النّقطة قِوام الوجود

بقلم: حسين أحمد سليم

أعقلن قلبي بالحبّ الأقدس, و أقلبن عقلي بالعشق الأطهر, و أحرّض الوعي الباطنيّ في طواي كهوفي, و أستثير العرفان الذّاتيّ في كوامن أسراري, فيستيقظ الوجدان في حكمته من غفوته القدريّة, و يحملني التّفكّر المُعمّق على حركة فعل الإرتحال على صهوات الخيال, أرود عوالم أخرى في البعد الممتدّ, أمارس حركة فعل الولوج الإنسيابيّ اللطيف في متاهات و أسرار الأشياء, أُقلّب العناصر على العناصر, أجتزيء العناصر للعنيصرات, يُخالجني ومض فعل الأبداع و الإبتكار من أصغر العناصر الإفتراضيّة, فتتجلّى لبصيرتي قبل بصري النّقطة الرّمزيّة, لكينونة كلّ الأشياء الظّاهرة و الخفيّة, الملموسة و المجرّدة, المنتشرة على إمتداد الأكوان و المجرّات و المنظومات الفلكيّة, و الكوكبات و النّجوم السّاطعة و الخافتة, و نسب أطيافها و قوّة سطوع هالاتها, سيّما المنظومة الشّمسيّة و مدار الشّمس النّسبيّ وصولا لأرضنا التي تدور حول الشّمس بقمرها الأحاديّ...

بعد سبر خفايا التّشكيلات للكثير من الأشياء من حولنا, يتجلّى لي مكنون السّرّ الهندسيّ, المودع في كينونة النّقطة الإفتراضيّة... بحيث يتراءى لي النّقطة تتحرّك حول ذاتها و تتحرك بإتّجاه ما إفتراضيّ, بحكم الطّاقة الذّاتيّة العظمى, فيتكوّن في الإمتداد الإفتراضيّ, شكل الخطّ الشّفيف, قصُر أو طال, تعامد أو تآفق, مال يمينا أو يسارا, تلولب أو تكسّر, تمحور أو تشاعع... و تتولّد من رحم عناصر الخطّ المتواصلة أو المتقطّعة, كلّ الأشكال في تكوين و تشكيل كلّ الموجودات, تتجسّد في معالمها الهندسيّة المُسطّحة و المُجسّمة, سواء في الحرجة الظّاهرة أو الخفيّة. فتغدو النّقطة بقدرة قادر, و منذ إكتشافها, نواة الإبتكار الفنّي و التّشكيلي لكلّ الإبداعات التي تتجلّى في أسرارها عظمة بدائع خلق الله تعالى و وحدانيّته, و تغدو النّقطة الشّفيفة رمز الخلق و الإبداع و الإبتكار, و سّرّ التّكوين الإبداعيّ الشّامل, و تحتلّ هذه النّقطة المتناهية في صغرا في الحجم التّكوينيّ الخياليّ, لتُنصّب ذاتها الكنه الهندسيّ المغمور, في البداية قبل بدايات الأشياء, و في النّهاية حيث تذوب في كينونتها كلّ الأشياء ...

تتمحور فلسفة في النّقطة, معالم الحركة الدّوريّة و الذّاتيّة و المحوريّة, و تتجسّد بها كلّ الطّاقات الذّاتيّة التّوالد, و هو ما يمكن فلسفته بعودة الأصل الهندسيّ إلى سمت النّقطة الإشراقيّة, تتكوكب أطيافا و هالات و شكيرات إلى الذّات الأحاديّة... فإذا هي نواة الكون و ما في الكون, لأشتقّ لها سمة النّقطة النّورانيّة العظمى, التي تشكّل المحور الأساسي الفريد, للحركة الرّحويّة و المحوريّة, لوتر الهندسة الإبداعيّة و صفيّا و تطبيقيّا, تتراءى للعاقل المُتفكّر في البعد الكونيّ الممتد و اللامتناهي الإمتدادات, و إذا هي أيّ النّقطة الإشراقيّة, تُؤلّف في فعالية تماسكها المتتالي عناصر الوتر الفلكيّ, في قطر التّكوين اللانهائيّ الممتدّ ...

تستتر في قلب النّقطة النّورانيّة, نقطة السّرّ في كلّ الأشياء, حيث تشرق الأنوار القدسيّة الصّفاء و النّقاء و الشّفافيّة, من رحم الفلك العقليّ المُتفكّر, لتدثّر بهالتها الوامضة بالأطياف و السّيّالات و الشّكيرات, فلك النّفس الكلّيّة المطمئنّة بذكر الله تعالى جهرا و إخفاتا, تتفاعل طاقة متوالدة في كنه النّظام الكونيّ, و الذي قوام كينونته و نسيج صيرورته, أوّلا و آخر, ماضيا, حاضرا و مستقبلا, ظاهرا و باطنا, أمدا, أبدا, أزلاً... الله نور السّماوات و الأرض...

النّقطة النّورانيّة, هي البدء في كلّ الأشياء, و هي القوام في كينونة جميع الأشياء, و هي البدء في صيرورة جميع الموجودات... النّقطة هذه هي, في كنه الإشراقة الأولى لسيّالات النّور, منها تشعّ و تنبثق السّيّالات في كلّ الإتّجاهات, و كلّ المعالم المنظورة و غير المرئيّة, قبسا على قبس من إشراقة ضوئيّة نورانيّة في رحلتها الوجوديّة ...

فلسفة أخرى من منظور تشكيليّ, مراقبة إحتسابات تعدّديّة النّقطة, و هي تكوّن تكرارها في تتابع منتظم و متتالي, حيث يرتسم شكل الخطّ مستقيما أفقيّا, أو عموديّا, أو مائلا, ذات اليمين, أو ذات اليسار, أو متعدّدا في إنكساراته و إتّجاهاته, أو منعطفا بإنتظام على محور ما, بنسبة ميل دائريّ ما أو خلافه... لتتكوّن من حركته المحوريّة أو الكرويّة أو الأفقيّة أو الرّأسيّة, ما يرمز إلى الذّرّة المتناهية الصّغر و إلى الشّكل الكونيّ الكبير, الممتد, المتّسع, اللامتناهي... و من مركز النّقطة النّورانيّة.. .

النّقطة الإشراقيّة الشّفيفة, رمز السّرّ الأعظم في كنه الوجود, و هي في بواطن أسرارها أصل الحياة, هي السّرّ في نقيطة النّطفة و هي السّرّ الأكبر في نقيطة الخليّة الواحدة و هي كذلك السّرّ الأعظم في حركة الحيوان المنويّ, و هي في محور ذات قطبين, فيها الذّكر و فيها الأنثى, دلالة على الإستمرار و البقاء و الحياة ليُعرف الله و يُوحّد... هكذا شاء الله تعالى أن يعمر الدّنيا, فكان أمره للشّيء, كن, فكان... فإذا مشيئته كما شاء في البداية, فكان آدم و كانت حوّاء و كان اللقاء القدريّ بتلاقح النّقطتين, و تنبض الأشياء بالحياة, كلّ الأشياء, و تنتعش بالسّرّ الأعظم المقدّس, من إشراقة الأصل... النّقطة الإشراقيّة و النّورانيّة.. .

و تعود حركة فعل النّقطة الكوكبيّة, تتجلّى في الإشراقة النّورانيّة مجدّدا, فيهيم العقل البشريّ في تجليّاتها, و تصفو النّفس الإنسانيّة في أنوارها القدسيّة... فإذا الإنسان, يمارس شفافيّة السّموّ, في حركة الفعل الحياتيّ المُرضي لله تعالى, و يعمر قلبه الصّغير بالإيمان, بكنه إيمان الإيمان الكبير, إطمئنانا بذكر الله تعالى في النّفس الرّاجعة لله, و يضيء من يطمئن بالله صدره بالنّور الحقّ... فيتمكّن من مشاهدة مرآة ذاته, إنطلاقا من نقطة الإشراق النّورانيّة المقدّسة, التي تتولّد منها حزم الضّوء الفضّيّ الشّفيف, المكوكب بين الأرض و السّماء...

تنتشر هالات النّقطة الإشراقيّة في كلّ إتّجاه, فيقرأ الإنسان تحسّسا, ما ترتعش له الحواسّ و الجوارح بالأحاسيس و المشاعر, و تخفق له القلوب و ترتعش له النّفوس و تنتعش له الأرواح و تخرّ له الأجسام, كلّ الأجسام المخلوقة, جمادا و حركة و أثيرا... ساجدة, خاشعة, مغشيّا عليها, من خشية الله تعالى.. .
تُولد من رحم النّواة النّقطة, أصل كلّ الأشياء, و تنفلق معالم الحركة, لتتولّد الحياة, و تستمرّ كلّ المظاهر... تندرج من الأسفل إلى الأعلى, حتّى بلوغ سدرة المعرفة... و آخرون يتدرّجون, بحكم سرّ النّقطة النّورانيّة, من الأعلى إلى الأسفل فالأدنى, حتّى بلوغ أبسط المستويات العقليّة... ليخاطبوا النّاس على قدر عقولهم, و مساعدة العالم التّرابيّ على فعل الإرتقاء و السّموّ... و ممارسة حركة الصّفاء المطلق, فيقرؤون معالم الصّفاء الذّاتيّ, سرّ الأصل في الذّات, و يتلمّسون كنه النّواة الإلهيّة, و يستجلون أسرار النّقطة الإشراقيّة في كينونة الوجود الكونيّ... تتجلّى من خلال تحسّسهم, علوم ما فوق الحواسّ, و إدراك تسلسل الخلق و الإبداع الرّوحيّ, و التّكوين الماديّ... الذي أراده القادر, من اللاشيء, فكانت النّقطة الإلهيّة, من نواة خلق الكون, حتّى نهايات حدوده في النّواة...

تتجلّى عظمة الله في عظمة الخلق, و تتراءى وحدة الله في وحدة نواة الخلق... النّواة الإلهيّة ... نقطة الإشراق السّرمديّة... "الله نور السّماوات و الأرض"... و قدرا تقترن النّقطة بالنّقطة لتولد النّقطة... و قدرا روحيّا أسجن جنينا في قلب النّقطة الرّحم, و قدرا آخر أحيا في قلب النّقطة الكرة الأرضيّة, و قدرا فلسفياّ أفكّر بالسّرّ المودع في النّقطة...

أرسم النّقطة لوحة فنّيّة تشكيليّة, تجريديّة, سورياليّة, رمزيّة... تكرز فيها الألوان الشّفيفة بالسّحر و الجمال, و تتحابب النّقاط و تتعاشق مودّة و رحمة بحكم الإمتداد الفنّيّ, لتتوالد الخطوط و الأشكال و الرّموز, فإذا العناصر المختلفة تتفاعل مع بعضها لتنطق بالحبّ و العشق ...

النّقطة سرّ العولمة ما قبل العولمة المفتعلة, سرّ العولمة الفنّيّة و الهندسيّة و التّكوينيّة... سرّ الوجود و الخلق... و أنا بفعل الأنا العنفوانيّة الخاضعة إيمانا لله تعالى, فنّا و فكرا و عطاء, أتوّج النّقطة ملكة في مملكة الفنون التّشكيليّة و التّكوينيّة و التّطبيقيّة, و الفنون الأدبيّة, و أنا ككاتب أمسك بالقلم, و رسّام أمسّد الرّيشة و نحّات أحفر بالإزميل... خادم الملكة حبيبتي القدريّة الكارزة بالحبّ الأقدس, و أنا حامي المملكة المتفاعلة بالعشق القدريّ المُطهّر...