نِذرُ للخضرْ

بقلم: حسين أحمد سليم

ذات يومٍ مجهولِ التّاريخ مضى آفلا مِن مددٍ في زمنِ العُمرْ,
حملتني أمّي طوعًا و كُرهًا في رحمِها تتجلّدُ صبرًا على الصّبرْ,
إيمانًا و إطمئنانًا و عِشقًا تسبحُ في رؤى الآمالِ على ذِمّةِ القدرْ,
تمضي الليل ساهرةً تناجي قناديلَ النّجومَ في الفضاءِ و لا تتذمّرْ,
تعُدُّ الكوكباتَ و بروج الشّمسِ و مساراتها و ترنو هانئةً لنورِ البدرْ,
تتمنّى فيما يُراوِدها أن تكونَ نجمةَ الصُبحِ في هِلالِ القمرْ,
تحسبُ الأيّامَ و الليالي بالثّواني, تستقبلُ شهرًا و تُودّعُ شهرْ,
تُخفي في مكنون كينونتها سِرَّ الكتمان كيّ لا يُشاعُ السّرّْ,
قد نذرت ما في رحمها لله تبريكًا على إسمِ العبدِ الصّالحِ الخضرْ,
و ذات يومٍ آخرَ في الحِسابِ ولدتني أمّي فقيرًا على دربِ الفقرْ,
و نذرني جدّيَ حُبّا و عِشقًا كما أمّي لِلخضرِ و قد أضناه الدّهرْ,
و هكذا جدّتي أخذت على عاتقها حملي على أكتافها لإيفاءِ النّذرْ,
و أبي راودته الأحلام يتهجّد في الليالي يتضرّعُ مُحمدلاً بالشّكرْ,
ماتَ جدّي و جدّتي و أبي و أمّي لهم الرّحمةُ و ما زال النّذرُ للخضرْ,
كنتُ طِفلاً صغيرًا و كبرتُ و لمْ أكُنْ أعرِف من يا تُرى هوَ الخضرْ؟!...
و لم أكُن لأفهمَ في ريعانِ طفولتي أسطورةَ ما معنى النّذرْ؟!
و كمْ أمضيتُ الليالي أتفكّرُ عقلنةً في النّذرِ حتّى أسكرني الفِكِرْ,
كأنّني من حيث لمْ و لنْ و لا أدري قلبنتُ ذاتي و سُجنتُ في الأسرْ,
يحملني التّخاطرُ كُلَّ ليلةٍ على صهواتِ أثيره أتحلّى بنعمة الصّبرْ,
و كُلّ ليلةٍ و من حيثُ لا أدري أُوقِدُ من شموعي في مقامِ الخضرْ,
أتحدّى وساوسَ كُلَّ الشّياطينَ بنفسٍ مُطمئنّةٍ لله في الذّكرْ,
و يزدادُ التّحدّي و يتعاظمُ إيمانًا و إطمئنانًا لله في زمنِ الكفرْ,
هي الدّنيا يا خضرُ كأنّها شمطاءُ عشّشت فيها سياسة العهرْ,
و ساسةٌ حُثالاتُ هذا الزّمنِ دُهاةٌ زناةٌ لا أمانَ لهم من الغدرْ,
و حُكّامٌ أفضلهم أولئكَ الذين كُشِفتْ عوراتهمْ كُلّما رُفِعَ السِّترْ,
كاذِبونَ إن وعدوا غادرون إن صوحبوا غيلانٌ بألبسةِ البشرْ,
طفح الكيلُ عربدةً و نجاسةً و فسادًا و إجرامًا و ساء الخبرْ,
أرسل عليهمْ شواظا من أتونٍ فليس لهم مكانا إلاّ في سقرْ,
لا تُبقي منهم نسلاً أبناء العهر و الكفرِ و القهر و لا تذرْ,
فما أغبى الذي يحملُ الأمانةَ بلا وعيٍ و كمْ يُثقله الوِزرْ؟!
تعالي حبيبتي نتطهّرُ نفسًا و فِكرًا و نغتسلُ بماء النّهرْ,
نرفعُ أكفّنا للسّماءِ بالدّعاءِ و نتضرّعُ و نتهجّدُ لله بالشّكرْ,
نحملُ كُلّ غسقٍ شموعنا نُضيءُ مزارات و مقامات الخضرْ,
لا همّ لنا سواء آمنَ النّاس أم غرقوا في دركاتِ الكُفرْ,
دركاتُ الجحيمِ أجارنا الله من نيرانها و لظاها و الجمرْ,
فدرجاتُ النّعيمِ لا يرودها إلاّ من آمن بالله و أحبّ الخضرْ,
و على السّواءِ إن كانَ الخضرُ و ليّا أو نبيّا فليس من وزرْ,
أو كان قِدّيسًا أو ملاكًا أو أيلا النّبي أو إلياس و ما جاء في الذّكرْ,
أو كان عليًا في النّورانيّةِ أو محمّدًا أو جرجس النّصارى و النّصرْ,
و إن كانَ حيّا على وجه الماءِ أو ميّتًا فليس الإيمانُ يتغيّرْ,
فتعالي حبيبتي كُلّ فجرٍ نُرتّلُ سورة الكهفِ نرود بآياتها قصّة الخضرْ...