لقاء الخضر

بقلم: حسين أحمد سليم

مللتُ كُلَّ الأشياء من حولي,
مثلما مللتُ سِواها,
من الأحياءِ وأشباه الأحياءْ,
أضناني المكانُ و أثكلني الزّمانْ,
ليسَ التّاريخُ مُنصِفٌ و عادِلْ,
التّاريخُ يكتبه الحكّامُ بأقلامِ الآخرين,
أولئكَ الكتبة الذين يُيخّرونَ للحكّامْ,
و ليستْ الجغرافيا تحفظُ ما عليها,
أممٌ تأتي و على ذِمّة الأساطيرِ سادتْ,
و أخرى تختفي و على ذِمّةِ المروياتِ بادتْ,
و الكلُّ للفناءِ شاء أمْ أبى للتّرابِ مُرتحلْ,
و هكذا على ذِمّةِ الّتقاويمِ و الأوقاتْ,
يُطوى من عمري عامٌ تِلوَ عام بعد عامْ,
مثلما طُوِي سِواهُ, و إرتحل ما سِواهْ
من الأعوامِ و من السّنينِ العِجافْ,
لستُ نادمًا و لا باكيا على ما فاتْ,
فقد ماتَ ماتَ ماتَ ماتَ ما فاتْ,
و لستُ للخيرِ مستبشرًا بما هو آتْ,
فضبابُ الحاضرِ بغيضُ البغيضْ,
ورِثناه من الأمسِ أحلكَ ضبابْ,
و للغدِ أيضًا سيكونُ آخرَ ليسَ بضبابْ,
لمْ ينتهِ وجعي و لن ينتهي ألمي,
ماضيًا و حاضرًا و مستقبلاً,
المُعاناةُ هي معاناة المعاناةْ,
و القهرُ هوَ القهرُ جاثم على الصّدورْ,
و الفقرُ يزدادْ, و يعمُّ البلادْ,
و لا من يعلمُ من العبادْ,
و عهر السّياسةِ و السّاسةْ,
و حكّامٌ أشكالٌ و ليسوا بالحكّامْ,
نصّبوا أنفسهم على النّاسِ قادةْ,
ميزتهم أشباه الرّجالِ لكنّهم خصيانْ,
منسطحون منبطحون تراهمْ دُناةْ,
يُباعونَ و يُشترونَ بأبخس الأثمانْ,
و الهزائمُ تتوالدُ من رحمِ الهزائمْ,
و نرفضها عِنوةَ كيدٍ و دجلٍ و نِفاقْ,
و نُسمّيها غباءً على غباءٍ, إنتصاراتْ,
على ذِمّةِ من هُمْ فحولِ الإجتهاداتْ,
و جهابذةِ الفتاوى تقليدًا يُصنّفونْ,
يُسمّونَ أنفسهمْ قادةً و وُلاةْ,
في زمنِ الأوثانِ و البعلِ و اللاتْ,
و يُكثرونَ ببّغائيّا من البسملاتْ,
و يُتمتمونَ وسوسةً بالحمدلاتْ,
مللتُ قهرَ الهوى و التّشاغفْ,
و ما سِواهُ من الجوى و الحنينْ,
مللتُ الوجد و التّوجّدَ و الذّاتْ,,
و نفسي الأمّارةُ عاقرها النّسيانْ,
و غدوتُ أُقلِّب البصرَ الحسيرْ,
أرتحلُ في مدى المحاكاةْ,
وأستغيثْ ضراعةً بربِّ السماءْ,
و قدْ أضناني طولُ المسيرْ,
أشُقُّ الدّربَ بين أرتالِ الظّلامْ,
أينما أنا يُرافقني الوجعُ المقيمْ,
و يحفُّ بي من كُلِّ فجٍّ فرطُ الشّجونْ,
و يُسدِلُ ظِلالهُ الصّمتُ السّقيمْ,
يُوسوِسُ ليَ عِنوةً ذلكَ الشّيطانْ,
أتحرّرُ من الرّميمْ و أمارِسُ الجهادَ الأكبرْ,
و أنا الموجوع ألمًا من الجراحاتْ,
و دمي النّازفِ يُهرقُ و تتعاظمُ الآهاتْ,
أنا المفجوعُ بين الوقائعِ و الإفتراضاتْ,
قدْ أتعبني و أرهقني المسيرُ عبر الفلواتْ,
تحرّرتُ من كُلِّ القيودِ و الرّبقاتْ,
فقطْ بقيَ قلمي و المُدادُ و الدّواةْ,
و لمْ يبقَ لي من متاعي إلاّ القيلْ,
غيرَ قنديلٍ تراثيٍّ موروثٍ و عتيقْ,
وبقايا زيتٍ في زُجاجةٍ و ما يُشبهُ فتيلْ,
و بعضَ الشّموعِ الملوّنة و الذّائباتْ,
أضيءُ بها مزار الخضرِ والمقامْ,
أينما حللتُ فثمّةَ للخضرْ مزارْ
مُصلَّى أو معلمَ للهديِ و الرّشادْ,
و أنا في حضرةِ الخضرِ العبد الصّالحْ,
عندَ الفجرِ و الغسقِ أُقيمُ الصّلاةَ لله,
و أناجي و أستغيثُ و أتهجّدُ لله,
و أمارِسُ كُلّ الطّقوسِ و العباداتْ,
أسكنتُ الإيمانَ قلبي على ذِمّةِ الإطمئنانْ,
و أقمتُ سكني على ذِمّةِ أديانِ السّماءْ,
لا فرقَ عندي بين دينٍ و دينٍ آخرْ,
فالكُلُّ تنزّلوا عبر الأمينِ من السّماءْ,
و لا تفضيل عندي بين نبيّ و نبيّْ,
آمنتُ بآدمَ نبيّ الله من عقبه كانت النّاسْ,
و آمنتُ بنوحٍ صاحب الفلكِ و الحياةْ,
و إبراهيم و موسى و عيسى و محمّدْ,
و واجبي أن أقتدي بكُلِّ رسولٍ و نبيّ و وليّْ,
أتعبّدُ لله وعيَا و عرفانًا في القلبِ و الذّاتْ,
و أسفي على عِباداتي بعضَ روحي,
تنبثقُ سيّالاتَ شعشعانيّةً علىّ سيّالاتْ,
و تتكسّرُ فِعلَ إبمانٍ بأحداقي الدّموعْ,
و تتراقص فجرًا و غسقًا هالات الأضواءْ,
تتكةكبُ و تُنيرُ حول مقامِ الخضرِ في بلاديْ,
ترسمُ على الجدرانِ كُلَّ فنونِ الأشكالْ,
و يصطبغُ أديمُ الأرضِ بسندسِ الإخضرارْ,
و أنا غارقٌ في هجتي بين الخشوعِ و الخشوعْ,
يُدثّرُني من الصّقيعِ و الثّلوجِ و البردِ دِفءُ المزارْ,
أتحدّ الرّياحْ و أوقِدُ للخضرِ في بيت الخضر شمعةْ,
في إمتدادتِ البعدِ اللامحدودِ يحدوني الأملُ المأمولْ,
يتهاللُ بدرُ الدّجى و كوكبُ الصّبحِ لبصيرتي في البعدْ,
أصرخُ منتفضًا من ضجعتي لبّيكَ يا خضرُ موسى,
قد أقمتُ سكني عند الصّخرةِ بمجمعِ البحريْ,
كم عنكَ بحثتُ في كلّ مكانٍ و زمانٍ و أبحثْ,
و سأبقى أبحثُ قناعةً كيّ أتعلّمَ و عنكّ أبحثْ,
أسافرُ في رِحابِ الله حيثما الله لي قدّر و شاءْ,
وأعبرُ السّهولَ و الجبالَ و الأوديةّ و كُلَّ الدّروبْ,
وعدًا و عهدًا و قسمًا لمْ و لنْ و لا أبرحَ المكانْ,
و سأبقى على العهدِ أوقِد لكَ كُلَّ ليلةٍ شمعةْ,
و سأبقى على الوعدِ أزورُ قبرَ أبي و أمّي و التّرابْ,
و أبكي نفسي الأمّارةُ بكلِّ السّيئاتِ و المستذنبةْ,
حتّى تتجلّى الحقيقة المرجوّة و يرحمني العزيز الجبّارْ
و ألقاكَ و ألقاكَ و ألقاكَ و ألقاكَ و ألقاكَ و ألقاكْ...
فيا قنديلَ الخضرِ إتّقِدْ و يا شمعة الخضرِ لا تذوبيْ,
إنّي أختلي بنفسي أتصومعُ و أتخاطرُ بالخضْ,
كُلّ فجرٍ و شروقٍ و غسقٍ و غروبٍ و سحرْ,
أجهرُ في صلاتي و أخفتً أنتظرُ لِقاءَ الخضر الكريمْ,
فمتى, يا ربُّ تباركني بالقداسة و الطّهارةِ و خضر الحياةْ,
متى إلهي الوحيُ كالرّذاذ يتهادى يكونُ بكَ اللقاءْ؟!...