رأس أسطا
بلدة جبليّة جبيليّة لبنانيّة للخضر (ع) في رحابها مقام مزار على شاكلة مُصلّى

بقلم: حسين أحمد سليم

رأْس أُسْطا البلدة الجبليّة الجبيليّة اللبنانيّة, المسْتلقية بطمأنينة و إرتياح بين المُنحدَرات و الهضاب و الصّخور و أشجار السّنديان و الصّنوبر... مستلقية في أحضان طبيعة لها ميزتها، إسْتلقاء ذلك الرّاعي المُتْعَب ينفخ في شبّابته بين أغنامه الوادعة... بلدة رأس أسطا تلك القرية المُطِلَّة ببساطة بيوتها و منازلها، و قناعة و إيمان سكّانها و قاطنيها، تشرف على مدينة جُبيْل التّاريخيّة الأثريّة السّاحليّة، كما رفيقاتها من القرى و البلدات الجبليّة المنتشرة كالعرائس الخضراء على صدْر لبنان و أطْرافه، فمع إستحْواذها على مناخ صيفي شتائي معْتدل و إمتيازها بعذوبة مياهها و فتْنة أوديتها و صفاء سمائها و غضاضة أشجارها، بدَتْ كأنّها عروس العرائس على ذلك المرتفَع الخلاّب، و كأن حوريّة من حوريات البحر أمام تلك الشّواطى الجبيليّة السّاحرة، أو كمليكة من عالم آخر أو كجنّيّة حسْناء، أرْسلتْها للأرض ربَّةُ السُّحُبِ و الفصول، لتسْتَنْبت الأشْجار المثْمرة و الأشجار الحرجيّة و البرّيّة و المعمّرة و ترسل المواسِم الوافرة، و تتفرَّجَ بخُيلاء علَى مسارح البَحْر الّذي لا ينام، و تتبرّجَ بزينتها و عُطورها أمام أُفْقه السَّاجد بغيْر إنْقطاع أمام وجْه الأبديّة. لينعم الزّائر لها و يهنأ بين تلالِها الحالمة وكُرومها السَّخيَّة، و على مَرْأى من نَسائِمها العذْراء و عواصِفها الزَّاعِقة، يقضي السّائح أفضل الأوقات, بحيص على جَنباتِها النَّاضِرة يُقلّب نَظراتُه، لتُزهر أحاسيسه و مشاعره و عواطفُه، و هو يتهادى مُكحّلاً نظرات عينيه و هو يتجوّل بيْن أزقَّتها الضيِّقة، و دروبها المُتَعرِّجة، و بيوتها الحجريّة, و قاطنيها الحاتميين الكرماء...
لبلدة رأس أسطا الجبيليّة الجبليّة إتّجهت عقارب بوصلتنا صباح هذا اليوم الأحد مع بداية العام الجديد 2015 للميلاد حيث تو جهت و قرينتي الأديبة الكاتبة و الفنّانة الحاجّة وضحة سعيد شعيب لزيارة المنطقة و أداء بعض الصّلوات و الطّقوس الدّينيّة و الرّوحيّة في رحاب مقام الخضر عليه السّلام في تلّة من تلال بلدة رأس أسطا الغضّة بأشجار السّنديان...
رأس أسطا
بلدة رأس أسطا منطقة جبيليّة قريبة من مدينة جبيل الأثرية (بيبلوس) إلى الشّرق منها و ترتفع بمعدّل حوالي 900 متر عن سطح البحر.
مناخ رأس أسطا معتدل صيفاً و شتاءً.
يمكن الوصول إليها عبر سلوك إحدى الطريقين:
الأوّل: جبيل, أوتوستراد مار شربل, وصولاً إلى رأس أسطا.
و الثّاني عن طريق نهر إبراهيم, يحشوش, مشّان, طورزيّا, كفربعال و صولاً إلى رأس أسطا.
تقع بلدة رأس أسطا و ملحقاتها إداريّا ضمن محافظة جبل لبنان في قضاء جبيل على متوسط إرتفاع 900 م. عن سطح البحر.
تبعد راس أسطا 55 كلم (34.177 ميل) عن بيروت عاصمة لبنان. ترتفع 900م (2952.9 قدم - 984.24 يارد) عن سطح البحر و تمتد على مساحة 429 هكتاراً (4.29 كلم²- 1.65594 مي²).
تعتبر بلدة رأس أسطا في موقعها المميّز من المصايف الجميلة في قضاء جبيل.
تشتهر بلدة رأس أسطا بمشاريعها السّكنية و حركة العمران الملحوظة فيها و كثرة المطاعم و المقاهي و المنتزهات و الشاليهات التي تتوزّع على إمتدادات رقعة أراضيها.

الإسم و الآثار
إعتبر د. أنيس فريحة أنه، إذا كان الجزء الثاني من الإسم يبدأ بالهمزة، كما هو مبيّن في الكتابة، و كما يُلفظ محليًا، يكون أصل الإسم سريانيًا: ĨSTA أي الجدار.. أمّا إذا كان "قسطا" فيُستبدل الجدار بالعدل و المساواة QUASHTA أو بالقش أو القوس QISHTA. لكن التّفسير الأقرب إلى اعتماده منطقيًا هو راس الحيط.

كِلش: قرية مندثرة تتبع أراضيها اليوم لراس أسطا. أمّا إسمها فسرياني أصل لفظه: KILSHA و معناه الكلس.

زمّار: مزرعة صغيرة بين وادي مهرين و وادي الدّرجة. تبعد حوالي كيلومترين إلى الشمال من راس أسطا. أرضها بعلية.
في الإسم نجد جذر زمّر السّاميّ الذي يفيد عن التّزمير و الغناء. زمّار ZAMMÂRA تعني المزمّر و المغنّي. و يميل الإعتقاد إلى نسب هذه الدّسكرة إلى أسرة الزمّار التي سكنتها قديمًا متفرّعة إليها من العاقورة.

زَردِة: مزرعة صغيرة تقع بين جبل الغراب و جبل الحويص على بعد كيلومترين إلى الغرب من راس أسطا، بين وادي الدّرجة و وادي مهرين، جعل فريحة إسمها سريانيًا ZARDÉ أيّ الزّرد و الدّروع. إلاّ أنّ كثيرًا من الأمكنة في لبنان تُسمى بالزّردة متى كانت عميقة ضيّقة يصعب المرور فيها.

حمّار الزغير: قد حوّر أبناء المنطقة الإسم إلى حمار زغير. أمّا أصل المقطع الأوّل من الإسم (حمّار) فيُطلق على الأرض الحمراء. حمّار زغير أيّ الأرض الصّغيرة الحمراء.
في مختلف هذه المناطق بقايا أثريّة كالنّواويس و الأجران و القطع الخزفية ما يفيد عن أنّها قد عرفت نشاطًا ربما في مجال التّحطيب و التّعدين للشّعوب القديمة.
تشتهر بلدة رأس أسطا بزراعة البندورة و الخيار و الدّرّاق و المشمش و يوجد فيها القليل من أشجار الزّيتون و شجر الجوز، و يقوم أهالي القرية بتأمين الموأن من الخضار الموسميّة التي تُنتج بفصول متنوعة وذلك عن طريق حفظها في البيوت البلاستيكية في غير مواسمها الطّبيعيّة. أمّا المعالم الأثريّة التي تبرز في القرية فهي بقايا الكنائس و بيوت قديمة جداً بالإضافة إلى المطاعم التي باتت معلماً أثرياً لرواده.
عائلات بلدة أسطا من المسلمين الشّيعة من آل حيدر أحمد.
تتبارك أرض بلدة رأس أسطا بو جود كنيسة مار إلياس العجائبيّة و كنيسة مار جرجس للنّصارى الموارنة بالإضافة لمسجدين و في رحاب البلدة بين أشجار السّنديان يتربّع مقام الخضر عليه السّلام على ربوة و يتألّف من غرفة لا تزيد عن 30 متر مربّع ليس فيها معالم ضريح رمزي و رواق و حجارة البناء من الحجر الأبيض تعلو سطحه قبّة خضراء و تحيط بالبناء باحة و فسحات و حجر دائري كبير على شاكلة مذبح إلى الخلف و حجر دائري كبير على يسار الدّرج الرّئيسي لغرفة المقام.
نبذة تاريخية عن مقام الخضر في رأس أسطا
روي أنّ الخضر عليه السّلام خو إبن آدم من صلبه, وقيل هو بلياء بن ملكان بن فالغ بن عامر بن شالخ بن قينان بن أرفخشد بن سام بن نوح (ع), فمولده قبل مولد نبي الله ابراهيم الخليل (ع), لأنّ الخضر (ع) ابن عمّ جدّ النبي إبراهيم وإنّما سمّي الخضر لأنّه جلس على بقعة من الأرض بيضاء لا نبات فيها فإذا هي تهتزّ و تتقلّب تحته خضراء نضرة وكان يكنّى بأبي العبّاس.
و قصّته مع نبيّ الله موسى (ع) معروفة و قد وردت في القرآن الكريم في سورة الكهف.
و ثمّة قصص وردت في أبحاث كثيرة منشورة تتحدّث عن سبب طول عمره, و مفادها أنّ آدم عليه السّلام بعد أن أخبر عن الطوفان القادم أوصى بأن يدفن من جديد و أن من يدفنه سوف يطول عمره...
و قصّة أخرى تتحدّث عن سبب آخر يتعلّق بشرب ماء من عين الحياة, و مهما يكن السّبب فالخضر عليه السلام حيّ يرزق على ذمّة بعض الرّويات و المنقولات و المصادر و الأحاديث, له مقامات و مزارات عديدة في مختلف الرّبوع و البلدات و القرى و المدن و الدّساكراللبنانية.

و في بلدة رأس اسطا الجبيليّة في أعالي بلاد جبيل له مقام مهمّ يزوره النّاس و يعتقدون بمرور الخضر عليه السلام و اقامته في ذلك المكان و يتحدّثون عن كرامات حصلت في هذا المكان...
هذا و للخضر عليه السّلام مقامات في بلاد الشام في فلسطين و في سوريا و في الأردن و في العراق وفي قمّ المقدّسة (ايران).
كرامات
يهتمّ النّاس بزيارته و يعتقدون بحضوره و له كرامات يرويها بعض سكّان بلدة رأس أسطا و الجوار و يمارسون الصّلوات و الأدعيّة في رحاب المقام و يقدّمون للخضر عليه السّلام و النّذورات...