعب والقلب مصطفى .. ( ودع فراق العمر ) في ثوب خاشع

وفي قوله للشمس قد لاح حاجب .. خيال يناجي فيه كون بدائع

وزلزال ( مسينا ) حكى صدق حسه .. بالاّم لإنسانية في فواجع

لقد كان شوقي صنو حافظ في الأسى .. شعورهما فيه عميق المنابع

فكل به قد كان مراّة عصره .. ورائد زحف باسل غير خانع

باّمال شعب خاض أعصب فترة .. يمر بها شعب على مر واقع

يصارع أحداث الزمان بساحة .. تضم من الأبطال أوفى طلائع

فما كان يوما شاعرانا بمعزل .. عن الشعب في شتى ضروب المواقع

ولكنما كانا وقود كفاحه .. ونبراس نور ساطع الضوء لامع

أحاط بمنهاج الكفاح لأمة .. وكان زعيمي نهضة من مهاجع

أنارا طريق النور نحو بلوغها .. ذرى المجد من ساع له ومسارع

وزادا عن الإسلام والوطن العدا .. وعن وجهه ردا شرور مطامع

فكم حذراه أن يلين لغاصب .. وما للأفاعي من سموم نواقع

وعن لغة الأجداد قد ألقيا الأسى .. بما أخرساه ممن نقيع الضفادع

بها نقبا عن كل معنى مدثر .. ولفظ كريم الوجه حلو المقاطع

وصاغا عقودا من جواهر بحرها .. ثغر عذارى مشرقات المطالع

أعادا لها عهد الرشيد نضارة .. على صحف غر الحروف سواطع

قصائد على سمع الزمان رنينها .. تظل على الأحقاب منية سامع

يرددها في لحنه كل مطرب .. تغنى بها بين المروج اليوانع

ألسنا إذا شدنا بشوقي وحافظ .. فذكراهما نور لتابع تابع

على نهج كل منهما سار شاعر .. يصوغ عيون الشعر ثر المشارع

فمن ذا لشوقي تسامى وحافظ .. ودونهما يدنو مدى كل شاسع

ومن ذا لهذين الشاعرين خليفة .. سيغدو - وهل من ثالث ثم رابع ؟

هما النيران الساطعان لعصرنا .. خلال نجوم زاهران المطالع

فإحياء ذكرى الشاعرين إعادة .. لمجد تليد خالد الذكر ساطع

له أمة الفصحى يظل تراثها .. مثابة أجيال كرام النوازع

وذكرى لماض منه يعتز حاضر .. ومستقبل اّت جليل المنافع

به تشرق الأمال عن ثمراتها .. على كل غصن من سنا المجد لامع

حفظتا تراث الأولين مجددا .. بإحياء ذكرى الخالدين اللوامع

بتكريم في كل ذكرى عزيزة .. نضيف إلى أمجادنا والنواصع

وها هي ذي منى عجالة واقف .. لعلي بها ترجمت اّية واقع

أدين بها للشاعرين حفاوة .. وإكرام مثوى من حفي موادع

فشكرا لها ذكرى أتاحت لقاءنا .. دعانا إليها صدق حب ودافع

على عامها الخمسين كانت منارة .. لجيل هواة الشعر كهل ويافع

قبسنا بها قصد السبيل لطارف .. به ندوات الفكر ذات تتابع

به غنيت حظا بيوت ثقافة .. بمجهود رواد بدا غير ضائع

يقد ما أنتجته قرائح .. تجود بفيض من بيان مطاوع

يساع فيه العلا متسابق .. بشتى مواضيع له ومواضع

نكرم فيها الخالدين بحقبة واجب .. تهم غلى ماض باّت مضارع


وتلك لها مني بقية واجب .. أأديه من قلبي وروحي ومدامعي !!

فلا تعجبوا أني بدمعي نظمتها .. ومن نبض ثاو وحل بين أضالعي


والقصيدة في 16 من أكتوبر 1982


وألقيت بقصر ثقافة أبي تيج بمحافظة أسيوط

بمناسبة مرور خمسين عاما على وفاة الشاعرين

أحمد شوقي

و

حافظ إبراهيم

و عدد أبياتها 78

وهي ضمن الجزء الأول من الأعمال الكاملة

وستبقى يا وطني حيا