في علوم القران – نشأةعلم
التفسير في الإسلام
كان القران الكريم موضع الاهتمام الأول من المسلمين ، وكان فهم آياته وتدبر معانيها له الأولوية عندهم ، وكان اهتمام الصحابة بفهم النصوص كبيرا حتى أن عبد الله بن عمرو بن العاص حفظ سورة البقرة في سبع سنين أي انه كان يحفظ ويفهم ويطبق ما حفظه آية آية ، وكان رسول الله صلي الله عليه وسلم يتعجل حفظ القران الكريم حين الوحي لقوله تعالي ( ولا تعجل بالقران من قبل إن يقضي إليك وحيه ) طه 114. وقوله تعالي (لا تحرك به لسانك لتعجل به ) القيامة 16
أحس المسلمون الحاجة إلي التفسير ، فتفاوت البشر في فهم النص القرآني وذلك لاختلاف ملكات الناس في الفهم ، وإدراك المطلوب من النص ،وغير صحيح إن الجميع كان يفهم القران الكريم كله وكذلك معانيه ، وهو ما ذكره ابن خلدون في مقدمته أول كلامه عن التفسير – أن القران نزل بلغة العرب وعلي أساليب بلاغتهم فكانوا كلهم يفهمونه – ثم يحس بعد هذا التعميم بشيء من المجازفة التي لا يقرها تاريخ التفسير نفسه فيذكر بعد وهذه العبارة أن في القران نواحي في حاجة إلي البيان فقال : - وكان النبي صلي الله عليه وسلم يبين المجمل ويميز الناسخ من المنسوخ ويعرف أصحابه فعرفوه وعرفوا أسباب نزول الآيات ومقتضي الحال منها منقولا عنه – وتلك الأمور وغيرها التي أشار إليها ابن خلدون وغيرها مما ذكره ابن قتيبه قد أحوجت إلي تفسير القران منذ نزل
والملاحظ أيضا أن المتشابه ظاهرة مشتركة بين الكتب الدينية جميعا ولذلك كانت الحاجة ماسة إلي تفسيرها
وقد تزامن التفسير مع الاهتمام بالحديث الشريف وحفظه وتدوينه وذلك لان النبي صلي الله عليه وسلم كان يجيب عن أسئلة الصحابة حول بعض المعاني في الآيات التي كانت تشكل عليهم في الفهم .فكان التفسير الذي دوّن عن النبي صلي الله عليه وسلم يسمي التفسير بالمأثور أو التفسير بالأثر ولهذا فإننا نعتقد أن الآيات القرآنية المكية ليست صعبة الفهم وذلك لكونها تتعلق بالعقيدة والوحدانية وقدرة الله تعالي ، ولذلك لم يعرّف القران الكريم الألفاظ في الجزء المكي لان الخطاب لمن كان يعرف دلالات الألفاظ . ولكن في الجزء المدني والتي كانت تحتوي علي التشريع الإسلامي الجديد كان لابد من تعريف الألفاظ وطريقة التطبيق وذلك لقوله تعالي ( ولكل جعلنا شرعة ومنهاجا ) ولقد فسر ابن عباس شرعة بالحكم ، والمنهاج بطريقة التطبيق
وكان رسول الله صلي الله عليه وسلم ينتظر الوحي ليبين له المجمل من الأحكام
وهكذا فان الحاجة إلي التفسير اقتضتها معرفة تفسير الآيات ودلالة الألفاظ وأحكامها وكيفية تطبيقها وسجل ذلك من الصحابة فكان أول تسجيل للتفسير والحديث أيضا
ولما اتسعت الدولة الإسلامية اتسع انتشار القران شرقا وغربا واستقر كشريعة في البلدان المفتوحة ، وكان لابد بعد هذا أن تتطور عملية التفسير خصوصا وانه شارك في الحياة عناصر غير عربية وهم الموالي ، وكان التفسير يروي في هذه المرحلة علي انه جزء من الحديث ودليلنا علي ذلك وجود أبواب للتفسير في كتب الحديث الستة الصحاح مما روي عن النبي صلي الله عليه وسلم
ثم انفصل التفسير عن الحديث بعد هذا وأصبح جزءا من المعرفة الإسلامية الذي له خصائص مميزة عن بقية المعارف
ولم يكن للمفسرين إلا النقل وعلي رأسهم عبد الله بن عباس وهو صاحب أول مدرسة للتفسير وان أدرك الإسلام وهو حدث ، وهذا يجعل الرواة يجيزون رواية الصبي ، إذن لقد بدأ التفسير نقلي أي كان يعتمد علي الرواية
وتظهر في هذا اللون من التفسير طبيعة التفكير الإسلامي الأول من السهولة في فهم النص وعدم التعمق فيه فهو يقوم علي الرواية ، والخلاف فيه يسير وهذا طبيعي لان العقلية الإسلامية لم تكن قد مرنت علي أساليب البحث العلمي الدقيق . وقد لاحظ هذا ابن تيمية ( مجموع الرسائل والمسائل ) فقال إن الخلاف في التفسير الأثري يرجع إلي اختلاف تنوع لا اختلاف تضاد ، ويرد ذلك إلي ثلاثة وجوه
1 - ان يعبر كل منهم عن الاسم بعبارة غير صاحبه فالمسمي واحد وكل اسم يدل علي معني لا يدل عليه الآخر مع أن كليهما حق
2 - أن يذكر كل منهم في تفسير الاسم بعض أنواعه علي سبيل التمثيل للمخاطب لا علي سبيل الحصر
3 - ان يذكر احدهم لنزول الآية سببا أو أكثر ويذكر الآخر خلافه وهو فيما يري لا يعد خلافا
كيف تأثر التفسير بالإسرائيليات
وكان من اثر ذلك تأثر التفسير بما يسمي بالإسرائيليات وهي الإخبار التي كان سندها مسلمة أهل الكتاب وهم كعب الأحبار وعبد الله بن سلام ووهب بن منبه أو ما أطلق عليهم اسم طائفة الأبناء وهم أبناء اليهود الذين سكنوا بلاد اليمن ثم اسلموا .وقيل أن حديث ( أن ابغض الحلال عند الله الطلاق ) جاء عن طريق الإسرائيليات ورواياتها
والحديث المروي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه يبين مبلغ تأثر المسلمين بذلك بقوله صلي الله عليه وسلم ( اتتهوكن فيها يا ابن الخطاب والله لقد جئتكم بها بيضاء نقية ) حين مر رسول صلي الله عليه وهو يستمع إلي قاص يهودي
وقد عزي ابن خلدون السبب إلي أن القران جاء مجملا في حديثه علي نشأة الخلق فأرادوا أن يبينوا هذا الإجمال عن طريق الإسرائيليات .وقد كان في جزيرة العرب بيئات يهودية خالصة هي يثرب وتيماء وفدك وتبوك وخيبر ، وقد كان اليهود يحملون معهم تراث إسلافهم فهم يهود دينا وعادات وأخلاقا ، وكان العرب قبل الإسلام يتصلون بهم ويسمرون معهم ويتلقون عنهم بعض الأحداث التي كان لهم علم بها سابق ، فلما جاء الإسلام دخلت طائفة منهم الإسلام وهم من سبق ذكرهم وكان لهم أحاديث يحدثون الناس بها وفي كتاب حلية الأولياء لأبي نعيم الكثير من هذه المرويات ، وقد دخلت الإسرائيليات عن طريقين
1 - طريق القصاص والمذكرين
وكان القصاص يريدون شد مسامع الناس بما يلقونه عليهم من غرائب وأخبار وعجيب الآثار ،ثم صارت بعد ذلك بدعة في البلاد الإسلامية واشتهر علماء بهذه القصص مثل منصور بن عامر في بغداد وأبو موسي الاسواري وقد ظهرت القصص هذه إبان الفتنة ولولا الفتنة ما ظهرت فقد كانت تستغل لأسباب سياسية واجتماعية
وقد تصدي لهذه القصص كثير من العلماء مثل ابن الجوزي في كتابه ( تبليس إبليس )
2 - عن طريق التصوف والتشيع
ونجد ذلك واضحا جليا في كتاب أبي نعيم ( حلية الأولياء وطبقات الأصفياء ) فتراه يستشهد ما روي عن داود وسليمان
ولقد كتب عن أيوب ومرضه ونسج حوله كثيرا من القصص وذلك تفسيرا للآية الكريمة ( وأيوب إذ نادي ربه أني مسني الضر وأنت ارحم الراحمين )
وتكلموا في قصة سليمان ، ونسجوا الأقاصيص حول خلق ادم وحواء وما إلي ذلك من القصص التي ورد ذكرها مجملا في القران الكريم
أما عن طريق التشيع فقد كتب فان فلوتن كتابه ( الشيعة والإسرائيليات ) وقد كشف عن أنواع الإسرائيليات التي رواها الشيعة في كتبهم مثل تفسير الطبرسي في كتابه جامع البيان ) )
ولا عجب في أن عبد الله بن سبأ كان يهوديا وكان شيعيا وله فرقة الشيعة السبأية
وقد تصدي العلماء المسلمين لهذه المرويات وقاموا بنقدها ووضعها في ميزان النقد وكان من بين هؤلاء ابن كثير .
اول كتاب مدون ظهر في التفسير الاثري :
لم يدون التفسير في العصر الأول للإسلام لأسباب معروفة وكان ذلك خشية الخلط بينه وبين القران الكريم
ويذكر كاتب مقدمة تفسير الطوسي المسمي مجمع البيان في تفسير القران أن أول كتاب مدون ظهر في التفسير الأثري كان لسعيد بن جبير المتوفي عام 64 هجرية ، ولعل ذلك سهوا إذ أن ابن النديم أشار إلي من هو أقدم منه وهو ابن قدامه المتوفى عام 61 هجرية
ويذهب جرجي زيدان في كتابه ( تأريخ أدب العرب ) إلي أن مجاهدا كان أول من دون التفسير ثم يعقب علي ذلك بأنه كان راويا عن ابن عباس ، فتفسيره رواية لتفسير ابن عباس
والقطع في ذلك أمر غير سهل ولكن ما نخلص إليه أن التفسير قد بدأ في القرن الأول ممزوجا بالفقه ولذلك قالوا إن واضع التفسير مالك بن انس بمعني جامعه وليس مدونه
محمد خطاب سويدان