من أخلاق الرسول صلى الله عليه وسلم الامانة :

عرف الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم منذ صغره بأمانته وصدقه ووفائه فلقبه قومه بالأمين .
فلما أجمعت قبائل قريش أمرها لهدم الكعبة وإعادة بنائها بعد أن تصدعت جدرانها بالسيول ، قام عابد بن عمران بن مخزوم فتناول من الكعبة حجراً، وقال: يا معشر قريش لا تدخلوا في بنيانها من كسبكم إلا طيباً، لا يدخل فيها مهر بغي، ولا بيع ربا، ولا مظلمة أحد من الناس.
وقال ابن إسحاق: " ثم أن قريشاً تجزأت الكعبة، فكان شق الباب لبني عبد مناف وزهرة، وما بين الركن الأسود والركن اليماني لبني مخزوم، وقبائل من قريش انضموا إليهم، وكان ظهر الكعبة لبني جمح وسهم، وكان شق الحجر لبني عبد الدار بن قصي ولبني أسد بن عبد العزى، ولبني عدي بن كعب – وهوجهة حجر إسماعيل " .
ثم إن الناس هابوا هدمها وخافوا منه، فقال الوليد بن المغيرة: أنا أبدؤكم في هدمها، فأخذ المعول ثم قام عليها وهو يقول: اللهم إنا لا نريد إلا الخير، ثم هدم من ناحية الركنين فانتظر الناس تلك الليلة، وقالوا: ننظر فإن أصيب الوليد لم نهدم منها شيئاً ورددناها كما كانت، وإن لم يصبه شيء فقد رضي الله ما صنعنا من هدمها.
فأصبح الوليد غادياً على عمله، فهدم وهدم الناس معه، حتى إذا انتهى الهدم بهم إلى الأساس - أساس إبراهيم عليه السلام - أفضوا إلى حجارة خضر الواحد منها كسنام الابل أخذ بعضها بعضاً .
قال ابن إسحاق: " ثم إن القبائل من قريش جمعت الحجارة لبنائها، كل قبيلة تجمع على حدة، ثم بنوها حتى بلغ البناء موضع الركن فاختصموا فيه ، كل قبيلة تريد أن ترفعه إلى موضعه دون الأخرى، حتى تحالفوا وأعدوا للقتال، فقربت بنو عبد الدار جفنة مملوءة دماً. ثم تعاقدوا هم وبنو عدي بن كعب بن لؤي على الموت، وأدخلوا أيديهم في ذلك الدم في تلك الجفنة، فسموا لعقة الدم. "
مكثت قريش على ذلك أربع ليال أو خمساً، ثم إنهم اجتمعوا في المسجد فتشاوروا وتناصفوا، فذكر بعض أهل الرواية أن أبا أمية بن المغيرة - وكان عندئذ أسن قريش كلها - قال: يا معشر قريش اجعلوا بينكم فيما تختلفون فيه أول من يدخل من باب هذا المسجد يقضي بينكم فيه، ففعلوا .
فكان أول داخل دخل ، رسول الله صلى الله عليه وسلم. فلما رأوه قالوا بصوت واحد :
هذا الأمين ، رضينا ، هذا محمد، فلما انتهى إليهم وأخبروه الخبر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أحضروا لي ثوبا , فأُتي به، وأخذ الركن فوضعه فيه بيده، ثم قال: لتأخذ كل قبيلة بناحية من الثوب، ثم ارفعوه جميعاً , ففعلوا حتى إذا بلغوا به موضعه، وضعه هو بيده صلى الله عليه وسلم، ثم بنى عليه، وكانت قريش تسمي رسول الله صلى الله عليه وسلم: الأمين.
وقال النضر بن الحارث لقريش: قد كان محمد فيكم غلاماً حدثاً، أصدقكم حديثاً، وأعظمكم أمانة، حتى إذا رأيتم في صدغيه الشيب وجاءكم بما جاءكم به قلتم ساحر؟ لا والله ما هو بساحر!.
لما بلغ رسول الله صلى الله علي وسلم 25 سنة سافر بتجارة للسيدة خديجة الى الشام مع غلامها ميسرة وفي الشام باع صلى الله عليه وسلم سلعته واشترى ما أراد وربح ضعف ماكانت تربح خديجة رضي الله عنها ، فقفل راجعا نحو البلد الامين مكة فأدى لها ماعليه بأمانة تامة ونبل عظيم وقد حفظ الله سبحانه رسوله صلى الله عليه وسلم واحاطه برعايته حتى كانت هذه السفرة بما فيها من الخير والبركة ذات اثر مبارك على حياة الرسول .
وفي مكة انطلق ميسرة يحدث بما رأى من محمد صلى الله عليه وسلم من كرم الخلق وحسن الصحبة وعظم الامانة ..بل حدث بما رآه من ارهاصات النبوة التي لمسها وعاينها.. ومااكثر مارأى في تلك الرحلة الجميلة .
ادلى ميسرة ايضا بشهادته الصادقة الى خديجة فسرت بأ مانته وصدقه وما نالها من ربح بسببه صلى الله عليه وسلم وقد كان الله سبحانه وتعالى قد كتب الله الكرامة واراد بها الخير حيث القى في نفسها امنية كريمة جعلتها سعيدة في الدارين
وكان السادة والرؤساء في مكة يحرصون على الزواج من خديجة فتأبى ذلك عليهم وتردهم جميعا , ولكنها وجدت ما تنشده في محمد صلى الله عليه وسلم ، فافضت بما يدور في نفسها الى صديقتها نفيسة بنت منية فذهبت نفيسة الى النبي صلى الله عليه وسلم وكلمته ان يتزوج خديجة
وقالت : يا محمد مايمنعك ان تتزوج ؟
فقال : مابيدي ما اتزوج به.
قالت : فان كفيت ودعيت الى الجمال والمال والشرف والكفاءة الا تجيب؟
قال : فمن هي .
قالت : خديجة
قال :
وكيف لي بذلك ؟
قالت : علي .
قال : فانا افعل

فرجعت نفيسة الى خديجة تحمل خبر نجاحها في مهمتها وزفت اليها نبأ موافقة محمد صلى الله عليه وسلم ، فارسلت خديجة الى عمها عمرو بن اسد ليزوجها، فحضر وجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم الى بيت خديجة في آل عبد المطلب وفي مقدمتهم عمه حمزة - رضي الله عنه - وعمه ابو طالب، وكان في استقبالهم عم خديجة وابن عمها ورقة بن نوفل .
ووافق عمها عمرو بن اسد وتزوج النبي صلى الله عليه وسلم واصدقها عشرين بكرة، ونحر واطعم الناس ولم يتزوج عليها حتى ماتت.
وكان لها دور مشهود في مؤازرة زوجها العظيم وتخفيف ما تكبده من اعباء مهولة في سبيل دعوة الحق
وفي هذا قال ابن عباس: (كانت خديجة بنت خويلد اول من آمن بالله ورسوله وصدق محمدا في ما جاء به عن ربه وآزره على امره فكان لا يسمع من المشركين شيئا يكرهه من رد أوتكذيب ، الا فرج الله عنه بها تثبته وتصدقه وتخفف عنه وتهون عليه ما يلقى من قومه)
وهنا يبرز ما يمكن ان يكون للمراة المؤمنة في كل زمان ومكان من دور اجتماعي ورسالي هادف تخدم به ابناء مجتمعها لا سيما زوجها الذي لا غنى له عن مساندتها ومؤازرتها .
وكان رسوا الله صلى الله عليه وسلم يكثر من الثناء على زوجته الاولى خديجة رضي الله عنها بعد وفاتها فسألته يوما ام المؤمنين عائشة رضي الله عنها عن سر وفائه لها فقال :
(آمنت بي اذ كفر الناس وصدقتني اذ كذبني الناس وواستني بما لها اذ حرمني الناس ورزقني الله ولدها اذ حرمني اولاد النساء)
بهذه الكلمات الوجدانية التي تفيض اخلاصا واعترافا بالفضل والمنزلة الرفيعة تحدث رسول الله ــ صلى الله عليه وآله وسلم ــ عن السيدة خديجة بنت خويلد رضي الله عنها .
وسنة وفاتها ووفاة عمه أبي طالب أطلق عليها عام الحزن .
ومن امانته صلى الله عليه وسلم حرصه على رد الأمانات إلى أهلها عند الهجرة:
عن عائشة -رضي الله عنها- في هجرة النبي قالت: وأمر رسول الله عليًّا أن يتخلف عنه بمكة؛ حتى يؤدِّيَ عن رسول الله الودائع التي كانت عنده للناس. وكان رسول الله وليس بمكة أحدٌ عنده شيء يُخشى عليه إلا وضعه عنده؛ لما يُعلم من صدقه وأمانته... فخرج رسول الله ، وأقام علي بن أبي طالب ثلاث ليالٍ وأيامها؛ حتى أدَّى عن رسول الله الودائع التي كانت عنده للناس، حتى إذا فرغ منها لَحِق رسولَ الله .
ولما فتح النبي مكة، ودخل المسجد الحرام ، طاف حول الكعبة، ودعا عثمان بن طلحة -حامل مفتاح الكعبة- فأخذ منه المفتاح، وفتحت الكعبة، فدخلها النبي ، ثم قام على باب الكعبة فقال: (لا إله إلا الله وحده، صدق وعده، ونصر عبده وهزم الأحزاب وحده...).
ثم جلس في المسجد فقام على بن أبي طالب وقال: يا رسول الله، اجعل لنا الحجابة مع السقاية. فقال النبي : (أين عثمان بن طلحة؟) فجاءوا به، فقال له النبي هاك مفتاحك يا عثمان اليوم يوم برٍّ ووفاء). ونزل في هذا قول الله تعالى في:
" إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ إِنَّ اللّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِ إِنَّ اللّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا.
والأمانة أنواع كثيرة، فهي أمانة في العبادة ، وأمانة في حفظ الجوارح ، وأمانة في حفظ الودائع ، وأمانة في العمل ، وأمانة في صدق الإيمان ، وأمانة في تقوى الله حق تقاته ، وكلها اجتمعت في خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم . الذي وصفه ربه بقوله :
" وإنك لعلى خلق عظيم "