الياسمين يذبل ويموت تحت اقدام الثويرات العربية ..

مع قدوم شتاء كانون الاول / ديسمبر 2010 ، قفز إلى وسائل الإعلام وبترويج من امبراطوريات ومافيات الإعلام الغربي والصهيوني مصطلح داعب قلوب وأفكار العرب وشعرنا لوهلة بالزهو والسعادة لسماعه ورددناه بكثرة وطربنا لترديده في تلك الوسائل ومن أنفسنا نحن ، إنه مصطلح الربيع العربي ، فلطالما حلمنا بالربيع وتغنينا به ، ونحن في منطقة جغرافية من العالم لانكاد نحس بالربيع الحقيقي ، فربيعنا يأتي ويمضي سريعاً بعد شتاء قارص ويقتنصه صيف حار قبل أن يكتمل ، حلمنا بالربيع لعله يخرج الشعب العربي اينما وجد من حالة الاحباط والقهر والشعور بالاضطهاد والهزيمة إلى حالة من الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية ، فبعد احتلال العراق وتدميره ونهب مقدراته من قبل أمريكا وحلفائها ، ومع تفشي داء الطائفية الذي اصبح مستعصياً عن العلاج في بلاد الرافدين صرنا نبحث عن بصيص أمل يتحقق ، وعن حلم قد يصبح واقعاً ، فتعلقنا بما حصل في تونس وصفقنا لما حدث في مصر وحلمنا بحرية الشعب في ليبيا وحلمنا بيمننا السعيد وانتظرنا رائحة ياسمين دمشق .. نعم لقد حلمنا بكل ذلك معبرين عما يدور في خلدنا وفي عقلنا وطموحنا من عشق ولهفة للحرية والتقدم .
تابعنا بشغف ثورة الياسمين في تونس ، انتصرنا لها ، فرحنا بها وبما آلت إليه من سقوط نظام دكتاتوري فاسد ، وسررنا حين بدأت عدواها تنتشر في بقاع أخرى من أرض العروبة ، وزهونا بها حين حطت رحالها على أرض الكنانة ، فأيدنا بكل قوة ثورة اللوتس فنحن قوم خلقنا لنعشق الزهور التي حرمنا منها ، وكان شعارنا إن صلحت أحوال مصر صلحت أحوال العرب ، فرحنا حين سقط آخر الفراعنة بنظامه وجبروته ، وقال إعلام مصر ان ما حدث في مصر يمثل أكبر ثورة في التاريخ الحديث ، واستبشرنا بحركة الشعب في ليبيا للخلاص من دكتاتورية فريدة من نوعها ومن مزاجية مضطربة ولكن ما حدث كان بيد الفرنجة ولم يكن بايدي الشعب المتلهف للحرية ، وتحرك الشعب في اليمن فتدخلت قوى الإقليم وخلص الأمر إلى إزاحة دكتاتور آخر ، واستبشر ياسمين الشام خيراً مستعداً لنشر رائحته الزكية في كل انحاء سوريا وبدأ العنف والاقتتال وبكى ياسمين دمشق وتآمر الجميع عليه وبدأت ملامح الربيع الجليدي تظهر في كل مكان وانتشر الجليد من سوريا إلى شقيقاتها ....
ثورات أو ثويرات ، هبات أم تحركات ، انتفاضات عفوية انتقلت من مكان لآخر دون توجيه من أحد ودون وعي متعمق وبلا قيادة أو هوية ، ومن أين تأتي القيادة ومن أين يأتي الوعي وكل من انتفضوا تربوا في محيط قمعي دكتاتوري لا يعرف للرأي الآخر مكاناً، فالحيطان لها آذان والمعتقلات فسيحة واسعة وكأنها بنيت لتتسع لكل الشعب فغابت القيادة ،واضحت تلك الثويرات سهلة الركوب والانصياع والضياع فركبها من ركب وخطفها من خطف .
• ففي تونس خطف الثورة تيار الدين السياسي ، وسيطر على مفاتيح الحكم والدولة ، فتحرك الشعب ثانية واستطاع ان يخفف من نزوات هذا التيار بإقرار دستور توافقي، وانتهى الأمر إلى اسقاط ذاك التيار باصطفاف الكل ضده بمن فيهم رموز النظام السابق الذين عادوا لتولي الأمر بثوب جديد وبشكل آخر ولعلهم سيسحضرون النظام السابق بكل معالمه ما لم تحصل المعجزة بالشعب ومن خلال الشعب وذاك أمر ليس بهين ، فياسمين الثورة يذبل ويبحث عن قطرة ماء .
• ومن تونس إلى مصر فمن ، العسكر إلى الإسلام السياسي الذي خطف الثورة فتسلط وتجبر ، وقام الشعب ثانية فاسقطوه ، وعاد العسكر وعاد النظام السابق بحلته الجديدة وتمت تبرئة رموز وزعامة ذلك النظام فحكمت المحكمة أخيراً باسم الشعب ببراءة مبارك وحاشيته لتعلن عودة نظامه وتزيل الغطاء عن حكامه الجدد فاضحت " أعظم ثورة عرفها التاريخ الحديث " مجرد حركة عصيان وإضطرابات صنعت بايد غير مصرية وذبلت زهرة اللوتس بل جفت في صحراء قاحلة .
• وكان هناك دولة تسمى ليبيا ،وأضحت ميليشيات متحاربة وعصابات متقاتلة والكل يقول أنا ولغيري الجحيم ، والتقسيم أمر واقع ولن تعود اللحمة لليبيا إلا بمعجزة يعمل عليها حالياً بعض من رموز النظام السابق ، والاستعمار القديم يتربص لتجديد نفسه بشكل كامل على أرض المختار .
• أما اليمن فلم يعد سعيداً فقد تم تسليط سيف التقسيم عليه وبرزت تحالفات لا يفهمها حتى الراسخون في اليمن ، فالصراع الإقليمي هناك على أشده ومحاولات استحضار الطائفية تجري على قدم وساق بدعم من الخارج ، فلم يعد كافياً منطق التقسيم ، والنظام السابق يتربص ويعقد الصفقات مع من رفعوا راية الثورة والمعارضة ، وربما كان المخفي أعظم .
• وفي سوريا ، حكاية ، وأي حكاية شلال دم نقي ينزف ، وبغاة الأرض قد حضروا إلى أرضها ، ونظام متجبر لم يستوعب كل ماجرى ، فشخص الرئيس اضحى موضوعاً لا يقبل النقاش او المساومة ، فإما هو ، أو على الأرض الحريق ، ولا مجال لكلمة حق فالكل متمترس والكل مدجج بالسلاح ، والمستهدف ابن الشعب ولم يعد يكفهيهم قتلهم لأكثر من 200 ألف ضحية ولا تشريدهم للملايين فالصراع الاقليمي الدولي على أشده والضحية من سعى للحرية وياسمين دمشق يستجدي قطرة ماء فهل من مغيث.
• دواعش ظلاميون قتلة يتربصوا في كل بعقة من أرض سوريا والعراق واشباههم في سيناء وليبيا يبايعونهم من أجل قتل وإجهاض كل نبض يسعى للتقدم والحرية والانفتاح على العالم الواسع فلا مكان لحوار ولا مجال لرأي غير رأي مدع بالخلافة يريد التحكم برقاب الناس ومصائرهم .
عجالة أوردتها عن بلاد الجليد العربي ، بلاد دفع الشعب فيها الغالي والنفيس لتحقيق الحد الأدنى من التحرر ، إلا أن حجم المؤامرة كان أكبر وأخطر ، وقد يقول قائل ، العرب يرجعون كل ما يحصل لهم من مآسٍ وويلات لنظرية المؤامرة غير الموجودة أصلا إلا في العقل العربي ضيق الأفق والمتهالك الطموح والإرادة ، والذي يبحث دوماً عن معجزة تتحق لتخلصه مما هو فيه ، ربما كان في قول القائل ذاك عن العرب شيئاً من الصحة ولكن ليس في الحالة التي نحن بصددها ففي هذه الحالة الأمر يختلف ، والمؤامرة كبيرة ، وهي متعددة الأوجه والأساليب وكثرة المتآمرين ، ولعل في الخلاصة التالية ما يوضح الأمر :
• لقد تم استهداف عالمنا العربي منذ نهاية الحرب العالمية الاولى وانتهاء الحقبة العثمانية ، فكانت سايكس بيكو وكانت تجزئة العالم العربي وكان خلق الجامعة العربية لتجسيد القطرية ووأد أي محاولة للوحدة ، ثم جاء البلاء الأعظم بخلق " اسرائيل " المدعومة من كل امبراطوريات المال والنفوذ وعقليات الاستعمار القديم ، فبعد اغتصاب فلسطين وإنشاء ذلك الكيان السرطاني ، تزايدت الأخطار والفتن ، ونشبت الحروب والخلافات ، واقيمت الدويلات لضمان ضعفها وعدم امكانية توحدها وبقاء ارتباطها واعتمادها على الغير بشكل مستمر، وكانت تلك الدويلات باستمرار ضد اي حس أو شعور قومي ، فكانت النتيجة أن ضعف العرب وتاه الفلسطينيون بقياداتهم الهزيلة الضعيفة التي لا تتناسب وطموح شعب مضى على نضاله مائة عام ن فكان الاستسلام وتبني قبول الفتات ، فالكيان الصهيوني يهمه وبكل الطرق والوسائل المحافظة على ضعف العرب وعدم قيام أي قائمة لهم ، فنهوض الحس القومي وتحقيق الحرية والديمقراطية في العالم العربي سيؤدي حتماً لزوال ذلك الجسم الغريب .
• امبراطوريات الاستعمار القديم ورواد الاستعمار الجديد الذي يهمهم ابتزاز ثروات العرب ونهبها ، والسيطرة بمختلف الوسائل والطرق على هذه البقعة الجغرافية الهامة من العالم فإن لم يكن بالتبعية الاقتصادية ن فبالتدخل المباشر وخلق الاضطرابات والاقتتال .
• المنازعة والمنافسة الإقليمية ففي غياب دولة عربية قوية ، يبقى المجال خصباً لدول الإقليم للعب ادوار خبيثة في عالم عربي مجزء ومقسم ، فلا أحد ينكر أن لتركيا اطماعها وحنينها للامبراطورية العثمانية كما لايران شوق لرفع راية إمبراطورية فارس وبكافة الصور .. والعرب نائمون .
• العسكر وحكمهم البغيض لأقطار الدول العربية ، مع ما صاحب حكمهم من تجهيل متعمد وقمع لكل معارض ولا تستثني منهم أحداً ولعل من أحد أهم أسباب سقوط الأنظمة العسكرية والتنكر لها بعد موت الحاكم ، أنها لم تعتمد على الديمقراطية والحرية في ترسيخ وبناء الحكم ، بل اعتمدت تلك الأنظمة سياسة الحزب الواحد المتحكم بمصير الشعب وهي تجربة استحضرت من الاتحاد السوفييتي السابق وانعكست على كل دول الانقلابات العربية من ليبيا وسوريا واليمن والعراق ومصر ...... بل وتعدى تأثيرها تلك الدول لتصبح ظاهرة عامة في كافة الدول العربية ، فعقلية الحاكم بأمره هي السائدة في عالمنا العربي ، والحاكم هو الآمر الناهي المطاع في كل شيء ، وهذا بحد ذاته قد أدى غلى عدم نضوج الحركات والأحزاب السياسية التي تستطيع تبني وتحقيق مطالب الشعب وقيادة ثوراته .
• لعنة النفط العربي واطماع الطامعين به ، وعدم توظيفه لخدمة قضايا الشعوب واستثمار عائداته في تنمية حقيقية على المستويين القطري والقومي .
• الجهل والتجهيل الذي ساد وتفشى في العديد من الدول العربية مما جعل القسم الأكبر من الشعب يقبل الاشاعة ويتبناها مرسخاً الجهوية والاقليمية .
• تجارة الدين وحركات الاسلام السياسي وما بثته من برامج فرقة وطائفية بغيضة فغير المسلم كافر ، وكل منهم يدعي انه من الطائفة التي ستدخل الجنة من بين الثلاث وسبعين طائفة التي انقسم المسلمون اليها ، فذاك يكفر الشيعة وهذا يكفر السنة ... وما إلى ذلك .
ولعلي وبعد هذه الخلاصة المتواضعة ، أقول بأن الخطر الأكبر على الشعب العربي والأمة العربية ، يتأتى من الكيان الصهيوني وداعميه من دول الاستعمار القديم والحديث وعلى رأسهم الولايات المتحدة الأمريكية التي تستهدف كل حركات التحرر في العالم وليس في العالم العربي فحسب ، وهنا اقول لهؤلاء ، وإن ذبلت أزهار ياسمين تونس وماتت أزهار ياسمين دمشق تحت أقدام ثويرات اخترعتموها وسوقتموها علينا في ربيع كاذب ، فإن بذور ياسميننا راسخ متعمق في تربتنا العربية ولا بد من أن يعود للإزهار من جديد .

ابراهيم ابوعتيله
عمان – الأردن
6 /12 /2014