الغرسة الطيبة بقلم : ماجد دودين

ها هو الملاح الفضائي الروسي (( شونين )) يتحدث إلى مجلة ألمانية عن شعوره وهو في سفينة الفضاء لأول مرة فيقول كلمات تحتاج إلى تأمل:
(( رغم أني شيوعي ملحد إلا أنني صليت للرب حتى أعود من الرحلة بسلام )).
إن الإنسان متدين بطبعه .. وكلمات الملاح الروسي تبرز فطرة التدين تلك الغرسة الطيبة التي غرسها الحليم الحكيم العليم في نفس الإنسان الذي لا يملك الاستقرار في هذا الكون إذا عاش كالريشة في مهب الريح أو كالورقة الصفراء في غصن أخضر ... ولهذا فالدين أهم من الأكسجين لأنه الفطرة المركوزة في الخلايا المزروعة في الشعور.. الممزوجة المخلوطة بالدم والأعصاب...

أما في هذا الزمن فنرى الإنسان في تيه كبير ... يعلم ظاهراً من الحياة الدنيا ويغفل عن الآخرة ... ولهذا يحتاج إلى التذكير الذي يأتي من القدير الخبير ليدري ويتبصر إلى أين المصير...
يسأل الملاح (( تيتوف )) ويقول وهو يطوف بسفينته حول الأرض ويرى مظاهر الكون الرائعة (( هذه الأرض – الكرة – المعلقة في الفضاء... من يحملها؟ وكل ما حولها فراغ فراغ فراغ !)).
فيجيبه القرآن ((إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَن تَزُولَا وَلَئِن زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِّن بَعْدِهِ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا (41) سورة فاطر .
ويصور الإمام جعفر الصادق فطرة التدين في الإنسان في حوار بينه وبين سائل سأله عن ((الله)) عز وجل؟ وكان السائل ممن يعملون في البحر ...
• فقال الإمام للسائل: ألم تركب البحر؟
• قال: نعم.
• قال: هل حدث مرة أن هاجت بكم الريح عاصفة؟
• قال: نعم.
• قال: وانقطع الأمل بالملاحين ووسائل النجاة؟
• قال: نعم.
• قال: فهل خطر ببالك وانقدح في نفسك أن هناك من يستطيع أن ينجيك إن شاء؟
• قال: نعم.
* قال الإمام جعفر: فذلك هو ((الله)).
((هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ حَتَّى إِذَا كُنتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِم بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُواْ بِهَا جَاءتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَاءهُمُ الْمَوْجُ مِن كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّواْ أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُاْ اللّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنجَيْتَنَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنِّ مِنَ الشَّاكِرِينَ (22)
فَلَمَّا أَنجَاهُمْ إِذَا هُمْ يَبْغُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَى أَنفُسِكُم مَّتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ إِلَينَا مَرْجِعُكُمْ فَنُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (23) )).سورة يونس .
((قُلْ مَن يُنَجِّيكُم مِّن ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ تَدْعُونَهُ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً لَّئِنْ أَنجَانَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ (63) قُلِ اللّهُ يُنَجِّيكُم مِّنْهَا وَمِن كُلِّ كَرْبٍ ثُمَّ أَنتُمْ تُشْرِكُونَ (64))). سورة الأنعام.
فكيف يجهل الإنسان خالقه سبحانه واجب الوجود... كيف يجهل نور السماوات والأرض.. الواحد الأحد الفرد الصمد.. الذي لا يشغله شاغل ولا يعجزه سائل.. من جلت قدرته وعظمت حكمته.. من لا تأخذه سنه ولا نوم.. من لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار..
من وسع سمعه الأصوات.. من بغير عمد رفع السماوات...
من يرى ويسمع دبيب النملة السوداء على الصخرة الصماء في الليلة الظلماء.. من يكور الليل على النهار والنهار على الليل..
من يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي.. الذي خلق فسوى وقدر فهدى.. الذي على العرش استوى.. الذي ليس كمثله شيء.. فكل ما خطر ببالك الله بخلاف ذلك ...
أيُجهل الله؟ كلا والله.
ولكن: ((وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (67))). سورة الزمر .
((يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ لَن يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِن يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لَّا يَسْتَنقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ (73)
مَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ (74))). سورة الحج .
إن من وجد الله وجد كل شيء.. ومن أطاع الله واتقاه ربح كل شيء ... وعاش سعادة الدارين .
ومن فقد الله فقد كل شيء..ومن عصى الله خسر كل شيء ...وعاش شقاء الدارين .