البحرية الإسلامية في الخليج العربي

خالد إسماعيل الحمداني


نشأت الملاحة في الخليج العربي منذ أقدم العصور، وذلك بحكم أن هذه المنطقة كانت ممراً طبيعياً للتجارة العالمية بين الشرق الأقصى وحوض البحر الأبيض المتوسط.

أهمية الخليج العربي
فكان للخليج العربي موقعٌ جغرافيٌّ متميزٌ هو بمثابة حلقة اتصال مباشر بين الشرق الأقصى من جهة والشرق العربي وأوربا من جهة أخرى، وممرّ آمن لنقل التجارة البحرية بين هاتين المنطقتين [1]. وعلاوة على ذلك، فإن سكان الخليج العربي بصورة خاصة والعرب بصورة عامة كانوا يعرفون نظام هبوب الرياح الموسمية في الخليج العربي والمحيط الهندي والبحر الأحمر [2]، فساعدهم ذلك على إتقان ركوب البحر، وبالتالي نظموا رحلاتهم البحرية إلى الشرق الأقصى والهند وشرق إفريقيا. إن الأهمية الجغرافية والاستراتيجية للخليج العربي المذكورة آنفاً دفعت أهله إلى ركوب البحر وممارسة الملاحة فيه على نطاق واسع.

الموقع الجغرافي للخليج العربي
يمتد الخليج العربي باتجاه شمالي غربي، وينتهي عند السهول الفيضية لجنوب العراق، حيث تصب فيه ثلاثة أنهر هي الفرات ودجلة وكارون التي كانت تفرغ مياهها منفردة في العصور القديمة، بينما تشترك الآن في مصب واحد هو شط العرب الذي ينتهي بالخليج العربي [3]، وتنتشر على جانبي الخليج مجموعة من الجزر تقترب معظمها من الساحل.

سكان الخليج وممارسة الملاحة البحرية
وساعدت عدة عوامل الإنسان العربي على ركوب البحر وممارسة الملاحة البحرية في الخليج العربي منذ عهود مبكرة:

1- فقد أدّى الموقع الجغرافي المتميز للخليج العربي دوراً كبيراً في ممارسة الملاحة البحرية فيه، فهو حلقة وصل بين الشرق الأقصى والعالم العربي وبين الشرق وجزر البحر المتوسط ومدن جنوب أوربا، فضلاً عن اتصال الشرق الأقصى بواسطة الخليج العربي بشرق إفريقيا. فهو باختصار حلقة اتصال بين الشرق والغرب.
2- وهيَّأت ضحالة مياه الخليج العربي، خاصة قرب السواحل العربي مع كثرة التعرجات والخلجان فيها، ظروفاً طبيعية جيدة للملاحة القديمة.
3- ساعد توافر ضرورات الحياة -وأبرزها المياه العذبة- في بعض مراكز على الخليج العربي على استقرار الإنسان فيها ، ومن ثم دفعه إلى ممارسة الملاحة في الخليج العربي.
4- عرقل الصراع السياسي العسكري البيزنطي الساساني طرق التجارة البرية بين الشرق والغرب، وهدد أمن مراكز الملاحة في البحر المتوسط والبحر الأحمر والبحر العربي، لذلك تحولت طرق التجارة البحرية إلى الخليج العربي والمحيط الهندي، وكان للساسانيين دور في توجيه هذا الطريق في سبيل المحافظة على قوتهم الاقتصادية خلال فترة صراعهم مع بيزنطة [4].
5- إن وجود حضارة وادي الرافدين العريقة وغيرها من الحضارات العربية على مقربة من الخليج العربي ووجود اتصال نهري بين العراق والخليج العربي متمثل في نهري دجلة والفرات، وجه أنظار سكان وادي الرافدين إلى الاهتمام بالملاحة البحرية في الخليج العربي لتأمين حاجاتهم المختلفة من الشرق.

الملاحة البحرية في الخليج العربي قبل الإسلام
لقد مارس سكان الخليج العربي والمنطقة العربية الملاحة البحرية عبر الخليج العربي منذ عصور سحيقة، وتشير الآثار التي تركتها الحضارات المتعاقبة في المنطقة العربية إلى أن الملاحة البحرية نشأت في سيف البحر، أي في منطقة الخليج العربي [5].

فمنذ الألف الثالثة قبل الميلاد، كان هناك نشاطٌ بحريٌّ ملموسٌ في الخليج العربي، فسلالة لجش (في حدود عام 2450 ق. م)، وسرجون الأكدي والسومريون والبابليون كان لهم نشاط بحري في الخليج العربي، وظل الخليج العربي يشهد نشاطاً بحرياً بتعاقب الحقب التاريخية.

ووصلت إشارات توضح اهتمام الإسكندر (ت 323 ق. م) بالخليج العربي، حيث أراد تأمين مواصلات إمبراطوريته الواسعة. وكان الخليج العربي الطريق البحري الوحيد الذي يربط بين بابل والهند.

ويشير المؤرخون إلى نشاط سكان الجهراء التي كانت من المراكز التجارية في جزيرة العرب ونشاط سكانها الملحوظ في ملاحة الخليج العربي لتأمين تجارتهم، وأشار المؤرخ اليوناني "أمبانوس"، الذي عاش في أواخر القرن الرابع الميلادي إلى أن الخليج العربي كان يعج بالملاحة والسفن البحرية [6].

الملاحة البحرية في الخليج العربي في العصور الإسلامية
لقد أحدث ظهور الإسلام في الجزيرة العربية تطوراً ملحوظاً في توجه العرب الملاحي في الخليج العربي.

اهتمام الرسول والخلفاء الراشدين بالخليج العربي
فمنذ عهد مبكر، اهتم الرسول صلى الله عليه وسلم بمنطقة الخليج العربي، فأرسل الدعاة إلى بعض مناطق الخليج العربي في محاولة لنشر الإسلام وتوحيد الأرض العربية تحت لوائه [7].

ولاشك في أن اهتمامات الرسول صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدين من بعده بمنطقة الخليج العربي تعكس معرفة المسلمين باستراتيجية الخليج العربي وأهميته الجغرافية، وما أن استقر الإسلام في مناطق الخليج العربي حتى بدأ العرب المسلمون يمارسون نشاطاً بحرياً في الخليج العربي.

ففي سنة 14 هـ/ 653م أرسل العلاء بن الحضرمي والي البحرين حملة بحرية عبر الخليج العربي حققت نجاحاً واضحاً، وفي سنة 23هـ/ 643م أرسل عثمان بن أبي العاص، والي البحرين وعمان، حملة بحرية أخرى إلى الخليج العربي [8].

وبتقدم الوقت، زاد النشاط الملاحي العربي الإسلامي، فمنذ خلافة عثمان بن عفان رضي الله عنه (23هـ/ 643م / 35هـ/ 655م)، أخذت طلائع سفن العرب المسلمين تظهر في الهند.

اهتمام الدولة الأموية بالخليج العربي
ثم تتابع النشاط الملاحي العربي الإسلامي الحربي والتجاري في عهد الدولة الأموية، فقد خرجت سفن عربية من عمان والبحرين وتقدمت نحو مصب نهر مران، وخضع ملك كابل وأدى الجزية للمسلمين سنة (44هـ/ 664م)، وفتح العرب المسلمون السند في خلافة الوليد بن عبد الملك 86هـ [9]، وظهرت وازدهرت في القرن الأول الهجري/ السابع الميلادي عدة مراكز بحرية في مناطق الخليج العربي مثل البحرين ودارين وعمان وصحار والأبلة وغيرها.

اهتمام الدولة العباسية بالخليج العربي
وبظهور الخلافة العباسية في بغداد (123هـ/ 749م - 656هـ/ 1258م) وتوسع النشاط الملاحي العربي الإسلامي في الخليج العربي والمحيط الهندي، أصبحت السفن الإسلامية بأنواعها المختلفة وأعدادها الكبيرة تصول وتجول في البحار والمحيطات.

وقد ساهمت عدة عوامل في ازدهار الملاحة البحرية في الخليج العربي والمحيط الهندي في العصر العباسي، فضلاً عن العوامل الأخرى المذكورة آنفاً، وأهم هذه العوامل:
1- بناء بغداد سنة 148هـ/ 756م واتخاذها عاصمة للخلافة العربية الإسلامية من قبل الخليفة العباسي أبي جعفر المنصور، فارتبطت العاصمة مائياً بواسطة نهري دجلة والفرات بمراكز الملاحة البحرية في الخليج العربي كالإبلة وصحار ودارين.
2- أدى فتح العرب المسلمين السند واستقرار العرب المسلمين فيها في القرن الثاني الهجري/ الثامن الميلادي إلى تنشيط التجارة العربية البحرية مع الشرق وبخاصة مع الهند، وكان الخليج العربي محطة انطلاق السفن العربية الإسلامية إلى الهند وعبر المحيط الهندي.
3- الازدهار الاقتصادي الذي شهدته الدولة العربية الإسلامية في العصر العباسي، خاصة العراق حيث ارتفعت الصناعة المحلية وكثرت الحاصلات الزراعية، وقد تطلب الأمر تصدير هذه السلع، فنشطت التجارة -خاصة البحرية- عبر الخليج العربي لسهولة نقل السلع والبضائع مائياً من المزارع والمصانع عبر نهري دجلة والفرات، ولا سيما القريبة منها إلى موانئ الخليج العربي ومنه إلى بلدان العالم.
4- كان لتطور الجغرافية والفلك وعمل الإسطرلابات واختراع جهاز البوصلة وتحسين عملها وترجمة كتاب "السند هند"، نتيجة هي تقدم الصيد البحري وانتشار الفنارات البحرية والنواظر كالمرقب بين الأبلة وعبادان، وقد ساعد ذلك كله على ازدهار النشاط البحري.
5- جهود العباسيين في تأمين الملاحة البحرية من الأخطار وحماية الموانئ من الغزو والقرصنة
وتحصين الموانئ بالماصر وتحصين المدن بالأسوار وسلسلة ضخمة من الحديد تعترض الميناء فتحده من جهة البحر، فقد روى ناصر خسرو: "أنه رأى في بعض الموانئ التي زارها سلاسل مربوطة بحائطين داخلين في البحر، فإذا أريد إدخال سفينة إلى الميناء، أرخيت السلسلة حتى تغوص في الماء فتمر السفينة فوقها ثم تسد حتى لا يستطيع عدو أن يقصدها بسوء"[10]

عن موقع قصة الإسلام

الهوامش
[1] صباح إبراهيم الشيخلي وآخرون: دراسات عن تأريخ الخليج العربي والجزيرة العربية، شعبة الدراسات والعلوم الاجتماعية، جامعة البصرة، 1985م، ص11.
[2] عادل محيي الدين الآلوسي: تجارة العراق البحرية مع أندونيسيا حتى أواخر القرن السابع الهجري/ أواخر القرن الثالث عشر الميلادي، دار الشؤون الثقافية والنشر، بغداد، 1984م، ص82.
[3] رضا جواد الهاشمي: النشاط التجاري القديم في الخليج العربي وآثاره الحضارية، مجلة المؤرخ العربي، عدد 12، بغداد، 1980م، ص67.
[4] صالح أحمد العلي: التنظيمات الاجتماعية والاقتصادية في البصرة في القرن الأول الهجري، مطبعة المعارف، بغداد، 1953م، ص22؛ والآلوسي: المرجع السابق، ص22.
[5] طه باقر: مقدمة في تأريخ الحضارات القديمة، وادي الرافدين، بغداد، 1955م، ج 1، ص439.
[6] الآلوسي: المرجع السابق، ص26. صالح أحمد العلي: المرجع السابق، ص232. الهاشمي: المرجع السابق، ص60.
[7] البلاذري: فتوح البلدان، مصر، مطبعة السعادة، 1959م، ص89.
[8] ياقوت الحموي: معجم البلدان، بيروت، دار صادر- دار بيروت، 1957م، ص349. البلاذري: فتوح البلدان، ص96، 430. ابن الأثير: الكامل في التاريخ، بيروت، 1965م، ج 3، ص41.
[9] البلاذري: فتوح البلدان، ص389، 426.
[10] ناصر خسرو: سفر نامه، ترجمة الدكتور يحيى الخشاب، القاهرة، 1945م، ص51.
وانظر: الآلوسي: المرجع السابق، ص23- 31. الحوراني: العرب والملاحة، ص195، 277.