الخضر في الديانات

بقلم: حسين أحمد سليم

الخضر (ع) هو العبد الصّالح الذي أتى ذكره في القرآن الكريم, و يُعتبر ولي من أولياء المسلمين المبجّلين... و هو على رأي البعض, القدّيس مارجريس و هو قديس مسيحي له قدسيّته و مكانته الدّينيّة و الكنسيّة...
الخضر (ع) أو مار جرجس, سواء كان شخصيّة واحدة أو شخصيّتان... فهو محترم من قبل الدّيانات الثّلاث: اليهوديّة و المسيحيّة و الإسلاميّة, بالرّغم من إختلاف التّفاسير و الإجتهادات و المنقولات و المراجع, بسرد المعلومات عنه, لا بل إنّ بعضها يربط فكرة الفارس المتعلّقة بمار جريس بالدّيانات القديمة...

الخضر (ع) في الدّيانة المحمّديّة
الخضر (ع) هو ذلك العبد الصّالح الذي تروي الأحاديث الشّريفة قصّته في زمن ذي القرنين... يعبر الجبال و التّلال و الوديان...
رُوي أنّه إبن آدم (ع) من صلبه, وقيل هو بلياء بن ملكان بن فالغ بن عامر بن شالخ بن قينان بن أرخفنند بن سام بن نوح (ع), فمولده قبل مولد نبيّ الله ابراهيم الخليل (ع), لأنّ الخضر (ع) إبن عمّ جدّ النّبي إبراهيم (ع) و إنّما سُمّي الخضر (ع) لأنّه جلس على بقعة من الأرض بيضاء لا نبات فيها, فإذا هي تهتزّ وتتقلّب تحته خضراء نضرة...
إنّ الخضر (ع) كان عنده علم الظّاهر و علم الباطن و إطّلع النّبي موسى (ع) على الكثير من القضايا الذي ما إستطاع النّبي موسى (ع) أن يصبر عليها، و الخضر (ع) تاريخيَا من حيث النّظرة الإسلاميّة يُعتبر أنّه (ع) كانت معجزته أنّه ما جلس على شيئ يابس إلاّ و إخضرّ، لذلك سُمي الخضر (ع)، و هناك إختلاف بين جمهرة المفسّرين, هل هو نبي أم عبد صالح...
و كان يكنّى الخضر (ع) بأبي العبّاس...
و قصّته مع نبيّ الله موسى (ع) معروفة, و قد وردت في القرآن الكريم في بعض آيات من سورة الكهف المباركة, من الآية رقم (60) إلى الآية رقم (82)...
و ثمّة قصص وردت في أبحاث كثيرة نقلاً عن مصادر و مراجع متعدّدة, تتحدّث عن سبب طول عمره, و مفادها أنّ النّبي آدم (ع) بعد أن أخبر عن الطّوفان القادم أوصى بأن يُدفن من جديد وأنّ من يدفنه سوف يطول عمره...
و هناك قصّة تتحدّث عن سبب آخر حول طول عمر الخضر (ع), يتعلّق بشرب ماء من عين الحياة...

الخضر (ع) في الدّيانة العيسويّة
تحتفل شعوب شتّى في 23 نيسان من كلّ عام، ولا سيّما في المشرق العربي، بعيد سان جورج كما في أوروبا، أو عيد مار جاورجيوس في روسيا، أو مار جريس في بلاد الشّام. و23 نيسان هو تقويم فلكي زراعي يطابق عيد الرّبيع في التّقويمات القديمة، لكنه تحوَّل إلى عيد الفصح لدى بعض الطّوائف المسيحيّة...
أمّا مار جريس فهو القدّيس الأكثر شعبيّة في العالم المسيحي، خصوصاً في سوريا القديمة... و تُصورّه الأيقونات شاباً بهيّ الطّلعة يغرز رمحه في جسد التّنين ذي الرّؤوس السّبعة، بينما تقف إلى جانب حصانه الجامح فتاة خائفة و رائعة الجمال...
و بحسب الرّواية المسيحيّة فإنّ القدّيس جريس ولد في مدينة اللدّ في فلسطين سنة 275 ميلادية. و إلتحق بجيش القيصر الرّوماني دوقليانوس و صار إسمه جاورجيوس القبادوقي نسبة إلى قبادوقيا في شمال سوريا... و لمّا بدأ هذا القيصر يضطّهد المسيحيّين رفض جاورجيوس ممارسة التّعذيب بحقهم، و إعتنق المسيحيّة، و إستبسل في الّدفاع عنها، فإعتُقل وعُذّب حتّى الموت و قطع رأسه في 23 نيسان من سنة303 للميلاد, و دفن في اللدّ، و صار، في ما بعد، شفيعاً لجيش قسطنطين... أمّا الفتاة فتحوّلت إلى رمز للكنيسة التي إستشهد مار جريس في سبيلها...
ترمز قصّة القدّيس مار جريس إلى إنتصار الخير على الشّرّ، و إلى إنتصار القيامة على الموت... وبهذا المعنى فهي محصّلة دمج حكايتين: حكاية مصرع التّنّين رمز الشّرّ، وحكاية القيامة بعد إنتصار الحياة على الموت، أيّ مجيء الرّبيع بعد موت الطّبيعة في الشّتاء...
و الرّواية المسيحيّة هي: أنّ تنّينًا كان يخرج على سكّان بيروت ويرعبهم، ويقتل ويأكل سكّان المدينة، بعد أن طالت القصة إتّفق أهل المدينة على تقديم فتاة جميلة للتّنّين كلّ عام عن طريق القرعة، فداءً عن أهل المدينة، وفي سنة من السّنين وقعت القرعة على إبنة حاكم المدينة فأخذ الفتاة إلى مكان الموعد، وكانت الفتاة مؤمنة فتوسّلت بالدّعاء إلى الله، فتصوّر لها القدّيس مار جرجس وهو يركب حصاناً وفي يده حربة، وعندما خرج التّنّين برأسه من البحر، وذهب ليبتلع الفتاة، باغته القدّيس مار جرجس فطعنه بحربته المسنّنة، فمات في الحال، فشيّد والد الصبيّة كنيسة في الموضع الذي قتل فيه التّنّين...
و المسيحيّيون يعتقدون بأنّالقدّيس مار جرجس قتل في23 نيسان من العام الميلادي 303 بعد أن إعتنق الدّين المسيحي، في عهد الملك الرّوماني دقلديانوس...
و المسيحييّون يحتفلون كلّ عام في الثّالث و العشرين إحياءً لذكرى إستشهاد القدّيس مار جرجس... فيما البعض يحتفلون بذكرى ولادته في السّادس من أيّار في كلّ عام...

الخضر (ع) في الدّيانة الموسويّة
قصّة الخضر (ع) في الدّيانة الموسويّة, تُشابه قصّة الخضر (ع) في الدّيانة المحمّديّة, ولكن بإختلاف أسماء الشّخصيّات, وهما النّبي يوشع بن لاوي (ع)و النّبي إلياس(ع) وتختلف عدّة أمور عن قصّة النّبي موسى (ع) والخضر (ع)...
و تبدأ القصّة وفق الرّوايات الموسويّة, بطلب النّبي يوشع (ع) من الله أن يلتقي بالنّبي إلياس (ع), فيستجيب الله لدعائه، وعندما إلتقى النّبي يوشع (ع)بالنّبي إلياس (ع) يطلب منه أن يطلعه على بعض الأسرار, فيرد عليه قائلاً: «إنّك لا طاقة لك على تحمّل ذلك»،فيلحّ أن يرافقه في سفره إلى أن وافق النّبي إلياس (ع) بشرط وهو: أن لا يسأله عن أي شيء يراه، وإذا سأله فإنّ النّبيإلياس حرٌ في تركه...

الخضر (ع) عند طائفة الموحّدين الدّروز
يُعتبر الخضر (ع) نبيّا مبجّلاً لدى طائفة الموحدّين الدّروز, و قصّته عندهم مشابهة كثيرًا للرّواية المحمّديّة, و يُكنّى بأبي إبراهيم رمز القوّة و الشّجاعة, و له العديد من المقامات و المزارات التي يهتمّون بها في لبنان و العالم العربي و خاصّة في فلسطين, حيث يحتفلون به في الخامس و العشرين من كلّ عام ميلادي...

الخضر (ع) عند طائفة العلويّين
يُعتبر الخضر (ع) نبيّا مبجّلاً و وليّا صالحًا لدى الطّائفة العلويّة, و قصّته عندهم مشابهة كثيرًا للرّواية المحمّديّة, و له العديد من المقامات و المزارات و التّشريفات في قرى و بلدات و مدن سوريا التي يسكنها العلويّون...